بعد الاستفزازات الكردية في كركوك والمتمثلة في تسيير المظاهرات التي تدعو الى ضم المدينة الى المنطقة الكردية وجعلها عاصمة للكيان الكردي المستقل، وكذلك التهديدات النارية التي راح يطلقها مسعود البارزاني أخيراً، والتي صاحبها جلب ٣٠٠ ألف كردي من أكراد إيران وتركيا وسوريا الى المدينة المذكورة حيث بوشر العمل في إنشاء مجمعات سكنية لهم في محاولة من الأكراد لتعديل التركيبة الديمغرافية في كركوك التي يشكل فيها التركمان الأغلبية اعتماداً على إحصاء عام، ١۹٥٧ وإذا ما أضفنا العرب والآشوريين والكلدانيين الى نسبة التركمان، تظل المعادلة السكانية في غير صالح الأكراد في كل الأحوال على الرغم من ادعاءات الأكراد والتي فحواها ان كركوك (مدينة كردية(.
ومن الواقع السالف فقد عزم العرب والتركمان على توحيد الصفوف أمام المحاولات الكردية الرامية الى طرد العرب بذريعة انهم ليسوا من سكان كركوك، وهم يستخدمون في هذا الإطار ذات الاسلوب الذي كان يستخدمه النظام السابق من خلال القيام بعملية “تكريد” للمدينة السالفة بينما هم في الوقت نفسه يشكون من سياسة التعريب التي قام بها النظام السابق، لكن الأكراد يتناسون ان العرب الذين تم جلبهم للمدينة من قبل النظام السابق قد تمت الإشارة في قيد نفوسهم الى مدنهم الأصلية بالإضافة طبعاً الى وجود القبائل) العشائر) العربية التي تقيم في الضواحي منذ قرون لاسيما قبائل العبيد والجبور والبيات، وقد تشكل كركوك نموذجاً عراقياً للتنوع العرقي والديني والمذهبي، وهي بالتالي مدينة عراقية تكون ديموغرافياً قد جمعت كل أطياف الشعب العراقي وبقطع النظر عن الفئة الغالبة من السكان فيها.
وضمن اطار التصدي للمحاولات الكردية الرامية الى “تكريد” المدينة فإن هناك استعدادات تجرى في كركوك لتنظيم تظاهرة كبرى للعرب والتركمان رداً على التظاهرات المتكررة التي قام بها الاكراد والتي طالبوا فيها بطرد العرب من المدينة وهم يرفعون الأعلام الكردية التي لم يكن من بينها العلم العراقي.
وبقطع النظر عن هوية كركوك العرقية ومن هي الأثنية الغالبة في سكانها يقول المراقبون، ان تصريحات البارزاني أثارت حفيظة الطالباني حيث عدها مزايدة على شعاره “كركوك قدس كردستان” وبالتالي فهي تشكل استفزازاً للطالباني قبل التركمان والعرب أو بالأحرى قبل السواد الأكبر من العراقيين، حيث يعتبر الطالباني ان أكراد كركوك موالون له بحكم اللهجة السورانية بينما جماعة البارزاني هم من أتباع اللهجة البهدينانية، وقد استطاعت جماعة الطالباني إقتحامها في عام ١۹۹١ خلال الإنتفاضة الشعبية، وبالتالي فإن الطالباني لن يسمح للبارزاني في السيطرة عليها هذا إذا سمح أهل كركوك والعراقيون بذلك خصوصاً وان قوات جماعة الطالباني كماً ونوعاً هي أقوى من قوات جماعة البارزاني في كل الأحوال ولو رجعنا الى عام ١۹۹٦ لرأينا كيف استطاعت جماعة الطالباني من دحر جماعة البارزاني والسيطرة على عاصمتهم أربيل في وقت قصير.
ولهذا فإن المراقبين يعتبرون ان تصريحات البارزاني السالفة قد تعدت الخطوط الحمر التي وضعها الطالباني حول كركوك، المحافظة التي تعد أغنى منطقة نفطية في العراق ومن أغنى المدن النفطية في المنطقة والعالم، لاسيما وان الطالباني يضع هذا الأمر فوق كل اعتبار وهو لن يسمح مستقبلاً ان تكون واردات النفط تحت سيطرة منافسه البارزاني على سبيل الافتراض، مثلما حصل معه في السابق بعد ان راح الأخير بالإستحواذ على العائدات المالية لنقطة ابراهيم الخليل والخاصة بمرور شاحنات وصهاريج نقل النفط الى تركيا.
لهذا فإن الحرب التي هدد بها البارزاني في موضوع كركوك إذا ما اندلعت ستكون كردية كردية قبل ان تكون كردية تركمانية عربية، ومع ذلك فهناك من يؤكد ان أي حرب في هذا الموضوع لن تندلع لأن كركوك تحكمها عوامل دولية وإقليمية وقبل ذلك، ان كركوك سوف تظل تحت الحكم المركزي مهما قيل عن أشكال الحكم المطروحة وبعيداً حتى عن شكل الحكومة القائمة.