كركوك مدينة تركمانية ومن اعرق المدن العراقية في التاريخ ، تبعد عن بغداد 388كم شمالاً وتأتي بالمرتبة الرابعة من بين المحافظات العراقية ، ويقوم القسم القديم من المدينة المسمى ( قلعة ) على مستوطن اثري ورد اسمه في الألواح المستخرجة من ( اربخا ) وعثر في إحدى محلات كركوك على مجموعة من الآثار تعود تاريخياً إلى عهد الحضارة السومرية ( 2600ق.م ) كما عثر على بعد ثمانية أميال من جنوب شرق كركوك آثار لمدينة من عهود حضارة بلاد الرافدين القديمة هي مدينة ( نوزى ) وتعرف أطلالها باسم ( ويران شهر ) وهي كلمة تركية تعني ( المدينة الخربة ) أو ( يورغان تبه ) وتعني ( تل اللحاف ) . منذ أن وطأت أقدام التركمان ارض العراق في التاريخ القديم اختلطوا وانصهروا مع الأقوام الأخرى القادمة من الاتجاهات المختلفة لبلد الخيرات بلاد الرافدين الحبيبة في الوسط والجنوب والبعض منهم التحقوا بأبناء جلدتهم في كركوك مركز الشريط التركماني ( توركمن ايلى ) المنحني الممتد من شمال تلعفر إلى جنوب مندلي ، والحديث عن التركمان في العراق لابد أن يتبعه حديث عن كركوك والعكس صحيح لان العلاقة بينهما علاقة متكافئة متلازمة ، وبابا گورگور ( النار الأزلية ) العقدة الرابطة لهما ، وهي مركز التركمان والعنوان الدال لهم وغالبية سكان المدينة وتوابعها من التركمان وهناك مدينة كردية تتركز في شرق الحدود الإدارية لمحافظة كركوك ( التأميم حالياً ) تسمى قضاء چمچمال والتي ألحقت بمحافظة السليمانية في الثمانينات وكانت بالأصل تابعة في العهد الملكي واتبعت بكركوك لأسباب تتعلق بإخماد حركة الشيخ محمود البرزنچي وكذا الحال بالنسبة لقضاء راوندوز وكويسنجق اللتان ألحقتا بمحافظة اربيل وقد توافدت العوائل الكردية بكثرة إلى كركوك ما بعد اتفاق 11آذار 1970م وضواحيها ، استقدم النظام العوائل الموالية له وبالخصوص من مناطق غرب العراق مقابل إغراءات مالية ووظيفة ومن ثم من بقية مناطق العراق وهكذا أنشئت مستوطنات سكنية موالية في المركز والضواحي بعد أن سلبت الأراضي والأملاك من أصحابها ، ورغم كل ما مر بقيت المدينة محافظة على هويتها التركمانية ولازال التركمان يمثلون الأغلبية بعد أن كانوا يمثلون الأغلبية الساحقة ، حاولت السلطة في فترة السبعينات استدراك الموقف واللعب على اكثر من حبل وذلك بالإيعاز إلى البعض بتأسيس ( الحزب التقدمي التركماني ) وقد فشلت المحاولة لوعي الجماهير التركمانية وكون المؤسسين يمثلون السلطة وصنيعتها .
وقد فتحت الانتفاضة الشعبانية ( آذار 1991 ) آفاقاً سياسية جديدة للجميع بعد أن تحطمت أسوار الدكتاتورية الحصينة خلال أيام قلائل بالسواعد الشعبية وبمشاركة التركمان وجميع شرائح المجتمع العراقي وقد حاول البعض بعد الانتفاضة تقليد السلطة بتأسيس أحزاب كارتونية تتحدث باسم التركمان ودعم هؤلاء الذين لهم سوابق معروفة عند جماهيرنا والبعض من هؤلاء لا ينتمون إلى التركمان لا تاريخاً ولا هوية وكانت المحاولة بالنسبة لهم دوراناً في الحلقة المفرغة ، فمن أعطى لهؤلاء حق التحدث وتمثيل الشريحة ، وربط مصيرهم بالشكل الذي يلائم أسيادهم كما إن التاريخ لا يمكن تزويره من خلال نشر بعض الإحصاءات الوهمية التي تتوحد فيها المصدر والناقل في النهاية . إن للتأريخ محطات مشرقة ومظلمة ولا يمكن دراسته دراسة انتقائية وبما يلائم أهواءنا السياسية ، فقد ارتكبت مجازر عديدة بحقهم ابتداء من سنة 1924 وانتهاء بسنة 1996 وهي في الحقيقة مازالت مستمرة مادام النظام البعثي هو الحاكم . على الرغم مما ذكر أعلاه وارتأينا عدم الدخول في تفاصيلها حافظ التركمان على نضالهم وبالطريقة السليمة في معركة الحرية والعيش الكريم والمساواة مع الآخرين ولم يكن لهم بدأً من تشكيل مثلث ثقافي للدفاع عن النفس تتألف من الأدب والثقافة واللغة التركمانية ، ولذا كان تأسيس نادي الإخاء التركماني في بغداد – المركز وأسست فروعاً في الموصل واربيل ومجلة الإخاء الصادرة منه باللغتين العربية والتركمانية سنة 1960 كمعالم رئيسية للنضال في العهد الجمهوري ولذا قامت السلطة سنة 1976م وكخطوة أولى بالاستيلاء على النادي عن طريق فرض هيئة إدارية جديدة ثم تلتها بخطوات أخرى بحق الشريحة تركزت بشكل أساسي على سلب الأراضي وحق تملك الأموال غير المنقولة في كركوك فمثلاً استولى النظام على أراضي ناحية يايچي التركمانية والواقعة على بعد 25كم غرب كركوك من ثلاث جهات بحجة بناء مطار وسايلو ومستوطن سكني ومن ثم ترحيلهم بشكل كامل إلى منطقة البغدادية والى شمال غرب مدينة الرمادي ، وهذا ما حصل لمناطق في مركز كركوك كساحة الطيران وتسين ( تسعين ) بحجة بناء محطة قطار حديثة ، وتوسيع المطار وفي قضاء طوزخورماتو بناء مطار وسايلو ومستوطن سكني للقادمين الجدد واستولى عدي صدام على أراضي قرية شاه سيون القريبة من طوزخورماتو ليستأجره للغرباء لزراعتها ومنع أصحاب الأراضي من حق إيجار أراضيهم التي فقدوها واستولى عزت الدوري على الأراضي الزراعية لمنطقة بشير غرب كركوك بعد هدم البيوت وترحيل الأهالي إلى سبع مجمعات سكنية بعيدة عن المنطقة بالإضافة إلى ترحيل البعض إلى مجمّع بني صلاوة في اربيل وهكذا الحال للعشرات من المناطق التركمانية وكل هذه الحالات المذكورة تنفّذ على الأراضي الزراعية المعروفة بخصوبتها على مستوى العراق .
سيسجل التركمان في الفصل الأخير من صراعهم مع الظالمين والمعتدين ، ملحمة كركوك القادمة وأسميها ( بابا گورگور ) بأحرف من نور في تاريخهم الحديث كما سجلت ملحمة ( ده ده قورقود ) في تاريخهم القديم ( القرن الخامس عشر ) ولينتهي برجوع الجميع من مناطق ترحيلهم وهجرتهم ولجوئهم ليعودوا إلى موطن الآباء والأجداد ( توركمن ايلى – ديار التركمان ) ليبنوا مساكنهم المهدمة ويزرعوا أراضيهم المسلوبة ويرفعوا أعمدة قلعة كركوك الشامخة التي خرّبها يد الغدر والظلم لتنظر بعين المحبة لشمالها الحبيب بجبالها الخضراء ولجنوبها بنخيلها الباسقات ورافديها الجذابين لينقطع بخطوطها الواقعية خطوط العرض الوهمية ليكون العراق عراق الحرية والتآخي والعدل والسلم والمساواة والتعددية وإعطاء كل ذي حق حقه .