بعد انتظار طويل ومخاض عسير شهد العراق في الثامن من آذار سنة ۲۰۰٤ ولادة قانون إدارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية الذي اعتبره العراقيون بشكل عام غير شرعي وغير سليم لا يكتب له الحياة والاستمرار بوضعه الحالي، لأنه لا يملك مقومات الحياة الضرورية ما لم تجرى عملية جراحية لاستئصال بعض أعضائه المشوهة وغير الطبيعية، والتي أشرف على ولادته طبيب مرخص من قبل البيت الابيض (بول بريمر). وبعد هذه الولادة دخلت العراق مباشرة في دوامة سياسية داخلية، وربما حرب أهلية حضارية من المحتمل أن تستمر فترة طويلة، وهذا ما تصبو إليه سلطات الاحتلال وتنفذه بعض الأعضاء العنصريين المشبوهين في مجلس الحكم. إن هذا القانون الجديد الغريب أعتبره ووصفه بعض أعضاء مجلس الحكم وبالدرجة الاساسية الأكراد: إنه انعطاف تاريخي في حياة العراق السياسي وإنجاز عظيم من دون علم ودراية أكثر الأعضاء الى الألغام والقنابل المزروعة والتي تعرقل وتعيق سير الأكثرية بحرية تامة. صحيح إنه انجاز عظيم لكنه للأقلية الكردية، ومن الطبيعي أن يفرحوا ويبتهجوا به.. وصحيح أيضا انه خطوة حضارية فريدة من نوعها في تأريخ الدساتير والقوانين الوضيعة، لأنها تعطي للاقلية حق النقض (الفيتو) لأي قرار يتخذه ويوافق عليه الأكثرية إذا كان القرار لا ينسجم مع طموحاتها وتطلعاتها المستقبلية، وبذلك لا يبقى أية قيمة لحم الأكثرية، وهذا خلاف الديمقراطية التي لم نعهد في الدساتير العالمية من قبل مثل هذا الشيء والتي يعتبر تغيير لآلية حكم الاقلية على الأكثرية وبأسلوب جديد وذل بدلا من القهر والقوة والذي بات يثير كره ا ونقمة لدى الأكثرية. مما لا شك فيه إن هذا القانون بمثابة نافذة مفتوحة تسمح من خلالها نفوذ سلطة الاحتلال الى العراق بعد خروجها من الباب بموجب الاتفاقية التي أبرمت بينها وبين مجلس الحكم في السابق. فالبعض يتصور أن القانون يظهر وبشكل واقعي التوافق الوطني والرغبة الشديدة لدى جميع الأطراف القومية والطائفية والسياسية على أنها مع المصلحة الوطنية العليا في حين يعمل البعض من أجل مصالحهم الخاصة، وهذا ما ظهر واضحا في القانون المؤقت عندما ظهر للملأ أنه يراعي مصالح وحقوق الأقلية الكردية أكثر من حقوق الأكثرية العربية مما أثار الدهشة والغضب لدى الأكثرية، والفرح والابتهاج لدى الأقلية الكردية. ومن أجل تصحيح هذا الأمر الخطير صدرت ردود أفعال وتحفظات شرعية عليه، أولها من السيد آية الله العظمى السيستاني حفظه الله والذي أعتبر القانون غير شرعي إذا لم يوافق عليه الجمعية الوطنية المنتخبة من قبل الشعب، وتحفظات قانونية تكمن في إملاء مجلس غير منتخب قرارات على مجلس منتخب. لم يجد التركمان في القانون أية مادة أو فقرة تشير إلى هذه الشريحة بشكل واضح وصريح ويقر بأنها القومية الثالثة في العراق لها حقوقها السياسية والإدارية والثقافية في الدولة. لذلك أدعو جميع التركمان إلى عدم الاعتراف بهذا القانون بمواده الحالية وإظهار حالة الرفض والاحتجاج بأساليب يرونه مناسبا من أجل أن يعترف الجميع بوجودهم وهويتهم وحقوقهم المشروعة بشكل صريح ومثبت في الدستور الدائم، وهذا يتطلب منهم:
۱ ـ أن يكونوا بمستوى المسؤولية أمام الله وأمام الأجيال القادمة.
۲ ـ نبذ الخلافات الهامشية التي تؤثر على مسيرتهم وعملهم السياسي والجماهيري وبالتالي على حقوقهم ومطالبهم المشروعة التي قدموا من أجلها الكثير من التضحيات.
۳ ـ الاعتماد على قدراتهم الذاتية بعد الله سبحانه وتعالى والتي تتلخص بوحدتهم وإخلاصهم في العمل ومراجعتهم للذات ـ بعد أن أثبتت أسلوب التكتلات السياسية الضعيفة والأعتماد على الآخرين فشلها التام، وخصوصا بعد أن أصبح الكل يجر النار إلى قرصه، وكما قال الإمام الصادق عليه السلام: (الحمل الثقيل لا يحمله إلا أهله). وأخيرا العجب كل العجب من كافة الجهات والأطياف السياسية التي باركت الشعب العراقي بهذه المناسبة وأعتبروها ولادة عراق جديد وهو لا يمثل أدنى ما يطمح إليه المواطن العراقي بشكل عام والتركماني بشكل خاص الذي ضمن صوته الى الأصوات التي نادت بالشجب تارة وبالتحفظات الشرعية والقانونية تارة أخرى. ونتمنى أن تحل كل هذه العقد التي تضع العراقيل أمام نشوء حكومة ديمقراطية منتخبة في وطننا الجريح.