ما وراء اشاعة انباء كاذبة عن دعوة السيستاني للامم المتحدة
حنان أتلاي
هل طموحات الاحزاب الاسلامية في لبننة العراق تدفعها الى استغلال اسم السيستاني؟
قبل الحرب على نظام صدام كان لنا ( عامة الشعب ) وللاحزاب السياسية هدفا مشتركا وهو التخلص من نظام البعث الحاكم، ولكن في مؤتمر لندن فوجئنا بأحزاب وعمائم محاطة بالمحافظين، لو كانت عمامة واحدة لقلنا بانها رمزية ولكننا ذهلنا من هيمنة الاحزاب الاسلامية ذات الولاء الايراني علىالمؤتمر وبالتالي على مستقبل العراق . وها نحن نرى النتائج اليوم .
كنا نستمع الخطب والتصريحات من الرئيس الاميركي بوش ومن البيت الابيض ونطمأن الى الوعد بالحرية والحياة الكريمة للعراقي بعد قرون من الحرمان والاذلال تخللتها اربع سنوات فقط من الحكم الوطني الذي جعلنا نحن "عامة الشعب" هدفه، وهي فترة حكم عبد الكريم قاسم .
كان التعهد الاميركي للشعب العراقي من شقين : التخلص من نظام صدام ووضع اسس النظام الذي يضمن للعراقي حريته وحقه في الحياة الكريمة .
لم تكن ادارة بوش بحاجة الى اي جهد لاقناعنا يضرورة التخلص من صدام ونظام البعث بل كانت جهودها بهذا الخصوص موجهة الى العالم الخارجي لاظهار نظام صدام على حقيقته بعد سنوات طويلة من التغاضي واعتبار اية محاولة بهذا الاتجاه تدخل في الشؤون الداخلية لدولة وتهديد للسلم والاستقرار العالمي وكأن السلام العالمي لا يقوم الا على اشلاء العراقيين، لان ما يروه من واقع لا يتفق مع ايديولوجياتهم ويجعلهم يفقدون توازنهم الفكري والسياسي، وكانت الادارة الاميركية تضطر الى فضح المتواطئين والمرتشين من النظام .
كانت الاحزاب السياسية العراقية وعموم الشعب على اتفاق تام بشأن التخلص من نظام صدام، ما عدا البعثيين وفئة ضئيلة ممن تصور بانه بالامكان تغيير النظام دون الحاجة الى الحرب .
ولكن ما ان سقط النظام وجاء الدور لتحقيق الشق الثاني من عملية تحرير العراق وهو : "ارساء اسس دولة الحقوق باقرار قانون مؤقت للدولة تمهيدا لكتابة واقرار دستور دائم على اساسه يتم اجراء انتخابات برلمانية وتشكيل حكومة تمثيلية " حتى برزت الخلافات بين الاحزاب السياسية وبين ما يريده العراقي من جهة وبين الاحزاب السياسية والائتلاف، وهي معادلة تضع الائتلاف والشعب العراقي في جانب واحد .
المتابع للبيانات والتصريحات الصادرة سواء عن الاحزاب مباشرة او من اتباعها ومؤيديها نرى بوضوح بانهم يحاولون بشتى الاساليب عرقلة هذه العملية ولكن في الوقت نفسه تطالب هذه الاحزاب التحالف بانهاءالاحتلال ومغادرة العراق باسرع وقت، لتنقض هذه الاحزاب على السطة وعندها سنقرأ على الدستور ودولة الحقوق والحكومة التمثيلية الف سلام ربما لنصف قرن آخر من الزمان .
هذا شئ مؤسف بالطبع . في الظروف الاعتيادية للبلدان المتقدمة ( ذات دستور وبرلمان منتخب ) يعد امرا طبيعيا ان تسعى الاحزاب السياسية،بكل الوسائل التي يتيحها الدستور وقانون الانتخابات والاحزاب، الى الفوز باكبر عدد من المقاعد البرلمانية وبالتالي بالحكومة . ولكن ظروف العراق الان مختلفة، العراق الان دولة في مرحلة التكوين وامام مهمات تاريخية وهي تاسيس دولة العراق الحديثة التي ستعيش بظلها اجيال عديدة قادمة، ادراك هذه الحقيقة يتطلب الكثير من النضج السياسي والروح الطنية العراقية الناكرة للذات . وقد اثبتت السنة التي مضت بان هذه المزيات غير موجودة لدى الاحزاب المهيمنة على الساحة العراقية اليوم. ربما وجود الاحزاب امر سابق لاوانه عندما تكون الدولة في مرحلة التكوين لان الخطوات والامور التي تنتظر الحل واتخاذ قرارات تهم كل العراقيين بغض النظر عن انتماءاتهم الحزبية والقومية والقومية .
الاحزاب الشيعية والتبعية :
لماذا على العراق في نظر الاحزاب الشيعية ان يتبع سياسة تتلائم مع مصالح نظام الملالي في ايران؟ ماذا ينفع انكارهم لهذه التبعية ونحن نراها كل يوم في ممارساتهم وتصريحاتهم . بعد ان استلم عبد العزيز الحكيم الدورة الرئاسية لمجلس الحكم لم ينتظر طويلا ليصرح بان : " على العراق ان يدفع لايران تعويضات لا تقل عن المائة مليار دولار " لست بصدد مناقشة الرقم ولكن عبد العزيز تكلم وكانه السفير الايراني او القائم عن المصالح الايرانية في العراق، في الوقت الذي كانت الادارةالاميركية تبذل الجهود وتعقد الاجتماعات مع قادة الدول من اجل تخفيض او التنازل عن الديون المترتبة على العراق. الم تكن تلك البادرة دليل كاف بان المصالح الوطنية للعراق والتحالف هما على جانب واحد من الصراع القائم؟ وبأن الاحزاب الشيعية في وادي آخر؟
الغاء قانون الاحوال الشخصية كانت نموذجا آخرا وضع الاحزاب الاسلامية على طرف نقيض من مصالح العراقيين ربما كانت دليلا على الولاء ولأرضاء نظام الملالي في ايرا ن. ولكننا لم ندعوا قوات التحالف لازاحة نظام صدام من اجل اعطاء العراق لقمة جاهزة لايران او من اجل فرض نظام ثيوقراطي لا يسموا كثيرا على نظام البعث البائد . لماذا تصر الاحزاب الشيعية على سرقة النصر من الشعب العراقي؟ لربما كان على اميركا التخلص اولا من النظام في ايران . لانه ايام عبد الكريم قاسم كانت رغبة الشاه هي مساعدة اميركا وانكلترافي التخلص من عبد الكريم قاسم،عندها لعبت العوائل المتنفذة في حوزة النجف دورا في تحريض العراقيين و اصدرت الفتوات بذلك الاتجاه . اعتقد بانه على المفكرين والسياسيين العراقيين ان يجدوا طريقة ما لتحرير النجف و الشيعة في العراق من هيمنة هذه الاحزاب وتبعيتها لايران . ربما جاء الوقت لدعم وتشجيع مشاريع لتطوير السياحة الدينية في النجف وتجعلها تعود بالفائدة لعموم الناس ولرجال الدين ليكون ولائهم للحوزة قائم على اسس قانونية وليس بشكل ولاء اشبه بالعبودية ولكن هذا لا يمكنه ان يتم الا عندما يتم فصل الدين عن ادارة الدولة عندها سيتحرر الدين ورجال الدين اقتصاديا وروحيا ويمارسون عملهم الاساسي الا وهو رعاية امورالجماعة الدينية والكف عن اصدار الفتوات بالصغيرة والكبيرة .
بالطبع هذه الدعوة ستثير حفيظة الاحزاب الاسلامية ولكن الاسوء سيحدث ان استمرت هي في اتجاهها هذا من الغطرسة والعظمة بانهم اولياء امور الناس على هذه الارض . الامر في النهاية ليست له علاقة بالدين والمعتقدات بل هو استغلال للدين من اجل منافع دنيوية . لذلك لا مفر من معالجة الامر باساليب دنيوية .
عندما دافعت عن السيد السيستاني وردتني الكثير من الرسائل تستغرب مني هذا الدفاع وانا المتشددة في دفاعي عن جدوى النظام العلماني في ادارة امور الدولة وفيما يتعلق بمنح المرأة حقوقا متساوية امام القانون، الركيزتان الاساسيتان لعراق متقدم وشعب حر ومرفه.
انا ادافع عن السيستاني، المرجع الديني الذي يعيش في بيته المتواضع في النجف والذي لم يتدخل في امورالسياسة والذي دعى رجال الدين الى الابتعاد عن حشر انفسهم في امور السياسة والانصراف الىامورالدين والجماعة . ادافع عنه لانه لم يتحدث الا عندما يذهب اليه الناس ليسألوه عندها يبدي رأيه بدون ان يفرضه. ادافع عنه لاني اعلم بان الناس بحاجة الى الدين، كما يحترم المسيحيون البابا وراهب الكنيسة في محلتهم التي يسكنوها، وكما يحترم اليهودي وان كان علماني الاتجاه ربانيته، أنا ايضا اردت لنا ان نحترم المرجع الديني السيستاني لما اعلن عنه من اسس .
ولكن اسم السيستاني يتم استغلاله كثيرا من قبل الاحزاب الشيعية، فهذه الاحزاب لم تعط اذنا صاغية لدعوته بان ابتعدوا عن المشاركة المباشرة في السياسة. ولكنها تستغل كلما يتفوه يه وما لم يتفوه به من اجل اضفاء القدسية على محاولاتها في الوصول الى السلطة .
الاحزاب الاسلامية اليوم تبذل كل الجهود التي تستطيعها من اجل فرض هيمنتها علىالمجتمع العراقي وما فرض الحجاب على النساء واستغلال منابرالجوامع وتخريب متاجر بيع المشروبات الكحولية وايذاء المسيحيين من العراقيين الا نماذج او كما يقال ماهو الا اول الغيث .
يبدو ان الاحزاب الاسلامية تريد ان تلعب لعبة خطيرة . تحاول استنساخ تجربة لبنان. افشال كل المساعي التي تهدف الى نقل السلطة الى جهات عراقية بالشكل السليم، استغلال اعمال العنف من اجل رفع شعارات معادية لاميركا وتوجيه الدعوات باسم السيستاني الى الامم المتحدة للتدخل في الشأن العراقي وكانهم يتناسون دور الامم المتحدة والفساد الذي كان يشوب برنامج النفط مقابل الغذاء الذي حول العراق الى مصدر للابتزاز واثرى منظمة الامم المتحدة من الاموال العراقية التي حرم منها الشعب. وهاهي الامم المتحدة لا تتوانى عن اصدار قرارات تعويضات بحق العرق البلد الذي انهكته حروب صدام، وطالما سعت الامم المتحدة لتمديد عمر نظام صدام ووقفت ضد اية محاولة لازالته لان غباء صدام جعل العراق بقرة حلوب للامم المتحدة وغيرها من المنتفعين.
بالطبع ليست الاحزاب الاسلامية وحدها ولا هي الطرف الرئيسي الذي يسعى الى افشال المساعي الاميركية في العراق .
ولكن ما يثير القلق ان اتجاهها اصبح يأخذ منحى يخدم الكثير من الجهات التي ترى من الوجود الاميركي في العراق تهديدا مباشرا او غير مباشرا لمصالحها. جهات تمول الارهاب .
كثيرا ما نقرأ بان تم القبض على ارهابيين متورطين في اعمال التفجيرات، ولكن المهم هو معرفة الجهة الحقيقية التي تمول وتدفع بهذه الاعمال الاجرامية . مفهوم القاعدة اصبح شبح ترجع اليه كل الجرائم ولكن من هي القاعدة ومن بالفعل وراءها، القاعدة ماهي الا جماعة قتل ماجورة تسيطر على تجارة المخدرات في افغانستان؟ شجب وادانة القاعدة امر ليس له الكثير من الجدوى، هل ينفع كيل الشتائم للقتلة. المهم هو ادانة من يدفعهم ويستاجرهم .
اعمال الارهاب والتفجيرات تاتي وكأنما يراد بها دعم النظريات التي بدأنا نراها بوضوح في الايام الاخيرة في الصحف الاجنبية الكبرى وهي بان العراق بلد لا يصلح لان يكون دولة قانون وممارسات ديمقراطية . هذه النظرية طرحها في وقت مبكر هنري كيسنجر ولكنها بدأت تكتسب زخما جديدا هذه الايام وعلى العراقيين ان يكونوا حذرين من أن يتم دفع الامور بهذا الاتجاه . لا اريد ان اسرع بالقاء اللوم على اسرائيل ولكن الجناح اليميني المتشدد في اسرائيل واللوبي اليهودي في الادارة الاميركية هو ايضا من الجهات التي ترى بان النجاح الاميركي ـ العراقي من شأنه ان يشكل خطر على مستقبل اسرائيل كان لا تعود هناك الحاجة الى اسرائيل وان تقل المساعدات الاميركية لاسرائيل ولهذا وبالرغم من صمت اسرائيل تجاه ما يجري في العراق لكن هذا لا يعني بطبيعة الحال بانهم لا يكترثون بما يحدث، بالعكس اهتمامهم بالامر العراقي اكثر مما نتصوره ولكن بصمت . و ما الزيارات التي قام بها شارون الى الهند والتي موضوعها التسلح ومحاولاتهم للتقرب من القيادات الكردية الا محاولات وسياسات تحسبية من اجل تأمين مستقبل اسرائيل في ظل الظروف المستجدة .
هذه وغيرها من امور كثيرة بالغة الاهمية ماهي الا امتحانات صعبة و على السياسيين العراقيين التصدي لها من اجل ان يتسلموا السلطة من قوات الاحتلال بجدارة .
هذه الجملة الاخيرة جعلتني اتذكر حادثة تتعلق ببراعة طائر النورس في الطيران فانا على اية حال اميل الى سرد الحكايات القصيرة من هنا وهناك :
" العيش قريب من ساحل البحر له كثير من الميزات الايجابية تنعكس على مزاج الناس منها البساطة والوضوح، هذه الفكرة راودتني وانا اتابع طيران مجموعة من طيور النورس وانا في انتظار الوابور ( دوبة ) لينقلني الى الجهة الاخرى من المدينة * :
ــ هانم افندي، هل تعرفون بان النورس واحد من ابرع الطيور في طيرانه؟
التفت الى المتحدث وانا ابتسم بمزيج من الاستغراب والاستفسار، فانا لا اعرفه، يبدو انه من المتقاعدين خرج باتم اناقته لمشواره اليومي في المدينة، قلت:
ــ لم اكن اعلم هذا، كنت أظن طائر البطرس هو الافضل طيرانا لسعة اجنحته، يقال انها تبلغ ثلاثة امتار .
ــ طائر البطرس يعيش في القطب الجنوبي وسعة اجنحته تتناسب مع كثافة الهواء العالية و ليس هناك تيارات يظهر بها براعته في الطيران، ولكن براعة طائر النورس تكمن في انه يحدس بذكاء فطري تيارات الريح ويستغلها للطيران باقل مجهود يستخدم الطاقة التي يكتسبها من التيار القوي لطيرانه في المسافات التي ينعدم فيها التيار او بما تسمى بالفراغ الجوي.
ــ شكرا على هذه المعلومة الجميلة .
ثم علمت منه بانه ضايط طيار متقاعد وهذه واحدة من الجمل التي كان يبدأ بها دروسه لتلاميذه في اكاديمية الطيران الحربي . و عند صعودي الفابور كان من الصعب علي اخفاء ابتسامة لفكرة راودتي وهي ان الدجاجة اسوء الطيور في قابليتها للطيران، وربما لانها لم تحسن الحدس بتيارات الرياح فكان مصيرها على الموائد . "
هل سيتعلم سياسيوننا حدس تيارات التطور كي يقودوا شعبنا في الطريق الذي يؤدي بنا الى الحياة الكريمة في ظل دولة القانون والاختيار الديمقراطي لحكومة تمثيلية تكون مهمتها الاساسية حماية الانسان العراقي بالدرجة الاولى؟
*مدينة ازمير الواقعة على بحر ايجه