لم يعد خافيا سبب التأخير في انعقاد الجمعية الوطنية الجديدة وقد تناقلت وكالات الأنباء خبر انهيار المحادثات بين قائمة الائتلاف الوطني الموحد وقائمة الأكراد،
إذ لم تشأ الأولى الانفراد بالسلطة محبذة تشكيل حكومة انتقالية قوية تحظى برضا الأطراف المختلفة ولا سيما قائمة الأكراد باعتبارها ثاني اكبر قائمة فائزة في الانتخابات، ولا يلام أي طرف من الأطراف في تمسكه برأيه و تشدده في موقفه بغية الحصول على اكبر قدر ممكن من السلطة بعد أول عملية ديمقراطية حقيقية تشهدها البلاد بعد الإطاحة بالحكم الملكي، وان كنا ندعو الى التسامح والتنازل والمرونة لتفويت الفرصة على أعداء الديمقراطية وعدم تضييع المزيد من الوقت، لان في التأخير إنعاش للإرهاب والإرهابيين والقوى الظلامية، ولكني أتساءل: هل يفكر الكبار أثناء مداولاتهم لتقاسم المناصب السيادية الكبرى بإخوتهم التركمان باعتبارهم ثالث اكبر قومية في البلاد ولهم باع طويل في الجهاد ضد الدكتاتورية وإنهم قدموا الكثير من الضحايا وتحملوا صنوف العذاب من تهجير وحرمان وإعدامات.
وقد سمعنا بعض الزعماء يدعون الى إشراك القوى التي لم تشترك في الانتخابات في الحكومة المقبلة في مناورة سياسية ظاهرها تقوية الحكومة من خلال تمثيل جميع الأطياف فيها وباطنها كسب ود هذه الجهات، وهل يستوي في ميزان العدل الذي شارك في الانتخابات والذي لم يشارك؟، وأقول: أليس الأجدر كسب ود التركمان الذين شاركوا في الانتخابات بكل زخمهم وطاقاتهم بمنحهم منصب نائب رئيس الجمهورية او منصب نائب رئيس الوزراء او منصب رئيس الجمعية الوطنية مع حقيبتين وزاريتين إحداها سيادية وعدد من وكلاء الوزارات، خاصة ان التركمان يتساوون في الحقوق مع العرب والكرد ويجب إنصافهم في أي صيغة من صيغ التقسيم والتصنيف ففي حالة التقسيم الطائفي فالتركمان فيهم السنة والشيعة وفي حالة التقسيم القومي فالتركمان قومية ثالثة وفي الطرح الوطني فهم مواطنون من الدرجة الأولى.
ومسئولية إنصاف التركمان لا تقع على عاتق الائتلاف الوطني الموحد والأخوة الأكراد فحسب بل يتوجب على أمريكا أيضا ان تطالب بحقوقهم باعتبارها الطرف الأقوى في العراق والضامن لتطبيق الديمقراطية، وقد رأينا كيف انها تدخلت لصالح شريحة مهمة في المجتمع وفرضت تخصيص نسبة من المقاعد للنساء في الجمعية الوطنية ضمن القوائم المرشحة و هي مازالت تطالب بدور اكبر للمرأة العراقية في جميع المجالات في البلاد، وأقول أليس الحري بها وهي الضامنة لتطبيق الديمقراطية في العراق ان تطالب بإنصاف التركمان أيضا من خلال منحهم المناصب التي ذكرناها، ويمكن ان اذهب الى ابعد من ذلك وأطالب المجتمع الدولي أيضا ان يقوم بدوره ويمارس ضغوطه في هذا المجال، حتى لا يتم تجاهل هذه الشريحة في التحول الديمقراطي الجديد. ويجب التنويه بموقف الأمم المتحدة بهذا الشأن حيث استقبل السيد اشرف قاضي المبعوث الخاص للأمم المتحدة في العراق الأستاذ عباس البياتي الأمين العام للاتحاد الاسلامي لتركمان العراق وبحث معه أمور شتى منها المشاورات الجارية بين الكتل البرلمانية من اجل تشكيل حكومة وحدة وطنية، وقد أكد السيد البياتي على أهمية دور الأمم المتحدة في دعم العملية السياسية وضرورة مراقبة أوضاع الأقليات والحرص على هوياتهم وحقوقهم لأنها من صميم عملها، ووصف الديمقراطية بأنها تمثيل متوازن وتكافئ في الفرص وان أي تهميش لدور التركمان يعني عدم استكمال العملية الديمقراطية.
وبقي ان نقول بان التركمان بجميع فئاتهم سواء كانوا سنة او شيعة او مستقلين قد استفادوا كثيرا من تجربة الانتخابات الأخيرة وقد وحدتهم النتائج الانتخابية وقد تلجأ الحركات التركمانية في القريب العاجل الى تشكيل مجلس أعلى ينسق أمورها وشئونها وتجعلها تواجه الأحداث بصوت واحد وموقف واحد، وما انضمام الجبهة التركمانية الى إخوتهم التركمان الشيعة تحت مظلة المرجعية إلا مثال حي على الوعي والقدرة على الاستفادة من الدرس، وان الخبرة التي اكتسبوها بالأمس من الانتخابات ستوظف بالكامل في الانتخابات القادمة بعد عام واحد، وسيحاول عند ذاك كل طرف التودد إليهم لكسب أصواتهم من جديد، وسيكون الموقف التركماني عندها نابعا من المصلحة التركمانية العليا بعيدة عن العواطف والتذبذب، ومن يريد ان يكسب التركمان في الانتخابات القادمة وهي ليست بعيدة، عليه إنصافهم من خلال إشراكهم الآن في الحكم ووضعهم في المكان اللائق بهم بما يتناسب مع حجمهم السكاني ومقدار تأثيرهم في مجريات الأحداث
لا دستورية المطالب الكردية. . . اضرب وفاوض
محمد حسن الموسوي
almossawy@hotmail. com
بداية نقول ان السياسة فن الممكن وهي ايضا تعني جلب المنافع ودرء المفاسد ومن هنا فان للكرد كما لغيرهم الحق في المناورة السياسية من اجل تحقيق اكبر قدر ممكن من الانجازات وهذا ما تفعله القيادات الكردية الأن من خلال رفع سقف مطالبها ومماطلتها في تشكيل الحكومة واتباعها لسياسة ليّ الاذرع في المفاوضات المارثونية مع كتلة الائتلاف وهو امر مشروع الى حد ما. لكن السؤال هو ماذا يريد الكرد من وراء هذا التكتيك وفي هذا الوقت الحرج بالذات؟
يمكن اجمال المطالب التكتيكية للقيادات الكردية بالتالي:
اولا: الاعتراف بكردستانية كركوك واقرار كتلة الائتلاف بذلك واعطائهم ضمانات مكتوبة بهذا الاعتراف.
ثانيا: الاقرار بالفيدرالية العرقية(القومية) لكردستان وليست الفيدرالية الجغرافية الادارية.
ثالثا: تخصيص ٢٥بالمائة من ميزانية العراق لمنطقة كردستان.
رابعا: ابقاء قوات (البيشمركة) تحت امرتهم ودفع رواتبها من ميزانية الدولة العراقية وعدم السماح بحلها.
خامسا: الحصول على وزارتين سياديتين. بالاضافة لمنصب رئيس الجمهورية.
هذه هي اهم المطالب الكردية التي رفضها ممثلوا كتلة الائتلاف الموحد ذات الاغلبية البرلمانية. وقبل الخوض في اسباب الرفض لابد من القول ان ممثلي الكتلة الكردية اقوى شوكة وامضى عزيمة من الاخرين وذلك لأنهم اكثر تنظيما واتفاقا على ما يفاوضون من اجله كذلك فهم يستندون الى قاعدة جماهيرية واعية لمطاليب قياداتها الامر الذي يفتقر اليه الائتلافيون على الرغم من كونهم الاغلبية حيث استطاع الاكراد وبالتحالف مع علاوي من تحّييد هذه الاغلبية فلم يعد لها تأثير كبير مما انعكس على طريقة التفاوض اذ لم يكن هنالك اي شرط يذكر للائتلافيين وتفاوضوا على صيغة(كيف يمكن ارضاء الطرف الاخر لكي يقبل بالتحالف وتشكيل الحكومة) مما جعلهم لقمة سائغة وما لم يسارع الائتلافيون الى تغيير تكتيكهم السياسي واستراتيجيتهم فانه من غير المتوقع نجاحهم في تشكيل الحكومة المرتقبة وبالتالي عدم ايفائهم بوعودهم للملايين التي انتخبتهم مما سينعكس عليهم سلبا في الانتخابات القادمة.
اما لماذا رفض الائتلافيون المطالب الكردية فلانهم يعتقدون انها مطالب غير دستورية تتعارض وقانون ادارة الدولة المؤقت من ناحية واصرارهم على ترحيل تلك المطالب الى ما بعد سّن الدستور الدائم من ناحية اخرى. ومن المفارقات التي افرزتها عملية التفاوض بين الكتلتين الكردية والائتلافية هو تمسك الاخيرة بالدستور المؤقت كمرجعية عليا لحل النزاعات في الوقت الذي يعلم الجميع موقف معظم الاعضاء الرئيسين في هذه الكتلة من ذلك الدستور وتحفظهم عليه غداة اصداره بالمقابل اصر الكرد على امضائه.
تتمثل لادستورية المطالب الكردية من وجهة نظر الائتلافيين بالتالي:
اولاً: فيما يتعلق بقضية كركوك يصر الائتلافيون على تطبيق المادة ٥٨(ج) من الباب الثامن من الدستور المؤقت والتي تنص على ان(تؤجل التسوية النهائية للاراضي المتنازع عليها، ومن ضمنها كركوك، الى حين استكمال الاجراءات أعلاه، وإجراء إحصاء سكاني عادل وشفاف والى حين المصادقة على الدستور الدائم. يجب ان تتم هذة التسوية بشكل يتفق مع مباديء العدالة، آخذاً بنظر الاعتبار ارادة سكان تلك الاراضي). ومن هنا فان اصرار الاكراد على الحاق كركوك بكردستان يتعارض وبصراحة مع المادة اعلاه والتي تُحيل البت في قضية الاراضي المتنازع عليها ومن ضمنها كركوك الى الدستور الدائم والذي لم يكتب لحد الان وكذلك يرجع الى ارادة الناس ومعلوم ان التركمان والعرب والكلدواشور من سكنة كركوك يرفضون فكرة الضم الى كردستان. كذلك يتعارض والمادة الثالثة والخمسون(ب) والتي تنص على ان(تبقى حدود المحافظات الثمانية عشر بدون تبديل خلال المرحلة الانتقالية) وبالتأكيد فان الحاق كركوك بكردستان سيتبعه تغيير في الحدود بلا شك.
كذلك فان الاقرار بضم كركوك لكردستان يتعارض والمادة ٥٣ (ج) والتي تنص على انه (يحق لمجموعة من المحافظات خارج إقليم كردستان لاتتجاوز الثلاث، فيما عدا بغداد وكركوك، تشكيل اقاليم فيما بينها، وللحكومة العراقية المؤقتة أن تقترح آليات لتشكيل هذه الأقاليم، على أن تُطرح على الجمعية الوطنية المنتخبة للنظر فيها وإقرارها. يجب الحصول بالاضافة الى موافقة الجمعية الوطنية على اي تشريع خاص بتشكيل إقليم جديد على موافقة أهالي المحافظات المعنية بواسطة استفتاء).
وهذا النص واضح في تحديده لأقليم كردستان واستثناءه لكركوك منه بل اكثر من ذلك اعطاءه لكركوك حيثية خاصة حينما استثناها وبغداد من قضية تشكيل اي ثلاث محافظات لأقليم كما يسعى الى ذلك الان الشيعة في الوسط والجنوب لتشكيل اقاليم الفرات الاوسط والجنوب.
ثانياً: فيما يتعلق بالفيدرالية القومية التي يطالب بها الكرد، يراها الائتلافيون هي الاخرى غير دستورية وذلك لأن قانون ادارة الدولة المؤقت حدد نوع الفيدرالية بالجغرافية الادارية ولم يحددها بأي شئ أخر حيث تنص المادة الرابعة من الباب الاول منه على ان (نظام الحكم في العراق جمهوري، إتحادي (فيدرالي)، ديمقراطي، تعددّي، ويجري تقاسم السلطات فيه بين الحكومة الاتحادية والحكومات الإقليمية والمحافظات والبلديات والإدارات المحلية. ويقوم النظام ألإتحادي على أساس الحقائق الجغرافية والتأريخية والفصل بين السلطات وليس على أساس الأصل أو العرق أو الإثنية أو القومية أو المذهب). اذا لامجال للتفاوض على فيدرالية قومية او عرقية كما يطالب بها البعض. كذلك يجب على حكومة اقليم كردستان تقاسم السلطة مع بغداد وهو مالم يحصل لحد الان فالكرد يسيطرون على اقليمهم وتعدوه الى بغداد وطموحهم ان يصلوا البصرة.
ثالثاً: فيما يتعلق بالمشاركة في ثروات العراق فان الائتلافيين يرون ذلك حقا طبيعيا من حقوق الاكراد باعتبارهم جزء من العراق ولكن يرون ان توزيع الثروات على الاقاليم والمحافظات يجب ان يتناسب وحجم كل اقليم وكثافته السكانية واحتياجاته ويعتقدون ان نسبة ال٢٥ بالمائة التي يطالب بها الاكراد اكبر من حجمهم الحقيقي وهو طلب غير عقلاني هذا اذا ما علمنا ان الاكراد مطالبون باعطاء كشف حساب عن واردات المكوس في منطقة ابراهيم الخليل الحدودية حيث مضى اكثر من ١٥عاما علىتمتعهم بعائدات ذلك المعبر من دون اشراك الوسط والجنوب ولا حتى اعلام سلطة بغداد فاين اصبح مبدأ تقاسم السلطة وتوزيع الثروات؟
رابعاً: فيما يتعلق بابقاء قوات البيشمركة تحت سيطرة القوى الكردية وعدم السماح بحلها والصرف عليها من ميزانية الدولة العراقية يرى الائتلافيون لادستورية هذا المطلب وتعارضه الصريح مع المادة السابعة والعشرون (أ) و(ب) من الباب الثالث واللتان تنصان(تتألف القوات المسلحة العراقية من عناصر الوحدات العاملة ووحدات الاحتياط، وغرض هذه القوات: هو الدفاع عن العراق). و(لا يجوز تشكيل قوات مسلحة وميليشات ليست خاضعة مباشرة لإمرة القيادة للحكومة العراقية الانتقالية، إلا بموجب قانون إتحادي). ومن هنا فانه لايوجد اي مبرر للماطلة في عدم حل قوات (البيشمركة) خصوصا بعد حل ميليشا (جيش احرار العراق) التابعة للمؤتمر الوطني العراقي وبعد حل مليشيا (فيلق بدر) وتحويلها الى منظمة مجتمع مدني والتحاق اكثر اعضائها بسلك الحرس الوطني والشرطة وكذلك حل مليشيا(جيش المهدي) فما الذي يمنع الاكراد من فعل الشئ ذاته يتسائل الائتلافيون؟
ان مطلب الكرد بابقاء (البشمركة) تحت سيطرتهم يصطدم دستوريا بالمادة التاسعة والثلاثون (ب) من الباب الخامس والتي تنص على ان (يقوم مجلس الرئاسة بمهمة القيادة العليا للقوات المسلحة العراقية للاغراض التشريفية والاحتفالية فقط، ولن يكون له سلطة قيادة وله الحق في الاطلاع، والاستفسار واعطاء المشورة. وستسري القيادة الفعلية في الأمور العسكرية، عملياتياً، من رئيس الوزراء، فوزير الدفاع، فتسلسل القيادة العسكرية للقوات المسلحة العراقية). فاذا كان مجلس الرئاسة ليس له سلطة قيادة الجيش فكيف يطلب الاكراد بعد هذا ابقاء (البيشمركة) تحت قيادتهم؟
اما فيما يتعلق بالمناصب السيادية فالائتلافيون لايعترضون عليها بل اكثر من ذلك افصحوا عن رغبتهم في رؤية كردي يتبوء منصب رئاسة الجمهورية ولكنهم وبنفس الوقت يتمنون ان يروا عربيا او تركمانيا او كلدواشوريا يعتلي منصب رئاسة حكومة اقليم كردستان او ينال منصبا سياديا انطلاقا من سياسة المثل ويتمنون ايضا ان يسمح للعرب بالسكنى والعمل والاستثمار في كردستان كما يفعل الاكراد الان في عربستان العراق حيث الكردي يملك ويتزوج ويستثمر دونما اي رقيب او مضايقة.
لكن هل يجهل الاكراد حقاً الدستور المؤقت والذي هم من خطه وسّنه فيطالبوا بما يتعارض معه؟ بالطبع لا! اذاً ما وراء مطاليبهم التعجيزية؟ الواقع ان رفع المفاوض الكردي لسقف مطالبه لا يعدو سوى كونه تكتيكا ضمن استراتيجية طويلة الامد تعتمد المناورة السياسية الذكية التي تقوم على سياسية حافة الهاوية وسياسة اللحظة الاخيرة وهي سياسة برع الاكراد في تطبيقها وكان اخر تطبيق لها عند صياغة قانون ادارة الدولة المؤقت فاعتمد المفاوض الكردي هذه السياسة واستطاع تمرير ذلك القانون رغم انوف الاغلبية وسنرى كيف ان الكرد سيوافقون على دخول لعبة الائتلافات لتشكيل الحكومة ولكن في اللحظة الاخيرة بعد ان يوصلوا مرشح الائتلاف الى حافة الهاوية فيسلم لهم كل ما يريدون مقابل انتشاله من الوقوع فيها وبذلك يكون المفاوض الكردي ضرب عصفورين بحجر فهو سيبدو منقذ العملية السياسية من الخراب وبنفس الوقت يكون قد نال مراده وهذه هي السياسية. اضرب وفاوض.