بسم الله الرحمن الرحيم: (رب اشرح لي صدري ويسر لي أمري واحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي) صدق الله العلي العظيم
مقدمة:
لا شك أن الانتخابات العراقية المزمعة إقامتها في الثلاثين من شهر كانون الثاني ٢٠٠٥ تشكل الخطوة الأولى في تحكيم إرادة الشعب العراقي لفتح صفحة سياسية جديدة تعتبر تاريخية بالنسبة للعراقيين الذين أذاقوا الأمرين منذ تأسيس الدولة العراقية الحديثة مرة على يد بعض الحكام والمسؤولين الظلمة الذين تسلطوا على رقابهم طوال تلك المدة المظلمة من دون اختيارهم لهم، ومرة أخرى كنتيجة للحروب الداخلية والخارجية التي اشتعلت شرارتها من قبل بعض هؤلاء الحكام الحمقى ورؤوس الحركات الانفصالية العميلة تنفيذاً لأوامر القوى الاستكبارية والصهيونية المعادية لأمن وسلامة واستقرار العراق الداخلي، والساعية لبقاء العراق في حالة عداء دائم مع جيرانه لأن وضعاً كهذا يخدم مخططاته ومصالحه في المنطقة بحيث لم تكن للشعب العراقي المظلوم في كل هذه الحروب ناقة أو جمل.
والآن وبعد زوال الكابوس الذي كان يجثم على صدر هذا الشعب وإيداعه مع شلة من أعوانه المجرمين في زنزانات انفرادية طالما حبسوا وعذَّبوا الملايين من العراقيين المضطهدين فيها، يستعد الشعب العراقي المثقل بجروحه لوضع بصماته في أضخم عملية سياسية حقيقية من خلال المشاركة في انتخاب أول مجلس وطني دستوري قائم بإرادة شعبية حرة وديمقراطية.
ولأهمية الحدث الكبير وانعكاساتها الداخلية والإقليمية والدولية، الحالية منها والمستقبلية، وجدت من المناسب جداً أن أدلوَ بدلوي محاولاً فضَّ جزءٍ من الغبار عن وجه الحقائق والتوقعات، ورصد الأمور كما هي من دون رتوشات فضفاضة كاذبة، ووضع النقاط على الحروف التي قد تُترجم لنا الكثير من المعاني الخفية والضائعة بين السطور، وذلك من خلال قراءة الساحة السياسية العراقية بكل أبعادها بعين تركمانية تراقب الأمور عن كثب، وسأحاول – بإذن الله العلي العظيم – أن أركز بصورة أكبر على القضية التركمانية باعتبارها قضية شعب مليوني لم تأخذ نصيبها المناسب من التحليل والتعليق والمتابعة والإنصاف ولم تأخذ حجمها الحقيقي في الواقع السياسي العراقي لحد الآن، آملين أن تجري الانتخابات القادمة بطريقة حرة ونزيهة لتكون فاصلة تاريخية في إحقاق حقوق التركمان وإعادة الاعتبار المطلوب إليهم وإظهار نسبتهم الحقيقية في المعادلة السياسية العراقية لأنهم جزء من كل وهو العراق وليسوا ولن يكونوا جزءاً من جزءٍ بأي شكل من الأشكال.
وسأسعى - اعتباراً من المقالة القادمة - إلى نشر قراءتي للأوضاع التركمانية والعراقية على شكل سلسلة من الحلقات لوجود زخم من العناوين السياسية المهمة والتي لا بد لي أن أتطرق إلى كل واحد منها بشكل مستقل ومنفصل حتى أوفيه حقَّه من التحليل بقدر الإمكان، ومن الله التوفيق.
الحلقة الأولى
هل أن الانتخابات في صالح التركمان؟
الجواب على هذا السؤال يكمن في سؤال آخر مفاده: هل حصل التركمان ولو على جزءٍ يسير من حقوقهم طوال الفترة المظلمة الماضية منذ تأسيس الدولة العراقية؟
في الحقيقة فإن الجواب يأتيك أسرع من طرفة عين بـ(كلا)، وبما أن الجواب منفيٌّ من أساسه فإن الاستنتاج يكون ببساطة هو أن هذه الانتخابات تصب في صالح التركمان من الناحية المبدأية على الأقل وبعيداً عن حسابات الربح والخسارة، بل تعتبر مصيرية بالنسبة لهم لأن مشاركة الناخب التركماني ولأول مرة في تاريخه بطريقة حرة وديمقراطية لاختيار من يمثله في المجلس الوطني الدستوري القادم تعتبر نقلة نوعية في حياته وحلماً طالما راود أذهان كثيرين من آبائه وأجداده من الأجيال السابقة الذين رحلوا من هذه الدنيا الدنية دون أن يروا هذا الحلم الجميل وهو يتحقق في عراقنا الجديد، ولذلك نجد اليوم - وحسب الأخبار والمعلومات التي تردنا من توركمن إيلى (إقليم التركمان) - حماسة تركمانية شعبية هائلة وتعبئة جماهيرية شاملة من رجالٍ ونساءٍ وشيوخٍ وشبابٍ للمشاركة الفعالة في الإدلاء بأصواتهم يوم الحسم الانتخابي واختيار الممثلين الحقيقيين لشعبنا التركماني الوفي في تلعفر، العياضية، المحلبية، الموصل، أربيل، آلتون كوبرى، كركوك، تازه خورماتو، داقوق، طوزخورماتو، قره تبه، كومبتلر، كفري، شهربان، قزلارباط (السعدية)، عمرمندان، بدره وجصان، ديالى، خانقين، مندلي، قزانية، العزيزية، بغداد، النجف وكربلاء المقدستين وكل مدينة وقضاء وناحية وقرية يتواجد فيها التركمان بما في ذلك التركمان المتواجدون في خارج العراق الحبيب.
لذلك فالمشاركة الفعالة لشعبنا التركماني في هذه الانتخابات تعتبر من أوجب الواجبات القومية والوطنية وعلى كل المسؤولين والإداريين في الأحزاب والمنظمات والجمعيات التركمانية والشخصيات السياسية والاجتماعية والثقافية والعشائرية ووجهاء المجتمع والكوادر المستقلة تعبئة كل طاقاتهم وجهودهم وإعلان حالة الاستنفار الجماهيري في الوسط التركماني لترشيد وتنوير الناخب التركماني في المسألة الانتخابية بحسب المستويات العمرية المختلفة وخصوصا الناخبين الذين لا يجيدون القراءة والكتابة لأن هؤلاء يحتاجون إلى من يوجههم الوجهة الصحيحة ويوضح لهم القائمة التركمانية التي ينبغي عليهم التصويت لها، وهنا بطبيعة الحال تدخل السلطة الرابعة وهي الإعلام بل الإعلام الذكي من مسموع ومقروء ومرئي ليلعب دوره في توجيه وإرشاد الناخب التركماني، وفي هذا الخصوص يأتي دور (فضائية توركمن إيلى) كلاعب أساسي ومهم في العملية الانتخابية بل هي أهم ورقة إعلامية – حسب تقديري ومتابعتي – مَلكها ويملكها التركمان لحد الآن، لأن هذه الفضائية الناشئة والتي لم تُكمل ربيعها الأول بعدُ استطاعت أن تَدخل إلى كل بيت تركماني وعراقي وكسبت قلوب التركمان وكثير من العراقيين، وتقع على عاتقها الآن مسؤوليات كبيرة وثقيلة يجب أن تكون بحجمها من خلال الاعتماد على الإعلاميين الكفوئين والكتاب الواعين واتباع أساليب إعلامية مدروسة وذكية ومأمونة العواقب تنطلق من واقع دراسة عميقة لطبيعة المجتمع التركماني ومعرفة نقاط التأثر لديه وطرق دغدغة مشاعره القومية والوطنية وتجييش حماسته وتحريك عواطفه مع الأخذ بنظر الاعتبار أعرافه وتقاليده الاجتماعية الأصيلة وكذلك احتضانه لسنة وشيعة وحتى مسيحيين تركمان، فالإعلام الناجح اليوم ليس فقط أن يعرف طريقه إلى قلوب وأذهان متابعيه بل أن يعرف أقصر وأفضل الطرق إليهما.
من هنا أرى من المناسب للمسؤولين في فضائية توركمن إيلى استغلال الأربعين يوماً تقريباً المتبقي لتاريخ الانتخابات في تقديم أفضل وأنجح الوسائل الإعلامية لكسب وتوجيه الناخب التركماني، كما ينبغي التركيز على أبناء العشائر التركمانية الأصل والتي تعربت أو تكردت بمرور الزمن والتي تتوزع في شمال ووسط وجنوب العراق وخصوصا العاصمة بغداد، وتذكيرهم بأصولهم التركمانية رغم فقدانهم للغتهم التركمانية الجميلة ومن هذه العشائر على سبيل المثال لا الحصر: البيات، قره غول، الحيدرية، الدفتردار، الديوه جي، باجلان، كروي، طلباني، جباري وغيرها كثير من العشائر التركمانية التي استعربت أو كردت سواء بالقوة أو بحكم التداخل الاجتماعي، بل أرى من المناسب جداً أن تركز الفضائية أيضاً على الإخوة العرب والأكراد والكلدوآشوريين وبقية مكونات الشعب العراقي لكسب أصواتهم لصالح القائمة التركمانية، فعلى سبيل المثال هنالك عشائر كردية كبيرة تعرض أبناؤها لعمليات تصفية مرعبة على يد حزبي البرزاني والطلباني وهنالك كثير من الإخوة الأكراد ناقمون على هذين الحزبين اللذين سفكا نهراً من دمائهم وأيتما وأرملا آلافاً مؤلفة من الشعب الكردي الشقيق نتيجة الحروب التي أشعلاها قد لا يجدون أي حرج في التصويت لقائمة إخوانهم التركمان على أساس الحرية المكفولة لكل إنسان عراقي في التصويت لأية قائمة انتخابية يراها مناسبة.
أما القائمة التي يُفضَّل للناخب التركماني التصويت لها - ودعوني أسميها بـ(القائمة الذهبية) - فسأتناولها في الحلقة القادمة بمشيئة الله تعالى.