..المدارس التركمانية: وعد تركماني للعراق بهبة غراس وفاء لا ينضب
زينب علي
تباركت أبدا أيام هذا الرسوخ الجبار لصدق تلك المحبة الأبدية التي تعانق وفاء التركمان لوطنهم الحبيب إلى نفوسهم بشهادة ذاكرة تضحيات ماضيهم وسخاء تنازلات حاضرهم وإيثار تطلعات طموحات مستقبلهم لأجل صمود بقائه الأبي والذي لا يرجون بجميع ما يبذلون أو يطلبون سوى دوام سموه إلى الأبد..
من قلب تلك المشاعر التركمانية المتدفقة من أعمق أعماق الوجدان التركماني الطافح بالوفاء ولدت المدارس التركمانية لتكون النبراس الذي يرتقي بأرواح فلذات التركمان من صغارهم ويسمو بها إلى حقيقة المقدرة المستقبلية الحقة على بذل أقصى وسعهم من عصارات أرواحهم ولباب فكرعقولهم بسخاء لا محدود لأجل المزيد من رفعة مستقبل العراق الذي لغيره لا يطيقون انتماءا وعنه لا يرتضون بدلا، والذي لطالما أقسرتهم الأيام على دفع ضريبة محبتهم له باهظة بما بذلوه ولازالوا يبذلونه من ذوات أرواحهم وأموالهم وجميع ثمرات غراس أيامهم المادي والمعنوي حتى الساعة..
وترعرعت آية من آيات حصاد أيام صمود الماضي التركماني الباسل وحاضره المناضل أمام جبروت حمم قوى القمع ومردة الاستلاب ببراثن تسلطها الصارخ بجنون وحشية شهوة عشق الدمار البشري.. فكانت تلك المدارس ابتسامة مفعمة بالأمل التركماني على وجه العراق الحزين، ترنو بتفاؤلها نحو مستقبل الإخاء المنشود بين فئات الشعب العراقي على اختلاف قومياته وتعدد طوائفه ومذاهبه ودياناته التي تنشد جميعها تحقيق حكم ميراث السماوات العظيم في شفقته على البشرية بنشر ثقافة المحبة والسلام وصفاء الوئام بين الجميع على هذه البقعة الحبيبة من الأرض.. فتركمان العراق إذ يجودون بخالص جهدهم لإرساء أشد الدعائم المادية والمعنوية رسوخا لتلك المدارس، فإنهم بذلك إنما يجودون بجميع ذلك في سبيل العراق والشعب العراقي أجمع قبل أن يكون ذلك لخير أبناء الأمة التركمانية خاصة، لأن لتلك المدارس من عظيم الفائدة وجليل النفع ما تسبغه على بسيطة العراق كلها بطريقة أو بأخرى.. فإن تلك المدارس تحفظ ببقائها الميمون- بإذن الله تعالى- عنفوان اللسان التركماني وغضاضة ذاك النبض الحركي للغة التركمانية في العراق لتنقذ مستقبلها مما يترصدها من غوائل التلاشي ومن ثم الانقراض القاحل، وبذلك يرتبك النسيج الحضاري العراقي ذو الجذور التعددية الأصيلة القابعة في قلب أعتق العصور المضيئة بقبسات رقي عقولهم، لأن اندثار تلك اللغة يبتلع معها غير قليل من ذاك الميراث الفكري والأدبي الشهي المفعم بخصوبته الإنسانية اللا محدودة، وبهذا يخسر العراق ما لا يقدر بثمن من ذاكرة أيام حضاراته الإنسانية التي ساهم التركمان في بناء أمجادها الرفيعة على مر قرون مضت، كما أن تلك المدارس بصدق دأب جهودها هي بيئة علمية معافاة نشأت لنمو بذور الإبداع الروحي التركماني في نفوس صغار تركمان العراق، وهذا بحد ذاته معد تركماني جديد للعراق بغراس وفاء يتمثل بجيل شباب تركمان المستقبل العراقي، والمساهم كآبائه وأجداده في صنع حضارته العلمية والأدبية بجهده الواعد.. فعندما يشق العراقي بإبداعه عنان سماوات النجاح من أي قومية كان أو طائفة أو ديانة يرفرف اسمه في كل بقعة من بقاع الأرض بعيدها وقريبها كمبدع عراقي في الغالب قبل النظر إلى قوميته أو ديانته أو انتمائه الطائفي..
لقد بنيت تلك المدارس لتبني ذات الإنسان السوي الذي يكبر مواطنا راضيا عن نفسه.. شاهق الثقة والاعتزاز بوطنه وقوميته، وهذا ما يرتقي بروحه إلى حقيقة إدراك أهمية وجوده ومدى سمو الأهداف العظمى التي تستحق منه باهظ التضحيات.. فلا يتسلل داء الازدواجية إلى نفسه فتصير مواقفه وعواطفه وسلوكياته جميعا على قيد الازدواج الذي كان نظام تسلط الحكم السابق مروجا له بصب جام الترهيب والترويع على الناس مما جعلهم يقبلون تلك اليد الحاكمة بجورها على الرغم منهم بينما يدعون عليها في أعماقهم بالكسر أو البتر الدائم.. ولا تطارد الناس كوابيس إفشاء أي ممن يتحدثون إليه بشئ من أسرارهم التي قد تفضي بحياتهم إلى الفناء السريع.. وبهذا تصير تلك البيئة التربوية السليمة لقاحا كذلك لكل تلميذ ضد تفسخ عدد من أرباب المسؤولية المعقدين بتسلطهم في المستقبل..
فضلا عن كون المدارس التركمانية هي حق واجب من حقوق التركمان التي لبثت قابعة في وجدانهم منذ زمن بعيد، وبتحققها يذوب ذاك الشعور بالغبن الذي يشرنقه الحزن في أعماقهم بشأنها، فيعاودهم الاطمئنان على مستقبل صغارهم العلمي وبذوره الثقافية.. وهذا مما يضفي المزيد من الطمأنينة ويسبغ فيضا من الشعور بالإخاء الذي يجتذب السلام للمجتمع العراقي..
إن اللغة العربية – التي لن تجبه بالإهمال المطلق في تلك المدارس – ليس لها أن تذوب بذاك اليسر الذي يجعل افتتاح عدد من المدارس الناطقة بلغات عراقية أخرى ضربة قاضية لها، لأن للغة العربية من عظيم الأهمية في العراق كبلاد غالبية مسلمة شطرها الأعظم من السكان العرب، وتتصدر اللغة العربية معظم شؤونها ما يجعل تلك اللغة على مكانتها من عظيم الجلال والأهمية لجميع الشعب العراقي.. وإنما تصير بقية تلك اللغات العذبة المفعمة بالحيوية على أرض العراق شقيقة للغة العربية تتبادل وإياها فيض نتاج الإبداع بقنطرة الترجمة.. ولن يكون ذلك إلا بأن تنال كل قومية حريتها اللغوية والفكرية والثقافية المنشودة..