يشكل التركمان أحدى الجماعات القومية المهمة في المشرق العربي، ورغم الروابط التي تربط بين التركمان والاتراك بأعتبار أن اصولهم واحدة، في الانتماء الى مناطق وسط آسيا، فإن هناك مايؤكد، أن التركمان غير الاتراك، وهو ما يشدد عليه قادة التركمان، مضيفين الى ذلك، أن بين اسباب التفريق بين التركمان والاتراك، أن الاوليين سبقوا الأخيرين في قدومهم الى المنطقة، كما انهم تميزوا عنهم في روابطهم وعلاقاتهم مع الشعوب التي جاوروها وتعايشوا معها، وأن لهم عادات وتقاليد تميزهم إضافة الى أن في لغتهم ما يميزهم عن الاتراك، وكل ذلك يضاف الى حقيقه عدم شعور التركمان بالانتماء الى الدولة التركية الحالية، وعدم رغبة الكثير منهم في قيام اية روابط معها.
ويشير الباحث السوري فايز سارة في دراسة عن الاقليات في العراق انه رغم عدم توفر احصائيات وأرقام رسمية عن أعداد التركمان في المشرق العربي، فان التقديرات تشير الى ان اعدادهم تزيد عن مليوني نسمة، وأكبر تجمعات التركمان في المشرق العربي توجد في العراق، ونسبتهم من سكان العراق تصل الى حوالي ٧ بالمائة، ويزيد عددهم عن مليوني عراقي في الحد الادنى، فيما تذهب تقديرات اخرى للقول ان العدد يصل قرابة ثلاثة ملايين نسمة، وكل التقديرات، تجعل من التركمان في العراق ثالث أكبر جماعة قومية بعد العرب والاكراد، فيما يقدر عدد التركمان في سوريا بأقل من ١٠٠ الف نسمة، ولا يتجاوز عددهم في الاردن الـ ٢٥ الف نسمة، حسب معظم التقديرات.
ويشير الباحث سارة الى انه يمكن التميز بين حالتين في حياة التركمان في العراق. الحالة الاولى، والتي تكاد يكون عامة، وفيها يعيش التركمان حياة هي أقرب الى الحياة القبائلية، حتى وأن أقترنت بالاستقرار وبممارسة الزراعة وتربية الحيوانات وبالحرف، وفيها يتوفر مستوى من الحفاظ على الهوية القومية، التي يتم التعبير عنها من خلال علاقات القربى، وممارسة التقاليد والعادات المشتركة، واستخدام اللغة التركمانية في الحياة اليومية، ويظهر هذا الوضع على نحو عام في شمال العراق.
أما في الحالة، التي يصبح فيها التركمان ابعد عن الحياة القبائلية وروابطها، ويتوزعون في مناطق ذات اغلبيات قومية أخرى، فإن الكثير منهم يندمج في الاغلبيات الاخرى، وهذا حال كثير من تركمان العراق الذين تحول بعضهم الى عرب وآخرين الى أكراد، وكما هو معروف في العراق، فإن عشيرة البيات وهي عشيرة تركمانية قد تعربت كلياً.
وينتشر تركمان العراق في قرى ومدن تمتد على خط قريب من الحدود السورية-العراقية في الشمال، كما تنتشر تجمعات التركمان شرقاً قرب الحدود العراقية-الايرانية، ورغم ان بعض التجمعات خاصة بالتركمان، لكن في كثير منها يتشارك التركمان وغيرهم من العراقيين ومن أهم تلك المدن والقرى "داقوق" و"تازة" و"امرلي"و"الموصل" و"كركوك" والاخيرتين من أهم واكبر مدن شمال العراق، وطبقتً لشهادة صنعان احمد رئيس الجبهة التركمانية، فان عدد التركمان من سكان مدينة الموصل، يبلغ مليون نسمة.
ويتواجد تركمان عراقيون في انحاء اخرى من العراق، وأن يكن بكثافة أقل، حيث ينتشرون في بغداد والبصرة، والكوت والحلة وكثير من هؤلاء قد اندمجوا في محيطهم الذي يعيشون فيه، والقليل مازال محتفظاً بشخصيته التركمانية.
واغلبية التركمان في العراق يعيشون في الارياف، ويمارسون الزراعة وتربية الحيوانات، فيما يمارس ابناء المدن منهم الاعمال الحرة من الحرف والاعمال التجارية، وقسم من هؤلاء منخرط في الوظيفة العامة التي اوفرها الدولة العراقية.
وبحكم التداخل الديمغرافي بين التركمان والاكراد والعرب في منطقة شمال العراق، حيث تنتشر تجمعات تركمانية، فقد نشأت علاقة حساسة بين التركمان والاكراد، إذ يتهم التركمان الاكراد بارتكاب مجازر ضدهم منها احداث عام ١٩٥٩ في الشمال، لكنهم وفي ضوء التطورات التي اعقبت حرب الخليج الثانية عام ١٩٩١، فقد تعايشوا في المنطقة، التي يعتبرها الاكراد كياناً كردياً يقوده تحالف متعدد الاطراف تحت قيادة الجبهة الكردية في منطقة الشمال، فيما يسميه التركمان "منطقة الملاذ الآمن" تعبيراً عن عدم رضاهم لواقع السيطرة الكردية هناك.
وللتركمان في العراق، حركة سياسية حديثة، يعود تشكيل معظم جماعاتها الى بداية التسعينات، وللعديد منها مليشيات مسلحة، وهي متعددة التوجهات العقائدية والسياسية، إذ فيها تنظيمات اسلامية، وتنظيمات علمانية - قومية، والاخيرة تتوزع على اتجاهات سياسية مختلفة، والابرز في الجماعات السياسية التركمانية في العراق الحركة الاسلامية التركمانية، التي يتزعمها سامي محمد، وهي منخرطة في تحالف تركماني تحت اسم الجبهة التركمانية، التي اعلنت في العام ١٩٩٥، والى جانبها مجموعة من الاحزاب العلمانية التوجه، وهناك جماعات أخرى خارج هذا التحالف منها الاتحاد الاسلامي لتركمان العراق، وقد تأسس عام ١٩٩١، وهو يتبنى الايدلوجيا الاسلامية، ويرتبط بعلاقات قوية مع ايران.
وبصفة عامة فإن الجبهة التركمانية العراقية، التي يقودها صنعان احمد، تضم ثلاثة أحزاب وهيئات شبابية وثقافية وإنمائية، تحظى بدعم سياسي واعلامي ومالي، يعطيها غطاء اقليمي من جانب تركيا، وهي تعتبر نفسها حليفاً استراتيجياً لتركيا في العراق، بخلاف ما يتبناه الاتحاد الاسلامي الذي لديه تحفظات على خط الجبهة واحزابها وعلى علاقاتها مع تركيا.
والحركة السياسية التركمانية في شمال العراق، تضم ثلاثة عشر حزباً، قليلها مرخص من قبل الإدارة المحلية الكردية، وآخر يرفض الاعتراف بالإدارة الكردية وبالتالي فانه يرفض الحصول على ترخيص منها، وينصب اهتمام الحركة السياسية التركمانية في المطالبة بدور للتركمان في الحياة السياسية والعامة في العراق، حيث تتركز المطالب في المشاركة النسبية في السلطة والحكم بما في ذلك الحكومة والبرلمان، الى جانب المطالبة بادارة محلية للوحدات الادارية ذات الاكثرية التركمانية بغية المحافظة على خصوصيات التركمان في إطار الوحدة الوطنية العراقية.
وبطبيعة الحال، فان مطالب الحركة التركمانية مطروحة في اطار عراق موحد، تتصادم مع نزعات التمدد الكردي في شمال العراق على نحو ماحصل في مدينة كركوك مؤخرا لجهة محاولة الاكراد الهيمنة على المدينة باعتبارها عاصمة الاقليم الكردي، وقد اظهر التركمان والعرب في المدينة من خلال انشطة متعددة معارضتهم للتوجهات الكردية، كما يعارض التركمان اقامة حكم ذاتي كامل للاكراد في شمال العراق في اطار نظام فيدرالي على اساس قومي، وقد اوضحت عضو مجلس الحكم الانتقالي شنكول حبيب عمر شابوك خلاصة الموقف بالقول "انا كممثله للتركمان في مجلس الحكم أشدد على اننا ضد أي مبدأ للتقسيم، ولكن اذا ما جرى أي تقسيم للعراق فسيكون هناك تركمانستان فى العراق". وحذرت من انه "اذا أصر الاكراد على مبدأ التقسيم والفـيدرالية القومية وقالوا هناك كردستان فنحن ايضا نصر على أن هناك تركمانستان العراق".