بداية نقول ان السياسة فن الممكن وهي ايضا تعني جلب المنافع ودرء المفاسد ومن هنا فان للكرد كما لغيرهم الحق في المناورة السياسية من اجل تحقيق اكبر قدر ممكن من الانجازات وهذا ما تفعله القيادات الكردية الأن من خلال رفع سقف مطالبها ومماطلتها في تشكيل الحكومة واتباعها لسياسة ليّ الاذرع في المفاوضات المارثونية مع كتلة الائتلاف وهو امر مشروع الى حد ما. لكن السؤال هو ماذا يريد الكرد من وراء هذا التكتيك وفي هذا الوقت الحرج بالذات؟
يمكن اجمال المطالب التكتيكية للقيادات الكردية بالتالي:
اولا: الاعتراف بكردستانية كركوك واقرار كتلة الائتلاف بذلك واعطائهم ضمانات مكتوبة بهذا الاعتراف.
ثانيا: الاقرار بالفيدرالية العرقية(القومية) لكردستان وليست الفيدرالية الجغرافية الادارية.
ثالثا: تخصيص ٢٥بالمائة من ميزانية العراق لمنطقة كردستان.
رابعا: ابقاء قوات (البيشمركة) تحت امرتهم ودفع رواتبها من ميزانية الدولة العراقية وعدم السماح بحلها.
خامسا: الحصول على وزارتين سياديتين. بالاضافة لمنصب رئيس الجمهورية.
هذه هي اهم المطالب الكردية التي رفضها ممثلوا كتلة الائتلاف الموحد ذات الاغلبية البرلمانية. وقبل الخوض في اسباب الرفض لابد من القول ان ممثلي الكتلة الكردية اقوى شوكة وامضى عزيمة من الاخرين وذلك لأنهم اكثر تنظيما واتفاقا على ما يفاوضون من اجله كذلك فهم يستندون الى قاعدة جماهيرية واعية لمطاليب قياداتها الامر الذي يفتقر اليه الائتلافيون على الرغم من كونهم الاغلبية حيث استطاع الاكراد وبالتحالف مع علاوي من تحّييد هذه الاغلبية فلم يعد لها تأثير كبير مما انعكس على طريقة التفاوض اذ لم يكن هنالك اي شرط يذكر للائتلافيين وتفاوضوا على صيغة(كيف يمكن ارضاء الطرف الاخر لكي يقبل بالتحالف وتشكيل الحكومة) مما جعلهم لقمة سائغة وما لم يسارع الائتلافيون الى تغيير تكتيكهم السياسي واستراتيجيتهم فانه من غير المتوقع نجاحهم في تشكيل الحكومة المرتقبة وبالتالي عدم ايفائهم بوعودهم للملايين التي انتخبتهم مما سينعكس عليهم سلبا في الانتخابات القادمة.
اما لماذا رفض الائتلافيون المطالب الكردية فلانهم يعتقدون انها مطالب غير دستورية تتعارض وقانون ادارة الدولة المؤقت من ناحية واصرارهم على ترحيل تلك المطالب الى ما بعد سّن الدستور الدائم من ناحية اخرى. ومن المفارقات التي افرزتها عملية التفاوض بين الكتلتين الكردية والائتلافية هو تمسك الاخيرة بالدستور المؤقت كمرجعية عليا لحل النزاعات في الوقت الذي يعلم الجميع موقف معظم الاعضاء الرئيسين في هذه الكتلة من ذلك الدستور وتحفظهم عليه غداة اصداره بالمقابل اصر الكرد على امضائه.
تتمثل لادستورية المطالب الكردية من وجهة نظر الائتلافيين بالتالي:
اولاً: فيما يتعلق بقضية كركوك يصر الائتلافيون على تطبيق المادة ٥٨(ج) من الباب الثامن من الدستور المؤقت والتي تنص على ان(تؤجل التسوية النهائية للاراضي المتنازع عليها، ومن ضمنها كركوك، الى حين استكمال الاجراءات أعلاه، وإجراء إحصاء سكاني عادل وشفاف والى حين المصادقة على الدستور الدائم. يجب ان تتم هذة التسوية بشكل يتفق مع مباديء العدالة، آخذاً بنظر الاعتبار ارادة سكان تلك الاراضي). ومن هنا فان اصرار الاكراد على الحاق كركوك بكردستان يتعارض وبصراحة مع المادة اعلاه والتي تُحيل البت في قضية الاراضي المتنازع عليها ومن ضمنها كركوك الى الدستور الدائم والذي لم يكتب لحد الان وكذلك يرجع الى ارادة الناس ومعلوم ان التركمان والعرب والكلدواشور من سكنة كركوك يرفضون فكرة الضم الى كردستان. كذلك يتعارض والمادة الثالثة والخمسون(ب) والتي تنص على ان(تبقى حدود المحافظات الثمانية عشر بدون تبديل خلال المرحلة الانتقالية) وبالتأكيد فان الحاق كركوك بكردستان سيتبعه تغيير في الحدود بلا شك.
كذلك فان الاقرار بضم كركوك لكردستان يتعارض والمادة ٥٣ (ج) والتي تنص على انه (يحق لمجموعة من المحافظات خارج إقليم كردستان لاتتجاوز الثلاث، فيما عدا بغداد وكركوك، تشكيل اقاليم فيما بينها، وللحكومة العراقية المؤقتة أن تقترح آليات لتشكيل هذه الأقاليم، على أن تُطرح على الجمعية الوطنية المنتخبة للنظر فيها وإقرارها. يجب الحصول بالاضافة الى موافقة الجمعية الوطنية على اي تشريع خاص بتشكيل إقليم جديد على موافقة أهالي المحافظات المعنية بواسطة استفتاء).
وهذا النص واضح في تحديده لأقليم كردستان واستثناءه لكركوك منه بل اكثر من ذلك اعطاءه لكركوك حيثية خاصة حينما استثناها وبغداد من قضية تشكيل اي ثلاث محافظات لأقليم كما يسعى الى ذلك الان الشيعة في الوسط والجنوب لتشكيل اقاليم الفرات الاوسط والجنوب.
ثانياً: فيما يتعلق بالفيدرالية القومية التي يطالب بها الكرد، يراها الائتلافيون هي الاخرى غير دستورية وذلك لأن قانون ادارة الدولة المؤقت حدد نوع الفيدرالية بالجغرافية الادارية ولم يحددها بأي شئ أخر حيث تنص المادة الرابعة من الباب الاول منه على ان (نظام الحكم في العراق جمهوري، إتحادي (فيدرالي)، ديمقراطي، تعددّي، ويجري تقاسم السلطات فيه بين الحكومة الاتحادية والحكومات الإقليمية والمحافظات والبلديات والإدارات المحلية. ويقوم النظام ألإتحادي على أساس الحقائق الجغرافية والتأريخية والفصل بين السلطات وليس على أساس الأصل أو العرق أو الإثنية أو القومية أو المذهب). اذا لامجال للتفاوض على فيدرالية قومية او عرقية كما يطالب بها البعض. كذلك يجب على حكومة اقليم كردستان تقاسم السلطة مع بغداد وهو مالم يحصل لحد الان فالكرد يسيطرون على اقليمهم وتعدوه الى بغداد وطموحهم ان يصلوا البصرة.
ثالثاً: فيما يتعلق بالمشاركة في ثروات العراق فان الائتلافيين يرون ذلك حقا طبيعيا من حقوق الاكراد باعتبارهم جزء من العراق ولكن يرون ان توزيع الثروات على الاقاليم والمحافظات يجب ان يتناسب وحجم كل اقليم وكثافته السكانية واحتياجاته ويعتقدون ان نسبة ال٢٥ بالمائة التي يطالب بها الاكراد اكبر من حجمهم الحقيقي وهو طلب غير عقلاني هذا اذا ما علمنا ان الاكراد مطالبون باعطاء كشف حساب عن واردات المكوس في منطقة ابراهيم الخليل الحدودية حيث مضى اكثر من ١٥عاما علىتمتعهم بعائدات ذلك المعبر من دون اشراك الوسط والجنوب ولا حتى اعلام سلطة بغداد فاين اصبح مبدأ تقاسم السلطة وتوزيع الثروات؟
رابعاً: فيما يتعلق بابقاء قوات البيشمركة تحت سيطرة القوى الكردية وعدم السماح بحلها والصرف عليها من ميزانية الدولة العراقية يرى الائتلافيون لادستورية هذا المطلب وتعارضه الصريح مع المادة السابعة والعشرون (أ) و(ب) من الباب الثالث واللتان تنصان(تتألف القوات المسلحة العراقية من عناصر الوحدات العاملة ووحدات الاحتياط، وغرض هذه القوات: هو الدفاع عن العراق). و(لا يجوز تشكيل قوات مسلحة وميليشات ليست خاضعة مباشرة لإمرة القيادة للحكومة العراقية الانتقالية، إلا بموجب قانون إتحادي). ومن هنا فانه لايوجد اي مبرر للماطلة في عدم حل قوات (البيشمركة) خصوصا بعد حل ميليشا (جيش احرار العراق) التابعة للمؤتمر الوطني العراقي وبعد حل مليشيا (فيلق بدر) وتحويلها الى منظمة مجتمع مدني والتحاق اكثر اعضائها بسلك الحرس الوطني والشرطة وكذلك حل مليشيا(جيش المهدي) فما الذي يمنع الاكراد من فعل الشئ ذاته يتسائل الائتلافيون؟
ان مطلب الكرد بابقاء (البشمركة) تحت سيطرتهم يصطدم دستوريا بالمادة التاسعة والثلاثون (ب) من الباب الخامس والتي تنص على ان (يقوم مجلس الرئاسة بمهمة القيادة العليا للقوات المسلحة العراقية للاغراض التشريفية والاحتفالية فقط، ولن يكون له سلطة قيادة وله الحق في الاطلاع، والاستفسار واعطاء المشورة. وستسري القيادة الفعلية في الأمور العسكرية، عملياتياً، من رئيس الوزراء، فوزير الدفاع، فتسلسل القيادة العسكرية للقوات المسلحة العراقية). فاذا كان مجلس الرئاسة ليس له سلطة قيادة الجيش فكيف يطلب الاكراد بعد هذا ابقاء (البيشمركة) تحت قيادتهم؟
اما فيما يتعلق بالمناصب السيادية فالائتلافيون لايعترضون عليها بل اكثر من ذلك افصحوا عن رغبتهم في رؤية كردي يتبوء منصب رئاسة الجمهورية ولكنهم وبنفس الوقت يتمنون ان يروا عربيا او تركمانيا او كلدواشوريا يعتلي منصب رئاسة حكومة اقليم كردستان او ينال منصبا سياديا انطلاقا من سياسة المثل ويتمنون ايضا ان يسمح للعرب بالسكنى والعمل والاستثمار في كردستان كما يفعل الاكراد الان في عربستان العراق حيث الكردي يملك ويتزوج ويستثمر دونما اي رقيب او مضايقة.
لكن هل يجهل الاكراد حقاً الدستور المؤقت والذي هم من خطه وسّنه فيطالبوا بما يتعارض معه؟ بالطبع لا! اذاً ما وراء مطاليبهم التعجيزية؟ الواقع ان رفع المفاوض الكردي لسقف مطالبه لا يعدو سوى كونه تكتيكا ضمن استراتيجية طويلة الامد تعتمد المناورة السياسية الذكية التي تقوم على سياسية حافة الهاوية وسياسة اللحظة الاخيرة وهي سياسة برع الاكراد في تطبيقها وكان اخر تطبيق لها عند صياغة قانون ادارة الدولة المؤقت فاعتمد المفاوض الكردي هذه السياسة واستطاع تمرير ذلك القانون رغم انوف الاغلبية وسنرى كيف ان الكرد سيوافقون على دخول لعبة الائتلافات لتشكيل الحكومة ولكن في اللحظة الاخيرة بعد ان يوصلوا مرشح الائتلاف الى حافة الهاوية فيسلم لهم كل ما يريدون مقابل انتشاله من الوقوع فيها وبذلك يكون المفاوض الكردي ضرب عصفورين بحجر فهو سيبدو منقذ العملية السياسية من الخراب وبنفس الوقت يكون قد نال مراده وهذه هي السياسية. اضرب وفاوض.