هل ستخرج الولايات المتحدة الأمريكية من صناديق الاقتراع التي ستوضع أمام الشعب العراقي في الانتخابات النيابية المقرر إجرائها في الثلاثين من شهر كانون الأول/ ديسمبر الحالي، إن لم يؤد الوضع المضطرب أمنياً في بعض المناطق إلى تأجيلها لموعد آخر؟ ولكي تصبح الانتخابات مقبولة فالضرورة تحتم المصالحة الوطنية بين جميع أطياف الشعب العراقي قبل الانتخابات. لا يُعقل أن يصوت الشعب العراقي لحكومة تدعم الاحتلال، وتخدم مصالح المحتل في العراق والمنطقة. فللولايات المتحدة الأمريكية تناقضاً رئيسياً هنا يكمن في عدم واقعية دعوة العراقيين إلى دعم احتلالها للعراق.
فصناديق الاقتراع في المنطقة الكردية هي وحدها بالتأكيد ستمنح الدعم للولايات المتحدة واحتلالها للعراق، لأنها المنطقة الوحيدة في العراق استفادت من الاحتلال الأمريكي سياسياً واقتصادياً وعسكرياً، وماعدا المجموعات الكردية لا تستطيع الولايات المتحدة أن تحظى بتأييد العرب الشيعة والسنة، وكذلك التركمان الذين همشتهم السياسة الأمريكية منذ الأيام الأولى للاحتلال، فهم يرغبون في أن يكون لهم تمثيل في برلمان العراق يعكس حجمهم الحقيقي وهو ما لا يقل عن ٢٥ مقعداً، وقد لا يكون ذلك ممكناً إلا من خلال تحالف أحزابهم فيما بينها ومن ثم مع أحزاب غيرهم يحملهم بهذا الحجم إلى البرلمان.
يشكل العرب الشيعة نحو ٦٠٪ من مجموع سكان العراق، وإذا فازوا بغالبية المقاعد في البرلمان، فهذا أمر طبيعي لا غرابة فيه إذا ما جرت الانتخابات المرتقبة في ظروف طبيعية. وهذه الميزة تمنعهم من المشاركة الفعلية في جبهة مقاومة الاحتلال، ولهذا إنهم يتطلعون إلى انتخابات نزيهة تحملهم إلى سدة حكم العراق، ويحرصون على البقاء بعيداً عن المقاومة حتى يتحقق تطلعهم في الوصول إلى سدة الحكم.
وإذا شهد العراق انتخابات غير نزيهة، سواء اشترك بها العرب السنة أم لم يشتركوا، وتشكلت في ضوء نتائجها حكومة لا تتفق وتطلعاتهم، فإن العرب الشيعة مما لاشك سوف يتبنون موقفاً يختلف عن موقفهم الحالي ضد قوات الاحتلال والحكومة الممثلة لها، ويصبحون طرفاً قوياً في المقاومة التي قد تستمر إلى أن تنسحب قوات الاحتلال من العراق.
لا يرى الشعب العراقي بجميع أطيافه عدا المجموعات الكردية في القوات الأمريكية المحتلة للعراق منقذاً أو محرراً له من جور واستبداد النظام البعثي البائد.
عندما تترك الولايات المتحدة الساحة السياسية للشيعة وحدهم لكي يبلغوا سدة الحكم في العراق، فهذا سيعني حسب التصور الأمريكي نشوء نظام سياسي جديد في العراق متعاطف مع إيران، التي تعتبرها إدارة بوش هدفاً لها بعد أفغانستان والعراق، وهو أمر يكشف التناقض الأمريكي الآخر في العراق.
وأي نظام شيعي محتمل في العراق يتعاون مع الاحتلال الأمريكي ويلبي جميع رغباته ويخدم مصالحه سوف لا يعني سوى التصادم والتضارب مع تطلعات الشعب العراقي وفقدان ثقته به في أقصر مدة.
لا يبدو يسيراً أن تؤدي صناديق الاقتراع تحت الاحتلال وأسنة حرابه إلى حكومة قادرة على بناء الوحدة الوطنية وحمايتها، وليس من اليسير أيضاً أن تؤدي الانتخابات إلى تحالف شيعي- كردي طويل الأجل يحمل العراق إلى بر السلام، فأي تعثر في هذا التحالف المحتمل سوف يدفع من غير شك المجموعات الكردية نحو الانفصال والإعلان عن دولة مستقلة هيأت لها الولايات المتحدة الأمريكية جميع المستويات والبنى التحتية منذ أوائل التسعينات من القرن الماضي. ولعل ما يجري الآن في العراق من اضطراب وانفلات أمني وغياب مستلزمات العيش الرئيسية كالماء والطاقة الكهربائية والوقود، والديمقراطية والحرية اللتين تغنى بهما الرئيس الأمريكي جورج بوش للشعب العراقي، جزء من خطة أمريكية يعطي ذريعة للمجموعات العراقية الكردية كي تعلن دولتها في شمال العراق.