عصيبة هي ايامنا الخوالي ولاندري ماذا تخفي لنا المقبلات منها، انها ايام تنزف حزنا ً وأسى ً. كيف لا وبين الحين والحين نفقد ركنا ً رئيسيا ً من أركان البيت التركماني وعمودا ً قائما ً من خيمته ووجها ً بارزا ً من وجوه قادته (السياسيين).
اننا أمام امتحان عسير وقد يستغرب البعض منا من هذه المفارقات العجيبة، ويتسائل عن سبب افول نجوم ساطعة من سمائنا، نجم يتلو نجما ً. . تلك النجوم كان لها بريقها في عالم سياستنا وبافولهم تركوا مساحات شاسعة من الظلام الدامس. لقد خسرنا خلال اقل من سنة اناسا ً نحن بأمس الحاجة اليهم. اناسا ً كانت اللعبة السياسية من مقاسهم، بنزاهتهم وعدالتهم واستقامتهم. ناهيك عن ماضيهم المشرف تجاه شعبهم. ولكن نتأسى بسيرة الأنبياء والعضماء فانهم جميعا افتدوا عقيدتهم بأرواحهم وقد خلدهم التأريخ، لأن التأريخ كما يقال من حصة العظماء وقد لاتكون هذه الحالات المؤلمة اتت عن فراغ او هي نتيجة مصادفات، بل اني احسبها ضريبة التألق أو طعنة من طعنات القدر، فعذرا ًان بكينا عن ما يصيبنا في الصميم وعن الآلام والأوجاع التي اصبحت فوق طاقاتنا فنحن بشر ولنا قدرة محدودة على التحمل. . . وخصوصا ً تحمل الم مفارقة الأحبة والأصدقاء.
تحضرني هنا خاطرة عزيزة وأليمة في نفس الوقت، كنت في يومها ضيفا ً لدى الشهيد عزالدين سليم (الحاج ابو ياسين) ونحن على مائدته تحدث المرحوم عن عدالة قضيتنا وأبدى تفهما ً لمسألة التركمان ومشروعية مطالبهم ووعدنا خيرا ً لقضية كركوك خلال فترة رئاسته لمجلس الحكم وقال بالحرف الواحد: سوف اختم ان شاء الله فترة حكمي في المجلس لتحقيق آمال التركمان في نيل حقوقهم. . . ولكن وللأسف الشديد. . لم يمهله القدر أكثر من يوم أو يومين والتحق بركب الشهداء راضيا ً مرضيا ً لم تدنسه مدلهمات الأمور. . ولم يلبسه الحكم ثوب الجور. . .
وبقيت قضيتنا وما عملنا من اجله معلقة معا ً في زاوية النسيان. . . .
ولم تمض ايام حتى فقدنا بطلا ً فذا ً وقائدا ً محنكا ً وسياسيا ً مجربا ً. . . ألا وهو الشهيد مصطفى كمال يايجلي. . .
قبل أيام من استشهاده جلسنا معا ً كذلك على مائدة الطعام في مزرعتنا و كان رحمه الله فرحا ً مغتبطا ً، لم أره قط على هيئته تلك منذ دخل مناضلا ً الى كركوك. . . . . وعندما سألته عن سبب تلك الفرحة قال لي. . . يا عمار اتدري لم هذه الفرحة؟. . انها بسبب زيادة نسبة التركمان في مجلس المحافظة وقد نجحت محاولاتنا المريرة، وأصبح لنا مسموعا ً فيها وفتحت مدارس تدرس لغتنا، وحافظنا على علاقاتنا الوطيدة مع المجموعات العربية والكلدو آشوريين وتحسين علاقتنا مع التحالف حيث وضعناهم على الصورة واصبحوا يعاملوننا معاملة جدية وبات صوتنا مسموعا ً لديهم.
ورغم محاولات البعض لتهميش دوره أو دفعه الى زاوية النسيان ولكن أشعة الشمس لايحجبها الغربال، وسيبقى في ذاكرة الزمن وعلى صفحات التأريخ الى يوم يبعثون، فقد فدى التركمان بروحه ويظل التركمان يمجدون ذكراه على مر الدهور وكر العصور.
أما فاجعة فقدان الشهيد يشار جنكيز، فقد أدمت مدامعنا وأصبحت عنوانا ً في قاموس مأساتنا. . فقد كان فقدانه خسارة فادحة لاتعوض. . فقد خسرنا برحيله عقائديا ً مناضلا ً وسيفا ً مجربا ً. .
ذاق شهيدنا من مرارة السجون والمعتقلات آلاما ً حتى الثمالة وحمل جسمه من أوسمة التعذيب الوحشي مما يفوق العقل وكان صبره وسيرته وأخلاقه مضرب الأمثال وكان رحمه الله انسانا كيسا ً وسياسيا ً بارعا ً ومتحدثا ً لبقا ً، يشد مستمعه اليه حينما يتحدث، وشهد له بخلقه الكريم حتى الأغراب. . . وكل تلك مآثر قليلة في سجل مآثر الشهيد يشار جنكيز.
اغلقت برحيل شهيدنا مدرسة من مدارسنا العظام وفقدنا معلما ً مبدعا ً من معلمي الأجيال. لكن ماذا عسانا أن نفعل. . فتلك ارادة الباري عز وجل، اختاره لسمائه ولا راد لقضائه ونقول لأستاذنا الكريم ومعلمنا القدير السيد رياض صاري كهية كان الله في عونك والهمنا جميعا ًالصبر والسلوان على هذا المصاب الأليم انها كبوة ولكن سننتفض منها ان شاء الله ولا يسعنا في هذا المقام إلا ّ أن نقول حسبنا الله ونعم الوكيل وإنا لله وإنا إليه راجعون.