طريف تهديد مسعود البرزاني بالويل وعظائم الأمور إذا ما تم المس ب “كردية كركوك”، فالرجل وأتباعه لا وجود نافذا لهم في هذه المدينة، على غير حال غريمه، (وحليفه أيضا!)، جلال طالباني الذي استأسد البرزاني ضده بصدام حسين قبل ثماني سنوات، فطرده من أربيل التي استحكم فيها البرزاني وصارت عاصمته، فيما استمسك الآخر بالسليمانية التي كان صدام (أيضا) قد عاونه في التحصن فيها، بل ومكّنه من الإفادة من حقول نفط حواليها، ولأن أرشيف الرجلين حافل بالعلاقات الانتفاعية مع الرئيس العراقي السابق، يجوز تصديق ما يتردد هذه الأيام أن بين يدي طالباني حاليا محضر آخر اجتماع بين البرزاني وصدام قبل سقوط النظام السابق قبل تسعة أشهر، يقول فيه الأول للثاني تفاصيل عن تحالف طالباني مع الحرس الثوري الإيراني في الشمال العراقي، ويتمنى البرزاني فيه أيضا أن يحفظ الله صدام حسين بكل خير. وليس مستبعدا أن يكون لدى هذا الزعيم الكردي معلومات موثقة عن أموال وأعطيات وهبها صدام لطالباني، مع العلم أن أقارب للبرزاني بيعت لهم بأمر من الرئيس المخلوع أطنان نفط بسعر رخيص طوال تسع سنوات سبقت الاحتلال.
لحكاية كركوك التي نفش البرزاني ريشه بشأنها (في أنقرة ودمشق خصوصا!) صلة بهذه الإحالات، لكن الأهم أن هذه المدينة لم تكن يوما ذات أغلبية عراقية كردية، وإن كان بعض الصحة في الكلام عن توطين أسر عراقية عربية فيها، جرى خلال الشهور الماضية تهجير مائة ألف منهم قسرا. وكان نائب المحافظ فيها قد أعلن، وأمام غازي الياور، أنه لا بد من تنظيف كركوك من “المستوطنين العرب”، وهو ما يجري حاليا بالتوازي مع تحركات شديدة الخطورة، تقوم بها ميليشيات الحزبين الكرديين المعلومين.
للعراقيين الأكراد حقوقهم الثقافية والسياسية التي يجدر عدم التهاون بشأنها، ويحسن أن يحظوا بها بالآلية الديمقراطية في سياق العراق الجديد الموحد، وضمن الصيغة التي يتوافقون عليها مع عموم أشقائهم العراقيين، غير أنه من بالغ الأهمية أن يُعرف أن جلال طالباني ومسعود البرزاني، على ما بينهما من تفاوت في النزعة الانفصالية، من أكثر الذين أضروا بالقضية الكردية، بإيثار كل منهما زعامته ونفوذ عشيرته وأنصاره على أي شيء، وبما أشاعاه من فساد أسود ومريع في السليمانية وأربيل، وبما اقترفاه من حروب بين الأكراد أنفسهم. ودلّ على ذلك أن ما يشبه هروبا جماعيا قام به سكان أكراد من مناطقهم إلى أوروبا وأمريكا في السنوات العشر الماضية، فرارا من سيطرة ميليشيات هذين الرجلين، وحدث أن قبائل كردية تركت قراها ومزارعها وهاجرت إلى الموصل، بسبب اضطهاد من هذه الميليشيات التي تزداد في هذه الأيام تسلحا وتطرفا وهوسا بالزعامة والوجاهة والسيطرة، وهذه كلها لا تنفع في طريق البرزاني، ومن معه، إلى كركوك، ذات الغالبية العربية والتركمانية،. . . فضلاً عن أن طالباني هو الذي يحتلها.