أمريكا تتحدث عن ديموقراطية مفترضة في العراق، وفلسطين، والقياس الذي تنطلق منه تجربتها مع اليابان، وألمانيا، والخلاف بالظروف والزمان، وثقافة هذه الشعوب ومركز قوتها تختلف، حيث اليابان وألمانيا، رغم هزيمتهما، فالبنية الأساسية قائمة من تكنوقراط، ومهندسين، وعلماء، وهذا سهل على أمريكا الاستجابة السريعة، لكنها مع العراق قد لا تكون مهيأة لأسباب أكثر تعقيداً، إذ أن حكومة بوش تريد ديموقراطية مفصّلة على المقياس الأمريكي، وهذه إحدى الصعوبات التي ستواجه أي فصيل من أصحاب المذاهب، والقوميات، والقبليات، ثم إن الاحتلال نفسه سيبقى مركز التنازع بين تلك الأطراف، إذ يستحيل أن تقبل أمريكا رجل دين قد يقترع عليه الشعب العراقي، ويرفض الاحتلال الأمريكي، وكذلك أي شخصية تناوئها، وهذا السبب يُسقط مبدأ الشرط الأساسي للديمقراطية الأمريكية، إذ تريدها مرحلية لا تخرج عن خطها المرسوم بمبايعة الاحتلال، والشروط التي يفرضها. .
كذلك الواقع الفلسطيني، فلا إسرائيل، ولا أمريكا تريدان أن تريا أحد أعضاء حماس على قمة السلطة، ، وأيضاً من المستحيل أن تنجح انتخابات في ظل احتلال يريد التسليم بوطن صاف له من كل الأجناس، ولولا حتمية الصراع واشتداد المقاومة، لربما لم يكتب لبوش أن يعلن إيجاد وطن فلسطيني يجاور إسرائيل، ولعل تصريحاته الأخيرة، التي همشت القضايا الأساسية حول القدس، والضفة الغربية، وموضوع اللاجئين، وتركها لمباحثات ثنائية تعتبر دوراناً مع نفس العجلة القديمة التي انتهت للفشل. .
أما إذا كانت رغبة بوش جادة ومقنعة فعليه أن لا يكون مملي الشروط والناطق باسم إسرائيل، لأن الشعب الفلسطيني بكوادره القادمة ليس حكومة ظل لإسرائيل، ولأن كل من يستطيع الوصول إلى السلطة لا يجرؤ على تغيير الثوابت والمسلّمات التي أصبحت قانوناً عاماً يمس كل الفلسطينيين. .
الرئيس بوش، قد يكون لديه بعض الرغبة في إيجاد سلام في المنطقة لكن هذا البعض قد تسقطه لاءات شارون والتي لا يجرؤ أحد في السلطة الأمريكية على الخروج عنها، والاستثناء الوحيد حدث أيام الاعتداء الثلاثي على مصر من قبل إيزنهاور، وهو أمر شاذ وغير قابل للتكرار. .
عموماً هناك مرحلة انتقالية في السلطة الفلسطينية، لكن من يعتقد أنها ستكون الأكثر تسليماً بشروط إسرائيل، لا يعرف من الواقع الفلسطيني أي شيء، ولعل أمريكا، كدولة عظمى لها مسؤوليات أدبية في المنطقة بأن تخرج من أسر إسرائيل، وإلا ظلت النتائج بدون تغيير. .