لطالما أذهلت (كركوك) الزمن بصمودها الراسخ في شجاعته أمام جور قوى الاستلاب التي ما انفكت تعبث بخيراتها المحجوبة عن مستحقيها من أهلها، وتسلك سبيل الإخلال المتعمد بنسيج طابعها السكاني المتفرد بتميزه، فاجتازت (كركوك) بصبر أهلها وسكانها من المحن الدموية والكوارث السياسية والمصائب الإنسانية ما يجعل من ماضي تاريخها وحاضره أيامها منجما من العبر التاريخية والسياسية والإنسانية المفعمة بالخصوبة وموطنا لحضارات عتيقة متعانقة على تباينها المذهل ومسكنا لتعدد القوميات والتوجهات الفكرية والدينية والطائفية القائمة على أرضية من التعايش السلمي البديع بين أشقاء الوطن الواحد، فلم يهزم صمودها ما نال بقعتها من إهمال نظام الجور السابق لجميع ما تستحقه من مظاهر الاهتمام والرعاية الملحة في ضرورتها أحيان كثيرة، ولم ينل من إباء ثباتها ما انص ب عليها من جرائم العبث بحقائق طابعها السكاني المتمثلة بحركات التهجير والتعريب وتعذيب غير قليل من أبرياء سكانها الذين أقسرهم ما نالهم من ضيم صارخ القسوة على الهجرة من بلادهم كلها يتقلبون خلال رحلة تشردهم في أرض الله الواسعة لعلهم يجدون بلادا لا تنكر مكوثهم على أرضها فيقيمون فيها بأرواح تتبتهل لخالقها تعجيل العودة إلى أرض الوطن..
وبدلا من أن تحظى (كركوك) نصيبا من الراحة وتستنشق ما حرمته على مدى عقود من أنفاس الحرية المشبعة بالطمأنينة بعد انقشاع نظام الجور السابق عن حاضر الشعب العراقي وتنعم بتضافر جهود أهلها وسكانها جميعا محفوفا بباذخ اهتمام أرباب المسؤوليات الكبرى في العراق للحفاظ على ما تبقى من حياتها وكيانها البشري والحضاري الذي لا يقدر بثمن، تنبعث كارثة سياسية جديدة تنشب مخالبها بحاضر (كركوك) ليغدو التطلع إلى مستقبلها بمنظار أوضاع الحاضر باعثا على الارتياع بشأن مستقبل العراق كله!!!!..
وفي فترة مفرطة الحساسية يتطلع فيها مخلصو الشعب العراقي والأبرياء من أبنائه لمستقبل ذو أيام معافاة من وباء العصبيات العرقية والطائفية التي انصب بها نظام الجور السابق المعقد على أبرياء الشعب العراقي، يبتلى العراق من جديد بفئات من المسرفين في تعصبهم القومي في ظاهره – وإن كانوا في حقيقة الأمر من المتعصبين لأنانيتهم ومصالحهم الشخصية وغاياتهم الفردية التي تبرر لانعدام المبادئ وسائل استغلال الآخرين وسفك الدماء البريئة المحرمة في سبيل بلوغ تلك الغايات المادية العارية من الأمجاد القومية – يرتكبون على أرض (كركوك) من الجرائم الإنسانية ما تخجل منه الوحشية ذاتها، فيبذرون بذلك بذور شقاق متأهب للالتهاب حتى يصير حربا أهلية ملعونة يؤهب لها أعداء العراق طقوس الشماتة السرية منذ أزمان..
ولأن (كركوك) رغم خصوصيتها القومية والتاريخية والحضارية التركمانية تبقى منطقة عراقية، فلابد وأن تتعاضد الجهود العراقية جميعا للحفاظ على حياة (كركوك) بحفظ سلامها وأمنها مما تلوح به التهديدات المتعصبة بشجار السلاح المستقبلي المروع، وبإيجاد أسرع الحلول ذات النجاح الموثوق لجميع ما يغتال أمن وسلام سكان تلك المنطقة وما حولها من قبل جهات تتعمد نشر سياسة الترهيب بقوة التسلط لنيل مآربها التي لا تخجل من كونها امتدادا لتحقيق مبتغى الأطماع الصهيونية في الشرق الأوسط بشكل عام والعراق خاصة..وإن لم يكن ذلك فلتطفحن أيام مستقبل العراق الحبيب جميعها بالكوارث العظام..وإذ ذاك يبكي حتى الندم على ما يكون..