قال الزعيم الكردي البرازاني قبل يومين ان الاكراد سوف يقاتلون من اجل الحفاظ على «هوية كركوك». ومثل هذا التحذير المضمَّن متوقع منذ زمن. انه السرّ المعلن في اربيل، منذ ان اجتزأ الاكراد لأنفسهم بعد ١٩٩١ مقاطعة ذاتية غير معلنة. ولكن ما هي «هوية كركوك» التي تنتج ٧٪ من نفط العراق؟
دعونا من رد الفعل السطحي والعصبي: «انها طبعاً هوية عربية». لم تكن كركوك «عربية» في الزمن المدوّن. لكنها ايضاً لم تكن كردية الهوية في اي زمن معروف، وان كان الاكراد يقولون الان «انها بالنسبة الى كردستان ما هي القدس بالنسبة الى فلسطين». هذا الآن هو منطق القوة التي يشعر بها الاكراد بعد عقود من الحرب مع النظام، وبعد الحملات الجائرة والفاشية التي قادها ضدهم نظام صدام حسين. ولكنه ليس منطق التاريخ ولا منطق المواطنية. لقد وقع بالاكراد ظلم كبير، كما وقع بشيعة الجنوب، واهل الاهوار الذين عادوا الآن الى ديارهم. او بالاحرى الى مراكبهم. وكانت لصدام حسين مشاريع سكانية على طريقة تشاوشيسكو وقبله ستالين، قائمة على اقتلاع البشر من ارضهم وزرعهم في اماكن اخرى. وكانت كركوك احد هذه المشاريع. فقد نقل النظام اليها الآلاف من العرب. واشتريت بيوت الاكراد باثمان محزنة. وشرد عدد كبير منهم. وبحجة اقامة القواعد العسكرية، ابعد وشرد البعض الآخر. وفي النهاية اصبحت المدينة ذات اكثرية عربية للمرة الاولى بعدما كانت على الدوام ذات اكثريتين، كردية وتركمانية. والى زمن طويل جداً كانت الاكثرية التركمانية هي الغالبة، فلا ندري اين هي «الهوية» الكردية، ومتى كانت كركوك مدينة كردية خالصة، ومتى كانت «قلب كردستان العراق» مع انها واقعة على اطراف حدوده الجنوبية.
لقد اخطأ النظام السابق في حق الاكراد بلا اي شك. وارتكب في حقهم الكثير من الفظاعات. وشنّ عليهم حرباً تطويعية تدجينية لم يخفف من وقعها ابداً اختيار طه ياسين رمضان نائباً للرئيس. الا ان تلك الاخطاء لا تصحح بالفظاظات التي ترتكب ضد العرب الآن. وكما كان الاكراد ابرياء شردوا من منازلهم هكذا هم العرب الذين يشردون اليوم.
كركوك، التي لا يزال ٣٥٪ من سكانها تركماناً و٥٪ اشوريين، بالاضافة الى كثير جداً من العرب، ليست في حاجة الى حرب من اجل «هويتها». فهويتها النهائية هي انها مدينة عراقية. وهذه الهوية تحافظ عليها الزعامات الكردية من خلال المصالحات وتجنب القتال وعدم التحول من ضحايا الى مرتكبين، بصرف النظر عن الحقوق. هناك قضية كبرى في العراق اسمها كردستان. او الاستقلال الذاتي الكردي. او انهاء المشكلة الكردية ضمن العراق الجديد. لكن ليس هناك هويات تلغي هويات اخرى. ولا حاجة لتكرار التجربة الفاشية وما تركت خلفها.