الحلقة الرابعة
بعد أن سجّلنا توقّعاتنا في الحلقة الماضية بخصوص اتجاه مسار صوت الناخب التركماني الشيعي والسني في الانتخابات القادمة – بإذن الله تعالى – نريد في هذه الحلقة أن نقف عند مشاركة الحركة القومية التركمانية بقائمة مستقلة عن قائمة (جبهة تركمان العراق) في التنافس الانتخابي، والتأثيرات السلبية أو الإيجابية - إن وُجدت – على المصلحة التركمانية بصورة عامة والحقوق القومية بصورة خاصة، ونحن إذ نقف عند قرار الحركة القومية التركمانية هذا فإن ذلك نابع من إيماننا العميق بأنها حركة مخلصة لشعبها التركماني والعراقي ومخلصة للوطن العراقي وأنها تدافع بشدة عن حقوق التركمان وتسعى بقوة لتثبيت هذه الحقوق في الدستور العراقي الدائمي وتحاول بضراوة لرفع الغبن عن شعبنا التركماني وحالات التهميش والإقصاء التي تعرض لها، كما أنها تمضي لتحقيق نفس الأهداف والأمنيات القومية التي تنشدها الأحزاب والحركات التركمانية المنضوية تحت خيمة (جبهة تركمان العراق)، أي بكلمة واحدة أنها ليست بحركة كارتونية*.
إذا كنا قد سوّقنا مُبرِّراتٍ معقولةً وأدلةً مقبولةً وأعذاراً موضوعيةً في المشاركة (الرمزية) للاتحاد الإسلامي وحركة الوفاء في قائمة (الائتلاف العراقي الموحَّد) - في هذه الفترة بالذات - بدل الانضمام لقائمة تركمانية واحدة وموحِّدة، فإن ما يثير الدهشة والاستغراب والتساؤل الملح هو موقف الحركة القومية التركمانية برئاسة الأستاذ حسام الدين علي ولي وبقية إخوته في الحركة بطرح قائمة منفصلة عن قائمة (جبهة تركمان العراق) تشارك في التنافس الانتخابي، وحسب تصورنا فإن خطوة الحركة هذه خطوة غير مدروسة دراسة عميقة وغير مبررة على الإطلاق ولها مردودات عكسية وسلبية على الصالح التركماني العام وعلى الحركة أيضاً، ولإثبات هذه الحقيقة نورد أدناه بعض الأسباب القوية لما نذهب إليه:
۱- إن هذه الخطوة ستؤدي إلى تشتيت أصوات الناخبين التركمان بين قائمتين أو أكثر بدلاً من قائمة واحدة.
٢- إن هذه الخطوة ستزرع نوعاً من الشك في قلوب الناخبين التركمان حول مدى مصداقية القائمتين في الدفاع عن حقوقهم الدستورية العامة وهما تسعيان للتنافس الحزبي والشخصي فيما بينهما مع عدم وجود أي اختلافات تُذكر في الأهداف والتطلعات في برامجهما الانتخابية.
۳- إن قرار الحركة هذا يُفسَّر من قبل التركمان وبعض الجهات التي تتربص شراًّ بالتركمان وحقوقهم على أن هناك شرخاً في البيت التركماني، مما يؤثر على تماسك ووحدة هذا البيت.
٤- تنافس الحركة بمفردها في الانتخابات مع وجود قائمة (جبهة تركمان العراق) وهي جبهة عريضة تضم خمسة أحزاب كبيرة لها تاريخها الطويل في المعترك السياسي يُعطي إشارات للناخب التركماني – وإن لم تكن صحيحة - على أنها تسبح ضد التيار القومي التركماني وضد المصلحة العامة له! وهذا يتناقض تماماً مع اسم الحركة فضلاً عن تناقضه مع أهدافها وبرامجها، وهو أمرٌ ليس في صالح الحركة ككيان قومي تركماني بأي حال من الأحوال ويقلل من قاعدته وأنصاره.
٥- لو أن الانتخابات أفرزت نتائج متواضعة للتركمان – لا سامح الله – فحينها على الحركة أن تعلم بأن الشعب التركماني ربما سوف يُحمِّلها في قرارة نفسه أو علناً المسؤولية الكاملة عن ذلك – وإن لم يكن مسؤولاً مباشراً في الحقيقة – باعتبار أنها غرّدت خارج السرب التركماني، وأن انفرادها سببٌ مباشر في تلك النتائج غير المقبولة، وهو ما لا ترضى به الحركة بالتأكيد.
٦- بدل صرف أموالٍ ربما ضخمة على حملتين انتخابيتين دعائيتين لقائمتين تركمانيتين مستقلتين فالأفضل صرف هذه الأموال لحملة دعائية وقائمة واحدة حتى تتم الاستفادة من فائض الأموال في موارد أخرى كمساعدة المحتاجين من شعبنا التركماني والعراقي وبناء مؤسسات خدمية لهم.
ولعل هذه الأسباب وغيرها ربما تكفي لمراجعة الحركة القومية التركمانية موقفها العام من التنافس الانتخابي المستقل عن قائمة جبهة تركمان العراق، وخصوصاً أن علينا وعلى الحركة إدراك حقيقة هامة جداً قد يغفل عنها كثيرون وهي أن هذه الانتخابات في الواقع تؤسس لمرحلة برلمانية دستورية (مؤقتة) عمرها سنة واحدة فقط، لذلك فليس هناك من مبرر أو مجال للتنافس الحزبي في داخل القومية التركمانية للظفر بمقعد أو مقاعد في داخل البرلمان الدستوري، لأن التنافس الحزبي المشروع في الوسط التركماني لن يحلَّ قبل كتابة الدستور الدائمي ودرج مطالب وحقوق شعبنا المشروعة فيه.
ولأجل هذا وذاك وتحقيقاً للمصلحة التركمانية العامة التي تصغر وتزول أمامها المصالح الحزبية الضيقة والمصالح الشخصية المؤقتة فإننا ندعو الحركة القومية التركمانية إلى مراجعة الذات وترتيب أوراقها من حيث المهم والأهم قبل فوات الأوان، كما أننا ندعو المسؤولين عن قائمة (جبهة تركمان العراق) إلى فتح حوار جاد وأخوي مع الحركة للخروج بإطار مشترك يوحِّد البيت التركماني الداخلي ويُقوّي من تماسكه ويرصّ صفوفه، ونعتقد جازمين بأن الوقت لا يزال قائماً بشكل واسع لإمكانية حدوث ذلك من خلال احتواء بعض قيادات الحركة في داخل قائمة (جبهة تركمان العراق) وإن أدى هذا إلى تنازل بعض الأعضاء المخلصين لشعبهم التركماني ومصلحته العامة عن عضويتهم في هذه القائمة التي تضم حوالي (٦۳) فرداً، لأن الوقت بصراحة ليس وقت التنافس الحزبي بين الكيانات السياسية التركمانية في داخل البيت الواحد وإنما هو وقت صهر جميع أصوات الناخبين التركمان في بوتقة واحدة (فقط) وهي البيت التركماني الواحِد الموحَّد، ولأجل المحافظة على وحدة هذا البيت وأهدافه العامة تهون تضحيات الأوفياء لشعبهم التركماني بالفعل.
وباختصارٍ شديدٍ، لم نجد حالة إيجابية واحدة تدعونا إلى الرضا عن موقف الحركة القومية التركمانية في دخول حلبة الانتخابات المرتقبة بشكل مستقل عن قائمة (جبهة تركمان العراق)، بل بعكس ذلك تماماً وجدنا أن هذا الموقف قد يؤدي إلى نتائج سلبية على أصوات الناخبين التركمان وبالتالي على وضعهم الدستوري المستقبلي وحقوقهم السياسية والقومية في العراق.
أما القائمة الذهبية التي تمثل الآن البيت التركماني في خطوطه العامة والعريضة، فسنأتي عليها – كما وعدناكم من قبل – في الحلقة القادمة بفضل الله نور السماوات والأرض.
* سأتعرض إلى هذه الحركات الكارتونية قريباً في حلقة مستقلة، وسأكشف عنها أوراق التوت التي تتغطى بها – هذا إن كانت الأوراق موجودة في الأصل-، وأيضاً الجهات التي شكلتها وأسباب التشكيل والأهداف وأحجامها الحقيقية في الوسط التركماني.
الحلقة الخامسة
ملاحظة قصيرة: أعتذر للقراء الكرام على انقطاعي عن كتابة الحلقات التالية بعد الرابعة لظروف خارجة عن إرادتي الشخصية، وأشكر الإخوة والأخوات الذين كتبوا لي على عنواني شاكرين ومشجّعين وممتنّين على ما سطّرته من أفكار ورؤى في الحلقات الماضية، كما أني تلقيت رسائل عنصرية من بعض الأطراف تشتمني وتنال مني أيُّما منال وبدون أي سبب يُذكر مع كم هائل من الفيروسات وفايلات التجسس، وقد جعلت الله حاكماً بيني وبينهم وهو أحكم الحاكمين.
ذكرنا في الحلقة الرابعة أننا لم نجد حالة إيجابية واحدة لموقف الحركة القومية التركمانية في التنافس الانتخابي بشكل مستقل عن قائمة (جبهة تركمان العراق)، وإضافة لما أوردناه وبعد أن اطلعنا على البيان السياسي للحركة القومية التركمانية الذي نشر على موقع (كتابات)* في نفس تاريخ نشر الحلقة الرابعة من (التركمان والانتخابات) أي بتاريخ ٢٧-١۲-٢۰۰٤، وقد كان البيان اختصاراً للبرنامج الانتخابي للحركة، وأيضاً وبعد أن اطلعنا وفي نفس التاريخ على رأي المهندس عباس أحمد توركمن** حول المشاركة المستقلة للحركة عن قائمة (جبهة تركمان العراق) في الانتخابات، والحجج والمبرِّرات التي ساقها الأستاذ العزيز عباس توركمن – وربما يكون محقا في بعضها – حول قرار الحركة في هذا الخصوص، وجدْنا من الأهمية بمكان أن نُعلّق على ذلك ولو باختصارٍ شديدٍ من جهة إنصاف الحركة ومن باب الأخذ بمسلَّمة (ولا تبخسوا الناس أشياءهم)، فنقول بناء على ما ذُكر:
ربما يكون قرار الحركة هذا منطلقاً من فكرة امتصاص رد فعل الناخب التركماني القومي الذي لا ينتمي إلى الأحزاب والتنظيمات المنضوية تحت خيمة (جبهة تركمان العراق) أو بمعنى أصح الناخب التركماني الذي ليس جزءاً من تيار ائتلاف الجبهة أو غير محسوبٍ من ضمن قاعدته، فجاء هذا الموقف من قبل الحركة لكسب هذا الجمع من الناخبين التركمان أو التيار – إن صح التعبير – إلى جانبه وضمان صوته في الانتخابات بدل أن تذهب هذه الأصوات إلى جهات غير تركمانية أو معادية لتطلعات التركمان، فإن كان قرار الحركة نابعاً من هذا المنطلق السياسي وحدِه فإننا نستطيع أن نعتبر ذلك مُبَرِّراً وحيداً ربما يكون مقبولاً من جهة فهم اللعبة السياسية الانتخابية القائمة على دراسة الأمور من زواياها المختلفة.
نعود إلى صلب الموضوع الذي نريد أن نوضحه في هذه الحلقة وهو (القائمة الذهبية) أو قائمة (البيت التركماني) التي تغطي النسبة الأكبر من التركمان في الواقع الحالي والعملي، ونقول هذا الكلام بعيداً عن المنطلقات العاطفية أو الارتباطات الحزبية والتنظيمية مع تلك القائمة أو أجواء التضخيم والدعاية لها بل تبياناً للحقائق الموجودة على الأرض وتوضيحاً .... ووضعاً للأمور في نصابها الصحيح، إذ أن دراسة بسيطة لتاريخ الحركات والتنظيمات والتجمعات التي تحويها قائمة (جبهة تركمان العراق) وفعالياتها ونشاطاتها في مختلف المجالات السياسية والاجتماعية والثقافية والإعلامية وعلى جميع الأصعدة الداخلية والإقليمية والدولية قبل وبعد سقوط نظام صدام البائد وتغطيتها لمساحة واسعة من توركمن إيلى (إقليم التركمان)، تدعونا إلى الاعتراف على أنها تمثل أوسع طيفٍ وأكثر جمعٍ وأكبر نسبةٍ من شعبنا التركماني وبالتالي فإنها ستكون الممثل الحقيقي – لا الوحيد – لطموحاته وتطلعاته في الانتخابات القادمة وستحرز على النسبة الهائلة من أصوات الناخبين التركمان كما نتوقع.
لذلك فإننا نعتبر بأن قائمة (جبهة تركمان العراق) تمثل (القائمة الذهبية) للناخبين التركمان كما أنها تمثل (البيت التركماني) في كل أبعاده وزواياه وعلى أنها تعكس الإرادة الحقيقية والصادقة لشعبنا التركماني وتمثل وجدانه وضميره ومشاعره، وستُثبت أصوات الناخبين التركمان هذه الحقيقة التي ستُعطي شرعيةً جماهيريةً واعترافاً شعبياً لهذه القائمة والأحزاب المنضوية تحتها، كما أننا يجب أن لا ننسى بأن هذه القائمة وإلى جانب احتوائها للأحزاب السياسية التركمانية الخمسة الكبيرة فإنها تضم أيضاً تنظيمات لها ثقلها الحقيقي وسط التركمان كمجلس التركمان ورابطة عشائر وأعيان التركمان والكوادر المستقلة والوجهاء والشخصيات النافذة في المجتمع المدني التركماني بحيث يضيف بعداً آخر ويعطي حجماً أكبر لهذه القائمة في الوسط التركماني.
وإلى هنا تتضح لنا صورة (القائمة الذهبية التركمانية) التي (يُفضَّل) تصويت الناخبين التركمان لها ولا نريد أن نقول (يجب) حتى لا نمارس نوعاً من الدكتاتورية – والعياذ بالله - على آراء الناخبين الأوفياء لقضيتهم التركمانية وحتى نترك لهم كامل الحرية في الاختيار والتصويت، فقد تبيّن لنا الآن بأن قائمة (جبهة تركمان العراق) هي (القائمة الذهبية) بالنسبة للتركمان وأن المصلحة التركمانية العامة تقتضي ضرورة تصويت الناخبين التركمان لهذه القائمة، كما أننا نعود ونكرر مرة أخرى بأن الهدف الأساسي والرئيسي والأهم لشعبنا التركماني هو إيصال (أكبر عدد) ممكن من المرشَّحين التركمان إلى المجلس الوطني الدستوري القادم، وبناءً على هذا فإن التنافس الحزبي في داخل الوسط التركماني ليس له محل من الإعراب على الإطلاق ويجب أن لا يكون الهدف فيما بين الأحزاب التركمانية – في هذه الانتخابات بالذات – لأنه قد يشتت أصوات الناخبين التركمان كما أوضحنا فيما مضى من الحلقات، لذلك ولأجل تحقيق هذا الهدف الأساس للتركمان في إيصال (أكبر عدد) ممكن من المرشَّحين إلى المجلس الدستوري فإننا ندعو مرة أخرى الإخوة الكرام في الاتحاد الإسلامي لتركمان العراق وحركة الوفاء لتركمان العراق والحركة القومية التركمانية إلى توجيه وإرشاد قواعدهم الانتخابية لأجل التصويت لقائمة (جبهة تركمان العراق)، لأنه كلما ظفرت هذه القائمة بعدد أكبر من مقاعد البرلمان الدستوري فإن ذلك يُشكل دعماً قوياً وسنداً حقيقياً لهذه الحركات في صياغة الدستور العراقي الدائمي المنتظر وتثبيت حقوق التركمان المشروعة فيه (بدون نقصٍ أو زيادةٍ) عن حقوق بقية شرائح المجتمع العراقي.
نتمنى أن يعي الإخوة المسؤولون في هذه الحركات حقيقة اللعبة السياسية هذه القائمة على حسابات الربح والخسارة للتركمان ككل لا لجهة سياسية تركمانية معينة، كما أن عليهم أن يُدركوا بأن التنافس الحزبي حق مشروع لهم ولكن ليس الآن وقبل درج حقوق التركمان في الدستور الدائمي، إذْ أن حيز التنافس الحزبي بين التركمان من إسلاميين وعلمانيين وقوميين ومستقلين سيحين حتماً في المستقبل في الانتخابات التي تلي انتخابات المجلس الدستوري القادمة في نهاية هذا الشهر ٢۰۰٥.
الأحزاب الكارتونية (التركمانية)، ومَنْ يقف وراءها، ويُغدق عليها بالأموال، ورؤساؤها المرتزقة، وأحجامها الحقيقية في الوسط التركماني ... في الحلقة السادسة بإذن الله تعالى.
* http://www.kitabat.com/i1086.htm
** http://www.kitabat.com/i1087.htm
أظن ومن خلال ما فهمته من كتابته أنه أحد أعضاء الحركة القومية التركمانية، والله العالم.
Behlul_tezeli@hotmail.com