ونحن نحتفل ونهنئ المرآة العراقية بيومها العالمي الأغر ونقدم لها أجمل البطاقة التذكارية وأجمل وأعطر الزهور الربيعية، علينا أن نتذكر بطولات ونضال نسائنا البطلات ضد الأنظمة الدكتاتورية والعنصرية في البلاد العربية وبما أن العراق كان وسيظل جزءا من الأمة العربية رغم أنوف الحاقدين الذين يقولون عرب العراق فقط جزء من الأمة العربية، وبما أن التركمان المكونة الرئيسية الثالثة من مكونات الشعب العراقي العظيم كانوا ولازالوا يدافعون عن مبادئهم الأصيلة كوحدة العراق أرضا وشعبا وعدم السماح لأي كائن على الأرض أو أية جهة عنصرية عميلة وحاقدة على تقسيمه إلى دويلات عرقية وطائفية، لذا اخترنا فتاة تركمانية من آلاف الفتيات العراقيات اللواتي ضحين بأنفسهن من أجل مبادئهن الوطنية وعقيدتهن وتربة وطنهن وقوميتهن ليكونن أمثلة رائعة تقتدي بهن نسائنا وفتياتنا من بعدهن.
كانت (زهراء بكتاش علي فيض الله) أصغر حبة في عنقود عائلة السيد بكتاش تسينلي(شيعي تركماني) والسيدة رسمية(سنية تركمانية) من مدينة كركوك الحبيبة وكان للعائلة فتيات أخريات ك(آيشان وكولشان ونورهان) وفتيان(علي وعباس). كانون يعيشون في حي المصلى أكبر أحياء كركوك وبالذات في زقاق حسين عوني الذي كنت أعيش فيه. أنجبت محلة مصلى خيرة قادة التركمان وكتاب وشعراء وفنانين وعسكريين وسياسيين كثيرين من أمثال القادة مصطفى راغب باشا وعمر علي ويالجين عمر عادل وعصمت صابر وعبد الله عبد الرحمن وفنانين كبار من أمثال رشيد كوله رضا وعز الدين نعمت وعثمان تبله باش وعبد الواحد كوزه جي وكتاب وشعراء من أمثال هجري ده ده و خضر لطفي و عثمان مظلوم ومحمد عزة خطاط وصلاح نورس وغيرهم. كما نال أبناء مصلى النصيب الأكبر من اعتقال أبناءها وتعذيبهم وإعدامهم أو سجنهم وترحيلهم من بيوتهم وأراضيهم. فعائلة السيد (دايى بكتاش تسينلي) والد الشهيدة المرحومة زهراء والتي نحن بصدد الحديث عن بطولتها النادرة واحدة من المئات من العوائل التركمانية التي رحلت من كركوك بسبب إصرارهن على عدم تغيير قوميتهن التركمانية إلى العربية أو باتهام أبنائهم الأسرى في إيران انخرطوا في صفوف المعارضة العراقية(القومية والطائفية) أو هربوا خارج العراق. ولا زالت تلك العائلات التي رحلت إلى شمال وجنوب العراق وبعدها هربت إلى خارج العراق تعيش في بلدان الجوار ك(إيران، تركيا، سوريا، أردن، الكويت) ومعظم الدول الأوربية وأمريكا وكندا وأستراليا وحتى معظم الدول الأفريقية وتخشى العودة إلى العراق لعدم استقراره وعودة الحياة فيه إلى أفضل مما عليه عن زمن النظام البعثي المقبور. حيث لم يتغير في الساحة العراقية عدا الوجوه فبدل دكتاتور واحد وهو صدام حسين ولى إلى دون الرجعة جاء عشرات من أمثاله الدكتاتوريين والمجرمين، وبدل أزلام أمن ومخابرات صدام تسلط على رقاب العراقيين عناصر الميليشيات المسلحة للأحزاب والتنظيمات السياسية يقومون باغتيال واختطاف أبناء الشعب ومحاسباتهم حسب مزاجاتهم الشخصية.
أما عن القصة البطولي للشهيدة التركمانية زهراء بكتاش فحدثني مرة في أواخر كانون الأول من عام ١٩٩٥، والدها (بكتاش دايى) في دار ضيافة الجبهة التركمانية ب(زاخو) حيث أقمنا فيها بضعة أيام قبل سفرنا إلى تركيا. فقبل الحادثة الأليمة كانت العائلة تسكن منطقة(١ حزيران) بكركوك، وكان ل(بكتاش دايى) خدمة(٢٧) سنة في شركة نفط كركوك، ولم يتوقع أبدا بأن تشمل عائلته بقرار الترحيل الجائر، لأنهم لم يقوموا بأية نشاطات معادية لطاغية بغداد ولن يشتموا جلاوزته، وبل عكس ذلك كانت لهم مواقف مشرفة تثبت وطنيتهم وإخلاصهم لوطنهم العراق. فكان الابن الأصغر (عباس) أسير منذ الحرب العراقية الإيرانية، وزوج أبنته فقد في الحرب ومازال مفقودا وربما قتل ولديه أربعة أطفال أبرياء كانوا يتضرعون جوعا. ولترحيل هذه العائلة التركمانية، عناصر النظام العنصري لفقوا تهمة مفاده بأن (عباس) شقيق الشهيدة (زهراء) الذي وقع في الأسر قد انخرط في صفوف المعارضة العراقية وحمل السلاح ضد النظام البعثي الأرعن. مع العلم بأن الوالد أخذ عشرات الرسائل التي أرسلته ابنه إليهم عن طريق منظمة الصليب الأحمر الدولية وأراه إلى المسئولين، ولكن دون جدوى فيجب أن يرحل الأب وترحل العائلة التي لا ذنب لهم حتى ولو كان أبنهم في المعارضة. فأعتقل الأب وأثناء الاستجواب تعرض دون مراعاة شيخوخته إلى تعذيب جسدي وضرب مبرح وإهانة. وبتاريخ ١٤ تشرين الأول / ١٩٩٥ عندما عاد (بكتاش دايى) من الاعتقال ومعه أمر الترحيل خلال (٢٤) ساعة، وعلمت الشهيدة زهراء بذلك فلم تسيطر على أعصابها والتي كانت وهددت رجال الأمن والاستخبارات قبل ذلك عندما شددوا مراقبتهم عليهم بالانتحار حرقا إذا نفذوا ذلك، وبدأت الهجوم على النظام وأزلامه أمام حشد من الناس دون خوف وترد وكانت خاتمة عباراتها مايلي:
(يا ناس، يا عالم إنني بنت هذه المدينة ولن أرحل عنها أبدا، واحتجاجا على سياسة الظلم الصدامي القاسية هذه سوف أحرق نفسي لأنير درب الحرية ولإعلاء كلمة التركمان، وستبقى كركوك لنا، والموت والعار للمجرمين الطغاة) وبعدها دخلت الدار وجلبت غالونا من النفط وأفرغتها على نفسها وأشعلت النار في جسدها ولم يفلح أحد من جيرانها إنقاذ حياتها لتسلم روحها الطاهرة في المستشفى. ورغم بطولة زهراء الفريدة هذه فلم تتمكن تغيير قرار الجلادين فبعد انتهاء مجلس الفاتحة وعودة العائلة إلى دارهم وجدوا مفرزة النظام تنتظرهم أمام الدار ليقولوا لهم:
- والآن فقد انتهى مجلس الفاتحة ونفذ صبرنا وعليكم بالرحيل من كركوك غدا وبدون أي تأخير. . . هل فهمتم؟
ولم يبقى أمام السيد بكتاش علي فيض الله الذي لا حول ولا قوة له والخالة رسمية سوى تنفيذ أوامر المجرمين الأنذال بتاريخ ١٩ تشرين الأول/ ١٩٩٥ والرحيل من مدينتهم كركوك إلى أربيل والالتجاء إلى الجبهة التركمانية.
لم تكن قصة زهراء هذه سوى واحدة من ألاف القصص المأساوية التي تحدث في بلداننا نتيجة ظلم الحكام الطغاة وسياساتهم الخاطئة تجاه شعوبهم. نتمنى أن ينقذنا من أولئك الحكام الأشرار ويبدلهم بآخرين يهمهم مستقبل وأمان وحرية واستقرار وراحة شعوبهم. ونهنئ المرآة العراقية عامة والتركمانية خاصة بيومهم الأغر هذا وندعو الله أن يسكن شهيداتنا جنات الخلد وكل عام والمرآة العراقية بألف خير وخير.
جريمة أخرى للأوباش في آلتون كوبري
بعد اعتداء الأسبوع الماضي الذي حدث من قبل بعض الأوباش المرتزقة على لوحة في مقبرة آلتون كوبري تحمل أسماء شهداء مجزرة آلتون كوبري الدامية التي راحت ضحيتها ٧٩ تركمانيا عاود أحد أولئك الضالون الأوغاد الكرة ثانية وفي هذه المرة اختار هذا الوغد ثانوية آلتون كوبري للبنات ليعتدي على حرمتها. ففي ليلة الثلاثاء ٨ آذار ٢٠٠٥ قام هذا المجرم الحاقد بإنزال اللوحة التي تحمل أسم المدرسة المكتوبة بالعربية والتركية وأخذها إلى مكان مجهول وبعد صب حقده الدفين عليها رماها في التراب. وإثر هذا الحادث المشئوم خرج الطلاب والطالبات هناك في مسيرة استنكارية شاركت فيها ممثلية الجبهة التركمانية وفرع الحزب الوطني التركماني العراقي في آلتون كوبري أيضا وفي صباح يوم أمس تمكن رجال مديرية الشرطة في آلتون كوبري مشكورين من القبض على هذا الضال الذي كان ينوي زرع الفتنة بين أهالي آلتون كوبري.
ترى منهم الأوباش الجدد والأوغاد المسعورين العنصريين والحاقدين للقومية التركمانية في القصبة التي لا يزيد نفوسها على أثنى عشر ألف ولا يعيش فيها سوى التركمان والأكراد؟ وما هو الدافع السياسي وراء هذه الجرائم الاستفزازية المشبوهة غير تخويف التركمان وإجبارهم الخضوع إلى جلاوزة مام جلال ومسعود البارزاني المتواجدين هناك؟ ومتى يتخلى أولئك الخونة والحاقدين من أعمالهم اللا أخلاقية وممارساتهم الجبانة ويتوجهون إلى تحقيق السلام والأمان في المناطق التي يتواجدون فيها حتى يكسبوا حب وود التركمان وبقية المواطنين العراقيين. وإلى متى يسكت الحكومة العراقية ومجلس محافظة كركوك وشرطة آلتون كوبري وقوات الحرس الوطني على هذه الخروقات والاعتداءات والانتهاكات العنصرية التي تزرع المزيد من بذور الفتنة والحقد والكره والعدوان بين أبناء القنطرة الذهبية من التركمان والكرد الذين عاشوا سوية دون أية مشكلة وتقاسموا الحلو والمر وجمعهم علاقات أخوية طيبة إلى أن سقط النظام البعثي الفاشي وغزا ميليشيات الجراد الصفراء الإقليم التركماني وفتحوا مقراتهم وبدءوا بفرض سيداتهم في كل مكان وإجبار التركمان والعرب وبقية القوميات المتآخية الرضوخ إلى أوامرهم. ففي العام الماضي اغتالوا أولئك الخونة الملعونين في ظلام الليل الصحفي التركماني الشاب علي أكرم كوبرولو رئيس تحرير صحيفة آلتون كوبري، وفي الثلاثين من يناير/ كانون الثاني ٢٠٠٥ قاموا بجلب أكثر من عشرة آلاف كردي من ناحية قوش تبة ليدلوا بأصواتهم لصالح قائمة الائتلاف الكردي لكي يثبتوا بأن آلتون كوبري قصبة كردية. واليوم والتركمان يتهيئون لإقامة المراسيم التذكارية لمجزرة آلتون كوبري في الثامن والعشرين من آذار عام ١٩٩١ يحاول أولئك الأوباش الضالين أن يكونوا حجر عثرة في طريق أهالينا التركمان وينتهكوا حقوقهم المشروعية في المدينة الصغيرة الجميلة ناسين بأن مثل هذه الأعمال الجبانة لا ترهبهم وهم قاوموا ظلم وعدوان أشرس طاغوت على الأرض طيلة ثلاثة عقود من الزمن، وبل سيزيدهم إيمانا بقضيتهم العادلة وتمسكا بعراقيتهم الأصيلة وعراقهم الغالي. نتمنى من الله العزيز الجليل أن يحفظ أبناءنا التركمان في آلتون كوبري من مخططات أولئك الجبناء خفافيش الليل الذين لا يظهرون إلا في سواد الليل ويفترسون فرائسهم، ويحفظ العراق والعراقيين جميعا من أشرار المعتدين الظالمين.