التأزم العراقي – الأردني
وتنامي وعي الشارع العراقي بمسؤولياته
حميد الهاشمي
المراقبون للمشهد العراقي هذين اليومين وهم كثر يرصدون دور الشارع العراقي في اتخاذ موقف شعبي، ورسمي للحكومة العراقية من قضية حساسة، ألا وهي عملية إقامة مأتم وتكريم للإرهابي الأردني الذي قتل في الحلة منتحرا ومستهدفا حشدا من المدنيين راح ضحيته قرابة المئة والثلاثين مواطنا مدنيا، إضافة الى عشرات الجرحى.
لقد أثارت المظاهرات الحاشدة التي نظمت في عموم العراق ضد الموقف الرسمي الاردني وضد الموقف اللاإنساني من عائلة الارهابي الاردني وذويه، اثارت الحكومة العراقية بشخص رئيس وزرائها اياد علاوي الذي تربطه بالحكومة الاردنية علاقات طيبة، فاستجاب واصدر بيانا شديد اللهجة وتصريحات مماثلة طالب الحكومة الاردنية بتفسير للموقف هذا وخاصة امر السماح باقامة فعل مثل هذا واصفا عملية اقامة المأتم بابشع الالفاظ.
وهكذا واخيرا تناغم الموقف الرسمي مع الموقف الشعبي في العراق، واصبح الشارع العراقي يؤثر في حكومته ويحركها وليس العكس. كل هذا كان بفعل إثارة القضية بعملية ذكية ومنظمة من قبل بعض الأحزاب ووسائل الإعلام العراقية وفي مقدمتها حزب المؤتمر الوطني الذي يقوده احمد ألجلبي الذي تتسم علاقته مع الاردن بالعداء التام. ولعل جريدة المؤتمر الناطقة باسم هذا الحزب هي أول وسيلة إعلامية تلقفت الخبر عن الجريدة الاردنية التي نشرته، حيث قامت جريدة المؤتمر بنقل الخبر كاملا مع الصور بعد مقدمة وخاتمة تلاءم الحدث. وقد سارعت المواقع الالكترونية العراقية الى نقله عن المؤتمر وسارع الكثير من الكتاب العراقيين والعرب الى إدانة ما حدث في مدينة السلط الاردنية من اقامة مأتم واعتبار الارهابي الاردني "شهيدا".
وبلغ الأمر بتفاصيله الى الجهات العراقية الاخرى النافذة ومنها الحوزة العلمية التي لم تكن لتهدأ بعد من ردة فعلها تجاه تصريحات الملك الاردني عبد الله الثاني التي أبدى فيها تخوفه قبل فترة قصيرة من قيام هلال شيعي في المنطقة، وهو ما اعتبر تدخلا في الشأن العراقي وتخوفا لا مبرر له.
لقد أصدرت الحوزة العلمية في النجف بيانا أدانت فيه ما جرى في السلط، ، وطالبت الحكومة العراقية القيام بدورها المسئول، وكذا الحكومة الاردنية ومؤسسات المجتمع المدني. ومثل هذا فعل كل من المجلس الإسلامي الأعلى بقيادة عبد العزيز الحكيم وحزب المؤتمر بقيادة الجلبي.
وربما خطت مثل هذه الخطوات أحزاب وحركات سياسية ومنظمات مجتمع مدني عراقية اخرى، فحركت الشارع العراقي واستجاب هذا الشارع بعد سبات طويل لقضية أمنه ولقضية إنسانية وأخلاقية تهم المجتمع الإنساني بأسره وليس دول المنطقة فحسب.
من الواضح ان مثل هذا التحرك يعكس نضجا كبيرا للمواطن العراقي مدعمة بشجاعة وإيمان بان إتباع هذه الأساليب في الاحتجاج والتعبير ورد الاعتبار هي أجدى من اجتهاد حمل السلاح بصورة فردية او التهديد والوعيد او البكاء والنحيب.
ولعل تجربة تدفق المواطنين العراقيين الى صناديق الاقتراع متحدين تهديدات ارهابية بالقتل وصبغ الشوارع بالدم، وإنجاحهم للانتخابات هي الدافع الكبير لاستجابتهم هذه وتأثيرهم في موقف الحكومة العراقية، والحكومة الاردنية التي سارعت الى ادانة الفعل والتبرؤ منه، ولاحقا الى اعتقال الصحفي الذي "لفق" الخبر كما اتضح، وذلك بعد ان بدا الموقف الاردني باهتا ومستغربا حينما زار الملك الاردني مقر الجريدة التي نشرا الخبر "مستفسرا". بل بدا الموقف وقحا حينما استهجنت الناطقة باسم الحكومة الاردنية أسمى خضر ما صدر من تصريحات عن الحوزة العلمية والتنظيمات السياسية والثقافية العراقية تجاه الحكومة الاردنية حينما طالبوها باستجلاء الموقف.
من المؤكد ان ما حصل من ردود فعل عراقية غاضبة تمثلت في المظاهرات الشعبية الكبيرة والمتعددة يدلل على تنامي الوعي بالمسؤولية في الشارع الشعبي العراقي والتأثير في حكومته وحكومات بعض دول المنطقة التي تتهم بالتواطؤ او التهاون مع الإرهاب الذي يصدر الى العراق.
وهو توجه جديد سيفرض واقعا جديدا في المنطقة وفي علاقات العراق مع الآخرين.
من المتوقع ان يتخذ نفس الموقف الشعبي لاحقا للضغط على بلدان مثل مصر او اليمن او غيرها ممن توجد فيها قرية او مدرسة او مستشفى بني بأموال العراقيين ويسمى لحد الآن باسم صدام حسين، من اجل ان تغير هذه الأسماء الى العراق مثلا.
ومن المتوقع ان تحسب بعض الشخصيات الدينية والاجتماعية والسياسية والاعلامية وغيرها التي تعادي العراق حسابها من الآن فصاعدا الى ثقل الشارع العراقي في التأثير على حكومات هذه الدول والتأثير في مصالحها في العراق لتغير مواقفها وتحترم دماء العراقيين ومشاعرهم على اقل تقدير.