تتناقل وسائل الأنباء و كثير من الباحثين الغربيين أخباراً كثيرة عن العلاقات شبه السرية –و التي تظهر إلى العلن بين أونة و أخرى- بين الحركة الصهيونية و دولتها في إسرائيل وبين الأحزاب القومية الكردية في شمال العراق. و المتابع للصحف التي تسيطر عليها الحركة الصهيونية خصوصاً في أمريكا الشمالية يرى بوضوح ميل كتّاب هذه الصحف و محرريها إلى تأييد وجهة النظرالتي تتبناها الأحزاب الكردية. وليس أدل على ذلك إصرار المستشار القانوني الصهيوني الأمريكي (نوح فيلدمان) على تضمين قانون الدولة المؤقت فيتو كردي على أي دستور يوافق عليه برلمان وطني عراقي منتخب.
أكثر من ذلك فقد صرح فيلدمان حديثاً في وسائل الإعلام الأمريكية: إن للأكراد حق الإنفصال و الإستقلال إذا حصلت حرب أهلية بين السنة و الشيعة! وقد سبق أن صرح القادة الأكراد في أثناء انتفاضة ١٩٩١ " أننا قمنا بالإنتفاضة لأننا إعتقدنا أن الشيعة سيستولون على الحكم و نحن لا نريد أن نكون جزءاً من العراق إذا سيطر عليه الشيعة. "! و قد كان تأثير الحركة الصهيونية فعالاً جداً في دفع الحكومة الأمريكية و البريطانية على إجبار حكومة صدام للإنسحاب من المنطقة الكردية و فرض الحماية الجوية عليها طيلة بقية الحكم الصدامي. في حين تُرك لصدام التحرك بحرية مطلقة ضد الشيعة رغم فرض منطقة الحضر الجوي في الجنوب أيضاً! و لا نريد أن ندخل في هذا المقال المختصر في تفاصيل أكثر حول القضايا العديدة التي تقوم بها الصهيونية و مؤيدوها لحث القادة الأكراد على وضع مطالب ترقى إلى حد
الإنفصال رغم أنهم لا يصرحون بذلك و خصوصاً في الوقت الحاضر و بعد حصول القائمة التي يؤيدها الشيعة على غالبية الأصوات في الإنتخابات التي جرت مؤخراً. ولكن نريد أن نبين النقاط الرئيسية التي يبدو بوضوح أن الأحزاب الكردية تماهي بها بوضوح خطى الحركة الصهيونية:
¨ يقول اليهود أنهم شعب الله المختار و أن الله لا يكلم البشر إلا من خلال أنبيائهم. و يمضي التلمود إلى ابعد من ذلك فيقول أن الله تعالى لم يخلق بقية الناس إلا ليكونوا خدماً لليهود إلى غير ذلك من الأقوال الأخرى الفظيعة التي لا يمكن وصفها إلا بالعنصرية الفاشستية.
أما الأكراد فيقولون أنهم ليسوا عرباً (حتى لا يخاصموا إسرائيل) و أنهم من العنصر الآري الأوربي –الهندي وليسوا ساميين كالعرب. وهم يلوحون من طرف خفي بتفوقهم القومي على العرب و(ولا أدري كيف يسيرون بنظريتهم هذه أمام اليهود الذين يدعون السامية! ولكن الصهيونية معروفة بتقديم الأهم على المهم). و لا يريد الأكراد أن يذكروا أنهم مسلمون حتى تنقطع الصلة تماماً بينهم وبين العرب و بقية المسلمين.
¨ يدعي اليهود ليس بملكية فلطين فحسب بل هم ينادون بدولة إسرائيل الكبرى (من الفرات إلى النيل أرضك يا إسرائيل). أما الأكراد فينادون كذلك بكرستان الكبرى. وهم يفصلون كردستان حسب الأهمية الإقتصادية و ليس الديمغرافية فقط. فهم يدعون ملكية كركوك حتى يضمنوا وجود المورد المالي من الغاز و النفط، وهم يدعون أن كردستان تمتد حتى ضفاف الخليج ليضمنوا المرفأ البحري لدولة مستقلة وليذهب السكان التي تمر بها هذه الحدود أين ما يريدون إذا لم يقنعوا بالتكريد.
¨ لقد استغل اليهود عداء هتلر لهم في الحرب العالمية الثانية و أخذوا يبالغون في معاناتهم و اضطهاد هتلر و النازية لهم وأخذوا يزيدون في عدد اليهود الذين قتلهم هتلر بطرق مختلفة حتى استقر بهم المقام في عام ١٩٧٠ إلى تبني العدد ٦ مليون قتيل بطريقة المحرقة Holocaust. و لا يسمح اليهود أن يطلق هذا الإسم على أية عمليات إبادة أخرى بل هو حكر عليهم مهما بلغت شراسة و حجم معاناة الشعوب الأخرى.
• أما الأكراد فلديهم الآن قضية ضرب حلبجة بالغازات الكيمياوية في زمن دكتاتورية صدام. ولا ينكر فضاعة هذه الجريمة الوحشية. و مع أن معظم قتلى جريمة
حلبجة هم من أفراد الجيش الإيراني إلا أن الأحزاب القومية الكردية تدعي أن كل القتلى هم من الأكراد وأن عددهم الآن يقف على الرقم ٥آلاف قتيل. و لا يريد القادة الأكراد و مناصروهم في الغرب أن يذكروا أن صدام استخدم الغازات الكيمياوية لمرات عديدة في الجنوب مرة بحجة ضرب القوات الإيرانية ولكن في مرات عديدة ضد "المتمردين" الشيعة.
¨ لقد نجح الصهاينة بمساندة مؤيديهم في الدول الغربية في منع أي إنتقاد لهم أو لإسرائيل أو قادة إسرائيل مهما ارتكبوا من جرائم. وهم يلقون على أي منقد لهم أو لدولتهم بأنه ضد السامية و هي تهمة يرتعب منها أي فرد في الغرب لأنها تعني مساندة النازية و الفاشية العنصرية. وقد نجحت الصهيونية في سن قوانين تمنع اية إنتقادات لها أو لدولة إسرائيل و تعتبر ذلك من ضمن قوانين العقوبات ضد الكراهية و العنصرية. بل وقد منعت بقوة القانون أي نقاش لدعوى اليهود حول عدد قتلاهم في الحرب العالمية الثانية! وقد احتضنوا بعض الكتاب و السياسيين ليكونوا الناطقين و المبررين لكل طموحاتهم و خططهم.
أما القادة الأكراد و سيراً على خطى المعلم الصهيوني على تخويف و ابتزاز أي شخص آخر يقوم بأي انتقاد لستراتيجية الأكراد و مطالبهم التي ترقى إلى الإنفصال غير المعلن و هم، كاليهود، يطاردون منتقديهم في جميع وسائل الإعلام و حتى في مواقع الإنترنيت والتهمة جاهزة(العروبيون، البعثفاشيون، النازيون العرب إلخ. . .). كذلك قام الأكراد باحتضان عناصر أنتهازية مصلحية غيلا كردية بالدفاع عن مواقف القادة الأكراد و تبرير كل ما يقومون به من تحرك سياسي أو عسكري دون الإلتفات إلى مصالح العراقيين الاخرين. وربما يخطط الأكراد لإستصدار قوانين في الدستور العراقي القادم تمنع مناقشة أو إنتقاد أي من خططهم أو طموحاتهم و تحت طائلة قوانين العقوبات التي ستكون سارية المفعول. و الشيء بالشيئ يُذكر فإن تهديد الأستاذ أياد الزاملي قبل فترة وجيزة من قبل أحد المحازبين الأكراد إن هو إلا مؤشر على ما يطمح إلى بلوغه القادة الأكراد من تكميم الأفواه حتى قبل وصولهم إلى استلام السطة الفعلية. والآن يرفض كثير من المواقع نشر أية مقالات تنتقد الأحزاب الكردية و توجهاتها الإنفصالية و مطالبها الأنانية التي لا تهتم بمصالح العراقيين الآخرين!
هذا غيض من فيض من تبني الحزبين القوميين الكرديين للإستراتيجية الصهيونية التي يبدو أنها أصبحت الراعية الأساسية للطموحات القومية الكردية كرهاً بالعرب و المسلمين و رغبة في إضعاف العراق و تدميره. و الشيء المثير للعجب أن الطائفيين الإنكشاريين من أدعياء العروبة في الطائفة السنية يركزون كل إهتماهم و إرهابهم لضرب الشيعة و إضعافهم وسلبهم كل ما يمكن أن يحصلوا عليه من حقوق عادلة. و هم يتناسون تماماً و يغضون البصر عما تقوم به الأحزاب القومية الكردية من السير بهذه الخطى التي توحي بها و تشجعها الصهيونية التي ترى أيضاً أن أشد الخطر عليها في العراق يأتي من العرب الشيعة الذين يشتركون في المذهب مع عدوتهم
الرئيسية في المنطقة و هي دولة إيران الإسلامية التي تقض مضاجع الصهاينة و حلفائهم الغربيين بالسير على برنامجها النووي العلمي الذي سيجعل إيران في مصاف الدولة المتقدمة و يلغي واقع تفوق إسرائيل النووي العسكري. و هكذا يثبت العرب السنة في العراق و في بقية الدول العربية أنهم طائفيون قبل أن يكونوا قوميين أو إسلاميين. وعلى الشيعة ألا يخضعوا للإبتزاز الفاشي الكردي و أن يسيروا قدماً في تاليف حكومة تحظى بالغالبية التي حصلوا عليها حتى لو أدى ذلك إلى تجاوز قانون الدولة المؤقت الذي ما أراده فيلدمان ومن ورائه بريمر و ألإدارة الأمريكية إلا لتكبيل الشيعة و إضعافهم إذا شكلوا حكومة مع الأحزاب الكردية المتحالفة مع واشنطن. كفى ابتزازاً للشيعة من قبل الإنكشاريين الطائفيين و الآن من قبل الفاشيين الأكراد.