كان الليل قد اسدل وشاحه ورقم اليوم المؤشر على الروزنامة المعلقة على الحائط في مطبخ البيت يؤشر الى احدى ايام تموز من عام ٢٠٠٢. رن جرس الهاتف لاجد على الطرف الاخر صوتا رخيما وحارا قادما من مدينة الضباب" لندن" ولم يكن محدثي غير الاخ والمناضل التركماني "عزيز قادر صمانجي" هاتفني مهنئا بعد ان كان قد قرء مقال لي عن معشوقة ابناء عرفه " كركوك مدينة العذابات" نشرت على صفحات ايلاف وقد اسعدني حقا سماع صوته وسالته عن احوله وما فعل به الايام والزمان بعد رحلة شاقة وطويلة في بلاد المنفى و المهجرو كنا انذاك لا نزال معا نكتب همومنا على صفحات جريدة "المؤتمر" التي كانت تصدر في المملكة المتحدة ايام كنا نقف في صف واحد في معارضة النظام السابق، فرد علي قائللا:
ده ده وه والله سياست اولمشام، سورما. فقلت له: الله جوستارماسن (من التركمانبة وتعني: لا سامح الله)
وانا اتذكر قارئي الكريم كل ذلك واذا يصل لسماعي خبر وفاة احد اصدقائي وهو العالم الدكتور اكرم بامبوخجي استاذ علوم الدين في كلية الدراسات الاسلامية في انقرة ذلك الانسان الصوفي الجليل الذي حمل هموم الوطن ودخل عالم السياسة في عمر مبكر وهو لا يزال شابا يافعا يدور في ازقة كركوك ونفي منذ اكثر من اربع عقود فرحمة الله على روحه ذلك المقرئ الجليل. نعم ان السياسة وكل من زاولها وضع امام عينيه الموت والفناء وقد نخر كل ذلك في التراث الانساني العراقي فتلك الجملة التي ذكرتها في بدا كتابتي ان " سياست اولمشام" ليست الا نعتا نابيا تستعمله النسوه التركمان على الاكثر عند شجارهن لتجريح وقذف المقابل ونعتها بمزاولتها السياسة حين تشد وطيس المعركة بينهن. لاحظ قارئي الكريم شعبا يرى في السياسة مهانة وعيبا وغياب في متاهات السجون وغرف التعذيب والاعدام والقتل باستخدام كافة الطرق الوحشية والاسلحة المتطورة. نعم قد يجوز القول ان ليس هناك شعبا جرى على ابناءه ما جرى لابناء الرافدين خاصة على هؤلاء من حملة الفكر منهم ورجال السياسة والعلم والدين من كورد وعرب وتركمان وكلدو اشوريين وارمن من مندائيين الى كاكئيين وايزيديين وافغان واذريين وفرس وهنود وفيليين وعجم. لا يوجد سجن واحد على ارض العراق ولم يفترشه روح عزيزة هم بحب الوطن وعشق قومه ولسانه وترابه وماءه الزلال حاملا هويته الوطنية في مكان قرب فؤاده العليل غذائه في سجنه " الابوذية والاوك والحيران والقوريات " منشدا نشيد الانشاد حافرا باظافره حائط السجون. ناهيك عن هذا وتلك يبقى هذا الانسان راسخا وقويا متمسكا الى درجة العشق في محبه وهداية الاهية وايمان بعقيدته ودينه.
السياسة كانت قارئي الكريم من المحرمات على الجميع الا ما طاب لحملة الفكر الشمولي وفكر الرسمي للسلطة والحكم وبالاكراه طبعا احيانا كثيرة. تعاطي الشباب للسياسة "خراب البيوت" كان يرددها العراقي في نعته للسياسة "ما يوكل خبز" كان يردد علي الحاج والدي رحمة الله عليه ورضوانه عندما كنت اعود من مظاهرة وبحة في صوتي بالكاد يفهم الاخرون ما اقول "مبحوح" من شدة الهتافات. كانت والدتي رحمة الله عليها كذلك تنصحني بابتعاد من كل نشاط سياسي و"حرام زاده خرابين البيوت" حسب وصفها السياسيين. وبجرة قلم كانت السلطة تلف حبل المشنقة على رقاب الناس وذلك كنتيجة حتمية لتقرير يرفعه المخبر من اولاد الحرام الذي لم يكن في الواقع ومع الاسف الشديد غير "الصديق" وزميل الدراسة او العمل وفي اكثر الاحيان.
كيف لا يختار العراقي اليوم ويتوجه الى صناديق الاقتراع في عرس وطني ويشارك في الانتخابات ذلك الحلم الذي بقى يراودنا اكثر من خمسة عقود. لا توجد منطقة وسطى ما بين الجنة والنار كما رددها الشاعر "نزار القباني " وربما كان يتغزل بمحبوبته القادمة من "ديالى" واطربنا بعد ذلك و بصوته المطرب العراقي كاظم الساهر وهو يغني تلك الكلمات. بالتاكيد لا توجد منطقة رمادية بين الايمان والكفر في جميع نواحي الحياة الدينية والدنيوية.
كنت قبل سويعات جالسا في المجلس البلدي المنتخب في مدينتنا نتحاور في امور الناس ونختار لهم الاحسن والامن سيؤمن لهم رغيد الحياة وبحبوحته وكل ما يدفع الشر عنهم وناقش المجتمعون في جلستهم البرلمانية هذه برنامج عمل لطلاب المدارس والشباب واود ها هنا ان اشير الى ان التجربة الديمقراطية في المجتمع السويدي قد قطعت اشواطا كبيرة باتجاه ترسيخ طقوس الممارسة الديمقراطية في كافة نواحي الحياة في المجتمع ومؤسساته. الواقع ان النواب المنتخبون كانوا قد زاروا العديد من المدارس واجروا مقابلات مع ممثلي الطلبة جريا على تطبيق احدى المبادئ الاساسية في المجتمعات الديمقراطية الا وهو مبدا المشاركة الفعلية في اتخاذ القرارات لترسيخ الممارسة الديمقراطية بين الشباب وهم لا يزالون جالسين على المقاعد الدراسية وحتى في رياض الاطفال. وهنا اود الاشارة والتاكيد بان المبادئ والقيم الاساسية للديمقراطية لا يمكن ان تكون لها تطبيقات مختلفة وحسب انظمة الحكم فحرية الراي، التعبير، العقيدة، المبدا والتعددية السياسية حقوق ديمقراطية للناس لا يجوز التنازل عنها او الاخلال بها في اي مكان او زمان.
ان بناء المجتمعات المدنية الرافضة للعنف ومبدا تهميش الاخر والغاء وجوده الانساني مهمة مقدسة تقع على اكتاف الشباب بالدرجة الاولى. فهم امل بناء المستقبل والغد السعيد. هم حملة راية الشجاعة المدنية الحضارية وتلك مقياس الهوية الوطنية وتتمثل في عملية مشاركتهم في القرار السياسي وتحمل اعباء المسؤلية. هؤلاء اللذين ما برحوا الا وكانوا حطبا لنار الحروب والنزاعات لعقود طويلة وقلما تجد شابا عراقيا لم يفقد زهرة شبابه في سوح القتال والخدمة العسكرية "العلم" التي كانت تطول اكثر من عقد من الزمان حتى ينسى الشاب طعم الحليب الذي ارضعته اياه والدته المفجوعة.
هتا اريد ان اجيز لكم قارئي الكريم النقاط الاساسية التي اتفق الشباب وممثليهم من رجال السياسة في البرلمان المحلي في برنامج العمل كنموذج للمارسة الديمقراطية الحقة والواعية وهذه بعض مطاليب الشباب.
اولا: الديمقراطية
نرغب بالحصول على المعلومات الكافية حول التميز العنصري والحقد الموجه نحو الاغراب. رفض قطعي لارتداء الملابس النازية والاكسسواراتهم. نريد ان نشارك في اتخاذ القرارات. يجب على الكبار احترامنا واحتكام والاخذ بارائنا وتطلعاتنا. نطلب من ادارة المدارس احترام اتحادات الطلبة.
ثانيا: تخطيط المجتمع
عمل النواب والشباب معا من اجل تشجيع بناء دور السكن المناسبة للشباب وبيوت ملائمة للمعاقين منهم.
مساواة في شروط السكن في الريف والمدينة كقرب دور السكن من التجمعات التجارية للمواد الاستهلاكية. تحسين النقل العام. تطوير مركز المدينة بوجود مناطق عبور المشاة وتقليل سير العربات وطرق خاصة بالدراجات الهوائية.
ثالثا: التعليم على طول مسيرة الحياة.
رابعا: المسؤلية تجاه المجتمع.
خامسا: الحياة الثقافية واوقات الفراغ.
الاكثار من المهرجانات الموسيقية واماكن الرقص على مدار العام وتقديم المساعدات الحكومية لاجرائها.
سادسا: البيئة.
سابعا: اسلوب الحياة وشروطها
تخفيض حالة الاجهاد في المدارس. الاكثار من دروس الرياضة البدنية.
ثامنا: المساواه
تطبيق شروط مشتركة للاناث مساواتهن بالذكور. رفع درجة المساعدات المقدمة للاناث.
تاسعا: سوق العمل
تحسين العلاقة بين الاعداديات والشركات المحلية وتحسين مجالات التطبيق فيها. زيادة عدد اماكن اجراء التطبيق اثناء العطل والعطلة الصيفية.
وامور كثيرة اخرى لا تعد ولا تحصى تقدم بها الشباب كمقترحات وجدت طريقها فورا في برنامج عمل تم التصديق عليه من قبل نواب الشعب في البرلمان المحلي.
الهدف قارئي الكريم من سرد هذا النموذج هو تبيان مدى اهمية مشاركة الجميع في اصدار القرارات ذو العلاقة المباشرة بحياة الانسان واحترام رغباته من قبل نواب الشعب من ناحية ومن ناحية اخرى تبيان مدى التقدم الفكري للشباب واحساسهم بالمسؤلية حيث انه في حالة صدور اوامر من اللجان التنفيذية لتلك المقررات سيكونون اول من يطبقونها لكونها صادرة عن ارادتهم الحقيقية وليست تلك القرارات مفروضة عليهم من قبل الكبار او سلطة الدولة.
دعونا معا نبني ما حلم به العراقيين دهورا طويلة وللتكاتف جميع قوى الخير لبناء مجتمع عراقي مدني تعددي الفكر والمبدا وليتاخى اقوام العراق ويتحدوا ساكني ضفاف دجلة والفرات وطوبى للدماء الزكية التي سقت ارض الرافدين عبر العصور والازمان.