على ضوء نتائج الانتخابات - إنها ليست (تسونامي) تركمانية!
نصرت مردان
حملت نتائج الانتخابات العراقية، والتي جرت في ظروف انعدام الأمن والاستقرار وتفشي العنف والتفجيرات اليومية أكثر من مفاجأة. ومن غير المنطقي حصر المفاجأة (كما يرى البعض) في النتائج التي حققتها الجبهة التركمانية العراقية (٣ مقاعد).
بالنسبة لي حتى نسبة ٤٨٪ التي قائمة الائتلاف الموحد (المعروف بقائمة السيستاني) لا تتناسب مع عدد سكان الشيعة في العراق، والذي يحدده البعض بأنه يقارب ٧٠٪ من عدد سكان العراق، وهذا يعني ان الناخب الشيعي قد توجه أثناء التصويت لأحزاب وقوائم أخرى. كما أن المفاجأة في الانتخابات شملت حتى القائمة الكردية لكونها حققت نسبة لم يكن يتوقعها الأكراد أنفسهم. وهذا يعني تصويت غير الأكراد للقائمة الكردية.
يمكن تفسير فوز الجبهة التركمانية العراقية بثلاثة مقاعد، بأنه فاجأ حتى الذين اعتادوا على معاداة التركمان والتقليل من شأنهم لأسباب ومصالح سياسية معينة. وهذه النتيجة تعني أن قسما من التركمان صوتوا لصالح قائمة السيستاني لأسباب مذهبية بحتة، إضافة إلى أن جزءا هاما من التركمان لم يشاركوا في التصويت حتى في مدينة كركوك ذات الكثافة السكانية التركمانية العالية بسبب تردي الأوضاع الأمنية. كما تم رهن الصوت التركماني الأصيل في أربيل لأسباب غير خافية على أحد، إضافة إلى عدم توجه الناخبين لصناديق الاقتراع في الموصل وتلعفر بسبب تردي الأوضاع هناك. أن ما يقارب من ٥٠٪ قاطعوا الانتخابات ولولا هذه المقاطعة لكانت النتائج مغايرة لما أصبحت عليه.
منطقيا يجب عدم الاستهانة بالمقاعد الثلاثة التي فازت بها الجبهة التركمانية العراقية في انتخابات كان للغش والتزوير دور البطولة فيها، وخاصة في كركوك بالدرجة الأولى. والغريب أن أحد الصحفيين سأل مساعد وزير الدفاع الأمريكي الذي كان يزور أنقرة عن تعليقه على عمليات التزوير في كركوك. أتدرون بماذا أجاب المسؤول؟ قال بالحرف الواحد مخاطبا الصحفي صاحب السؤال:
ـ وماذا تريدني أن افعل؟ الغش والتزوير يحدث حتى في (فلوريدا) أثناء الانتخابات الأمريكية!
يقينا كانت أمريكا ستكون أول دولة تعترض على نتائج هذه الانتخابات، وتطلب إعادتها (كما فعلت وتفعل في العديد من دول العالم)، لو لم تر في إجراء الانتخابات، رغم الأوضاع الأمنية المتردية، خدمة لمصالحها في العراق.
المطلعون على تجارب الدول الديمقراطية، يعلمون عن كثب، كم من حكومات سقطت عن كرسي الحكم، أثناء طرح الثقة أو إعادة تجديد الثقة بها، بسبب عدم حصولها على الأصوات المطلوبة لامتناع نائبين أو ثلاثة من التصويت لصالح تلك الحكومة! وفي هذه الدول الديمقراطية كم من أحزاب صغيرة لعبت دورا مصيريا في مستقبل الحكومات بل وحتى البرلمانات!
في الدول الديمقراطية الانتخابات سباق مارثوني طويل، يتكرر دوريا في الظروف الطبيعية، وشخصيا أمل ان لا تكون هذه الانتخابات التي لم تتوفر فيها أدنى الشروط مثل إجراء الإحصاء السكاني العام، وإشراف جهة دولية محايدة عليها، الأولى والأخيرة في وطني. بل تصبح ممارسة ديمقراطية دائمة.
نتائج الانتخابات مهما غالى البعض فيها فهي ليست دائمية، ولن تكون قدر العراق. وإذا كان من فاز بمقاعد أكثر مما كان متوقعا له اليوم، فعليه أن يعلم أن ذلك لا يعني بالضرورة فوزه في الانتخابات اللاحقة. فكم من حزب يفوز بأغلبية الأصوات في الدول الديمقراطية ذات البرلمانات الحقيقية، ثم إذا به ينزل إلى القاع بعد فشله في دورة انتخابية أخرى، والمشهد السياسي في العالم الديمقراطي مليء بهذه النماذج!
واقع آخر يدعونا إلى عدم الاستهانة بالمقاعد الثلاثة التي فازت الجبهة التركمانية رغم حداثة عهدها بالسياسة، وهو فوز حزب مثل الحزب الشيوعي العراقي، الذي يعتبر من أقدم الأحزاب في العراق بمقعدين في المجلس. وقد تكون النتيجة التي خرجت بها الجبهة من الانتخابات مرضية، إذا علمنا أن شخصية سياسية ودبلوماسية مرموقة، معروفة عربيا ودوليا مثل الباجه جي فشل في دخول المجلس.
ان كل هذا لا يعني بأن لا تواجه الجبهة التركمانية العراقية حساباتها، وأن تقف على أخطائها، فرغم تأكيدنا على أهمية المقاعد الثلاثة في المجلس، إلا ذلك يبقى دون مستوى الطموح الجماهيري للتركمان. وكانت بمثابة خيبة أمل للجميع دون استثناء (رغم الظروف غير الطبيعية التي رافقت الانتخابات).
قيادة الجبهة التركمانية مدعوة إلى الشفافية وتحديد نقاط الخطأ في سياساتها، وإعادة النظر في كوادرها وسياستها الإعلامية، وكسر التقوقع والانغلاق، بالانفتاح على جميع الأحزاب والتنظيمات العراقية والدخول في تحالفات معها. وقد رأينا بامتنان بوادر هذا التحرك بانضمام الجبهة التركمانية إلى جبهة الائتلاف الموحد، وبذلك ارتفعت نسبة تمثيل التركمان في المجلس الوطني إلى ٧ مقاعد. ان النواب السبعة سيستطيعون إذا ما تكاتفوا فيما بينهم من ممارسة دور مهم في التحالفات داخل البرلمان مع الأحزاب الممثلة فيه وخاصة أثناء التصويت على بعض القرارات المصيرية والمهمة المتعلقة بالمصلحة الوطنية للعراق.
نأمل ان تستعد الجبهة التركمانية العراقية منذ الآن للانتخابات التي ستجري نهاية العام الحالي، بقائمة تضم وجوها ثقافية واجتماعية مؤثرة، بدلا من حصر الترشيح بين رؤوساء الأحزاب الجبهة أو المقربين منهم، وبإعطاء حيز أكبر للإعلام لتوعية الجماهير التركمانية، وللحوار والتحالف مع الأحزاب الأخرى بما يخدم مصلحة العراق أولا والتركمان ثانيا.