لقد اتخذت الحكومة العراقية المؤقتة قرارها بشأن اجراء الانتخابات العامة في يناير/كانون الثاني ٢٠٠٥، وبالاستناد الى ذلك كانت قد قررت ايضا اجراء احصاء سكاني في عموم العراق بتاريخ ١٢ اكتوبر/ تشرين الاول ٢٠٠٤. الا ان تحقق الانتخابات العامة التى تنطوي على اهمية بالغة من ناحية تأسيس الديمقراطية في العراق، في حينها وبدون أية شوائب، امر مشتبه فيه. وخير مثال على ذلك ارجاء الاحصاء السكاني في ١٢/١٠/٢٠٠٤ الى اجل غير مسمى، الامر الذي يبعث الى خيبة أمل كبيرة، حيث يجهل مدى صحة الانتخابات التي ستجريها دولة لم تتمكن من تحقيق احصاء سكاني فيها.
وكان المترقب ان يتم اعداد قوائم الناخبين استنادا الى نتائج هذا الاحصاء السكاني إلا ان الامم المتحدة اضطرت وكما هو الحال في العديد من القضايا للتنازل في هذا الموضوع ايضا. واعلنت انه لا يمكن اجراء هذا الاحصاء لاسباب أمنية ومشاكل فنية. وعليه سيتم اعداد قوائم الناخبين حسب البطاقات التموينية التي منحت للعوائل العراقية بغية تمكنهم من استلام حصصهم من المواد الغذائية.
وفي الايضاح فائدة فقد تم اعداد هذه البطاقات التموينية عقب الحصار الذي تم فرضه على العراق بالتنسيق مع المنظمة الدولية من قبل نظام صدام عام ١٩٨٨ وبالاستناد الى احصاء عام ١٩٥٧، واليوم يسري مفعولها في العراق على مستوى بطاقة الاحوال الشخصية. وكانت هناك نسخة من هذه الوثائق التي يتطلب ابرازها خلال كل معاملة رسمية، في كل من جهاز المخابرات العراقية ووزارة التجارة العراقية وسكرتارية رئاسة الجمهورية وكذلك الامم المتحدة. وفي كركوك وحواليها يتم توزيع هذه البطاقات من قبل المحافظة على العوائل الكردية الوافدة إليها. ويُطلب من الامم المتحدة تقديم المساعدات لهم. وكما هو معروف ان ابراز هذه البطاقات مطلوب من قبل المسؤولين خلال عمليتي الاحصاء والانتخابات. اي ان هذه البطاقات المزورة التي يتم توزيعها على ٢٥ الف عائلة كردية هاجرت الى المدينة من قبل دائرة توزيع المواد الغذائية في كركوك خلال الاشهر الاخيرة بشكل غير اصولي، سيتم استخدامها الآن كبطاقات شخصية. كما تسبب القرار الذي اعلنه مجلس الادارة في كركوك خلال شهر ايلول على ان الوافدين الى كركوك عقب الاحتلال بوسعهم تسجيل انفسهم لدى دائرة الاحوال المدنية حتى ١٢/١٠/٢٠٠٤ عن طريق ابراز بطاقاتهم التموينية، تسبب الى نتائج غير مرضية من الناحية الديموغرافية.
ان سياسة التعريب التي كانت تمارس في عهد صدام تحولت وعقب الهجرات الجماعية للاكراد الى سياسة تكريد، فبينما يفد الى كركوك كل يوم ما يقارب الـ ٥٠٠ كردي نجد ان ما يقارب الخمسين الف عربي قد ترك المدينة إثر السياسة التعسفية التي يمارسها الاكراد. ويفيد المسؤولون في المنطقة انه وخلال الـ ١٨ شهر المنصرمة وفد الى المنطقة ما يزيد على الـ ٧٠ الف غالبيتهم من الاكراد. وقد صرح العقيد الامريكي مايك ديفي المسؤول عن مراقبة الامن في كركوك انه وخلال شهر آب فقط تم دعم توطين ٢٠ ألف كردي مادياً من قبل الاحزاب السياسية الكردية. كما اشار المسؤولون الى ان استمرار هذه الهجرة الكردية على هذا المنوال سيؤدي الى زيادة في تعداد سكان المدينة التي يبلغ سكانها حالياً ٨٥٠ الف نسمة، زيادتها ١٠٠ الف نسمة حتى موعد الانتخابات في يناير/كانون الثاني ٢٠٠٥. وتتسبب التقسيمات التي تقوم بها الادارة المحلية في مختلف احياء كركوك، الى قلق شديد لدى التركمان وشكوك في عدم تحقق الانتخابات بشكل سليم.
وخلال هذه الايام التي يعاد فيها بناء العراق، فان تعداد السكان يعد بمثابة تقرير لمصير التركمان. لان التعداد هذا سيحدد موقع التركمان في ادارة العراق. ومن جانب آخر سيعيق هذا التعداد اية سلبيات من امثال تهجير التركمان من اماكنهم مجدداً وخاصة بعد هذا التاريخ. فلجميع هذه الاسباب يتحتم إجراء التعداد السكاني في اقرب فرصة ممكنة.
ان الاحصاء السكاني الذي ارجىء ينطوي على أهمية اكبر من الانتخابات وخاصة لانه سيكشف لنا النسبة السكانية للاكراد والتركمان والعرب الذين يدعون بحقوقهم في مدينة كركوك. ولكن يجب ان نعلم بان نتائج اية عملية احصاء وانتخابات يتم اجراؤها دون الاعداد للبنية التحتية لها، لن تكون سليمة. وكان ممثل الاممم المتحدة قد أفاد في تصريحه الذي ادلى به حول الموضوع بان هناك الحاجة لخمسة سنوات من اجل تحقيق انتخابات سليمة. وكما هو معلوم ان الاحجار لم توضع بعد على رقعها في العراق. ولم يتم تأسيس وسط مستقر وآمن فيه. لهذا السبب فان قيام المواطنين بالاقتراع الحر وإدلائهم بتصريحات دون الرضوخ للضغوط وبمحض ارادتهم تنطوي على أهمية بالغة.
وكانت الاحصاءات التي جرت لحد الآن في العراق قد تمت تحت سيطرة وتوجيه انظمة قمعية مختلفة. وخاصة في عهد نظام صدام فقد تسببت سياسة التعريب الممارسة في المناطق التركمانية وخاصة كركوك وحواليها وكذلك الازاحة السكانية وجهود تغيير التركيبة الديموغرافية الى نتائج غير سليمة.
ومصدر قلق آخر هو تمكن الشعب العراقي المشاركة في الاقتراع من عدمه وموضوع من سيحمي هؤلاء الناس من اعمال العنف التي اخذت تشتد تدريجياً في بلادهم. وعليه فانه ومن اجل اجراء احصاء وانتخابات صحيحة ونزهية، وإزالة كافة القلائق المتعلقة بالعملية يستوجب على المعنيين بالامر مراعاة بعض الامور ومنها :
١- تأمين الامن في البلاد من أجل تمكين المواطنين من الاقتراع بارادتهم الحرة دون خوف او تردد.
٢- تأمين مشاركة مراقبين للعملية من مختلف المؤسسات الرسمية ومؤسسات المجتمع المدني العالمية وفي مقدمتها المنظمة الدولية.
٣- توثيق كون العوائل التي تم توطينها في كركوك واطرافها بعد ٩ ابريل/نيسان ٢٠٠٣ من العوائل التي تم تهجيرها حقيقة من قبل النظام السابق والتأكد من صحة الوثائق الموجودة بحوزتهم.
٤- تأمين تدقيق وضع الموظفين الاداريين في الدوائر الرسمية والوضع الاداري لمدينة كركوك من قبل لجنة مكلفة من قبل الحكومة العراقية المؤقتة، بهدف ايقاف التعينات المتواصلة في المدينة من قبل الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني. إذْ ان أغلبية العاملين في القطاع الحكومي في عهد صدام حسين كانوا من العرب والتركمان، إلا انه وعقب انهيار نظام صدام ونتيجة سماح الولايات المتحدة الامريكية فقد طرأ ازدياد ملحوظ في عدد الاكراد العاملين في القطاع العام.
٥- تأمين استفادة المغتربين من هذه الحقوق الديموقراطية سواء في الاحصاء السكاني او الانتخابات. ( ومن اجل خلق هذه الامكانية يتطلب الامر اتخاذ التدابير اللازمة من اجل تثبيت المواطنيين العراقيين رسمياً من قبل الممثليات العراقية في الدول التي يقيمون فيها).
٦- من اجل تأمين مشاركة التركمان في كركوك خاصة في عملية الاحصاء السكاني والانتخابات، العمل على تأمين العودة الى الحدود البلدية للمدينة كما كانت عليه قبل عام ١٩٦٨.
وبعكسه يجب عدم غض النظر عن احتمال تحول العراق وفي مقدمتها كركوك الى نقطة بداية الاشتباكات التي تطال الدول المجاورة في المنطقة ايضاً. كما يجب ان نعلم وبصورة جيدة ان عدم تنظيم عملية الاحصاء أو الانتخابات في موعدها سيصدع ثقة الشعب بالحكومة العراقية المؤقتة.