بعد أن فرض النظام العراقي سياسة اما الهجرة أو الموت على التركمان في مدينة كركوك التركمانية بدأت قوافل المهاجرين تتوجه الى الدول المجاورة تاركين ورائهم ذكريات الطفولة والمدينة الوديعة التي احتضنتهم والارض التي أورثوها من أجدادهم الذين سكنوها منذ الاف السنين. فقدرت أعداد التركمان المهجرين حوالي نصف مليون تركماني ومعظمهم من مدينة كركوك وضواحيها والقرى التي هدمت من قبل النظام الجائر في العراق. وتوجهت الاعداد الغفيرة من التركمان المهجرين الى الجمهورية الاسلامية الايرانية وتركيا وسوريا بينما التجأ قسم منهم الى الدول الاوربية وأمريكا الشمالية واستراليا كما لقي الكثرين مصرعهم خلال محاولتهم مقاومة برد ال ثلوج وعلوا الجبال أو عبور البحار والمحيطات تحت رحمة الامواج العالية التي ابتلعت خيرة شباب وأطفال ونساء التركمان. أما الذين لم يحالفهم الحظ من الهرب فقد هجروا الى المحافظات الجنوبية في حين سيق البعض الى شمال العراق ليعيشوا تحت سيطرة نظام أخر يطمع في تاريخ وأرض التركمان.
فعندما شن النظام العراقي العمليات الهجومية المعاكسة على مدينة كركوك في الانتفاضة الشعبانية المباركة عام ۱٩٩۱م استشهد العديد من التركمان الابرياء في محاولتهم الهرب الى المناطق الشمالية عندما استهدفتهم الطائرات العراقية السمتية، وبعد أن تمت السيطرة على مدينة كركوك توجهت قوات النظام الى مدينة تركمانية أخرى لتقضي على المزيد من التركم ان في مدينة ألتون كوبري التي تبعد عن كركوك بمسافة ٤٤ كم على الطريق الرئيسي بين مدينتي كركوك وأربيل. بدأت القوات العراقية المهاجمة بتاريخ ٢٨/٣/۱٩٩۱م بالتقاط المواطنين التركمان من البيوت والجوامع والمقاهي بعد أن فرض جبروته على هذه المدينة التركمانية الامنة، واقتيد بهم الى منطقة تقع خارج المدينة وباتجاه ناحية الدبس حيث تم تنفيذ حكم الاعدام الجماعي، وقتل النظام أكثر من مئة تركماني من ضمنهم النساء والاطفال والشيوخ. وحاول النظام اخفاء أثار جريمته بدفن هؤلاء الضحايا في المقبرة الجماعية خارج المدينة ظنا منهم أ ن الناس نيام لا يرون ما يخفون ولكنهم نسوا أن الله لا ينام وهو العليم والخبير حيث كشفتهم أنف كلب الراعي الذي كان يرعى ماشيته في نفس المنطقة التي دفنوا فيها وبصورة جماعية.
بدأ استياء التركمان ضد الاعمال الاجرامية للنظام العراقي من خلال التظاهرات والاحتياجات التي نظمت خارج العراق بينما زاد النظام من بطشه ومن جرائمه داخل الوطن. وتجمع شباب التركمان في مظاهرة سلمية أمام القنصلية العراقية في مدينة اسطنبول منددين بالاعمال الاجرامية التي ارتكبت بحق التركمان في العراق وفي مدينة التون كوبري ووضعوا الاكليل الاسود أمام مبنى القنصلية ولكن رد القنصلية كان أقوى حيث بدأ أعوان النظام باطلاق النار على التركمان المتظاهرين من منافذ القنصلية واستشهد شخصان بينما أصيب العديد بجروح خطيرة.
الشهيدان يلماز سعيد حجي أوغلوا ونجدت بقال أوغلوا كانا من خيرة شباب التركمان المشاركين في المظاهرة السلمية. ولدا هذان الشابان في مدينة كركوك ولم يتحملا ما فرضه النظام العراقي من الاعمال الاجرامية ضد التركمان الابرياء في المناطق التركمانية وكان الشهيدان من ضمن قوافل المرحلين حيث رست بهم سفينة الهجرة على سواحل اسطنبول ولكن رصاصات النظام كانت تلاحقهم حتى خارج الوطن. وفي صبيحة الخامس من نيسان عام ۱٩٩۱م وقفا الشهيدان مع جموع المتظاهرين ينددون بالاعمال الاجرامية للنظام العراقي ويستنكرون بشدة مذابح كركوك وتازة خورماتو وطوز خورماتو والتون كوبري واذا بالرصاصات تنهمر عليهم، وتفرق الجميع ما عدا الشهيدان حيث كانا يلفظان أنفاسهما الاخيرة وهما يقولان لكم يوم يا قاتلي التركمان وسينتقم الله منكم.
وبهذا انطفأت شمعتان من الشموع التركمانية الاخرى التي بقيت لتنير الدرب المظلم لقوافل التركمان الذين ينتظرون لهفة العودة الى مدينتهم، مدينة كركوك التركمانية. المجد والخلود لجميع الشهداء وصبرا يا ال ياسر أن موعدكم الجنة.