انتخابات الادارات المحلية التي جرت يوم الاحد ٢٨ مارس اسفرت عن فوز كبير لمرشحي الحزب الحاكم، حزب العدالة و التنمية، برئاسة طيب اردوان كذلك حققت تقدما لاحزاب اليمين الاخرى التي كانت قد منيت بهزيمة كبيرة في الانتخابات العامة قبل ما يقرب من العام والنصف. وتركت الهزيمة لتكون من نصيب الاحزاب اليسارية. حزب الشعب الجمهوري CHP ( يساري) الذي يتزعم المعارضة و يرأسه دينز بايكال فقد رئاسة البلديات حتى في المدن الساحلية التي تعتبر من قلاعه التقليدية. اما المفاجأة فكانت من الحزب الكردي DEHAP الذي كان يظهر واثقا من تحقيقه لفوز كبير تأثرا من التقدم الذي يحققه الاكراد في العراق هذه الايام ولكن النتيجة كانت على عكس التوقعات حيث فقد الكثير من مناطقه ليبقى منحصرا في منطقة ضيقة جدا على الحدود مع العراق. و ليس هذا فحسب فان تحالف الحزب الاشتراكي الشعبي SHP (يساري) مع الحزب الكردي DEHAP تسبب في ان يفقد الاول الكثير من ناخبيه.
اما الحزبين اليمينيين الاخرين الحزب القومي MHP( برئاسة دولت باهجلي و مؤسسه تركيش ) و حزب الطريق الصحيح DYP ( مؤسسه سليمان ديمرال) فقد حققا تقدما يجعلهما مرة اخرى على الساحة السياسية بعد ان منيا بهزيمة كبيرة في الانتخابات العامة. خارطة الانتخابات على شاشات التلفزيون تظهرالمناطق التي فاز بها حزب العدالة و التنمية (اردوان) باللون الصفر و حزب بايكال باللون الحمر و الاحزاب الاخرى بالوان مختلفة. فكانت النتيجة انه ظهرت خارطة تركيا بلون واحد تقريبا ، وهو اللون الاصفر وشريط احمر متقطع وضيق على السواحل ، و يتندر الناس عليه الان بالقول بان دفعة صغيرة تكفي ليقع بايكال في البحر ، ونقاط بالوان اخرى متفرقة هنا وهناك .
نتائج هذه الانتخابات فيها الكثير من الدلالات المهمة التي يحاول المحللون الوقوف على اسبابها ، مثل ماهي الاسباب التي مكنت حزب العدالة والتنمية( اردوان ) من تحقيق هذا النجاح الساحق ، و لماذا تراجع تاييد الحزبين الكردي والاشتراكي بهذا الشكل، وكيف عادت الاصوات الى الحزبين اليمينيين القومي ( MHP ـ باهجلي) و الطريق الصحيح ( DYP ).
بايكال بصفته سياسي مخضرم يصر على ان نتائج الانتخابات لم تكن هزيمة لحزبه ، ولكنهم خسروا بلديتين كانت تعتبر من قلاعهم التقليدية وهي غازي انتب وانطاليا. اضافة الى التراجع في معدلات الاصوات.
النتائج جائت بدون شك لتعكس تاييد الشعب التركي لاجراءات حكومة اردوان الى حد الان. ولكن مازال امام الحكومة ٣.٥ سنوات للحفاظ على امتنان الشعب هذا. بالاضافة الى القناعة العامة بان فرص فوز مرشحي الحزب الحاكم في انتخابات الادارة المحلية ( البلديات ) اكبر من منافسيهم.
من اسباب نجاح اردوان انه لم يتخذ من المواقف المعادية للقوات المسلحة وسيلة للتقرب الى الاوساط الدولية كما تفعل احزاب اليسار.
تركيا مرت و ما تزال تمر في ظروف حساسة جدا يصعب تصورها وخاصة في السنة الاخيرة بسبب احداث العراق و مع ذلك كانت القوات المسلحة في انسجام تام مع سياسة الحكومة بشكل اثار حيرة الكثير من الاوساط التي كانت تعول على خلافات في هذا الصدد. وهذا مما حقق لحزب أردوان الكثير من النجاح على الصعيد الوطني .
تركيا كانت تسير على خط دقيق جدا اثناء العمليات العسكرية في العراق من ناحية كونها دولة حليفة لاميركا ومن ناحية اخرى الحرص على مصالحها الوطنية.
لم ينس الاتراك حرب الدردنيل ، حين حشدت بريطانيا جيوشها وجيوش حلفائها ومستعمراتها لاقتسام تركة الدولة العثمانية. النصر الذي حققه الاتراك في حرب الدردنيل بقيادة مصطفى كمال اتاتورك انهى احلام الانكليز في " الامبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس " ولكنه كلف الاتراك مئات الالاف من الضحايا. في احدى المعارك في اثناء انتظار مجئ قوات اضافية لردع القوات المحتلة كان الامر الذي وجهه اتاتورك لجنوده هو: " انا لا اامركم بان تحاربوا ، وانما أمركم بان تستشهدوا في هذه المعركة الحاسمة ، حياة امتكم وبقائها يعتمد عليكم الان! " وبالفعل فان استجابة الجنود الاتراك لاوامر اتاتورك بالاندفاع نحو العدو بالاسلحة الخفيفة اذهلت جيوش الاحتلال واربكتها الى ان جائت القوات الاخرى. ولكن المعركة اسفرت عن استشهاد تلك الكتيبة باكملها ، و كانت مكونة من متطوعين من بينهم دورة دراسية كاملة من كلية الطب . بعد التحرير انشات تركيا نصب لشهداء حرب الدردنيل لتخليد الجنود الذين استشهدوا في تلك الحرب من جميع الاطراف لان الاتراك اعتبروهم مضللين ولم تكن لهم مصلحة واسباب حقيقية في تلك الحرب و ما زال انكليز و استراليون ياتون لزيارة مقبرة الشهداء هذه الواقعة على مضيق الدردنيل. ولكن الاتراك لم يكونوا ليسمحوا للجنود البريطانيين بدخول الاراضي التركية مرة اخرى لاي سبب كان. ولهذا فان القرار التركي اثناء العمليات العسكرية على العراق كان بعدم السماح للجنود الانكليز باستخدام الاراضي التركية في عبورهم الى العراق.
من ناحية اخرى كانت تركيا منذ بداية التسعينات تراقب بتيقظ وحذر النشاط الاميركي في شمال العراق و دعمهم للاكراد
وتحاول الموازنة بين علاقاتها مع اميركا من ناحية وبين ما يجب عمله من اجل الحفاظ على وحدة اراضيها واستقرارها و الحيلولة دون تسلل الارهابيين من شمال العراق الى الاراضي التركية. ظروف على درجة كبيرة من الحساسية ولكنها كانت امتحانا مهما لحكومة اردوان وكانت نتائج الانتخابات هذه بمثابة مكافئة وتقدير من الشعب التركي للدبلوماسية الصحيحة التي تخدم المصالح الوطنية قبل كل شئ.
الامر الذي اخفقت الحكومات السابقة في التحكم به بموازنة. توركوت اوزال كانت سياسته ترضي الاميركان على حساب المصالح الوطنية لتركيا ، واحزاب اليسار كانوا يشترون رضاء اليسار العالمي باعتراضاتهم لسبب و بدون سبب على القوات المسلحة. ناسين او متناسين بان اخفاقاتهم هي التي اجبرت الجيش الى التدخل *.
و بالاضافة الى خطوات جدية اتخذتها الحكومة لمكافحة الفساد الاداري وتحسين قوانين العمل ، فأن حزب اردوان باعتباره يمثل اتجاه المتدينين حقق من النجاح والتاييد ما لم يحققه حزب الرفاه ( ارباكان ) لانه لم يتخذ الصفة الدينية وسيلة لمعاداة علمانية الدولة التي تعتبر الحجر الاساس للدولة التركية.. اردوان اتبع سياسة سليمة في المجال الدولي و الخطوات الجادة على طريق الاتحاد الاوربي ساعدته في كسب ثثقة الشعب التركي بشكل عام و قطاع العمل و المستثمرين بشكل خاص. ولم يستفز المجتمع التركي بقضايا الحجاب ولم يتخذ من الشريعة و التدين وسيلة للتعرض الى حقوق المرأة التركية التي تمتعت بالمساواة في الحقوق منذ ٨۰ عاما.
في هذه الانتخابات يكون الشعب التركي قد اعطى مكافأته وتقييمه لكل لاحزاب السياسية كل حسب ما قدم .
* خلال ال ٨۰ عاما من عمر الجمهورية التركية تدخل الجيش ٣ مرات وفي كل مرة اعاد تسليم ادارة البلاد الى حكومة منتخبة بعد فترة قصيرة.
مقالات أخرى للكاتبة
ـ ما وراء اشاعةانباء كاذبة عندعوة السيستاني للامم المتحدة؟
http://www.sotaliraq.com/f/UNagain.htm
ـ قوى الشر
http://www.nahrain.com/d/news/04/03/03/nhr0303s.html
ـ إنصاف التركمان
http://www.sotaliraq.com/f/turkmen-26022004.htm
ـ الانتخابات ام دولة دستور وقانون
http://www.nahrain.com/d/news/04/02/19/nhr0219h.htm
ـ العلويون في تركيا
http://www.nahrain.com/d/news/04/02/15/nhr0215a1.html
ـ استراحة قهوةفي نابولي
http://www.nahrain.com/d/news/04/01/29/nhr0129j.html
ـ ليس من اللياقةالتعرض السيستاني
http://www.sotaliraq.com/irq/article_2004_01_28_1351.html
ـ قرار 137 ...
http://www.nahrain.com/d/news/04/01/21/nhr0121a.html
ـ الديموقراطية في العراق تبدأ بنزع سلاح البيشمركه وبقية المليشيات
http://www.irqparliament.com/Art01A/Hanan-07.htm
ـ كركوك وملابس الامبراطور الجديدة
http://www.irqparliament.com/Art12F/hanan-26.htm
ـ هل سترفع مدينة النجف شكواها ضد جرذام ونظامه؟
http://www.nahrain.com/d/news/03/12/18/nhr1218x.html
ـ دوامة الارهاب ، تجارة المخدرات ودولارات النفط ومستقبل العراق
http://www.sotaliraq.com/file/article_2003_11_2_0111j.html
ـ مجلس الحكم واللغة
http://www.sotaliraq.com/files/article_2003_11_6_1445.html
ـ حوار مع ابن ميمون
http://www.sotaliraq.com/file/article_2003_12_4_hanan_atalay.html
ـ ماذا يحدث في شمال العراق
http://www.irqparliament.com/Art10F/Hanan-22.htm
ـ المعارضة الديموقراطية للنظام الديكتاتوري ( ثرماسوس اسم مستعار)
http://nahrain.com/d/news/02/12/11/nhr1211b1.html
ـ رسالة من تركيا
http://www.nahrain.com/d/news/02/11/05/nhr1105e.html
ـ الفرهود
http://www.arabynet.com/Article.asp?did=67777.EN
ـ رسالة الى الجيش العراقي
http://www.nahrain.com/d/news/03/01/21/nhr0121n.html