داقوق أو طاووق كما تسمى بالتركمانية، مدينة من المدن التركمانية التاريخية القديمة التي أستوطنها التركمان منذ بداية تأسيسها، ويتبع أداريا محافظة كركوك حيث تقع هذه المدينة على بعد ٤۰ كم الى الجنوب من كركوك وعلى الطريق المؤدي الى العاصمة بغداد.
تعتبر ناحية داقوق من المناطق الزراعية التي تشتهر بخصوبة أراضيها وبحقولها الخضراء بالاضافة الى أهتمام أهلها بتربية الحيوانات، ويجيد العديد من التركمان في داقوق مهنة النسيج وصناعة السجاد اليدوي والحرف اليدوية الاخرى، وأن غالبية سكانها من الشيعة التركمان حيث يرجع أصولهم الى قره قويونلوا، والبيات، وايلخانليلار التركمانية. وقد زيد مقام سيد الساجدين الامام زين العابدين بن الحسين عليهما السلام من ألاهمية الدينية للمدينة حيث يقع المقام الشريف على بعد كيلومترين الى الشرق من ناحية داقوق ويستقبل الزوار على مدار السنة. يمر الى جانب مدينة داقوق نهرعريض يسمى بنهر ( داقوق صو) أو ( طاووق چايي) باللغة التركمانية، ويربط ضفتي النهر أطول جسر في العراق، ويفيض هذا النهر في موسم الامطار ويغلب عليه الجفاف في الصيف حيث ينحصر الى الضفة الشمالية متحولة الى ترعة صغيرة يزرع على أطرافها أنواع البطيخ والشمام الذي يشتهر بها المدينة. أما في فترة الربيع فأن روائح النرجس تفوح من على بعد كيلومترات من المدينة حيث يشتهر نرجس هذه المنطقة بروائحها الزكية القريدة.
تحتفظ داقوق العديد من المعالم الاثارية القديمة منها منارة داقوق الاثرية التي يرجع تاريخها الى فترة الخلافة العباسية حيث تظهر فيها معالم الفن العباسي القديم، وكذلك بقايا الجامع الكبير في المدينة. ويذكر في كتب التاريخ أن التركمان استوطنوا داقوق منذ عهد الخليفة العباسي المعتصم بالله. ويقسم وادي (لاصن) هذه المدينة الى قسمين حيث تسمى المنطقة الاولى بمنطقة ( دميرجيلار) والقسم الاخر بمنطقة ( كوتوركه) و (ايلخانليلار) ويمرأيضا من وسط المدينة ترعة صغيرة ومغلقة.
لم تسلم داقوق كباقي المناطق التركمانية الاخرى من بطش النظام الصدامي ومن سياسية تغيير الواقع القومي التركماني للمدينة حيث قام النظام بتخريب المنازل والبيوت والقرى التركمانية المحيطة بها، وخرب النظام قرية ( چيوركة ) وقسم من منطقة ( خوروز ) كما حاول النظام تخريب المقام الشريف بعد أن خرب عدد كبيرا من البيوت حول المقام وأجبر ساكنيها على الرحيل، ووزع النظام الاراضي الزراعية التركمانية المغتصبة على القادمين الجدد الموالين للنظام، وجرت اعتداءات واسعة من قبل هؤلاء على بعض المزارعين التركمان وأصحاب المحلات التجارية بحجج ملفقة. وعندما التف النظام على قرار منح الحقوق الثقافية للتركمان في ١۹٧٢م أجبر النظام أهل المنطقة على التكلم باللغة العربية كما اجبر أئمة الجوامع والحسينيات على ألقاء الخطب الدينية وخطب الجمعة باللغة العربية ولكن ماذا يفعل الشيوخ والنساء الذين لا يجيدون العربية؟
وفی بداية عام ١۹٧۳ م داهمت زمرة الغربان حسينية داقوق وأجبروا شيخها الامام مهدي مصطفى بوياغجي على القاء خطبة الجمعة باللغة العربية ولكن ومهما أفاد الشيخ من عدم قدرته على التكلم باللغة العربية وحتى ولو حاول ذلك فان أهل المنطقة سيواجهون مشكلة صعوبة فهم الخطب، ولكنهم أصروا أصرارا شديدا وهددوا الشيخ بالسجن في حالة عدم الامتثال لاوامر السلطة. وفي ليلة من الليالي المظلمة السوداء تم أختطاف الشيخ تحت ظروف مجهولة وبعد مرور أربعين يوما وجدت جثته مرمية على مقربة من سدة الهندية بعد أن مثل بجسده الطاهر وكانت علامات التعذيب واضحة على جسده ولكن تقاريرالطب العدلي الصدامي أكدت بأن الشيخ مات غريقا وأنه أنتحر وأن الاسماك ألتهمت جسده. غريب هذا الامر، فأن أسماك القرش وأسماك (البيرانا الامزونية) آكلة اللحوم لا تعيش في سدة الهندية، وكيف سافر الشيخ الى سدة الهندية دون أن يخبر أهله؟ وكيف بالشيخ البالغ من العمر سبعين سنة أن ينتحر وهو يعلم الناس دينهم؟ لقد عرف عن الشيخ مصطفى بوياجي الصبر وحسن مكارم الاخلاق وكان لايؤذي حتى الارض التي يمشي عليها، وقد قضى معظم عمره في قراءة وتعليم القران وعبادة الله وخدمة شعبه. تساؤلات يجاب عليها يوم الحساب، يوم يقوم الناس لرب العالمين.
وبعد أجراء مراسيم الجنازة تظاهر طلاب مدارس داقوق مطالبين بالاجوبة المقنعة حول هذه الجريمة ولكن كانت الاجابة أعنف من السؤال حيث تم أعتقال الطلبة المتظاهرين وزج بهم في سجون أمن كركوك ومنها الى بغداد وتم أعدام ٢٥ طالبا منهم بعد خمسة أشهر من تاريخ اعتقالهم وسلمت جثث قسم منهم الى ذويهم بينما دفن الاخرون في المقابر الجماعية، وتم بعدها ترحيل عوائل الشهداء الى المناطق الجنوبية من العراق بعد أن حجزت أموالهم المنقولة وغير المنقولة.
توالت عمليات الاعتقال في داقوق وتم أعدام مجموعة من ضباط التركمان وطلاب الجامعات ومن بينهم الشهيد حسين عسكر بابا أوغلوا الذي كان طالبا في جامعة السليمانية وتم أعدامهم جميعا بتهمة الانتماء الى حزب الدعوة والحركة التركمانية القومية ولم تسلم جثة الشهيد حسين عسكر الى أهله، وراحت نتيجة الاعمال الاجرامية خيرة شباب داقوق من التركمان.
لقد اتبع النظام الصدامي أعنف الوسائل للتخلص من التركمان في ( توركمان أيلي) أو أقليم التركمان، فعمليات التهجير والاعتقال والاعدام كانت تطبق بصورة سرية وبدون أن يعلم بها أحد، كما أن نسبة ما قدمه التركمان من الشهداء في العراق تفوق أعداد شهداء القوميات العراقية الاخرى، رحم الله شهداء داقوق وشهداء العراق جميعا وأسكنهم فسيح جناته.