الفدرالية الكردية هي القشّة التي ستقصم ظهر الاكراد في العراق
قاسم سرحان - كتابات
تعتبر الفيدرالية - او النظام الاتحادي - واحد من اهم الانظمة الاصلاحية في البلدان التي تتكون من اعراق وقوميات وعقائد مختلفة , فالنظام - الفيدرالي - عرف بصورة حقيقة في البلدان المكتشفة حديثا , مثل امريكا الشمالية واستراليا وكندا , وجرت ايضا انكلترا والهند عليه وغيرهما من البلدان التي تختلف اعراقها في القرن الاخير.
النظام الفيدرالي امسى في فهم العربي - والعراقي على وجه الخصوص - نظاما طوباويا تعجيزيا لايدركه الاّ المطبلون والداعون له , فالقضية - الفيدرالية - في تعريف هؤلاء امست قضية خارجة عن النظام الفيدرالي ومعالجة مشاكل القوميات والطوائف فيه , فالفدرالية تصلح لقومية ولا تصلح لأخرى , وهي تتماشى مع دين وعقيدة وتختلف مع اخرى , فالفيدرالية التي يطالب بها الاكراد في العراق هي فيدرالية من نوع ورائحة مختلفة , فلا هي فدرالية امريكية ولا هي فيدرالية بريطانية , الفيدرالية الكردية تطالب بتأسيس جيش وبرلمان وحكومة , ووزارات وكيانات لايمكن للدولة العراقية التدخل في شأنها او النظر فيها , وفي نفس الوقت يطلب الاكراد من الدولة العراقية ومن الشعب العراقي ان يكونوا على رأس السلطة في البلاد وفي الجيش وفي وزارات الدولة الداخلية والخارجية , وهم أيضا يطالبون برئاسة الوزراء ورئاسة الجمهورية العراقية.
الفيدرالية في امريكا او بريطانيا هذان الدولتا الفيدراليتان المثاليتان للنظام الفيدرالي في العالم , يؤمنان ايمانا لالبس فيه بتقديس الارض والشعب والوطن , فلا امريكا تسمح للسود الافريقان او المكسيكان او غيرهم في تخصيص كيان لهم او دولة منعزلة عن خطّ واتجاه الادارة الامريكية , وهذا نفسه في بريطانيا , فلا يمكن للاسكتلندي او الويلزي او غيرهم في تخصيص مقاطعة لهم وفصل البلاد وتمزيقه , النظام الفيدرالي في هذه البلدان وغيرها ,هو نظام قانوني تشريعي انساني , يمنح الحقوق المتساوية لكلّ ابناء القوميات والعقائد حسب الفهم الانساني الذي تضع دستوره الدولة , وهو قريب جدا للنظام اللامركزي الذي نحن ندعو اليه , اي انّ الدولة تمنح كلّ طوئف العراق وقومياته حقّ القرار في تشكيل النظام الاداري والبرلماني للمحافظة , ولها ايضا حقّ الاستثمار والتصرف في بعض ثروات المحافظة وممتلكاتها , وهذا هو مايحصل في امريكا على سبيل المثال ,وولاية الاسكا وتوزيع الثروات او بعض الثروات النفطية على سكّانها.
فالجيش والخارجية والعاصمة هي مركز واحد لهذه الدول الفيدرالية , امريكا او بريطانيا لاتملك جيشين وخاريجيتين واقتصادين وعلمين , العاصمة واحد والخارجية واحدة والجيش واحد.
نعود الان الى عنوان مقالنا هذا - الفيدرالية الكردية هي التي ستقصم ظهر الاكراد في العراق - ونطرح رأينا ونوضحه للقارئ الكريم.
بلا شكّ ان زعماء القبائل الكردية عندما طرحوا هذا النظام الانفصالي- الذي أوضحنا بعض نواياه اعلاه - كانوا يظنون انّ الشيعة في العراق سيباركون لهم عملهم هذا ويشاركونهم في تمزيق العراق - على الرغم من انّ جلال ومسعود قد نجحا في مسعاهما هذا في بعض الجهلة الشيعة المتخلفين ومثلهم ايضا من ابناء السنّة المتعطشين للحكم - , فالردّ الشيعي والسني جاء خلاف ماتوقعه الاكراد من الاغلبية العربية في العراق - بشقيها السني والشيعي - فالفكر الفيدرالي الذي يريده الاكراد يختلف وطبيعة الشعب العراقي وطموحه في تكوين عراق قوي ومتين , ثمّ انّ النظام الفيدرالي الكردي هو اساسا نظام لتأسيس كيان وليس لتأسيس نظام حقوقي لشعب ومجموعة مضطهدة , وهنا تكمن الكارثة في النظام الفيدرالي الكردي الذي سيكون اول ضحياه الاكراد حسب تفسيرنا التالي له.
فلو فرضنا انّ الشيعة في الجنوب والفرات الاوسط طبلوا مع التطبيل الكردي في الفيدرالية وتحقيق النظام الذي يريده الاكراد , والاكراد في الشمال فرضوا امرهم في مايدعى كردستان الجنوبية التي تضم - صلاح الدين - وعاصمتها تكريت ونصف الموصل وديالى وكركوك , هنا يكون الشيعة العرب في منأى عن الاكراد ومشاكلهم وفيدراليتهم , الضحية يكون هنا العربي السني , فالعرب السنّة وعند انفصال الجنوب العراقي والفرات الاوسط تنقطع عنهم بصورة او باخرى ثروات البترول الجنوبي وايضا المرفأ الوحيد للعراق , المشكلة والكارثة ستكمن في المنطقة الشمالية للعراق التي يقطنها اهلنا السنّة العرب , فكركوك هي المدينة الغنية الوحيدة بالبترول شمال العراق , وهذه المدينة يطالب الاكراد بها , او انّها كما يدّعون بأنها قدس مايدعى - كردستان - ثمّ انّ الموصل ايضا مهدّدة من قبل العشائر الكردية وقبائلها , ونفسه يقع على ديالى وصلاح الدين , السنّة العرب ازاء هذا الواقع وهذا الامر المرير لايمكن لهم التوجه الى المناطق العربية الشيعية واحتلالها , والمنطقة العربية الشيعية هي اكثر من نصف العراق , خاصة وانّ الشيعة العرب الان وفي المستقبل القريب يدركون المخاطر التي تحيط بهم , لذلك هم لها وسيكونون مستعدون لها اذا حصلت خاصة وانّ النظام العفلقي الاجرامي لم يترك في قلوبهم غير الانتقام , اقول هنا انّ العرب السنّة وبمساعدة دول الجوار السنيّة بما فيها تركيا ستكون الى جانبهم في التوسع الكردي وضمّ مدينة كركوك التي ستكون هذه المدينة هي الطامّة الكبرى للأكراد , فالسنّة العرب هم اكثر عددا وعديدا من الاقلية الكردية , والسنّة العرب لهم علاقات وطيدة مع اهمّ قومية في العراق الا وهي القومية التركمانية , والتركمان قد ذاقوا من الاكراد ماكفرهم بالاكراد ومخطّطاتهم العدوانية , اضافة الى العداء المستفحل بين جلال طلباني ومسعود برزاني وتربص احدهم بالاخر , هذا كلّه يجعل من العرب السنّة قوة ضاربة في سحق الاقلية الكردية ومشاريعها في العراق , اضف الى هذا انّ السنة العرب لم يكن لهم عداء مع الاكراد سابقا وهم يرتبطون معهم بنفس المذهب الاسلامي وهناك علاقات معينة مع السنة العرب والاكراد , الا انّ العام الاخير من الاحتلال خلف لوعة وحرقة في قلوب اهلنا السنة عندما تقدمت البيشمركة الكردية عليهم مع القوات الامريكية وسحقت اطفالهم وشيوخهم في الفلوجة وفي الموصل وبعض المدن العراقية المقاومة , انّ العرب الشيعة والعرب السنّة وعلى الرغم من كلّ اختلافاتهم الطائفية يتفقون بصورة او باخرى على تقديس الارض العراقية ووحدتها , واتفاقهم هذا سيكون كفيل في توحيد صفوفهم ضدّ ايّ عدوان قبلي او عدوان همجي يهدد وحدتهم وكيانهم الذي عاشوا فيه منذ آلاف السنين , انّ الفيدرالية اذا تحققت حسب التوجه الكردي ومخططاته العدوانية , اقول فليهنئ الشعب الكردي وقادته فوق مرتفعات جبال الشمال العراقي الشماء , ومن بعدها اقول فليهنئوا باللجوء الى اسرائيل او الرحيل الى من حيث اتوا , انّ الارض العراقية المقدسة , ارض سومر وآشور واكد وبابل وارض الانبياء ابدا لاتقبل التقسيم او التقطيع او الاعراف الانفصالية الاخرى , هذه رسالة الى الاخوة الاكراد العراقيين الشرفاء منهم ,اقول لهم تطلعوا فيما انتم فيه قبل ان يسحقكم الطوفان العراقي , عند ذاك لاترحمكم امريكا ولا اسرائيل , وانّ غد لنظاره قريب.