التركمان شعب مثقف وواع عاشوا في العراق منذ خمسة عشر قرنا وهم منتشرون في واد يمتد من موصل شمالا وينتهي في غرب بغداد جنوبا ويتخذ هذه القومية مدينة كركوك عاصمة لسكناهم وهي مدينة تركمانية صرفة سكنت فيها بعد اكتشاف النفط عشائر كردية وعربية, حافظت هذه الشريحة على قوميتها ومتون لغتها رغم الظروف القاسية والتشاحنات المؤثرة والرياح العاتية التي هبت ودبت من الكرد والعرب ومن الحكومات الجائرة التي أحيطت بهذه المناطق, التركمان على حافة حدود يفصل العرب والكرد, يحيطهم الكرد من الشرق والعرب من الغرب وبالتالي أصبحوا وقود وحطب الحروب التي اشتعلت بين القوميتين طول التاريخ و إن هذه الحروب التي لم تكن لهم ناقة ولا جمل جعلتهم يتفنّنون مهارة التعامل مع هذه البلايا , لذا تبنوا الحالة السلمية في الصراع والمراوغة السياسية في الحروب نهجاً للتعامل مع الأحداث القسرية الخارجة عن إرادتهم, فتحمّلوا ما تحمّلوا حتى ثخُنت جلودهم , وصبروا ما صبروا حتى الصبر ملّ منهم وأصبح ديدنهم الحفاظ على هذه القومية وعلى هذه اللغة الجميلة , حتى أيام الدولة العثمانية ابناء العم لم يقر لهم قرار ولم يهتم بهم احد بل أصبحوا هذه المرة مصيدة الطرفين (الكرد والعرب) كل واحد منهم يتهمونهم بالعمالة ويريدون الاصطياد منهم , واستمر الوضع هكذا حتى دب بالعراق الدمار
وسيطر تتار العرب البعثيون مقاليد الامور واحرق الحرث والنسل وعاد العرب والكرد والتركمان ولم ينجي من جبروتهم احد , صحيح ما قيل أن البعثيون لم يعدل بشئ إلا بالظلم حيث اعدلوا ووزعوا بالتساوي ماعدا التركمان كان نصيبهم أوفر لأنهم ليسوا بعرب أولا وليسوا لهم قوة ينتقم منهم إذا عادوه ثانياً وعندهم تركمان شيعة ثالثا لذا كان الانتقام البعثي من هذه الشريحة أكثر , فالتركمان كانوا إما
ـ إسلاميون قارعوا النظام وانتموا الى حزب الدعوة وانتقم النظام منهم واعدم أكثر من ٥٠٠تركمانيا وهدمت مدنهم قراهم
ـ قوميون طورانيون قارعوا النظام من السنين المبكرة انتقم النظام منهم
ـ تركمان تركوا العراق اثناء الحروب المتكررة في العراق متوجها الى تركيا وأوربا وتحولوا الى كتل وأحزاب
ـ تعايشوا مع المطاليب البعثية وتحولوا الى عشائر عربية وظهر في التركمان عشائر وفخوذ لم يظهر حتى عند العرب فاصبح التركماني حمدانيا , جبوريا. . . الخ وتحولت عشيرة البيات الى عشائر الطي وفوق كل هذا رفضهم صدام ان يكونوا عربا
ـ بقية السيف أي من بقى من التركمان داخل العراق وتحمل ما تحمل من النظام وتحول الى معارض دون حزب وحركة سقط النظام وذهب بلا رجعة وفرح الشعب العراقي فرحا شديدا وازداد فرحهم عندما رفرفت رايات الازرق السماوي ذات الهلال والانجم الست في المناطق التركمانية. واعتبر التركمان هذه الأيام الفرحة الكبرى, بعضهم اعتبر الجبهة التركمانية ذلك المشعل الذي ينير الظلام الحالك في التاريخ التركماني المديد وآخرون بالغوا من شدة حبهم وشوقهم الى الحرية اعتبروها المنقذ الذي كان التركمان ينتظره طول العمر, حتى لا نكون منصفين بدأت بداية مرضية ولكن ما فتئت ان أوجدت شرخا خطرا وغير مسبوق به في الجسم التركماني فقسموا التركمان الى ـ مثقفون (high prestige) ممن تركوا العراق ودرسوا في الجامعات التركية وهم أبناء التركمان المدللون ولهم الوصاية على التوجه التركماني
ـ مدنيون(civilization) أبناء وبنات كركوك وبغداد المدللين
ـ قرويون(كويللر) مقاريد(مكاريد) الاقضية والنواحي التركمانية
ـ سني ذلك التركماني الذي يستحق ان يقود البيت التركماني
ـ شيعي ذلك المتابع والمضحي في السراء وفي المواجهات
ـ قومي من له حق الخطاب التركماني
ـ اسلامي حاله حال القروي او ما شابه ذلك
وبدأ التفضيل والتنقيح ليقسم الشعب التركماني الى طوائف ودويلات والنتيجة كما يلي
ـ القيادة العليا بعد العسكر التركي للمثقفون (high prestige)
ـ القيادة الميدانية أهالي كركوك
ـ الجنود والمراتب وحطب النار الشيعة المقاريد(مكاريد). . . خمسة شهداء شيعة في
طوز وشهداء اثنين كذلك شيعة في كركوك وقس على ذلك بعد الانتخابات والتي صرفت في دعايتها الإعلامية ٩٣مليون دولار كانت النتيجة
ـ ٩٠ ألف ناخب تركماني وهذا يعني كل ناخب كلف الجبهة ١٠٠٠دولار وهذا مبلغ ضخم
ـ أين أعضاء كل هذه المؤسسات والتي كانت الجبهة تدّعي بأنها تملك ١٢٠٠٠٠عضو يعملون في مؤسساتها
ـ سُئل جمال شان المسئول الإعلامي للجبهة في الانتخابات عن ١٠٠٠٠لافتة انتخابية نصبه في المناطق التركمانية متهما إياه بالسرقة عندما اعترضوا عليه. . . أجابهم اذهبوا وعدّو.
ـ غيّروا تسلسل أسماء في اللائحة الانتخابية في كركوك دون إذن الأحزاب المؤتلفة معهم ومسحوا أسماء آخرين في محافظة صلاح الدين, كل هذا بعد الاتفاق معهم أليست هذه استهتار وخيانة
ـ ماذا عملوا أمام الخروقات والطعون الكردية للانتخابات وأين أصبحت عنتريات قائد الأركان للجيش التركي وهو يهدد.
ـ بعد كل هذه الألاعيب النتيجة ثلاثة ضعفاء كان أولى لهم ان يحافظوا على ماء وجههم وان يرفضوا ويعترفوا بتقصيرهم وضعف قابليتهم النتيجة (تيتي تيتي مثل ما رحتي جيتي) رجعوا خائبين مهزومين يريدون الالتحاق لركب الائتلاف العراقي الموحد.
هذه المرة كل يغني على ليلاه والجبهة التركمانية في سكرات الموت.
هذه نهاية مأساوية لكيان دام عشر سنوات واليوم لا ندري أيستحق البكاء او الضحك عليه او كلاهما, البكاء لهذه الامكانات والمؤسسات التركمانية التي سوف تذهب أدراج الرياح والضحك كما يقول المثل الشعبي (اليعيش بالحيلة يموت بالفقر)
هذه الأيام الجبهة التركمانية وهي مسجى, قبل موتها وضعوها في التابوت وقد دقّت مساميره وهي مغلفة بالعلم الأزرق السماوي ذات الهلال والأنجم الست وننتظر متى تدفن وتقرأ عليها الفاتحةفانا لله وإنا إليه راجعون. . . وفي الختام لا ندري أفي جنة الخلد أم الى الجحيم؟!.
في الكواليس وفي المطابخ التركية دولمة تركمانية جديدة تنتظر الظهور على شاشة التلفاز قد يكون طباخيها هذه المرة من اتجاه آخر يختلف كليا من سابقاتها.