هل هو قانون لإدارة العراق للمرحلة الانتقالية أم قانون دائم لتكريد العراق؟
فوزي توركر
لقد فرضت سلطات التحالف الأمريكي- البريطاني كما كان يتوقع لها على العراق ما يسمى بمجلس الحكم الانتقالي، وأملت من خلاله أغرب قانون في التاريخ أسموه إدارة العراق للمرحلة الانتقالية، فهو قانون لا يحقق غير إرادة سلطات التحالف والقيادتين الكرديتين اللتين تحمستا لأسباب يعرفها الجميع في مساعدتها على احتلال العراق، وزرع بذور الحقد والتمييز العنصري بين المواطنين وهضم الحقوق التاريخية المشروعة للآخرين.
فالقانون بشكله هذا سيعجز عن الحفاظ على وحدة العراق وإشاعة روح الأخوة والتآزر بين أبنائه، وعن إزالة آثار السياسات والممارسات العنصرية والطائفية للنظام البعثي البائد، كما وأنه يُرسي الفيدرالية التي ينشدها على الأسس العرقية والمذهبية وليس على الأسس الجغرافية والحقائق التاريخية.
يتعمد القانون للأسف الشديد في تجاهل الحقائق التاريخية للشعب التركماني المكوّن الثالث للمجتمع العراقي، الذي أثبت قديماً ويثبت الآن تعلقه بتربة العراق والذي لا يقل تعداده على أسوأ تقدير عن المليونين ويهضم حقوقه المشروعة، ويضعه في مرتبة بعض الأقليات التي لا يتجاوز عددها العشرة آلاف نسمة، فأين العدل والمساواة في هذا القانون؟ وما الفرق بين مجلس الحكم الانتقالي وبين مجلس قيادة الثورة العراقية البعثي الفاشي؟
ويعطي القانون الأعجوبة، لأغلبية الثلثين في المحافظات الشمالية السليمانية وأربيل ودهوك حق النقض (الفيتو) على الدستور عند إقراره بعد نحو عامين، فهذا يعني أن الأكراد الذين يشكلون ۱٥٪ من مجموع سكان العراق، سيحق لهم استعمال حق النقض ضد أي قانون خاص بتقرير مستقبل العراق، وهذا لا يعني سوى تحكم الأكراد في مستقبل العراق، كما أن المطالبة بضم محافظة كركوك ذات الأغلبية والخصوصية التركمانية التي لم تكن أبداً جزءاً من كردستان مثلما يُزعم، هي نوع من القهر والاستهانة بالتركمان والعرب بل وحتى الأكراد المتآخين في السراء والضراء.
ويكرس القانون سيطرة الأكراد، إذ نص على أن يكون مجلس رئاسة الدولة يتشكل من الرئيس ونائبين ينتمي أحدهم للعرب الشيعة والآخر للعرب السنة والثالث للأكراد، ويحق لهذا المجلس استعمال حق النقض على أي قانون يصدره البرلمان وقرارات التعيينات، وقرارات مجلس الرئاسة وفقاً لهذا القانون لا تصدر إلا بالإجماع، بما يعني أن الممثل الكردي يستطيع عرقلة صدور أي قرار لا يوافق عليه حتى وإن حاز على موافقة ممثلي العرب الشيعة والعرب السنة. وعليه فإن قانون إدارة العراق للمرحلة الانتقالية قد ولد ميتاً ولا يمكن بث الحياة فيه، لأنه بمثل هذا المجلس الرئاسي سيقود الحالة برمتها إلى الطائفية.
يجامل قانون إدارة العراق للمرحلة الانتقالية (المادة ٥٣) المواطنين الأكراد بقوة ويفضلهم على جميع العراقيين، ويعطيهم أكثر مما يستحقون، في حكم أنفسهم وفي مجال الأمن الداخلي، وفرض الضرائب على اعتبار أنهم تعاونوا مع قوات التحاف ضد النظام البعثي الجائر، وكأن العراقيين الآخرين كان بمقدورهم عسكرياً وجغرافياً التعاون مع قوات التحالف ولكنهم لم يتعاونوا. فالمادة هذه مما لا شك تكرس التقسيم وبالتالي الانفصال في المستقبل.
كما ويعطي القانون، لحكومة الإقليم الكردي صفة الحكومة الرسمية التي سوف تستمر في مزاولة الكثير من المهام التي تقوم بها الآن، كما يحق لها الاحتفاظ بمليشياتها المسلحة. فهذا الحق لا يعطيه القانون لباقي العراقيين كي يحتفظوا بأية ميليشيات مسلحة.
وحسب القانون أيضاً أن كل وحدة إدارية سواء كانت محافظة أو قضاء (الموصل وكركوك وديالى) سوف تلحق بالإقليم الكردي فيما لو شكل الأكراد غالبية السكان فيها لدى إجراء تعداد للسكان. كما أن القانون ليس إلا دعوة صريحة لتقسيم العراق طائفياً فضلاً عن تكريس انفصال فعلي للأكراد في المستقبل القريب. وبما أن محافظات يقطنها الشيعة والسنة بنسب متقاربة كالعاصمة بغداد وغيرها فإنها ستكون مسرحاً للاقتتال والصراع المذهبي الذي لا يحمد عقباه.
إن تواطؤ سلطات التحالف مع الأكراد في تسهيل سيطرتهم على كركوك منذ سقوطها، ومحاولة تغيير تركيبتها السكانية لصالح الأكراد على حساب التركمان والعرب، قد يسلم هذه المحافظة التركمانية الخصوصية والغنية بالنفط للأكراد بدون أي وجه حق، فهو هدف مغاير للحق والحقائق التاريخية سيقاومه التركمان بعنف.
والحكومة التي ستشكل في ظل الاحتلال ستكون مخولة للتفاوض مع قوات التحالف لإبرام الاتفاقيات الأمنية، وهذا يعني أن الحكومة المفتقرة للشرعية الشعبية والتي للأكراد فيها حق النقض، سوف تستطيع الدخول في اتفاقيات عسكرية والسماح للولايات المتحدة وبريطانيا بإنشاء قواعد عسكرية في العراق، وهي اتفاقيات لن يسهل إلغاؤها فيما بعد في ظل حق النقض الكردي.
والحقيقة أن مجلس الحكم الانتقالي غير المشروع الذي لا يختلف في عدم شرعيته عن مجلس قيادة الثورة العراقية البعثي الغاشم، لا يحق له وضع دستور سواء كان مؤقتاً أو دائماً. فقد كان يتحتم إجراء تعداد للسكان بإشراف دولي قبل كل شيء لمعرفة الصورة الحقيقية للتوزيع السكاني والاستناد إليه في توزيع المقاعد في البرلمان، تعقبه صياغة دستور مؤقت بإشراف الأمم المتحدة يمهد الطريق لدستور دائم يستند إلى مبادئ العدل والمساواة والديمقراطية وحقوق الإنسان.
فقانون إدارة العراق للمرحلة الانتقالية الذي صاغه على الأرجح خبراء أمريكيون ووقع عليه مجلس الحكم الانتقالي دون أقل حرص على مستقبل العراق ومشاعر التركمان الذين يعاقبهم اليوم الاحتلال الأمريكي لتعلقهم بوطنهم العراق، مثلما عاقبهم الاحتلال البريطاني قبل خمسة وثمانين عاماً، يعكس زيف الادعاءات الأمريكية في الحرص على الشعب العراقي، وتحريره من ديكتاتورية البعث البغيض وإقامة نظام ديمقراطي نموذجي في المنطقة. فالحرب على العراق لم تكن من أجل العراق والديمقراطية وتوفير الحريات والرخاء لشعبه، إنما كانت حرباً للسيطرة على موارد العراق النفطية وإقامة فدرالية كردية كخطوة نحو الاستقلال.
لن يعيد هذا القانون للشعب العراقي بكل أطيافه حريته التي صادرها النظام البعثي الحاقد على العراقيين بشكل عام وعلى التركمان بشكل خاص، ولن يساهم قط في إزالة آثار ممارساته الطائفية والعنصرية، وإنما سيصبح مصدراً جديداً للتوتر والاضطرابات في العراق، فحل قضية القوميات يكون بالمساواة وليس بمنح الامتيازات وحق النقض لفئة دون أخرى.