تمخض الجبل فولد فأراً، ربما يكون هذا المثل السائر أكثر إنطباقاً على وليد مجلس الحكم الإنتباذي، هذا الوليد الذي لايمكن نسبته بأي حال من الأحوال الى الوسط الذي ولِّد فيه عبر ولادة قيصريّه، فلا هو إسلامي ولا عربي ولا عراقي، لا علاقة له لا بماضي العراق ولا بماضي المنطقة، لا بحاضر العراق ولا بحاضر المنطقة، وبالتالي لا بمستقبل العراق ولا بمستقبل المنطقة. و هو لا ينتسب حتى للمنطقة الواسعة التي إصطلح عليها بوش الإبن (الشرق الأوسط الكبير) إنه وليد فاقع الهجنة، والتغريب، جُمعت أعضاؤه وأشلاؤه من شتات متنافر، وفُصلّت قسراً، على العراق الذي سوف لا ولن يتقزّم ضمن الأُطر التي أرادها له مشروعوا هذا الكائن المسخ الهزيل، عديم اللون والطعم والرائحة، والذي يُراد له أن يكون دستوراً لوطن يمتد في عمق الحضارة، وشعب لا يجهل أحد مهما تواضعت معارفه التأريخية، بإستثاء السادة أعضاء المجلس الإنتباذي، عمق إرتباطه بإمته العربيّة الإسلاميّة، ومقدار ما قدم لهذه الأمة من إسهامات حضارية وفكريّة وثقافيّة، جعلته وبكل جدارة، في موقع القلب من هذه الأمة، لذا فليس بمكنة صهيوني، مهما كانت قدرات الذين يقفون خلفه من تغيير هذه الحقيقة، التي لا يماري فيها من له عقل وإحساس ووجدان. لقد نبذ الإنتباذيون أنفسهم، وقدموا الدليل القاطع على لا جدراتهم بحكم العراق الآن وفي المستقبل، لأنهم لا يمثلون لا من بعيد ولا من قريب نبضه الحقيقي، لا تأريخه، ولا جغرافيته، ولا مستقبله، إنهم يمثلون شيئاً آخر، ليس عراق التأريخ والجغرافية، ليس العراق الذي هو في ضمير كل عربي ومسلم، وإنما العراق الذي يريدة (نوح) والإدراة الأمريكيّة المتصهينة. ما سُمي بقانون إدارة الدولة في المرحلة الإنتقاليّة، والذي يُسميه البعض الدستور المؤقت، لم يشر لا من قريب أو بعيد لحضارة وادي الرافدين، والإرث الحضاري الذي يفتخر به كل العراقيين، لأن هذا الإرث مما لا يرضى عنه نوح ومن لفَّ لفه، إذ المقصود قطع مايسمونه بالعراق الجديد عن هذا الإرث الملهم، ذي الدلالات والإيحاءات التي لا تروق لمن نسج هذا المسخ الذي يمكن أن يصلح لوطن في المريخ أو زُحل، لكنه لا يصلح ولن يصلح لوطن عتيد إسمه العراق، كما لم يذكر هذا المسخ الهجين العرب والعروبة قط، وذكر كرستان والكردستاني ما يقارب العشرين مرّة. المرّة الوحيدة التي ذكر فيها العربي كصفة، وليس العرب أو العروبة، في الفقرة (ب) من المادة السابعة، الباب الأول، وهي التي ينبغي لها أن تصف هذا الكيان التأريخي الذي إسمه العراق حيث بينت أن (العراق بلد متعدد القوميات، والشعب العربي فيه جزء لا يتجزأ من الأمة العربية). يبقى أن نسأل السادة النجباء الذين أخرجوا هذه الحذلقة، وماذا بشأن الآخرين من غير العرب، إلى من ينتسبون، عرفنا إن الأكراد قطعاً بعد هذا التحديد سينتسبون للأمة الكردية، فهل يقبلون أن ينتسب التركمان إلى الأمة التركمانيه، وهي أمة عملاقة من حيث العديد والعدد والإقتدار، وإذا قُورن الأكراد بهم فإنهم سيصبحون إقلية عددية متواضعة، ثم ماذا بشأن السريان والكلدان والأرمن، والأرمن تحديداً هل سينتسبون للأمة الأرمنيّة؟، ثم بعد إقرار حق التجنسس للأقليّة الفارسيّة ، فهل سيقبلون إنتساب هذه الأقليّة لإيران؟
لماذا هذا الخلط المكشوف؟. في هذه الفقرة ينبغي أن يتم الحديث عن العراق، لا عن الشعب العربي العراقي ولا الشعب الكردي ولا الشعب التركماني، إننا بصدد الحديث عن وطن، وبالتالي فإن هذا الوطن إذا أردنا أن ننسبه فينبغي أن ننسبه لوطن أكبر، وليس لقوميّة أو أمة، وبالتالي فإن علينا أن نقول إن العراق جزء من الوطن العربي، والوطن العربي في هذه الحالة كما العراق، مُتعدد القوميات والأثنيات والأديان والأعراق، كما هو حال كل الأوطان على وجه هذه المعمورة، إذ ليس ثمة وطن في عالمنا الراهن يتشكل من قوميّة واحدة، والهند الإتحادية مثلاً ليست متكونه من الهندوس فقط، ومع هذا فاسمها جمهورية الهند، وروسيا الإتحادية إسمها روسيا، رغم كونها ليست متشكلة من الروس فقط، والأتراك البلغار، وهم يشكلون ما يقارب ثلث السكان يعيشون في وطن إسمه بلغاريا، وهكذا بالنسبة لجميع الدول، إتحادية كانت أم غير إتحادية، فلماذا لا يكون العراق والعرب فيه يشكلون أكثر من ثمانين بالمائة جزءاً من الوطن العربي؟. لماذا مثلاً يحق لثلثي الناخبين في المحافظات الكردية تعطيل قرار البرلمان، أي أن أقل من ثلاثة عشر بالمائة، يعطلون رأي وقرار سبعة وثمانين بالمائة، ولا يحق لسبعة وثمانين بالمائة تعطيل هذا البند المسخرة، الذي يتجنى على العراق تأريخاً وشعباً، ويعزله عن محيطه العربي، وهو العضو المؤسس للجامعة العربيّة، مثلما هو عضو مؤسس لهيئة الأمم، ومنظمة المؤتمر الإسلامي، والأوبك والأوابك إلخ. العراق ياسادة، شاء من شاء وأبى من أبى، العراق كوطن جزء لا يتجزأ من الوطن العربي، إن تحديد إنتساب العراق لمحيطه لا يعتمد على قناعة هذا السياسي أو ذاك، وهو لا يخضع لتسويات الغرف الموصدة، المحروسة من قبل جنود الإحتلال، وبعد أن يتم تحديد إنتساب العراق إلى محيطه يتم تحديد مكوناته، ويمكن تقديم فقرة تحديد المكونات على فقرة تحديد الإنتساب، ومكونات العراق قوميات متعددة، أي أن العراق وطن متعدد القوميات، يتكون ويتشكل من قوميات متأخيّة عرب وأكراد وتركمان وسريان وكلدان وأرمن، ولأبناء هذا الشعب من كل مكوناته نفس الحقوق والواجبات، وينبغي تجريم من يميز بين أبناء الشعب أو بين مكونات العراق قانوناً بالنص على هذا، وبهذا نحفظ ونصون حقوق العراقيين كافة. علينا أن نمنع تشريعياً إمكانيّة حدوث أي شكل من أشكال الهيمنة والإستئثار، وأي شكل من أشكال التمييز. إن سن مثل هكذا قوانين تحاسب من يتجاهل تنفيذ القانون أو يعطله هو خير ضامن لصون حقوق وكرامة الإنسان العراقي من أي قومية كان، العراق لكل العراقيين هذا مبدأ فوق كل المباديء والإعتبارات. والعراق والعراقيون أكبر من أي حزب ومن مجموع الأحزاب كلها، ومصلحته فوق مصلحة أي حزب ومصالح الأحزاب مجتمعة. العراق ليس فيئاً ينتهب من قبل مجلس الحكم ومريديه، أو من قبل الأحزاب المشاركة فيه والتي تدعي تمثيل العراق برمته، وهي في أحسن الأحوال لا تمثل سوى الأعضاء المنتسبين لها، وهم أقلية مهما إنتفخوا ونُفخوا. إن الإنطلاق من مفهوم الجماعة إياها، جماعة (هذا لك هذا لي، نص إلك نص إلي) لا يستقيم مع السعي لبناء عراق جديد. إن عَظمة العراق ياسادة أكبر من زردوم أي منكم، حتى لو كان هذا الزردوم بلاع مصارف وبنوك. فليس بإمكان أحد بعد الآن مصادرة رأي القطاع الأوسع من الشعب، بزعم أنه يمثله. الممثلون الحقيقيون للشعب هم أولئك الذين يأتون من خلال صناديق الإقتراع، لا من خلال تعيين بريمر وقوات الإحتلال، وإلى أن يأتي هذا اليوم فأن جلَّ ما يمكنكم فعله وعمله هو تمشية الأمور في الفترة الإنتقاليّة، ولا يحق لكم مصادرة مستقبل العراق، ولا مصادروة حق الذين سينتخبهم وهم المناط بهم، وبهم وحدهم، حق صياغة قانون العراق، بمعزل عن إرادة وضغوط المحتل البغيض.
وهل لكم ياسادتي يامفتحين، وعلى قول العراقيين باللبن أن توضحوا لنا ما معنى ماورد في الفقرة (ز) من المادة التاسعة، والتي نصها (تحرّم العبودية وتجارة العبيد والعمل القسري والخدمة الإجبارية - أعمال السخرة -). إذا كان المحرر الأمريكاني لا يعرف إنه لا يوجد في العراق عبيد ولا تجارة عبيد، فهل لا تعرفون أنتم؟. ربما تصور الأمريكي أنه يفعل مع عراق العبيد وتجارة العبيد ما فعله محرر العبيد في أمريكا، وربما مازال يتلبسه هاجس السبي البابلي ، ويؤرقه أخذ نبوخذنصر لليهود سبايا وعبيد، ربما يكون السبب هذا أو ذاك بالنسبة للسيد(نوح)، ولكن ماهو السبب بالنسبة لكم ياسادتي الميامين المغاوير أعضاء المجلس الإنتباذي؟. وإذ وفقكم الله وحرّمتم العبودية وتجارة العبيد، في بغداد العبيد وتجارتها، فإني أقترح عليكم _ دام فظلكم_ أن تكملوا ريادتكم وتحرموا وأد البنات، فأغلب الظن إن إجراء كهذا سيعجب السيد بوش الذي سيعده إنصافاً للمرأة العراقيّة ، ولا خوف عليكم من إتهامكم بمحاولة تطبيق الشريعة، فالسيد بوش لا يعرف الشريعة ولا تأريخ الإسلام، ولا يعرف أن الإسلام حرّم وأد البنات، وليس غريباً أن لايعرف بوش شيئاً، إنما الغريب أن يعرف.
وقبل أن نتم حلقتنا الأولى نود أن نسألكم يافطاحل مجلس الحكم، عن معنى ما ورد في قولكم في الفقرة (ب) من المادة الثانيّة: (وستتألف هذه الحكومة وفق عمليّة تداول واسعة النطاق بتشاور شرائح المجتمع العراقي يقوم بها مجلس الحكم وسلطة الإتلاف المؤقتة، ويمكن التشاور مع الأمم المتحدة بذلك). بربكم هل هذه لغة تكتب بها الدساتير، وهل لأحدكم أن يتكرّم ويشرح لنا معنى كلمة (تداول) في السياق الذي وردت فيه؟ ثم مامعنى عمليّة تداول واسعة؟ ثم تداول ماذا، يامهمومين بالتداول فيما بينكم؟ وما حكاية (بتشاور شرائح)؟ ماهذه اللغة ياقادة العراق؟ ثم أفتونا يرحكم الله عن مكمن البلاغة في قولكم (إن هذه الحكومة ستمارس السلطة بوجب هذا القانون، وبضمنها المباديْ والحقوق الأساسيّة المنصوص عليها في هذا القانون)، رحم الله البصري (آخ ديكي نحباني لولو)، ومعضلة ولا عبوسي لها!!.