تتجسد لنا يوميا المواقف السلبية والغير الوطنية التي اتخذت بحق التركمان من قبل بعض الاعضاء في مجلس الحكم الانتقالي العراقي وتتوضح للتركمان وبمرور الزمن حقيقة هذا المجلس الغير المنتخب والذي لم يكسب شرعية الشعب العراقي ومدى الرؤية الضيقة لبعض الاعضاء ف ي استبعاد التركمان من جميع المراكز الحكومية الحساسة في العراق. لقد ظهرت الحقيقة عندما اخلف المجلس بوعوده التي بقيت في الهواء أبان المظاهرة التركمانية السلمية التي خرجت في الخامس والعشرين من شباط ٢٠٠٤م تطالب بحقوقها المشروعة حيث واعد أعضاء من مجلس الحكم بادراج التركمان كقومية ثالثة في قانون ادارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية وفقا لشعاراتها والتي تقول بان الجميع يشاركون في بناء العراق، ولكن هذه الوعود ذهبت مع الريح وفقد المجلس مصداقيته بين الشعب التركماني والبالغ عددهم أكثر من ثلاثة ملايين نسمة.
يعتبر التركمان من الشعوب القديمة والتي دخلت العراق قبل الاف السنين وساهمت في وضع اللبنة الحضارية الاولى لبلاد الرافدين. ولقد ثبت تاريخ دخولهم من خلال الالواح الطينية البابلية المكتشفة والتي كتبت بالكتابة المسمارية بأن التركمان دخلوا العراق مع السومريين ذوي الاصول التركستانية ٣٥٠٠ سنة ق. م حيث تشير هذه الالواح أيضا بأن شعب ( كوساي) والتي تسمى بالتركمانية بالشمال Kuzey هم بالفعل السلالة البابلية الثالثة في العراق مما يقودنا الى الاستنتاج بأن التركمان من الشعوب العريقة وكان لهم الدور الاساسي الفعال في نهضة العر اق التاريخية والاقتصادية والسياسية والعسكرية الى أن بدأت الفتوحات الاسلامية في العراق.
أما ما قدمه التركمان في العهد الاسلامي فكان تاريخا مشرفا وحافلا بالبطولات بعد أن تشرفوا بالدين الاسلامي الحنيف حيث وقف التركمان وقفة الاسود أمام جميع الحملات التي استهدفت تجزئة العراق وتشتيت صفه الوطني.
ولشجاعة التركمان وبراعتهم في شتى صنوف القتال فقد نالوا اعجاب القائد الاموي عبيدالله بن زياد أثناء حروبه حيث استقدم الفان من الرماة التركمان من بلاد وراء النهرين في ٥٤ هجرية واسكنهم مدينة البصرة الفيحاء لحماية الحدود الجنوبية. كما وكل الحجاج بن يوسف الثقفي أكثر من خمسين ألفا من التركمان لحماية الحدود الشرقية للعراق في مناطق بدرة وخانقي ن ومندلي والزرباطية. لقد برز الدور العسكري للتركمان بصورة واضحة في ادارة وحماية البلاد في زمن الخلافة العباسية أيضا حيث اعتمد خلفاء بني العباس على التركمان اعتمادا كليا وتم انشاء مدينة السامراء الخاصة بقادة وجنود وعوائل التركمان الذين دافعوا وببسالة عن الدين الاسلامي الحنيف وعن أرض الرافدين حيث لا تزال صهيل جيادهم تسمع من بعيد.
لقد استمرت بطولات التركمان العسكرية في زمن الدويلات والاتابكيات التركمانية في الموصل وأربيل وأتابكية (قبجاق) في كركوك بعد سقوط الخلافة العباسية حيث أسس التركمان العديد من الامبراطوريات والدويلات منها الامبراطورية السلجوقية ( ١٠٧٥-١١٨٠م) والدولة الايلخانية (١٢٥٨-١٣٣٨م) والدولة الجلائرية (١٣٣٨- ١٤١٠م) ودولة الخروف الاسود ( قره قويونلوا) ( ١٤١٠- ١٤٧٠م) ودولة الخروف الابيض ( آق قويونلوا) (١٤٧٠- ١٥٠٨م) والدولة الصفوية (١٥٠٨- ١٥٣٤) وبعدها الامبراطورية العثمانية (١٥٣٤- ١٩١٨م) والتي نشرت الاسلام في ثلاث بقع من الارض.
لقد لعب التركمان دورا أساسيا في القيادة العسكرية للجيش العراقي أبان سقوط الدولة العثمانية. فقد شكل التركمان نواة الجيش العراقي وضم بين صفوفه الكثير من القادة التركمان العسكرين أمثال مصطفى راغب باشا وعمر علي باشا وغيرهم والذين أبلوا بلاءا حسنا في جميع الحروب والمعارك وقدموا خدمات جليلة لهذا الوطن.
كان للتركمان حتى وقت غير بعيد دورا اساسيا وكلمة مسموعة في الجيش العراقي الى أن اندلعت ثورة الرابع عشر من تموز عام ١٩٥٨م وتلتها مجزرة كركوك المشؤومة في الرابع عشر من تموز عام ١٩٥٩م حيث تم القضاء على خيرة ضباط التركمان وأخص بالذكر الشهيدان اٍحسان خيرالله وأخيه عطا خيرالله وعدد آخر من ضباط التركمان الذين تم استبعادهم من الجيش العراقي بعد المجزرة. وتوالت هذه المظاليم بحق التركمان عندما استلمت الفئة الباغية زمام الامور في السابع عشر من تموز عام ١٩٦٨م حيث حرم التركمان من القبول في الكلية العسكرية وكلية الشرطة الا القلة القليلة حيث نزلت نسبة قبول طلبة التركمان الى الحد الادنى. أما قادة التركمان الذين كانوا في الجيش العراقي فقد تمكن النظام البائد التخلص منهم في الحرب العراقية الايرانية حيث سيق بهم الى جبهات القتال الامامية كما تم اعدامم أعداد كبيرة منهم وبتهم ملفقة.
وبعد انهيار النظام البائد تطلع التركمان الى رؤية حكومة عراقية وطنية ترعى حقوقهم واستعادة مكانتهم العسكرية بين أبناء صفوف القوات العراقية وسلك الشرطة ولكنهم صعقوا بموقف مجلس الحكم الانتقالي السلبي أزاء التركمان وجوبهوا بقرارات قاسية منعتهم من المشاركة فيهما. وبينما ارسل مجلس الحكم العديد من مراتب الشرطة والعسكريين من العرب والاكراد فقط الى الاردن والامارات العربية المتحدة للتدريب لم تدرج اسماء التركمان من العسكريين والشرطة في هذه القوائم وكأن التركمان ليسوا عراقيين. ويذكرنا هذا التصرف من قبل بعض أعضاء مجلس الحكم الانتقالي العراقي باللقاءات السرية التي دارت في غرف فندق هلتون في لندن عندما استبعد التركمان من السياسة العراقية لرفضهم القاطع لتقسيم العراق حيث اٍن معظم أفراد مجلس الحكم الحالي كانوا من المشاركين في مؤتمر لندن والذين وقعوا على استبعاد التركمان.
لقد حكم مجلس الحكم الانتقالي العراقي على التركمان بقتل مستقبلهم السياسي وبتجريدهم من الهوية الوطنية والقومية وسلب مناطقهم التركمانية التي استوطنوها منذ الاف السنين. ان استبعاد القوى السياسية التركمانية من المشاركة في هذا المجلس لدليل واضح على كبر المؤامرة وحجمها ضد التركمان في العراق ولكنهم نسوا أن التركمان وبايمانهم بقضيتهم العادلة س يناضلون وبالطرق السلمية والديمقراطية التي تليق بهم الى أن يحصلوا على حقوقهم المشروعة.
لقد ظهرت مهزلة جيش مجلس الحكم الانتقالي العراقي يوم ١٧/٣/٢٠٠٤م عندما تخرجت الدفعة الاولى من العسكريين والذين ارسلوا الى الاردن والبالغ عددهم ٥٤٨ ضابطا من بينهم ١٩٩ من قادة السرايا و٣٤٩ من قادة الفصائل بدون رتب عسك رية من العرب والاكراد فقط دون مشاركة التركمان والاقليات الاخرى والذين استبعدوا من خدمة العراق وفي حفل كاد أن يتحول الى حلبةا لملاكمة بين العرب الذين نشدوا النشيط الوطني العراقي والاكراد الذين نشدوا النشيد القومي الكردي في عمان – الاردن حيث شهد الحدث ملايين البشر عبر قنوات التلفزيون.
جيش مجلس الحكم يتكون من العرب والاكراد فقط وكأن بقية اطياف الشعب ليسوا عراقيين. . .
انها حقا لمهزلة كبرى سيذكرها الاجيال القادمة. . .
انه التأكيد الواقعي لنوايا مجلس الحكم الانتقالي على تقسيم العراق الى الشمال والجنوب واهمال التركمان البالغ عددهم أكثر من ثلاثة ملايين مع بقية الاطراف الاخرى. . .
انه التأكيد الميداني لخلق العداوة بين الاطياف العراقية التي عاشت في سلام وعلى أرض السلام. . .
انه الاجحاف الحقيقي بحق التركمان وفي جميع المجالات. . .
فبالامس استبعد التركمان في مجلس الحكم واليوم يستبعدون من المشاركة في الجيش والشرطة. . .
ولم يبق الا أيام قليلة ليصدر الفرمان من مجلس الحكم بترحيل التركمان من العراق. . .
فليسمع السامعون وليعرف العارفون ان هذا ليس بجيش العراق الذي عرفه التاريخ. . . انه جيش مجلس الحكم وانها المهزلة الكبرى في تاريخ العراق.