التوقيع على قانون ادارة العراق للمرحلة المؤقتة خطوة أو نصف خطوة على طريق بناء حر مستقل, ذلك الطريق الطويل الشائك الذي يشترط في رجاله التحلي بالصبر والحلم وأن تكون مصلحة الشعب العراقي كله نصب أعينهم.. وُلد هذا القانون بعد عدة عمليات قيصرية لتُبشر بمولود كسيح أصر البعض أن يؤسس لبتر بعض أعضائه من منطلق الأنا أو منطلق الخوف على المستقبل بسبب إجحاف الماضي أو من منطلق عرقلة استرداد السيادة العراقية عن قصد أو دون قصد لكنما الأعمال بنتائجها فيما نحن فيه لا بالنيات وفقاً لقاعدة اللامبالاة!. في عراق ما بعد صدام, عراق سقط فيه النظام البعثي المقيت بإحتلال عسكري امتد الى كل مفاصل الدولة يتوجب على العراقيين الذين وضَعوا أنفسهم أو وُضِعوا في مسؤولية التصدي يتوجب عليهم أن يحفظوا العراق في مرحلة يترصد فيها المحتل فرص التشظي على كل المستويات لاسيما السياسي والاجتماعي, والعراق بلد رائب سياسيا واجتماعيا. وفي ظرف مثل ظرف العراق اليوم لابد من العمل على سد كل الثغرات التي من شأنها أن تعصف بالعراق لا أن نرى البعض يفتح الثغرات عنوة ومع سبق الاصرار والترصد.
والثغرة التي اُريد لها أن تكون قاتلة دُست في القانون وتم زجها بشكل يفتقر الى أدنى أصول المنطق, وماهي الا حزام ناسف ستحول الدستور المقبل شلواً ممزقا! أعني بذلك الفقرة ج من المادة ٦١ تلك التي تقيد إمضاء الشعب العراقي للدستور بشرط عدم تصويت ثلثي ثلاث محافظات ضده وهنا أسئلة كثيرة تطرح نفسها منها:
أولاً: من الذي وضع هذا القيد؟ وماذا يهدف من وراء ذلك؟
ثانيا: هل تشنق هذه الفقرة المقيتة الديمقراطية شنقا على محراب العنصرية؟
ثالثا: هل تحقق الفقرة "الفيتو" طموح أصحابها ولنقل بصراحة "طموح الاخوة الأكراد"؟
رابعا: هل الذين تحفظوا أدوا ما عليهم وأبعدوا الكرة عن مرماهم لتتدحرج على أعتاب المرمى الآخر؟
لم يعد خافيا أن الاخوة الأكراد هم من وضع هذه الفقرة الفيتو وارتأى بعض آخر السكوت عنها, ويتصور من وضعها أنها تضمن حقوقهم التي عانوا ما عانوا من أجلها وقدموا التضحيات تلو التضحيات على طول الحكومات العراقية المتعاقبة مع اختلاف في كيفية ونوعية الاضطهاد. وللأكراد كما لكل طوائف العراق وأقلياته وأغلبيته الحق في ضمان حقوقهم في عراق الغد بعد العقود العجاف التي مرت. فماهو اذاً حق الأخوة الأكراد؟:
ليس للأكراد حقا بالانفصال وتأسيس دولة كردية في كردستان التي هي جزء من العراق, وأقول لهم الحق في انشاء دولة كردية تضم الاكراد في ايران وتركيا وسوريا والعراق وحتى توافق الدول التي تضمهم على ذلك لا يحق لبقية العراقيين منعهم من هذا الحق. ولكن أنى لهم ذلك؟ والاخوة الأكراد قبل غيرهم يعلمون استحالة ذلك. إن حق الأكراد هو الفيدرالية الإدارية في محافظاتهم الثلاث مضافا الى الاقضية والنواحي التابعة لها اداريا. وبما أن قانون ادارة الدولة المؤقت أقر لهم ذلك فماهو السبب يا تُرى من وضع الفقرة الفيتو والاصرار عليها؟ وهل تحقق هذه الفقرة طموحهم؟
على مستوى الفيدرالية فالقانون أقرها وبهذا أصبحت الفقرة المقصودة لغوا زائداً! وعلى فرض الضمان فهي سلاح ذو حدين اذ كما يمكن للأكراد استخدامها لتعطيل أي دستور لا يوافقهم يمكن لأي ثلاث محافظات أخرى تعطيل ما يريدونه وبالتالي فالدوران في دوامة لا يمكن لعاقل أي يقول بجدواها. لم يبق أمامنا الا حصر الأمر في احتمالين إما اللغو الزائد وهو بعيد مع هذا الاصرار عليه أو هي مقدمة وتخطيط لانفصال كامل مستقبلاً أو على أحسن التقادير ورقة ضغط بالتهديد بالانفصال.. كيفية هذا الاحتمال واضحة بحيث يمكن بسهولة أن تتعمد محافظات الشمال الثلاث الرفض بثلثي أصواتها مما يعني – حسب القانون – حل الجمعية الوطنية وتشكيل لجنة دستور جديدة وصياغة دستور جديد وعند التصويت عليه تعمد المحافظات نفسها على فعل ما فعلته أول مرة وهكذا دواليك مما يعني بوضوح تام الفوضى وعدم الاستقرار وكل يوم جمعية وطنية على حساب بناء العراق وأمن العراق ومن ثم فشل العملية السياسية في العراق وعندها يكون آخر الدواء الكي وهو قص الجزء الشمالي من العراق وفصله وربما وقتها بترحيب كل الشعب العراقي لأنه يصبح صخرة صماء تقف في طريقه!!. واذا قلنا بأن الشعب العراقي لا يُفرط بوحدة العراق ولن يتخلى عن الشمال, مع ذلك فالاخوة الأكراد باستخدامهم الفقرة الفيتو في كل مرة يكونوا قد ضمنوا بقائهم على ماهم عليه الآن من دولة ببرلمان ووزارات واستقرار ولتبق بقية محافظات العراق تعيش في دوامة هذه اللعبة اللئيمة على طريقة (إن متُ ظمآناً فلا نزلَ القطرُ)!. مع ان العراق كله يموت ظمأ ولا قطر الا في المحافظات الكردية الثلاث منذ ١٩٩١.
ومن منطلق الديمقراطية الذي يتصور البعض أنها عينها التي أوصلتنا الى الفقرة الفيتو باعتبار أن القانون يجب أن يحفظ حقوق الأقلية فأقول: نعم القانون يجب أن يحفظ حقوق الأقليات وقبل ذلك يجب أن تحفظ حقوق المواطن سواء انتمى الى الأغلبية أو للأقلية ومن أهم حقوق المواطن احترام رأيه ولا أدري أين هي الديمقراطية من احترام رأي المواطن والأمة, حين تقنن فيتو لـ ١٧٪ يلغي ٨٣٪ من الاصوات؟! ما معنى الديمقراطية اذا راحت أصوات ١٤ – ١٥ محافظة هباءً منثورا أمام فيتو ٣ محافظات (بغض النظر عن جغرافية وعرقية هذه المحافظات)؟ ما هذه الفقرة الفيتو الا قرار إعدام سنته العقلية الدكتاتورية التي ورثناها جيلا بعد جيل. على كل من يحترم رأي الأمة والمواطن ويعمل على إزالة مخلفات الدكتاتورية أن يطالب بحذف هذا الفيتو المجحف بحق الشعب العراقي كله, بحق الشيعة والأكراد والسنة.
ومن هنا يتوجب على الاخوة الأكراد أن يعلنوا مطالبهم بصراحة وأمام الشعب العراقي, فإن كانت الفيدرالية فهي متحققة في نفس القانون المؤقت وإن كان ثمة أمر غيرها فليصدحوا به دون خجل وحياء ليوفروا الوقت على الشعب العراقي وليتم حذف هذه الفقرة الفيتو من اليوم من القانون المؤقت. على أنه من المهم جداً أن نعلم جميعا أن قانون ادارة الدولة المؤقت قانون غير شرعي بأي حال من الأحوال فهو غير ممضى من الشعب ولم تسنه هيئة منتخبة. ماهو الا قانون مؤقت لفترة مؤقتة لتسيير الأمور حسب التواريخ المذكورة فيها. وأخيراً لابد لي أن أثني على موقف كل من أعلن تحفظه على هذا الفيتو اللامنطقي وعلى هذه الولاية المطلقة لفقيه عصر الديمقراطية (ثلاث محافظات), فقد عمل المتحفظون بأوسط الايمان حين تحفظوا عملاً بالحديث النبوي (من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الايمان) وطالما لم يتمكنوا من تغيير اليد ولم يكتفوا بالقلب فقد عملوا بأوسط الايمان وبانتظار أن يتنبه الجميع لما تضمره الفقرة الفيتو من خطر ماحق يطال الجميع ويجعل العراق كرة تتلاقفه ثلاث محافظات تلو الأخرى الى ما لا نهاية في لعبة أشبه ما تكون بلعبة "توم وجيري"!