انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي ومنافعه للعالم العربي
جمال قارصلي - جريدة القدس العربي
التطورات في تركيا علي الصُعد الاقتصادية والداخلية وبالذات فيما يخص الجزئية المتعلقة بترسيخ الديموقراطية تشير الي ان هذا البلد بدأ يخطو خطوات كبيرة في الاتجاه الصحيح. فلا شك ان المخاض الذي يمر فيه هذا البلد علي هذا الطريق طويل وصعب وبالذات فيما يتعلق بحقوق الإنسان والسياسة الإقتصادية للبلاد ودور الدين في الدولة والحد من سلطة المؤسسة العسكرية في التدخل في مؤسسات المجتمع المدني وتطبيق شروط كوبينهاغن.
من المعروف ان الكثيرين في العالم العربي ينظرون الي رغبة تركيا في الانضمام الي الاتحاد الأوروبي بنوع من الشك والترقب لأسباب عديدة اهمها هوية تركيا الاسلامية التي يخشي البعض ضياعها او ان تصبح تركيا عضوا في جسم لا يعتبر بالضرورة جارا ودودا نظرا لدور وتحالفات بعض دول الاتحاد الأوروبي الأعضاء في تحالفات اقل ما يقال عنها انها منافقة وليست حريصة علي تطور المسار الديموقراطي في العالم العربي بغض النظر عن حملة التطبيل والتزمير التي تقودها في وسائل اعلامها والتي تنادي بتحرير الشعوب العربية من قيود حكوماتها.
النموذج التركي ورغبة هذا البلد في الانضمام الي الاتحاد الأوروبي ليس فيه تناقض مع هويته لأسباب عديدة اهمها شكل الحكومة الحالية التي يقودها رجب طيب اردوغان والتي تمثل التيار الاسلامي التركي. والمتابع لتطورات السياسة التركية يدرك جيدا ان هذه الحكومة ليست العوبة في ايدي قوي خارجية ومواقفها الأخير المتعلقة بقضايا الشرق الأوسط مثل الممارسات الاسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة وعملية القتل الجماعي التي قامت بها القوات الأمريكية في مدينة تلعفر العراقية ذات يثبت ذلك. الشيء الملفت للنظر ان الحكومة التركية ذات الأغلبية الساحقة في البرلمان تقود عملية اصلاح تدريجية قائمة علي الحلول الوسط بين التوجهات العامة في المجتمع التركي وبين المقاييس التي وضعها الاتحاد الأوروبي كشرط لمناقشة امكانية دخول تركيا في الاتحاد الأوروبي والمقصود هنا شروط كوبنهاغن.
تجربتي وعلاقاتي الشخصية مع منظمات حقوق الانسان التركية وما تنشره هذه المنظمات يشير الي انها تعمل مع الحكومة الحالية كشريك من أجل التغيير وليس كند او عدو كما كان سابقا. نتائج هذا التعاون بين مؤسسات المجتمع المدني والحكومة التركية سيؤتي أكله لمصلحة الشعب التركي ودمقرطة المجتمع بغض النظر عن دخول تركيا الاتحاد الأوروبي او عدمه. أهم ما يمكن ان تقود اليه سياسات الحكومة التركية الحالية هو اقرار السلم الاجتماعي والتخفيف من الاحتقان نتيجة المشكلة الكردية وحقوق هذه الأقلية الكبيرة الشرعية في ممارسة ثقافتها والتعبير عن نفسها سياسيا دون ان يكون ذلك سببا لإضطهادها أو الإنتقاص من حقوقها طالما كان ذلك علي قاعدة دستور يحافظ علي الوحدة الوطنية للبلاد ويحفظها من الانقسام وتدخل القوي الأجنبية.
خطوة دخول تركيا الي الاتحاد الأوروبي قد تكون لها مزايا وفوائد عديدة في الاتجاهيين. من ناحية يثبت الاتحاد الأوروبي انه ليس منظومة تجمع شعوبا بناءا علي ديانتها بل بناءا علي تمثُل القيم الديموقراطية والحقوق المدنية الاساسية للانسان. ومن ناحية أخري تعمل تركيا كرأس جسر ثقافي للعالم الاسلامي وبالاتجاه الآخر للعالم القديم المسيحي مع كل المميزات التي سوف يحصدها الطرفيين. فتركيا لها حدود تصل الي ٧٨٠ كم مع سوريا فقط عدي عن تلك مع ايران والعراق.
المخاوف الأوروبية من هجرات جماعية تركية في اتجاه أوروبا سوف تثبت انها بدون مبرر. السبب بسيط جدا وهو ان تركيا عندما تصبح مؤهلة لدخول الاتحاد الأوروبي سوف تكون من القوة اقتصاديا بحيث تنتفي حاجة مواطنيها للهجرة من أجل الكسب، علي العكس من ذلك سوف تصبح هناك هجرة عكسية من أوروبا إلي تركية وبالذات من قبل الأقليات التركية عندما لا تفقد هذه الأقليات المميزات التي تحصل عليها اثناء وجودها في اوروبا كما حصل في دول أخري سابقا عندما دخلت الإتحاد الأوربي مثل اليونان وإسبانيا والبرتقال وإطالية. يضاف الي ذلك الامكانيات الهائلة التي سوف تشكلها تركيا كسوق عمل وكبلد للاستثمار للمواطنين الأوروبيين.
انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي لا يمكن الا ان يكون فيه منفعة للعالم العربي. فقد اثبتت تركيا التي تسير باتجاه الديموقراطية وتمثل قيمها الحقيقية وبقيادة التيار السياسي الاسلامي التركي انها لا يمكن ان تقف ضد القضايا العربية العادلة وتتخذ مواقفا تتجاوز مواقف الكثير من دول العالم العربي في حزمها ومبدأيتها وعدالتها. الأمل في ان تحذو دول العالم العربي حذو تركيا في احداث التغييرات الداخلية متواضع لأن ذلك مرتبط عضويا بتحسين العلاقات الحقيقية باتجاه القارة ألاوروبية الجارة والتي يمكن تعدل من موازين القوي التي امالتها الولايات المتحدة الأمريكية ضد مصلحة دول العالم العربي وشعوبها.
التلكؤ في احداث الاصلاحات الديموقراطية الداخلية في المجتمعات العربية بفعل قواها الحية دون التدخل الخارجي لن يعفي هذه الحكومات من هذا الاستحقاق آجلا ام عاجلا لأن حكومات الاتحاد الأوروبي لا تأخذ بعين الجد الدول ذات الحكومات الشمولية هذا من حيث المبدأ ونظريا اما الواقع فهو ايضا مختلف بدليل وقوف بعض الحكومات الأوروبية موقف المتفرج او الداعم لالغاء الانتخابات الديموقراطية كما حدث في الجزائر مثلا حيث لم يقدر لهذا الوليد العيش ومعرفة ما قد ينتجه سواء كان غثا او سمينا والنتائج معروفة وثمارها يحصدها الشعب الجزائري لهذه اللحظة حربا اهلية ودمارا وخرابا.