المقدمة
تقع مدينة كركوك في بقعة مهمة من الشرق الاوسط بشمال وادي الرافدين مهد الحضارات القديمة. في هذه المنطقة وجدت أولى التطورات الحضارية في العالم وتحول الانسان القديم من دور البداوة الوحشية والصيد إلى ادوار التحضر ووجدت فيها أولى تطورات السكن في الكهوف والحفر ثم في القرى والمدن وتكوين المجتمعات السكنية واوجد الانسان تدجين الحيوانات وزراعة النباتات لتوفير غذائه لأكتفائه الذاتي واستعمال الفائض في التبادل التجاري مع المناطق المجاورة واوجد الطرق التجارية وتطوير استعمالها امنياً وعلمياً. وبدأ بتصنيع ادواته المنزلية والزينة و الاسلحة الضرورية للصيد او لحماية نفسه وعائلته من الحيوانات المفترسة. بعد تنافس وتنازع المجتمعات السكانية طور صناعة اسلحته لأستعمالها بكفأة عالية ضد الاعداء والاقوام الغازية وفي هذا المجال اسست القلاع والاسوار للحماية.
استفادت المنطقة من الاقوام والدول المجاورة والتي كانت لها اقدم حضارة في العالم وهم السومريون والاكديون والبابليون في جنوب وادي الرافدين وتعلموا الكتابة منهم منذ الالف الرابع قبل الميلاد وتبعوا معتقدات واديان مختلفة وبنوا المعابد وظهر فيها العلماء والشيوخ من اصحاب المذاهب والمعتقدات المختلفة. وظهرت في المنطقة امارات ودويلات محلية او دخلت تحت حكم دول او امبراطوريات كثيرة، البعض منها كانت غازية عابرة والبعض منها كانت مستقرة لفترات مختلفة من الزمن وتتابعت الحكومات والدول على مدى العصور والازمان وكان الحكام والغزاة من قوميات واجناس واديان ومذاهب مختلفة وحكمت لمدد قصيرة او طويلة ثم سقطت او انقرضت وانصهرت في بودقة المجتمعات المحلية حسب نظرية (الاكثرية تبلع الاقلية). وجاءت إلى المنطقة موجات اثنية (عرقية) مهاجرة مختلفة قسماً منها جاءت طوعاً أو جبراً ساعدت على تطوير حضارة المنطقة ايجابياً او سلبياً.
ان موقع مدينة كركوك وحواليها وجغرافيتها وثرواتها الطبيعية ذو اهمية بالغة محلياً وعالمياً، كما انها كانت وما تزال همزة وصل بين المناطق الجبلية والسهول والبوادي وهي تقع في مسار الطرق التجارية القديمة والحديثة، كما انها مناخياً تقع في منطقة انتقال بين مناخ المناطق الجبلية ذات الامطار الغزيرة والثلوج ومنطقة البوادي والسهول الجافة ذات الامطار القليلة والحرارة العالية وزراعتها شتوية (ديمية) اي تعتمد على الامطار. وفي المنطقة مياه جارية وانهار ساعدت على انتعاش الزراعة الاروائية وطورت مياهها الجوفية بالكهاريز ( ابار متصلة ببعضها البعض وتخرج مياهها إلى سطح الارض) وطورتها بأحسن هندسة استثمارية وهي من المناطق الفريدة في العالم. وتتنوع زراعات المنطقة وتكثر غلاتها وخاصة القمح والشعير وتهتم الزراعة الاروائية بأشجار الفاكهة والكروم والخضروات وتصدر إلى مختلف المناطق.
واعظم ثروة في المنطقة كانت وما تزال هي ثروة النفط. استغل الانسان في بلاد الرافدين القير (الاسفلت) والنفط منذ القدم في الانارة والتدفئة والتبليط وصناعة المراكب المائية (القفه والبلم والشخاتير) والاواني وغيرها.وكان الفائض يرسل إلى مناطق اخرى وكانت هذه الثروة العامل الرئيس والمشجع للاستعمار الغربي والانكليز خاصة للاستيلاء على المنطقة بعد الحرب العالمية الاولى وسقوط الامبراطورية العثمانية. ولتحقيق ذلك استعانت انكلترا بكل الدسائس والحيل واسست اول صناعة نفطية في الشرق الاوسط (عبادان عام ١٩٠٧). وفي سبيل ذلك اوقعت التفرقة بين سكان المنطقة (فرق تسد). خلال السنين الماضية وسكنت المنطقة اقوام كثيرة واعتنقت ادياناً ومذاهباً وطوائف مختلفة ويلاحظ ان معظم هذه الاقوام قد تعارفت وتعاونت فيما بينها جنباً إلى جنب في نفس القرية او المدينة وحصلت فيما بينهم علاقات اجتماعية عائلية وسياسية وحصل فيما بينهم التزاوج والتصاهر على جميع المستويات إلى درجة انه اصبح من الصعب فصل العائلات والقبائل عن بعضها البعض واستمرت هذه العلاقات حتى يومنا هذا.
في اواخر القرن التاسع عشر وحتى نهاية القرن العشرين بعد تقدم العرب حضارياً وازدياد سكانهم وضعف دولة الاسلام الدولة العثمانية يلاحظ تدخلات الغرب باشكال مختلفة، تارة بأسم حماية المسيحيين ومذاهبهم، وتارة بأسم نشر المباديء الاجتماعية والسياسية ((الشيوعية والقومية)) وتارة باسم القومية والدينية بشكل عام وحصلت الفرقة إلى درجة انه افراد من نفس العائلة او القبيلة اصبحوا ضد بعضهم البعض. اخيرأ وصلت الاختلافات والانشقاقات في الدول العربية والاسلامية وتمركز العداء فيما بين مكونات الشعب العراقي بشكل عام ومنطقة كركوك بشكل خاص واصبحت الدولة نفسها تستعمل الارهاب والبطش والقتل والامحاء بحق جماعة او اخرى دون مبرر او قانون، والغريب ان الحكومات المختلفة توسلت باعنف الطرق غير القانونية بحق بعض مكونات الشعب مثل تخريب القرى (الانفال) والمدن والترحيل والتهجير القسري....ألخ هذا كله ما استعمل ولا يزال يستعمل بحق مكونات مدينة كركوك بالذات والمنطقة لتغير معالمها الحضارية واحولها العمرانية والثقافية والاجتماعية التي حصلت واستقرت في المدينة وما جاورها منذ الاف السنين، واملنا ان يرحمنا الله برحمته العظيمة ويرأف بحالنا إلى حال احسن والله غفور رحيم.
هنا اقدم شكري الجزيل للأخ محمد رشيد الذي تحمل عناء كتابة هذه الدراسة على الآلة الحاسبة في أدارة وقف تركمان ايلي وأشكر ادارة مركز كربلاء ومنتسبيه الكرام والاخوة المسؤولون في الندوة الذين قاموا بأعداد هذه الندوة في لندن.
[١] عميد كلية الزراعة والغابات بجامعة الموصل سابقاً وامين عام مؤسسة البحث العلمي العراقي سابقاً وممثل مركز دراسات المناطق العربية للمناطق الجافة في ليبيا وشمال افريقيا سابقاً.
جغرافية كركوك
- تقع مدينة كركوك في منطقة سهلية على ضفتي نهر (خاصة جاي) الذي تجري مياهه في السنين الممطرة شتاءً ويجف صيفاً وهي في منطقة متوسطة فيما بين نهر الزاب الصغير الذي يقع شمالاً والذي يبعد عنها حوالي ٤٠ كم شمالاً غربياً (التون كوبري) الذي يصب قرب نهر دجلة وسلسلة جبال (تلال) حمرين جنوباً غربياً قرب بلدة الفتحة ويتقاطع مع نهر دجلة بمسافة (١٢٠كم)، ونهر ديالى من الجنوب الغربي واقرب مسافة لها هي قره خان (جلولاء) بمسافة (١١٠كم) ومرتفعات قره حسن وشوان وجمجمال شرقاً وشمالاً شرقياً وثم سلسلة جبال قره داغ وبازيان ومرتفعات منطقة السليمانية شرقاً التي تبعد حوالي (١٠٠كم).
كانت مساحة لواء كركوك عند تأسيس الدولة العراقية بعد الحرب العالمية الاولى عام ١٩٢١ حوالي (٢٠,٠٠٠كم٢) وبعد تطبيق سياسة التعريب البعثية عام (١٩٧٢) أصبحت (٩٤٢٦ كم٢) وكانت تتكون من الاقضية التالية:-
- قضاء كركوك المركز
- قضاء داقوق (طاووق)
- قضاء كفري (صلاحية)
- قضاء جمجمال
بعد تنفيذ سياسة التعريب البعثية عام ١٩٧٢ قلصت الاقضية والحقت بالمحافظات المجاورة لتقليل كثافتها السكانية التركمانية وثم تغيير اسم كركوك إلى محافظة التاميم تبركاً بتأميم شركة النفط العراقية حسب ادعائها وحصل التغيير كألاتي:
- ألحق قضاء كفري بمحافظة ديالى
- والحق قضاء طوز خورماتو بالمحافظة الجديدة صلاح الدين (تكريت)
- والحق قضاء جمجمال بمحافظة السليمانية
- والحقت ناحية التون كوبري بمحافظة اربيل
- واستحدث قضاء جديد في الحويجة باسم الرياض
التكوينات الارضية والتربة والمناخ
معظم الاراضي المجاورة لمدينة كركوك سهول ليس فيها تلال او جبال واقرب التلال والمرتفعات المجاورة هي تلال بابا كوركور حيث فيها النار الازلية المجاورة لحقول نفط كركوك وتليها تلال شوان في طريق كويسنجق وتلال (قره اينجير) من الشرق في طريق السليمانية ومن الجنوب الشرقي تلال قره حسن (ليلان) وتليها سلاسل جبال بازيان وقره داغ في الشمال الشرقي. وفي اقصى الجنوب الغربي تقع سلسلة جبال حمرين التي تستمر من سنجار وتلعفر إلى الفتحه وقره خان (جلولاء) باتجاه الشمال الشرقي. ويعتبر سهل كركوك والحويجة وداقوق وطوز خورماتو إلى انجانه من اعظم السهول لو توفرت له المياه الاروائية الكافية.
تستثمر معظم مساحات هذه السهول ديمياً، ويعتمد على الامطار لأنتاج القمح والشعير، وسهل الحويجة الذي يروى من نهر الزاب الصغير منذ الخمسينات، كما تستثمر مساحات صغيرة حوالي مدن كركوك وتازةخورماتو وداقوق وطوزخورماتو في الزراعات الصيفية الاروائية وتستعمل مياه فروع نهر العظيم (خاصه جاي، داقوق جاي، آق صو) في الارواء وهناك مصادر مائية تسمى بالكهريز وهي مياه جوفية تربط مجموعة ابار ببعضها وترفع مياهها إلى سطح الارض وتستمر في ري الزراعات الصيفية وتنتشر هذه الكهاريز في مناطق كثيرة حوالي كركوك وتازة خورماتو وداقوق وكفري وقره تبة.
تعتبر تربة اراضي كركوك تربة خفيفة غرينية وقليل منها طينة اورملية غرينية وجميعها معرضة لانواع التعرية المائية والهوائية وتنتشر هذه الاراضي حوالي المجاري الطبيعية والوديان التي تجري فيها المياه خلال المواسم الممطرة وجميعها صالحة للزراعة الديمية عامة والزراعة الاروائية خاصة وهي خصبة جداً وتصلح لأنتاج كل انواع المحاصيل الزراعية واشجار الفاكهة والخضروات.
تعتبر منطقة طوزخورماتو حدوداً عليا لأشجار النخيل والحمضيات (التاريخيات) في وادي الرافدين. جميع اراضي المنطقة معرضة للتعرية والتآكل والانجراف ولهذا تضيع سنوياً كميات كبيرة من تربتها وتتسرب في الوديان ومجمعات المياه والبحيرات وخزانات المياه وراء السدود الاروائية او الكهربائية.
ان مناخ كركوك والمنطقة يتبع مناخ البحر المتوسط المعتدل الممطر الرطب والبارد شتاءً والجاف الحار صيفاً ويتميز فيه الموسمين المعتدلين في الربيع والخريف.
معدل امطار كركوك السنوي بحدود (٣٠٠-٣٥٠ملم/سنة) ومعضمها يسقط في موسمي الشتاء والربيع وقليلاً في موسم الخريف ومعدوم في فصل الصيف. وتسقط على هيئة امطار ونادراً ما تسقط بشكل ثلوج.
تختلف درجات الحرارة صيفاً وشتاءً، قد تصل دون الصفر شتاءً وتزيد على (٤٠ درجة) صيفاً، كما تختلف درجات الحرارة خلال الليل والنهار.
المياه والانهار
تقع مدينة كركوك على ضفتي نهر (خاصه جاي) احد فروع نهر العظيم وهو يجري شتاءً ويجف صيفاً ويستثمر جانبيه في انتاج (الرقي) والبطيخ في موسم الصيف وفي السنين الممطرة وعندما تسيل المياه في مجراه وتستثمر الاراضي حواليه في انتاج الخضر. كما كانت هناك جداول ماء يتفرع منها لتشغيل الطواحين وتمر وسط محلة القوريه لتجهيز الاهالي بالمياه للأستعمالات السكانية. معظم اجزاء منابع نهر (خاصه جاي) تقع في مرتفعات منطقة شوان وجمجمال وبعد مروره بناحية تازه خورماتو يستمر جنوباً غربياً ويلتقي بمجرى نهر العظيم الرئيسي قرب جبال حمرين.
وبالنسبة للفرع الثاني داقوق جاي فانه ينبع من مرتفعات قره حسن ويجري بشكل موازي للفرع الاعلى خاصه جاي ويلتقي بمجرى العظيم الرئيسي بعد عبوره جبل حمرين. ويستثمر مياه داقوق جاي في ارواء بساتين وكروم داقوق بشكل اقتصادي جيد. وتعتبر كروم وبساتين داقوق وتازه خورماتو من احسنها في انتاج العنب والخضروات لمدينة كركوك بشكل خاص.
بالنسبة للفرع الثالث للعظيم (آق صو جاي) فأنه يمر وسط مدينة طوزخورماتو ويسقى بساتين النخيل والبرتقال واشجار الفاكهة الاخرى وبساتين خضراوتها ويستمر بشكل موازي للفرعين الاخرين ويلتقي بمجرى العظيم قرب جبال حمرين ويلتقي نهر دجلة قرب جزجة شمال الخالص. ينبع نهر آق صو من مرتفعات سنكاوة والمطيرة نسبياً ويستمر جريان مياهه في الصيف ايضاً.
يعتبر نهر الزاب الصغير من اهم الموارد المائية في منطقة كركوك. وسماه السومريون (زابو شيالو) وتتسع اجزاء من احواضه في ايران ويستمر إلى سروشتا وديانا ورانية وقلعة دزه حيث بني سد دوكان عام (١٩٥٨) لانتاج الطاقة الكهربائية للمنطقة. ويستمر إلى منطقة التون كوبري وملحه ويلتقي بنهر دجلة جنوب الشرقاط (٣٥كم) معظم احواضه العليا جبلية عالية وله وديان عميقة تصلح لبناء السدود. بعد مروره ببلدة التون كوبري بني سد واطيء في منطقة الدبس وتفرع من النهر قناة الحويجة لري سهولها منذ الخمسينات، كما انه اخذت مياهه بالانابيب لاستثمارها من قبل شركة النفط وكذا اعطي جزء منها كمياه شرب لمدينة كركوك.
بالاضافة للمياه الجارية السطحية كانت ولاتزال المياه الجوفية ذات اهمية عظمى في كركوك واطرافها، وكانت المدينة سابقا تعتمد على الابار وكان في معظم البيوت ابار خاصة بها يستعمل مياهها للشرب والاستعمال البيتي وفي خارج المدينة كانت الكهاريز تستثمر في الزراعة الصيفية.
من جهة الجنوب الشرقي يحد اراضي منطقة كركوك نهر ديالى الذي ينبع بعض فروعه من ايران ومنها الوند قرب (خانقين) وقوراتو ونارين، في موقع دربندخان الذي بني سد عام عام (١٩٦٣) لانتاج الكهرباء والارواء ويستمر نحو منصورية الجبل حيث تتفرع فروع منها كثيرة لارواء شهربان والمقدادية وقزلباط وبعقوبة ويستمر حتى جنوب مدينة بغداد حيث يلتقي بنهر دجلة قرب الزعفرانية.
لما كانت مدينة كركوك قليلة الامطار فهي منطقة شبه جافة ولاتتواجد فيها الغابات الطبيعية وغطائها النباتي الطبيعي يتكون من الحشائش والاعشاب الموسمية التي كانت تنمو بعد موسم الامطار وتستثمر جميع الاراضي في رعي الاغنام والمواشي وكانت تتوزع انواع الشجيرات والاعشاب الدائمة في بطون الاودية والاراضي المنخفضة والتي كانت ايضاً تستغل في الرعي ونادراً ما كانت تستعمل كاحطاب. معظم الغطاء النباتي كان من الحشائش النجيلية والبقولية المفيدة للرعي.
بالنسبة للاحياء البرية كانت تتواجد في المنطقة الذئاب والدببة والاسود وكانت تتواجد الغزلان ولكنها انقرضت بسبب الصيد الجائر وخاصة بعد استعمال الطائرات والسيارات والان يتواجد الثعلب وابن آوي والارانب وهي ايضاً عرضة للصيد الجائر وهناك انواع كثيرة من الزواحف التي تنتشر في الاراضي الملائمة. وتكثر الطيور المختلفة في المنطقة وخاصة اثناء هجراتها ويكثر تواجد القطافي في المواسم الزراعية ويستثمر من قبل الصيادين ويبيعونها في الاسواق للاكل وهناك المولعين بتربية الحمام البري والاهلي في البيوت والمزارع وذكر لونكريك ان آخر اسد شوهد في المنطقة بين بغداد وكركوك كان عام (١٩١٠).
النفط
تعتبر مدينة كركوك وحواليها من خزانات النفط العظيمة في العالم وبدء استثماره من قبل الانسان منذ بداية حضارته في المنطقة في التدفئة كوقود او احتيجات اخرى واستثمر النفط في منطقة باباكركر موقع النار الازلية بسبب خروج الغازات القابلة للاشتعال وحال خروجها وتماسها للهواء (الميثان و الايثان) كما ان النفط كان ينضح في الاراضي المجاورة لوادي النفط الذي كان يجري فيه النفط في بعض السنين ويسمى (نفط دره سي) ووجدت في المنطقة ابار سطحية (بلغت ثلاثة ابار) خاصة بعائلة كركوكية كانت تستثمر بالطرق البدائية (طريقة السحب اليدوية بالدلو) ويضمن محصولها لافراد من الاهالي حيث ينقلون النفط الخام بواسطة الحيوانات ويباع للأهالي والحمامات لأستعماله كوقود.
في اواخر العهد العثماني وبعد ان تعرف خبراء الغرب المستعمرين على هذه الثروة الحيوية اضطر السلطان عبد الحميد ان يعلن حقوق النفط من الاراضي (السنية) ولايجوز التصرف بها إلا بأذن السلطان شخصياً وفي عام ١٩٠٨ تقرر فتح امتياز استثمار النفط للالمان وثم تشكلت شركة النفط التركية التي اشترك فيها الانكليز ايضاً، بعد الحرب العالمية الاولى عمل الانكليز المستحيل للسيطرة على حقول نفط كركوك وبعد فراغها من الحاق ولاية الموصل بالعراق الذي كان تحت انتدابها. اصبحت انكلترا هي صاحبة الامتياز وبيعت حصة الالمان لفرنسا وهولندا وغيرها.
خلال التحريات والمسوحات النفطية في منطقة باباكركر ووادي النفط حاول الانكليز السيطرة على الاراضي المحاطة بأبار النفط الطبيعية وشرائها من عائلة النفطجي المالكة لتلك ورفض الطلب باعتبارهم مستعمرين واعداء الاسلام. واستمروا باستعدادتهم لاستثمار النفط منذ عام (١٩٢٥).
في المناطق المجاورة لطوزخوماتو كانت هناك حقول اخرى في (جمبور) استغلها الانكليز بالسرعة الممكنة واعدت حفلة افتتاحها في ١/٤/١٩٢٧ بحضور الملك فيصل الاول وبدء الضخ لابارها المنتجة في ٢٧/١٠/١٩٢٧ وعرضت للاستهلاك في عام ١٩٣١ وغير الانكليز اسم الشركة إلى الشركة العراقية وبدء انتاج ابار نفط كركوك حتى ان احد الابار رقم (١) انفجر نفطه ووصل لأرتفاع يزيد على (٧٠م) وتدخل الخبراء العالميين للسيطرة على الانفجار وتوقف النفط عدة شهور وجرى النفط في الوادي المجاور لعدة شهور ايضاً وفي العام نفسه مد خط النفط الرئيسي بالانابيب إلى سواحل البحر المتوسط لتصديره إلى اوربا. وكان مساره كركوك - الفتحة - الحديثة. حيث ينقسم إلى خطين احدهما إلى حيفاء والاخر إلى بانياس. وتأسست المراكز السكنية على طول خط الانابيب ابتداءً من مقر الشركة في عرفة. وجلب العمال والتقنين الكثير من مختلف المناطق واكثروا من تشغيل الاشوريين والارمن بالاضافة لأعداد محدودة من التركمان والاكراد والعرب.
بالاضافة لثروة النفط في منطقة كركوك فهناك الكبريت الذي ينتج من خلال التصفية الاولية للنفط. ويعتبر انتاج الغاز الطبيعي خلال تكرير النفط ايضاً ثروة كبيرة تضيع في الهواء بعد احراقها دون عرضها للأستهلاك داخل البلاد او خارجها وبذلك بقيت ولاتزال منطقة كركوك محرومة من هذا الوقود العظيم.
وهناك في منطقة كركوك وطوزخورماتو ثروة الملح والمرمر والجص المستعمل في البناء. وكذا الطين الحر (طين خاوا) لانتاج الاواني الفخارية التي كانت ولاتزال صناعة مهمة لأهل البلد وتصدر الانتاج (اواني وسنادين وتماثيل) إلى خارج كركوك.
- مختصر تاريخ كركوك والمنطقة قديماً
- العصور القديمة حتى الفتح الاسلامي:
لما كانت منطقة كركوك والمدينة نفسها جزءً من بلاد الرافدين وجدنا ضرورياً التعرف على نبذة قصيرة من تاريخها مع الاهتمام بالاجزاء الشمالية من العراق. وفي ذلك استعنا بكتاب الاستاذ طه باقر لعام (١٩٧٣) باسم (مقدمة في تأريخ الحضارات القديمة) ويذكر:- كان السومريون اول قوم سكنوا وادي الرافدين واسسوا اول حضارتها وعرف ذلك بعد حل رموز الخط المسماري قبل حوالي مئة عام وكانت لهم لغة خاصة بهم ليس لها علاقة باللغات الاخرى في المنطقة كما لم يعرف اصلهم، هل كانوا مستوطنين في بلاد الرافدين او جاءوا إليها من بلاد اخرى، وكثر البحث عنهم وقيل انهم اشكوزيون او اقوام اخرى جاءوا من جهة الشرق (ايران و وسط اسيا) حوالي الالف الخامس ق.م وذكرهم الاشوريين في نصوصهم بان لغتهم السومرية هي من لغات اقوام طورانية تسكن في اواسط اسيا شمال البحر الاسود وسموها ببلاد (اشكوزيا) وان اللغة السومرية هي ليست من العائلة السامية او الارية (الهندية الاوربية) وانهار الصاقية اي مركبة ومعظم مفرداتها ذات مقطع واحد مثل (لو) وتعني الرجل و (كال) تعني عظيم و (كا) تعني مهم و (كي) تعني ارض و (لوكال) تعني الملك و (آن كي) تعني الكون او السماء او الارض. مهما يكن فان اللغة السومرية اقدم لغة في حضارة وادي الرافدين ودون بالخط المسماري في الدور الاخير من حكم الوركاء حوالي (٣٥٠٠ ق.م) وهم الذين اوجدوا الخط المسماري في عهد (حمبدة نصر).
وبالنسبة لجمجمة الراس وجد انهم من النوع (براكيسغال) اي المدور العرضي السائد في الاناظول واوربا. وتسمى السومريون وحكوماتهم كالاقوام من بعدهم باسم ملوكهم. مثل الاكديين والبابليين والاشوريين. وكانت حكوماتهم بشكل (مدن) وسمت دول المدن وكانت قوتهم تزداد وتنقص حسب توسع وتقلص المدن وكثيراً ما توسعت نحو شمال العراق او شرقاً او غرباً و حكمت اراضي واسعة، كما حصل لهم مع اقوامها وحكوماتها حروباً ونزاعات كثيرة مع الحكومات المجاورة وذكر (كون الطاي ١٩٨٧) كان اهم اقوام ودول شمال العراق والاناظول الحيثيون والسوبارو والحوريون الاقرباء وكانوا يسكنون شمال مدينة اورفا وبحيرة وان وبشكل عام بين جبال زكروس والبحر المتوسط منذ ٣٠٠٠ ق.م وكانت تشمل جنوباً حتى منطقة كركوك واربيل وكان لها جيشاً عظيماً.
ومن الشمال الشرقي (المناطق الجبلية) كان الكوتيون واللولوبين يسكنون في حوض نهر دجلة ولم تكن للغاتهم علاقة باللغات السامية او الارية وثم من الشمال والشرق كان الميديون اللذين لهم علاقة بالاصل الفارسي واللغة الفارسية. جميع هذه الاقوام كانت في حروب مستمرة مع الاشوريين كما كانت لهم علاقات حسن جوار وكثيراً ما انصهرت هذه الاقوام مع الاشوريين في ادوار امبراطورياتهم وكثيراً ما كان اسم سوبارتو مرادفاً لبلاد اشور وكانت من ضمن القاب الملك الاشوري سرجون والملك البابلي (مردوخ) اسم ملك سوبارتو. وكان الاشوريين يستخدمونهم كعبيد او جنوداً مرتزقة بسبب شجاعتهم ومهارتهم في الحروب.
والحوريون سكنوا المنطقة المحصورة فيما بين بحيرة وان وعنتاب بالاناظول ووصلوا حتى الزاب الاعلى وفي جنوبهم كان اللولوبين في منطقة كركوك (شهرزور) الحالية منذ الالف الثالث وكان هؤلاء اشكوزيين ايضاً ولم يكونوا ساميين او آريين وسموا بالاقوام الاسيوية (Asianic). انتشر الحوريون في شمال العراق وشمال الشام وكان مركزهم في مدينة (نوزي) واثارها الان موجودة في منطقة (يورغان تبة) قرب مدينة كركوك كما وجدت اثارهم بالقرب من الموصل حوالي (١٥٠٠ق.م) سموها الاشوريين (نهارين) و (ميتاني) وقضي الملك (اشور اوبالط) على دولتهم. في اعوام (١٣٦٢-١٣٣٧ق.م) واللوبين كانوا يسكنون في مناطق دربند بازيان وجبال قره داغ وقضى عليهم الاكديون وتوزعوا في جبال زاكروس. يمكن تلخيص حضارات وادي الرافدين كالاتي:-
- دور العبيد، ظهروا في الالف الخامس ق.م ولم يبق من اثار لغتهم اي اثر.
- دور الوركاء وحمدة نصر ويرجع هذا الدور لعصور ما قبل التاريخ وظهرت الكتابة لاول مرة في التاريخ وكانت لغتها السومرية.
- دور فجر السلالات او دور دول المدن في سنين ٢٨٠٠-٢٣٧٠ ق.م، في هذا الدور ازداد استعمال اللغة السومرية وظهر التأثير الاكدي في دولة مدينة كيش بعد الطوفان بحدود (٤٠٠٠ق.م) وكان نظام المدن مركزياً وتحكم من قبل الملك وهو نائب اله السماء ومعه مجلس الشيوخ بدون الاهتمام بالعنصرية.
- في نهاية عصر السلالات سيطر الاكديون على بلاد الرافدين وبرزت اللغة السامية الاكدية ولكنهم استمروا في استعمال اللغة السومرية في التدوين والامور الرسمية.
- في عهد سلالة اور الثالثة (٢١١٢-٢٠٠٤ ق.م) قضى الكوتيون على دولة اكد واسترجع السومريون قوتهم وظهرت السلالة السومرية الثالثة وفتحت بلاد كثيرة ووجدت الآلالف من الكتابات السومرية وانتعشت حضارتهم كثيراً. وحكم الكوتيون بلاد اكد لمدة ١٢٥ سنة ثم انسحبوا شمالاً واستقروا في ارانجا (كركوك) وانصهروا مع الاقوام الاخرى
- العهد البابلي الاول (القديم) بعد انهيار دولة اور (٢٠٠٠-١٥٠٠ق.م) وكثرت الهجرات السامية وازداد تأثير لغتهم ولكن اللغة السومرية بقيت تستعمل في الدواوين والتسجيل مع اللغة الاكدية وبدء انصهار الاقوام مع بعضها ولم تذكر شريعة حمورابي اية اختلافات بين الاقوام وذكرتهم جميعاً (بذوي الرؤس السود) وجاءت اخر حكومة بابلية وهي دولة الكلدان في (٦٢٩-٥٣٩ق.م) وفيهم نبوخذ نصر الذي استولى على القدس عام (٦٠٤ ق.م)
كان الكوتيون من اقوام جبال زاكروس الشمالية وانهم اريون وسكنوا في جنوب الزاب بجوار اللولوبين في منطقة شهرزور. حاربهم الاشوريون وتمكن الملك السومري (اوتو حيكال القضاء عليهم وكانوا يسمونهم ثعابين الجبال وبرابرة وحوش.
تمكن المؤرخون والمنقبون في الآثار تعيين مواقع اثار حضارة وادي الرافدين في مناطق مختلفة من العراق وعلى سبيل المثال، بحث الامريكان ورئيس بعثة جامعة شيكاغو عام ١٩٣٧ ستار (starr) وثم (كوردون) عام (١٩٥٧) في منطقة كركوك في (يورغان تبه) او (توزي) وبحث الانكليز في نينوى عام ١٩٣١ والالمان في سامراء والسوفيت في (يارم تبه) بتلعفر، وحصلت تحريات من قبل علماء ومؤسسات امريكية وفرنسية والمانية ويابانية في جميع انحاء العراق. ويذكر (كوردون) لعام ١٩٥٧ تسلسل الادوار التاريخية لقلعة كركوك، الذي يعتبر تلاً اصطناعياً تكون من تراكم الطبقات السكنية المتعاقبة في (منتصف الالف الثالث ق.م) حتى الان وقال:
تحت الابنية الحالية في قلعة كركوك تتواجد طبقة البيوت من العهد العثماني وهكذا تحتها تتواجد انقاض مباني الادوار الاقدم واخيراً في الاسفل تاتي انقاض اول استيطان فوق الارض البكر ووجدت الاثار نفسها في يورغان تبه (توزي) قرب كركوك. كذا نفس الشيء يمكن ان يقال لقلعة اربيل وقلنج تبه المجاوره وهي سجلات تاريخية حية حتى ان هجرت من قبل سكانها بسبب انقطاع الموارد المائية وجفاف الابار والعيون او انتقال الطرق التجارية إلى مسارات اخرى او بسبب الحروب والافات الاخرى. وكذا في الكهوف يمكن تحديد الادوار التاريخية حسب سمك الطبقات التاريخية من الارض البكر.
وذكر طه باقر استناداً للباحثين عصور وادوار تأريخ العراق كالاتي:
- عصور ما قبل التاريخ، لم تتواجد في العراق.
- الدور الحجري القديم الاعلى في كهف (شان دير) قرب السليمانية في هذا الدور حصلت سيادة الانسان العاقل لاول مرة في التاريخ وعلى الطبيعة حوله.
- في العصر الحجري الوسيط في الالف العاشر ق.م وجد في شان دير ايضاُ وفي هذا الدور دجنت الحيوانات والنباتات الزراعية وظهرت القرى الزراعية وتعمم هذا الدور إلى عصر ما قبل الفخار (٨٠٠٠-٧٠٠٠ق.م) ثم عصر الفخار في (جرمو) قرب كركوك وحسونة وفيه اعتمد الانسان على الزراعة. وثم العصر الحجري المعدني (٥٦٠٠-٣٥٠٠ق.م) وظهر هذا الدور في معظم انحاء العراق.
- وفي دور العبيد والوركاء ظهر عهد الكتابة (٣٥٠٠-٢٨٠٠ق.م) وسمي بعهد حميده نصر (٣٠٠٠-٢٩٠٠) او عصر المدن او فجر السلالات (٢٨٠٠-٢٣٧٠ق.م) وتعاقبت العهود في الجيش واور الثاني والبابلي القديم (٢٠٠٠-١٥٠٠ق.م) والوسيط (١٥٠٠-٦٢٦ ق.م) والحديث (٦٢٧-٥٣٩ق.م) والفارس الاخميني (٥٣٩-٣٣١ق.م) والاسكندر والسلوقي (٣٣١-١٣٨ق.م) والبارتي (١٣٨-٢٢٧م) والساساني (٢٢٦-٦٣٧م) واخيراً الاسلامي.
في العصر الحجري الحديث قبل حوالي (١٠,٠٠٠) عام تكاملت حياة الانسان وبدأ الانتقال من الهمجية البدوية إلى الحضارة التي بدأت بتدجين الحيوان والنبات وتطورت احواله الزراعية والاقتصادية والاجتماعية في شمال العراق وكان في مقدمة النباتات المدجنة القمح والشعير والعدس ومن الحيوانات الغنم والماعز والبقر والخنزير وانتقلت حضارته هذه إلى وادي النيل وشمال افريقيا والاناظول والقوقاز ووجدت اثارها بشكل واضح في (جرمو) قرب كركوك وظهرت فيها الاواني الفخارية المستعملة لاول مرة في التاريخ وظهرت اثار مشابهة في (جنطل هيوك) بتركيا وتأكد الباحثون ارجاعها لعام (٦٧٥٠سنة) وكانت مساكنهم مستديرة من اللبن واساسات حجرية وارضيتها قصب وفوقها الطين واستعملت الملاعق العظمية واستعملوا الغزل الصوفي واخترعت المناجل والفؤوس والرحى والمدق ومواد الزينة والاواني. وكلها وجدت في قبور الموتى التي كانت تدفن تحت ارضية غرف السكنى ووجدت الة الام في (جرمو وهيطل هيوك وتامر خان قرب مندلي). في هذا الدور حصل الاختصاص في العمل والانتاج بين الرجل والمرأة وظهرت الملكية الفردية والنزاعات بين المجتمعات والتقويم الشمسي وقياس الزمن وظهرت الديانات البدائية مثل اله السماء والارض والخصوبة (اله الام).
وفي العصر الحجري المعدني في اعوام (٥٦٠٠-٥٠٠٠) انتقل الانسان من التلال والجبال إلى زراعة السهول وبدأت زراعة الري وفتح القنوات وظهر الفخار الملون وازداد استعمال المعادن وظهرت مدينة الوركاء السومرية في جنوب العراق عام ٣٥٠٠ق.م وتعاقبت السلالات السومرية، وثم الاكدية وظهرت تماثيل الاله والمسلات ومن اهمها مسلة حمورابي (١٧٩٢-١٧٥٠). وكثرت الصور المنحوته على اللبن وثم الحجر ووجدت صور صيد النمور والاسود من عهد الوركاء التي وجدت في (تل قلنج تبه) قرب قلعة اربيل مما يدل على تواجدها في المنطقة واكتشفت الاختام الاسطوانية بدءاً بالمنبسطة وظهرت المدن ودولها.وانتشرت المعابد والقصور.
وكانت المعادن الشائعة البرونز والذهب والفضة وخليطهما الكروم والاحجار الكريمة في اشور بشمال العراق ووجدت اثار سومرية مما يدل على حكمهم هنا او تعاونهم مع السومريين، وفي يورغان تبه (توزي) قرب كركوك وجدت اثار الطرق التجارية في نفس الدور التي كانت تربط بين بلاد سومر واكد والبلاد المجاورة شرقاً والبحر المتوسط والاناظول غرباً وشمالاً.
يذكر الباحثون ان الطوفان السومري والبابلي هو واحد وكان قد حصل بعد حكم مدينة شروباك وذكره كلكامش في قصته المشهورة بسبب الامطار الغزيرة بعد العصر الجليدي الرابع وعلى الاغلب انه حدث بين دور حمبدة نصر وفجر السلالات الاول وتشير اثاره في كيش والوركاء وغيرها انه حدث في دور العبيد بحدود (٤٠٠٠ق.م) وبلغ سمك الترسبات الطوفانية بحوالي (١١ قدم = ٣,٥م) وان الطوفان ذكر في التوراة والقران الكريم ايضاً.
بعد حوالي سنة (١٧٠٠ ق.م) تعرض شمال العراق وسوريا لاستيلاء الحثيثين القادمين من الاناظول وكانت عاصمتهم حاتوشا (يوغاز كوي) وتعرضت اشور بشكل خاص للخطر الميثاني - الحوركي (المبدي) منذ اعوام (١٤١٣- ١٤٠٥ق.م) ووجدت اشور نفسها محاصرة بين الاعداء الميدين من الشمال واللولوبين من الشرق وبابل من الجنوب والحيثيين واخيراً في عام (٩١١ق.م) تمكن الملك الاشوري (ادد نبراري) ان يعيد شأن امبراطوريته حتى سقوطها عام (٦١٢ق.م) في هذه الفترة كانت المخاطر قد زالت بعد سقوط الدولة الحثية عام (١٢٠٠ق.م) وطورت اشور صناعتها المعدنية واستعمال العربات والخيول في الحروب وكذا طورت الاسلحة وكان استعمال العربات لاول مرة في التاريخ.
بعد ان جاء الملك اشور بن دانين بن شليمنصر الثالث تمكن جمع شمله بتوحيد ٢٧ مدينة ومنها مدن اشور ونينوى واربيل وارانجا (كركوك) واستمر ضعف الدولة وجاء الملك نجلابلرز الثالث عام ٧٤٤ق.م الذي اعاد اعتبار بلاده وذكر مؤيديه العرب بالاسم لاول مرة باحدى معاركه مع دول الشام وبابل وفي عام (٧٢١-٧٠٥ق.م) جاء الملك الاشوري سرجون وتمكن من السيطرة على جبهة مصر والفراعنة وثم ايران والاناظول وسيطر على الاعداء عام (٧١٤ق.م) وتمكن من ازالة دولة اليهود وفي عام (٧٠٥ق.م) وجاء ابنه سنحاريب وفي هذا العهد كان نهري دجلة والفرات يصبان في الخليج منفردين (٦٩٦ق.م) وهو الذي نقل زراعة القطن واسس قناة (ري ومياة شرب) من نهر الكومل إلى نينوى. وبعده جاء اسرحدون. وفي دوره جاء قوم إلى الاناظول باسم (الاشكوزيين) من اواسط اسيا وكانوا محاربين اشداء واضطر اسرحدون لمصاهرتهم لتفادي شرهم كما بدء الميدين بالحركة ضد الاشوريين وتقدموا من اطراف بحيرة اورميه نحو نينوى وكان ملكهم (افراهاط) وقتل من قبل اشور بانيال عام (٦٥٣ق.م) وجاء ابنه (كي احسار) ودخل تحت سيطرة الاشكوزين وهجموا على نينوى (٦١٤ق.م) بعد ان تحالف الميديون والبابليون عند اسوار المدينة وتزوج ولي عهد بابل (نبوخذ نصر) بنت ملك ميديا واسقطوا نينوى عام (٦١٠ق.م) بعد حصار ثلاثة شهور واكتفى المدييون بالنهب والسلب فقط وانسحبوا شمالاً واصبحت اشور تحت سيطرة بابل واستمر يتو بلاهر نحو الشام ودحر الجيش المصري عام (٦٠٥ق.م) في معركة قارقامش. ثم جاء ابنه نبوخذ نصر وسيطر على اليهود في القدس ولكن بتحريك مصري ثار اليهود عام ٥٦٨ ثانية ورجع نبوخذ نصر ودك اسوار القدس وهياكل سليمان وقتل الكثرة واسر (٤٠,٠٠٠) يهودي واخذهم معه إلى بابل الذين بقوا حتى العهد الذهبي حيث رجع قسم منهم إلى القدس. وفي عام (٥٤٧ق.م) قضى الاخمينيين على ميديا وثم بلاد الهون وتوسعوا حتى بلاد الهند في عهد (كورش) ٥٣٩-٣٣١ ق.م ثم جاء الاسكندر عام (٣٣٣ق.م) وقضى على الاخميني في معركة اربيل (٣٣١ق.م) وقضى على بابل في كفى من الهند عام (٣٢٣ق.م) وكان العراق من حصة قائده سلوفس حتى عام (١٢٦ق.م) وجاء البرشا وهم اشكوزيين او نوس عام (١٣٨ق.م) ثم جاء الحكم الساساني عام ٢٢٧ ق.م - إلى ٦٣٨م.اصبحت نينوى عاصمة الدولة الاشورية في عهد ملكها (شمس ادد) ( ١٨١٣-١٧٨١ق.م) ثانيه المعاصر لحمورابي (١٧٩٢-١٧٥٠ق.م) وانتهى بحكم اشورتيراري الخامس عام (٧٥٣-٧٤٦ق.م) في هذا العهد تطورت الحضارة الاشورية كثيراً ووسعت بلادها ووجدت مدناً كثيرة منها اشور قرب الشرقاط عام (٧٥٣ق.م) وخورسباد قرب الموصل ومدينة اربيل وثم كركوك التي شيدت من قبل الملك (اوساردنبال) في حوالي عام (٨٠٠ق.م) وقيل ان اسمها كان (كرخ صولوخ) التي تعني مدينة لملك صولوخ. وهناك اثار قرية بكركوك باسم ارانجا (عرفة) ويورغان تبه او توزو قرب قرية تركلان.
بعد سقوط الدولة الاشورية وعاصمتها نينوى عام (٦٢٤ق.م) دخلت البلاد تحت الحكم البابلي وثم الفارسي الاخميني وثم الاسكندر وثم البرثي الفارسي وسقطت دولتها بعد معركة سهل اربيل عام (٣٣١ق.م) وحرقت عاصمتها (برسبولس) ثم جاء الحكم الساساني عام (٢٢٧ق.م-٦٣٨م).
العهد الاسلامي
في عام (٦٤٢م) بدء العهد الاسلامي وفتحت الموصل من قبل القائد العربي عتبة بن فرقد عام ٦٥٦م وفي نفس العام فتح القائد عياض بن غانم مدينة كركوك والمناطق المجاورة واسكن الوالي هرشمة الكثير من القبائل العربية في المنطقة ووزع عليهم الاراضي واصبحت الموصل مركزاً مهماً للجيوش الاسلامية وكان يعتبر من اهم الثغور امام الروم.
بعد عهد الراشديين حكم المنطقة الامويين واستمر حكمهم حتى عام (٧٥٠م) وبعد معركة الزاب الكبير قرب بلدة اسكي كلك واندحر الخليفة مروان وهرب إلى الشام وثم إلى مصر حيث قتل. وبعده قتل الزعيم العباسي ابراهيم بن يحيى الكثير من الامويين (٧٥٠-٧٥١) وتوابعهم في الموصل والمنطقة وفي عام (٨٦٨م) حكم الخوارج المنطقة مدة قصيرة ثم تعاقب ولاة من القادة العرب والترك منذ عام (٨٧٤م) مثل يحيى بن سليمان وآساتكين، ويني حمدان (٩٢٩-٩٩٦م) وغزت القبائل الكردية برئاسة محمد بن بلال الموصل عام (٩٠٥م) وتمكن ابو الهيجاء وعبد الله الهمداني اخضاعهم للحكم وثم حكمت الموصل والمنطقة من قبل بني عقيل (٩٩٦-١٠٩٦).
بعد دعوة الخليفة العباسي لطغرل بك السلجوقي (عام ١٠٥٥م) وفي طريقه إلى بغداد انهى حكم بني عقيل في الموصل وارجع تبعيتها للخلافة في بغداد. واصبح طغرل بك سلطان الشرق والغرب وعين اخوه (بينال) والياً على الموصل والمنطقة ولكنه تعاون مع وزير الخليفة الهارب (البسابيري بن اصلان) والذي رجع إلى بغداد وقرأت الخطبة باسم الخليفة الفاطمي المستنصر عام (١٠٥٨م) واضطر طغرل بك أرسال جيش إلى الموصل بقيادة ابن اخيه آلب ارسلان وقاورد وهرب بينال وقبض عليه في الري وقتل ثم ارجع الخليفة إلى كرسي خلافته عام (١٠٦٠). كان الخليفة قد طلب من طغرل بك اثناء دخوله بغداد ان يؤدب القبائل التركمانية في شمال العراق بسبب عبثهم في المنطقة الشمالية وتم ذلك واضطرت اجزاء من هذه القبائل ترك المنطقة إلى شرق الاناظول واستقر قسم اخر في حوالي مدينة كركوك واربيل والموصل وتزوج طغرل بك من بنت الخليفة عام ١٠٦٢.
بعد وفاة طغرل بك جاء ابن اخيه آلب ارسلان للحكم عام (١٠٦٧م) وعين قريش العقيلي والياً على الموصل وحصل دور الاستقرار والتقدم الحضاري واسس وزيره نظام الملك المدرسة المستنصرية في بغداد كأول جامعة للمسلمين وتمكن آلب ارسلان من التوسيع في البلاد الاناظول بعد معركة ملا زكرت عام (١٠٧١) قرب بحيرة وان واسر الامبراطور البيزينطي (ديوجنوس) الذي كان يتولى تحرير شمال سورية والعراق من المسلمين وثم ذهب آلب ارسلان إلى بلاد ماوراء النهر لتأديب الثوار الترك واغتيل هناك عام (١٠٧٩م) وجاء بعده ملكشاه واغتيل وزيره نظام الملك من قبل احد الباطنيين وتوفي ملكشاه وجاء ابنه بركياروق عام ١٠٩٥ وتعين (قورت بوغا) والياً على الموصل الذي شارك في محاربة الصليبين في حملتها الاولى والذين كانوا قد وصلوا انطاكيا وعملوا فيها مجازر كبرى. في هذه الفترة انقسمت الدولة السلجوقية الكبرى بعد ان تنازع الابناء والامراء فيما بينهم وتاسست دويلات في شمال العراق والشام والاناظول وكانت الفرقة هذه ضعفت الخلافة في بغداد والسبب في سقوط القدس بيد الصليبيين عام (١٠٩٩).
بعد وفاة السلطان السلجوقي بركياروق عام (١٠٠١) سيطر (محمد طابار) على بغداد كسلطان للدولة السلجوقية وتعين (جوكرمش) والياً على الموصل واعلن هذا تبعيته لسلطان الاناظول السلجوقي (قلج ارسلان عام ١١٠٧م)، وثم جاء (جاولو) لحكم الموصل وحاربا مع الجيوش الاسلامية الصليبين وثم جاء (مودود) وتمكن من دحر الجيوش الصليبية قرب القدس عام (١١١٣م) وقتل في دمشق من قبل احد الباطنين المتعاونيين مع الصليبين. وجاء (آق صكر بن بورصوق) لحكم الموصل عام (١١٢٢م). ثم جاء ابنه (زنكي) لحكم الموصل بامر السلطان السلجوقي محمود واسس هذا جيشاً منظماً قوياً ووسع ولايته وسيطر على ديار بكر وسنجار وتصين وحران وحلب وتعاون مع يني آرتق في ماردين وحصن كيفا عام (١١٣٠) شمالاً وجنوباً ووصلت دولته شهرزور (كركوك) واربيل وحارب الصليبين وحزر اورقاً عام (١١٤٤م) واستشهد عام ١١٤٦.
في عام (١١٧٠) جاء نور الدين لحكم دولة الاتابكية في الموصل وثم عماد الدين وفي هذه الفترة توسع قائده وثم نائبه في مصر صلاح الدين الايوبي في شمال الشام والحق سنجار والموصل وتعاون مع الاتابكية ضد الصليبية وانتهى حكم الزنكي عام (١٢٤٠) وذكر ساعتجي ١٩٩٦ من انه خلال الحكم الزنكي بالموصل تاسست دويلة زين الدين على كوجوك في اربيل والايواقية في كركوك (شهرزور عام ١١٣١م) وكان حاكمها قبجاق طاش ثم جاء ابنه مظفر الدين كوك بورو الذي تصاهر مع صلاح الدين وتبعه وشارك معه في فتح القدس عام ١١٩٠م. واضطر حاكم الموصل لؤلؤة ان يتبع المغول في زحفهم نحو مصر لأنقاذ مدن الموصل واربيل وكركوك من شرهم عام (١٢٤٣م) ولكنهم لما علموا بأتفاق الموصل مع بايبارس المملوك دخلوا المدينة عام ١٢٦١. في عام (١٢٥٨) بعد خيانة الوزير العباسي العلقمي دخل هولاكو بغداد وخربها كما قتل الوزير وعدد كبير من الاهالي ثم انسحبوا شرقاً بعد اندحارهم في معركة عين جالوت وتراجعوا شرقاً وثم اسسوا الدولة الايلخانية عام ١٢٦١ وكان مقرها تبريز وحكموا العراق وايران والاناظول حتى عام (١٣٤٤) بعدها جاء حكم الخوارزميين في المنطقة.
بعد اسلام الحاكم اصلان غازان خان عام (١٢٩٥) وابو سعيد خان ومن تبعهم، اصبح الايلخانيين من اصدق المسلمين في خدمة الدين وقاموا باصلاحات كبيرة في ايران والعراق واصلحوا مشاريع الري والمساجد والمدارس الدينية.
في عام (١٣٣٩) استقل القائد الايلخاني حسن يوزوك بالحكم حتى عام (١٤١١) وسمى دولته بالجلائرية ومركزها بغداد وجاءت غزوة تيمور عام ١٤٠١ لبغداد وثم انسحب. في هذه الفترة ظهرت دولة (قره قويونلو) في خراسان وتوسعت غرباً بأنسحاب تيمور إلى تركستان. كان مؤسس دولة قره قويونلو (بايرام خوجه) وبعد وفاته جاء ابنه (قره محمد) وتبع هذا المماليك في المصر والشام ثم جاء (قره يوسف) عام (١٣٩٠) واستولى على بغداد بعد حملتي تيمور في (١٣٩٤-١٣٠٥) وكانت قد ظهرت في شرق ايران قبائل آق قويونلو واتفقت كلتا القبيلتان مع تيمور.
تمكن اوزون حسن خان تأسيس دولة آق قويونلو عام ١٤٠٣ للسيطرة على الموصل واربيل وكركوك، بعده جاء ابنه (خليل) وثم احد اقربائه يعقوب شاه في عام ١٥٠٨ جاء اسماعيل شاه حفيد الشيخ صفي الدين لحكم الدولة الصفوية وسيطر على كل من ايران والعراق بعنوان التشيع مدعياً انتسابه لآل البيت بالرغم من تركيته وشاعريته بالتركية. كان اسماعيل شاه مرعباً وارهابياً في الدعوة لمذهبه الشيعي في ايران والعراق والاناظول واسس جيشاً خاصاً لنشر المذهب سمي بالقزل باش (ذوي العمائم الحمر) وهم من الترك وتمكن من نشر دعوته بين القبائل التركمانية خاصة وقضى على الدولة القره قويونلية الشيعية وكانت تتبعه الامارات المختلفة ومنها بغداد.
منذ تاسيس الدولة العثمانية عام ١٢٩٩ كانت متوجهة نحو الغرب في فتوحاتها بعد ان سيطروا على الاناظول بعد معركتهم مع آق قويونلو عام (١٤٧٣) ولما جاء السلطان سليم للحكم عام ١٥١٤ كان متطلعاً على تحركات اسماعيل شاه الصفوي اثناء ولايته في طرابزون شرق الاناظول وكثر انتشار المذهب الشيعي بين التركمان وتعاونه مع امبراطورية النمسا والمجر ضد العثمانية الذين كانوا من اعدى اعدائه باعتبارهم من السنة. وقرر سليم ازالة الحكم الصفوي مهما كلف الامر لتوحيد الاسلام وفعلاً تم له ذلك عام ١٥١٤ بعد معركة جالديران وهجم على عاصمته تبريز وهرب الشاه بدون ان يلاحقه إلى داخل ايران وبعدها الحق شمال العراق وجنوب الاناظول بالدولة العثمانية. خلال الحكم الصفوي اضطر اهالي المنطقة في شمال العراق وجنوب شرقي الاناظول من الترك للالتحاق بمذهب الصفوي وبقيت المناطق الجبلية الكردية في شمال العراق وشرق الاناظول مصونه من شره ولم يتمكن التاثير على سكان المنطقة الكرد لتتغير مذهبهم السني. وهنا استعان السلطان سليم بشخصية امير تبليس (ادريس البتليس) الكردي نشر الدعوة ضد الحكم الصفوي لدى الامارات والقبائل الكردية والتركمانية في جنوب شرق الاناظول وشمال العراق وساعد التبليس على توفير الاستقرار وتبعيتها للدولة العثمانية وفي دعوته وزع الامارات والاقطاعيات على رؤساء القبائل الموالية ومن ضمنها منطقة الموصل واربيل وكركوك بعد ازدياد تعديات الصفويين على وسط وجنوب العراق واستيلائه على بغداد والعتبات المقدسة وتخريبه اضرحة وشيوخ وائمة السنة منذ عام ١٥٠٨، اضطر السلطان سليم القانوني بن سليم ان يعد حملته لتحرير وسط وجنوب العراق عام (١٥٣٤) ماراً بتبريز وعرب ايران إلى بغداد. واصلح السلطان مزارات ائمة السنة والشيعة على السواء بدون تفرقة، وسمح للشيعة بزيارة العتبات المقدسة ووفرت وسائل الراحة لهم في الطريق.
وذكرت السالمن لعام ١٩٠٦ انه مر من الموصل واربيل وكركوك وكانت فيها امارة تركمانية باسم (كوك يورت) وبقي فيها (٢٨) يوم وثم واصل رحلته إلى بغداد وطرد الوالي الصفوي واصدر قوانينه فيما يخص العراق واصبحت بغداد ولاية وتتبعها امارة العمادية التي كانت تغطي منطقة حكاري ودهوك، ثم الموصل ودبالة شهزور واربيل (كركوك حتى جبال حمرين) والوية (درنك في السليمانية) وباجوان وزنكباد وقزلباط وحمرين وعربان البرية والحلة وفي عهد مراد الثالث اعيد تشكيل ولاية الموصل وتبعتها سناجق باجوانلو وتكريت. بقي السلطان في بغداد اربعة اشهر وقبل الشاعر الفضولي وثار بكر صوباشي في بغداد وارسل السلطان والي ديار بكر لتأديبه عام (١٦٢٣) واستنجد هذا بالشاه عباس، جاء الوالي حافظ احمد باشا والتحق به امير كركوك (بوستان باشا) ولما علم الصوباشي بمجيء الجيش العثماني اخذ الاستعدادات القوية واضطر احمد حافظ التفاهم معه لكي لا يلتحق بالشاه وبذلك تبع العثمانية ثانية واضطر الشاه عباس لمحاصرة بغداد وفتحها واقام فيها مجزرة كبرى واستمر نحو كركوك وحصلت مجاعة في بغداد وكركوك وهرب بوستان باشا إلى ديار بكر وبعدها هجم على الموصل واستسلمت ايضاً ورجع العثمانيون إلى الموصل وحصلت معركة آالتون كوبري واندحر جيش الشاه عباس ورجعت المنطقة وفيها كركوك للحكم العثماني دون ان ينقذ حافظ باشا بغداد. وثم جاء الشاه عباس واحتل كركوك ثالثة.
وفي عام ١٦٣٨ قام السلطان مراد الرابع بحملة لانقاذ بغداد وفي طريقه مر من العمادية واستقبله اميرها (قباد بك) استقبالاً عظيماً وعينه السلطان اميراً مدى العمر ووسع امارته حتى الزاب الصغير في التون كوبري وواصل حملته إلى كركوك وكان فيها (قايش محمد باشا) وبسبب شكاية الاهالي عزله السلطان.
لما علم الشاه عباس بمجيء السلطان شدد مقاومته بتحصين قلعة بغداد وبدء السلطان بحصاره الشديد لمدة ٤٠يوماً ودخل بغداد وانسحب الشاه وثم اتفق الطرفان في معاهدة قصر شيرين وحصل تثبيت الحدود بين الدولتين لما هو عليه الان واصلحت الاضرحة السنية والشيعية ثانية عام (١٦٣٨).
حصلت مجاعة كبيرة بسبب الجفاف والفقر في الموصل وبعدها حصل زلزال كبير بالموصل كما انها تعرضت لأفة الجراد عام ١٦٦٧ وخطر الزلزال عام (١٧١١م) وحصلت الهجرة منها واضطرت الدولة لمساعدة الاهالي بالارزاق من الولايات الشمالية في عام ١٧٢٧ ثم جاء ولاة مصلحون من عائلة الجلبي وكان اولهم اسماعيل باشا ثم حسين باشا الذي رفع لدرجة وزير وتمكن هذا من طرد الجيوش الصفوية من المنطقة وتعاون والي كركوك علي باشا مع الجيش العثماني القادم طوبال عثمان باشا وفي كركوك حصلت معركة ليلان (قره حسن) عام (١٧٤٣) وقتل القائد العام وانقذت المنطقة وفي عام (١٧٤٤) هجم نادر شاه على كركوك واربيل واستسلمت كركوك بعد معارك شديدة وحصل النهب والسلب وهاج الاهالي وتمكنوا من اخراج الجيش الصفوي من المدينة وبعدها هجم نادر شاه على الموصل ولكن حسين باشا قاوم بشدة وانسحب نادر شاه وهجم حسين باشا على قلاع ابانا وسنه وانتصر عام (١٧٧٧م). في عام ١٨٠٩ حصلت مشاكل في الموصل وتعين محمود باشا والياً واصلح الامور وفي عام (١٨٣٤) جاء محمد باشا بايرقدار للحكم وسيطر هذا على ثورة امير العمادية اسماعيل باشا الكردي ثم قضى على ثورة امبرواانوز رشيد باشا بدعم والي بغداد ثم قضى هذا على عصيان قبيلة شمر العربية واليزيديين في سنجار.
في عام (١٨٥٠) تحولت ولاية الموصل إلى متصرفية وفي عام ١٨٦٢ اصبحت كركوك سنجقاً تابعاً لولاية بغداد وفي عام ١٨٧٨ اعيدت الموصل كولاية والحقت بها سناجق كركوك (شهرزور) والسليمانية واربيل.
من المفيد هنا ان نذكر بعض المعلومات التاريخية التي ذكرها (لوتكريك) المفتش الاداري الانكليزي في العراق اثناء الانتداب بعد الحرب العالمية الاولى والتي شملت تاريخ العراق لاربعة قرون ونشر بالانكليزية في عام (١٩٢٥) وترجم من قبل جعفر الخياط عام ١٩٤١ إلى العربية وفيه الكثير من المعلومات عن القوميات والاديان واحوال البلاد الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والتاريخية خلال الفترة (١٥٠٠-١٩٠٠) ومنها مدينة كركوك بالذات، لذا وجدنا انه من المفيد الاستعانة به للحصول ولو على جزء من المعلومات الخاصة بتاريخ كركوك في تلك الفترات ومنها:
بعد معركة جالديران بين السلطان سليم العثماني والشاه اسماعيل الصفوي قرب تبريز عام ١٥١٤م دخلت ولاية الموصل وشهرزور (كركوك) تحت الحكم العثماني المباشر وكانت هناك امارات وقبائل كردية في المنطقة شبه مستقلة. ولم تكن هناك اخبار او معلومات كافية عن اوضاع هاتين الايالتين خلال القرن السادس عشر ولكنها ذكرت ان مدينة كركوك لم تتغير كثير خلال القرنين الاخيرين وانها كانت مدينة جميلة ورائعة في المنطقة وكانت من اهم مراكز التركمان في الشريط الممتد من تلعفر -نينوى -اربيل -كركوك -طوزخورماتو -كفري حتى الحدود الايرانية وكانت لغتها التركية وكانت اربيل مشابهة لكركوك وهم من بقايا الهجرات التركمانية القديمة وتعايشت مع الكرد والعرب بكل محبة وتعاون وكان ياشوات الموصل وكركوك (شهرزور) شبه مستقلين خلال القرون ١٥-١٧ عدا حالات اوامر التعاون السلطانية وذكر في عام (١٦٤٠) بعد وجود سجلات تدل على كيفية حكم كركوك المدينة الجميلة ولم يحصل تغيير في خط القرى التركمانية التي كانت تمارس الزراعة الديمية وكان نفوذهم التركي يتغلل في سهول العرب وجبال الاكراد. في حين كانت النزاعات العائلية في الموصل مستمرة وكانت نقطة تجارية مع ديار بكر وحلب وبغداد.
في عام (١٦٣٩) انقسم الاكراد بين السلطتين الصفوية الشيعية والعثمانية السنية وكانت قبائل مكهور واردلان تتجه نحو الشيعة وكان البهدينان (العمادية والجزيرة) متجهة نحو العثمانية وقبائلها شبه مستقلة وقسم منهم شيعة بكتاشية واغلبهم من السنة.
في عام ١٦٢٩ بعد ان استولى الشاه عباس على بغداد ارسل قائديه قرحي وقاسم إلى شهرزور (كركوك) والموصل واضطر باسطام للأنسحاب من كركوك إلى الموصل وثم انسحب مع باشا الموصل إلى ديار بكر واستمر الجيش الصفوي التقدم نحو ديار بكر ولكنه تراجع وبعد اشهر قليلة تحرك القائد العثماني احمد الصغير نحو الموصل وكركوك وحرر المدينيتين واستعمل الصفويون القسوة مع سكان المدينة الترك والكرد. بعد تعيين والي ديار بكر احمد حافظ صدراً اعظماً ارسل قائده جركر حسن باشا لتحرير بغداد وحرر كركوك ثم جاء حسن باشا بجيش كبير اخر ماراً بطريق قونيه - ديار بكر وتوفي الشاه عباس عام ١٦٢٩ وهنا التحق به الامراء الاكراد واستمروا إلى الموصل ثم إلى اربيل على الزاب الكبير وعقد مجلسه الحربي في اربيل وحضره الامراء والبكوات ثم وصل بغداد وحاصرها ولكن جزء بعد حرب مريرة اضطر للانسحاب عام ١٦٣١ دون تحرير بغداد وفي (١٦٣٤).
اضطر السلطان مراد السفر إلى العراق وتحرير بغداد بطريق قونيه ديار بكر وحرر الموصل وثم كركوك وعبر جبال حمرين ومعه جميع امراء الكرد والتركمان والعرب ووصل إلى مشارف بغداد في ١٥/١١/١٦٣٨ وبعد (٤٠) يوم حصار شديد دك اسوار بغداد واستسلمت يوم ٢٣/١٢/١٦٣٨ وقتل الصدر الاعظم وعمت الفوضى في المدينة أولاً ثم نعى عن القائد الصفوي (اسكتباش خان) وكذا اعلن العفو العام واصلح المزارات ورجع عن طريق تبريز في ١٧/٢/١٦٣٩ وثم تتابعت اجزاء العراق الكبرى بالانضمام للدولة العثمانية. بقيت قوات الشاه تعمل بكل قوة وكلما سنحت لهم الفرصة لالحاق كركوك (شهرزور) وبغداد والاماكن المقدسة بدون فائدة.
ففي عام ١٨٣٣ في عهد نادر شاه قام طوبال عثمان باشا بالسفر نحو بغداد وفي كركوك (معركة ليلان) دحر الجيش الايراني وثم انسحب جيش نادر شاه من بغداد عام (١٧٣٣) بعد ان عقدت اتفاقية مع العثمانيين بموجبها تم الاعتراف بالمذهب الجعفري رسمياً مع السماح لهم بزيارة العتبات المقدسة، وفي عام ١٧٤٣ هجمت قوات الشاه على كركوك وتحصن التركمان ومعهم الكلدان في القلعة واضطروا للاستسلام بعد ثلاثة اسابيع وثم استسلمت اربيل في طريقهم إلى الموصل التي كانت مستعدة لمقابلة الشاه الذي استقر في قرية (يارمجه) بالقرب من المدينة ولكنه لم يفلح بفتح الموصل وعقد صلح بين الطرفين ورجع نادر شاه وخيم في كركوك للراحة (١٧٤٧) واغتيل في نفس العام.
وفي بداية الحكم الباباني للسليمانية عام ١٧٢١ وسع حكمه بحيث شملت المنطقة من كركوك إلى همدان حتى عام ١٧٤٣ وكان للباشا مواقف مع باشا مقداد خلال اعوام (١٨٠٢-١٨١٣) وكان عبد الرحمن بابان مسيطراً على شهرزور ايضاً وكان يسمى ناصباً لولاة بغداد وكان مشهوراً بدسائسه في النزاع والتنافس بين بغداد وايران. بعد عام (١٨٠٢ بقي بابان يساعد سيده في بغداد لمدة من الزمن وقضى على عصيان امير العمادية وعصيان الحاميات التركية في الفرات الاوسط وقتل زميله وخصمه محمود باشا كوبي عام ١٨٠٥ الذي شاركه في تأديب الثائر الشاوي وحارب قطاع الطرق وحصلت نهايته على يد علي باشا الجلبي والي الموصل في معركة التون كوبري ودرتنك حيث هرب إلى الشاه في سنة الذي احسن قدومه ورحب به وتعين قريبه خالد بدلاً عنه في ولاية السليمانية ودعم الشاه لالحاق كركوك بايران. هنا توسط الشاه لدى باشا بغداد للعفو عنه واعادته للحكم ورجع بمداخلة حالت افندي مبعوث السلطان حيث عين في متصرفية كويسنجق ثم دخل السليمانية بالقوة بعد غزو قرى كركوك واربيل وعزل عام (١٨١١م) بعد محاربة باشا بغداد عبد الرحمن في معركة كفري ومقتل الكثير من الكرد وفر إلى ايران ايضاً ورجع إلى السليمانية بتدخل ايران ايضاً ومات عام ١٨١٣. وكان قبله ابراهيم باشا قد انشئ مدينة السليمانية تمجيداً لأسم سليمان باشا الكبير والي بغداد ووسع امارته التي شملت زهاو وقصر شيرين وخانقين. واتفق عثمان بن محمود بابان مع والي كركوك في العصيان ضد بغداد ولكن سليمان باشا الكبير ووالي الموصل جاءه بجيش واضطر بابان للخضوع للباشا واعيد لحكم السليمانية عام (١٧٨٣م) وثم ثار ثالثة وهرب إلى ايران حيث مات هناك وجاء ابراهيم بابان من بعده.
كانت شهرزور (كركوك)والمناطق التابعة لها تتعاون مع والي بغداد بكل اخلاص وكانت ثرواتها كثيرة وغنية وتتبعها بعض الامارات الكردية في المنطقة وتتعاطى في امورها مع (متسلم) او المتصرف وكان ديوانها لا يقل شأناً عن ديوان بغداد (مجلس الادارة) ولم تفقد كركوك منزلتها كاياله ويرأسها بكلربك (مير ميران) في حين كانت الموصل تنظر في امور تاديب الثوار اكثر مما كانت تنظر في امور الولاية وكان هذا يعني ارتباطها بالموصل شكلياً.
كانت وما تزال مدينة كركوك ملتقى كثير من الطرق التجارية والعسكرية التي تربط الشرق بالغرب والشمال بالجنوب وكان من اهمها طريق الحرير القادم من الصين عبر اواسط اسيا (تركستان) وفي ايران كانت تقسم إلى اقسام مختلفة إلى البحر العربي جنوباً وإلى خانقين وبغداد غرباً وإلى تبريز وبلاد القوقاز شمالاً غربياً واحد الفروع إلى حلبجة والسليمانية وكركوك والموصل وديار بكر وحلب وكان هناك طريق اخر من بغداد بمحاذاة نهر الفرات إلى حلب واخيراً طريق بغداد -كركوك- الموصل - ديار بكر - حلب - واضنة - وقونيه - واستانبول الذي اصبحت له اهمية عظمى في العهد العثماني وسمي بالطريق العظيم او السلطاني.
كانت مدينة كركوك منذ العهد السلجوقي (١٠٥٠) امارة شبه مستقلة وسميت بتسميات مختلفة، ففي عهد القره قويونلو كانت تسمى بأمارة (كوك يورت) وفي العهد الاتابكي كانت هناك الامارة القبجاقية وفي العهد العثماني كان فيها ولاة لهم استقلال ذاتي وكانت تارة تتبع باشا بغداد مباشرة وتارة تتبع باشا الموصل وتارة تتبع باشا السليمانية وخلال الحروب الصفوية العثمانية كان الشاهات الصفوية يحاولون بكل امكانياتهم الحاق كركوك بدولتهم وحصلت معارك عنيفة بينهم في ليلان وكفري وكان من اهمها معركة التون كوبري عام ١٦٢٤. ولما قام السلطان مراد الرابع عام ١٦٣٨ بحملة لتحرير بغداد وفي طريقه بقي في كركوك مع جيشه للراحة قبل الوصول إلى بغداد ونظم امور ولاية كركوك ودعم خط الطريق السلطاني عسكرياً وادارياً واستمر السلطان وجيشه إلى بغداد وبعد حصار شديد لمدة اربعين يوم تم فتح المدينة يوم ٢٤/١٢/١٦٣٨ وقام بأصلاح المزارات السنية والشيعية وعقدت اتفاقية قصر شيرين بين الدولتين وحصل التأكيد على خط الحدود والموافقة على زيارة العتبات المقدسة في العراق من قبل الايرانيين واجراء التسهيلات اللازمة لهم.
لم تشمل دراسة لونكريك تأريخ اواخر القرن التاسع عشر والقرن العشرين، في هذه الفترة يمكن الاشارة إلى اصلاحات مدحت باشا بعد تعينه والياً لبغداد كما ان الولاة من بعده اقتدوا به في ادارتهم حتى الحرب العالمية الاولى (١٩١٤-١٩١٨).
حصلت الحرب العالمية الاولى عام ١٩١٤-١٩١٨ وتمت الهدنة بين دول الاعضاء (المانيا والدولة العثمانية من جانب ودول الائتلاف (انكلترا وفرنسا.. في موندروس، في ٣٠/١٠/١٩١٨ وكانت انكلترا قد اكملت احتلال ايالتي البصرة وبغداد ووصلت الشرقاط وكركوك في الشمال. بالرغم من ذلك واصل الجيش الانكليزي سيره نحو الموصل وبعد التهدئة اضطر علي احسان باشا قائد الجيش العثماني للانسحاب إلى بيتين في ١٧/١١/١٩١٨ اي بعد الهدنة وعلى ان يتبعها انسحاب قوات رواندوز والسليمانية وسرح الانكليز الموظفين وقوات الامن العثمانية وحل محلهم قوات الامن الانكليزية ومعهم قوات اشورية سميت بالليفي.
في ١٧/١١/١٩١٨ اعلن الانكليز تعيين الشيخ محمود حاكماً على السليمانية ومناطق التركمان من كركوك واربيل وبدأت سوء معاملة الانكليز للتركمان المعارضين لادخالهم في المنطقة الكردية وبدأت الحركات ضد الانكليز في الموصل والعمادية وكركوك واربيل وقتل الكثير من ضباط وجنود الانكليز وكان الاهالي يؤيدون الحكم العثماني السابق وكان عجمي باشا السعدون والشيخ السنوس والكثير من علماء الدين في كل العراق وبشكل خاص في النجف وكربلاء يحرضون الشعب والقبائل ضد الانكليز حتى حصلت ثورة العشرين التي اقلقت وضع الانكليز وتكبدوا خسارة كبيرة في الارواح والاموال في مختلف انحاء العراق وفكروا بالسيطرة عليه بشكل غير مباشر لذا بدءوا البحث بعد مؤتمرهم في القاهرة عن بديل ووجدوا انه الاحسن لهم تاسيس دولة تابعة لهم وهكذا اوجدوا فيصل بن الشريف حسين الذي كان قد خسر تاجه في دمشق على ايدي الفرنسيين وجلبوه إلى العراق لتاسيس الدولة العراقية في ٢٨/٨/١٩٢١ بعد ان اقاموا تصويتاً شكلياً لتعينه دون ان تشترك السليمانية في التصويت كما ان اهالي كركوك لم يبايعونه بالرغم من ارجاعهم الشيخ محمود من المنفى لحكم السليمانية وبقي الشيخ يعارضهم بدعم قائد تحرير تركيا مصطفى كمال باشا الذي ارسل قوة عسكرية إلى راوندوز بقيادة العقيد (اوزدمير) في كانون الاول من عام (١٩٢١) واتفق مع الاهالي والشيخ محمود ايضاً وتمكن من طرد الانكليز من المنطقة بعد معركتي دربند وشقلاوة في ١١/٨/١٩٢٢ و ١٥/٩/١٩٢٢. حاول الانكليز التفاهم مع مصطفى كمال بدون نتيجة وثم اتفقوا مع السيد طه ضد الشيخ محمود والترك ثم استعمل الانكليز قواتهم الجوية في ضرب المدن والتجمعات المحاربة وقطعوا خط الامدادات من تركيا واضطر اوزدمير على الانسحاب عن طريق ايران إلى تركيا في اواخر ١٩٢٢ وبذلك وقعت الحركات بعد مرور سنتي وبدأت مذاكرات لوزان في ٢٠/١١/١٩٢٢ وكانت مشكلة ولاية الموصل (الموصل،اربيل،كركوك والسليمانية) من المسائل المهمة في المؤتمر.
وتمكن الانكليز بواسطة ممثلة اللورد كورزون وزير الخارجية في عصبة الامم بكل الوسائل والحيل افشال ادعاءات تركيا والحقت الاياله بالعراق وتعينت الحدود العراقية - التركية بعد ان اخرج الامر من مباحثات لوزان عام (١٩٢٣) وحل القضية فيما بعد في منظمة عصبة الامم ونجحت انكلترا في دسائسها ومؤامرتها في المنطقة واضطرت تركيا على قبول الامر كما ارادتها انكلترا واصبح نفط الموصل وكركوك وكل العراق تحت سيطرتهم وفي عام (١٩٢٥) اضطرت تركيا لقبول الامر الواقع وقررت عقد اتفاق صداقة وحسن الجوار مع الانكليز والعراق في انقرة عام ١٩٢٦ وتنازلت عن ولاية الموصل نهائياً.
ذكرنا سابقاً بأن كركوك سكنت من قبل مجموعات عرقية ودينية مختلفة منذ ايام تأسيسها في العهد الاشوري وكانت تتشكل نقطة مهمة في الطرق التجارية المارة بها من كل الاطراف، بين ايران والمناطق الجبلية الكردية من الشمال والشرق ووسط وجنوب العراق جنوباً والاناظول شاملاً والجزيرة وبلاد الشام والبحر المتوسط غرباً، وكانت على طريق الحرير الممتد من الصين إلى سواحل واوربا واخيراً اصبح من ضمن الطريق السلطاني، وكانت للمدينة اهمية عسكرية فائقة وكان الملوك والسلاطين والحكام والقادة يقيمون فيها للراحة واعادة النظر في خططهم، واخيراً في العهد العثماني اصبحت ولاية مهمة تشكيلاتها الادارية والعسكرية وكثيراً ما اصرت الدولة الصفوية لأدخالها ضمن حكمها وكانت همزة وصل بين السكان الكرد الجبليين والسكان العرب في السهول وبين ولايات الموصل والسليمانية وبغداد وكثيراً ما عملت كوسيط لأزالة الاختلافات فيما بين الالوية والجماعات المختلفة في المنطقة الشمالية ومقر الايالة في بغداد. (اجتماعات مؤتمر أنقرة بين الاطراف الكردية التركمانية في ٢٥/٩/١٩٩٦).
كانت الحروب والغزواة والامراض السارية والظروف المناخية المعاكسة وآفات الجراد والفياضانات والسيول تؤثر بشدة على تقليل السكان في كل المناطق التي تتعرض لها، مثلاً نزل سكان بغداد إلى النصف بعد الغزو المغولي وكذا بالنسبة للمدن، الموصل واربيل وكركوك اثناء غزوات تيمورلنك واسماعيل شاه وغيرهم. وكانت معظم الاراضي السهلة في مدينة كركوك تستعمل كمراعي للقبائل العربية ولما هاجر إليها التركمان سكنوا فيها واصبحت وطناً لهم. خلال العصور القديمة حتى سقوط الدولة العثمانية ولم تكن هناك نعرات قومية او دينية، فكل الناس كانوا ينقسمون حسب الدين او المذهب، ولم تظهر الافكار القومية إلا في اواخر القرن التاسع عشر يتاثر المستعمرين الصليبين ومبشريهم، وكانت هذه الافكار محصورة بطبقات وافراد قليلة من الشعب، فكان الشعب العثماني المسلم بعربه وكرده وتركه وغيرهم من الاجناس الاسلامية تحارب الانكليز بكل ايمان واستمر في جهاده خلال الحرب وحتى فيما بعدها ويمكن ذكر جهاد العشائر الكردية في شمال العراق حاربت عشائر الكويان الانكليز في زاخو في ٢٤/٤/١٩١٩ وعشائر العمادية في تموز ١٩١٩ والبرزانيين والزبيارين والسورجين والسليمانية وراوندوز في اواخر عام ١٩١٩ دعماً للدولة العثمانية المسلمة وثم تركيا، وفي الوسط والجنوب حصلت الثورات العربية واكبرها ثورة العشرين التي شملت كل العراق من تلعفر حتى البصرة بتوعية من رجال الدين واشراف بغداد عامة ورجال الدين الشيعة في النجف خاصة وكبدوا الانكليز الكثير من الاموال والرجال واضطروا إلى تبديل خططهم الاستعمارية كما يمكن ذكر التعاون حصل وبعد وصول اوزدمير في عامي ١٩٢٢-١٩٢٣ بين الكرد والتركمان وجمع شمل العشائر الكردية في اربيل والسليمانية وحضيت المقاومة بدعم الشيخ محمود بعد رجوعه من منفاه في آب ١٩٢٢.(عزيز الحاج ١٩٨٤). وهنا لابد من ذكر التعاون التركماني والكردي في كركوك بعد احتلال الانكليز في ١٨/١٠/١٩١٨ وكان استياء الاهالي في القمة وكان الرجال والواعظين التركمان والكرد يشجعون الناس على مقاومة الانكليز بكل الطرق وكان للشيخ احمد خانقاه دور كبير في ذلك اذ كان يجمع الرجال في بيته ويوعظهم عن كيفية مقاومة الانكليز واخفاءهم في بيته لكي لايقعوا بيد السلطات الانكليزية، كما كان هناك مقاومة وثيقة بين العشائر الكردية المجاورة لمدينة كركوك وبين شخصيات التركمان فيها وكان من اهمها عشيرة الجباري ورئيسها.
وبعد تعين فيصل ملكاً على العراق من قبل الانكليز امتنع التركمان والكرد في كركوك مشتركاً واتفقوا ضد التصويت عام ١٩٢٤ وفي تحريات لجنة عصبة الامم في قضية الموصل محلياً ايضاً وقف التركمان والكرد مع الجانب التركي لأعادة ولاية الموصل لتركيا.
لقد حصلت العلاقات الاخوية والاجتماعية والدينية بين التركمان والكرد بعد ان سكنت المجموعات والقبائل التركمانية في كركوك واطرافها في العهود العباسية المختلفة وكان المنصور اول من اسكن مجموعات مختلفة من بقايا جيش ابو مسلم الخراساني الترك في مناطق الثغور وتبعه المعتصم والخلفاء الاخرين في السيطرة على الثوار والعصاة العرب في مختلف انحاء الدولة بالاستعانة بالترك هذا بالاضافة إلى انهم كانوا الاساس في الجهاد ضد دولة الروم. بعد ان سكن الترك الاراضي السهلة قليلة السكان في شمال العراق واستقروا فيها وجعلوها وطناً لهم وتعاملوا مع السكان الكرد في التلال والجبال المجاورة كأخوة مسلمين.
كان الكرد قد قبلوا الاسلام طوعاً واشتركوا في حملات الجهاد مع الترك ضد البيزنطينين وكانت من اهمها حملة آلب ارسلان السلجوقي ضد الامبراطور البيزنطيني في ملا زكرت قرب بحيرة وان عام ١٠٧١ ويمكن ذكر التعاون الذي حصل مع الدولة الاتابكية التي حكمت المنطقة وهنا لابد ان نذكر خدمات شيركو العظيمة للسلطان نور الدين ووالده عماد الدين الزنكي الذي بنى قلعة العمادية وكان ابن اخيه صلاح الدين ووالده نجم الدين وعمه شيركو قد انتقلوا إلى بلاد الشام لمحاربة الصليبين وثم ارسله نور الدين زنكي نائباً عنه إلى مصر وتمكن شيركو وابن اخيه صلاح الدين في فترة القضاء على الخلافة الفاطمية المعارضة للدولة العباسية ثم اقام دولته الايوبيه بعد وفاة سيده نور الدين وقضى على الصليبين وفتح القدس عام (١٢٩٧) وكان معظم افراد جيشه من التركمان والكرد وكانوا جميعاً في وئام ومحبة (عاشور سعيد ١٩٧٢).
وحصلت مصاهرة اتابك اربيل مظفر الدين كوكبري مع صلاح الدين حدثاً مهماً وترأس هذا جيشاً من التركمان والكرد وذهب إلى فلسطين لمحاربة الصليبين مع صلاح الدين لاسترجاع القدس. كان التركمان والكرد في كركوك كعائلة واحدة وكان التزواج بينهم مستمراً وحصلت القرابة فيما بينهم وتعاونوا في السراء والضراء وكل منهما يعرف لغة الاخر ويتعلمونها بسهولة وكان من الكرد شعراء وادباء بالتركية مثل الشيخ رضا طالباني شاعر الهجو العظيم واسعد نائب وغيرهم.
بغض النظر من تطور الاختلافات البسيطة التي حصلت بين الكرد والتركمان خلال عهد الانتداب الانكليزي والعهد الملكي بتأثيرات مغرضين من الانكليز والعهد العراقي لم تكن ذات اهمية تذكر. وخلال الحرب العالمية الثانية وبعدها حتى نهاية العهد الملكي دخلت النعرة القومية الكردية بشدة وتبعتها الافكار الشيوعية التي ساعدت على الفرقة بين التركمان والكرد بأستمرار، وبفرض السيطرة الكردية على المنطقة وكركوك. بعد الانقلاب القاسمي في ١٤/٧/١٩٥٨ ازدادت العلاقات الكردية - التركية سوءاً واتهموا التركمان بالطورانية وخدمة تركيا، واتهموا الكرد بالانفصالية والشيوعية حتى انه استغلت الشيوعية الوضع وتعاونت مع جماعات من الكرد واقاموا مجزرة عظمى في كركوك بعد عام من الانقلاب القاسمي الموالي للشيوعية وبعد المجزرة حصلت الاغتيالات والاعدامات من الطرفين وازداد الانشقاق واستمر العداء في عهد عبد السلام عارف واخيه عبد الرحمن عارف خلال الفترة ١٨/١١/١٩٦٣ حتى ١٩٦٨ وحارب عبد السلام الشيوعية وحصل نوع من الاستقرار والسكون في كركوك حتى انفرد البعث العربي بالحكم وحارب جميع فئات الشعب العراقي ومدينة كركوك بالذات لأن حكام البعث كانوا يستعملون الشوفينية العربية بشدة وقضوا على القوميين العرب اولاً بحجة ولائهم لمصر وسورية وثم الشيعة بحجة ولائهم لايران وانهم من الفرس ولذا هجروا مئات الالاف منهم بعد مصادرة اموالهم وممتلكاتهم، وثم ضربوا الكرد بحجة انهم يريدون الانفصال ودخلوا معهم في حروب عديدة وحرقت قراهم وهجروا منها وقتل وسجن منهم الالاف واخيراً خربت الاف القرى وفي عام ١٩٨٨ استعمل صدام الغازات السامة ضد الكرد في حلبجة واطراف زاخو والعمادية.
وبالنسبة للتركمان كانت القضية مختلفة، وللحصول على تأييد التركمان نفذوا حكم الاعدام بحق المسؤولين عن مجزرة كركوك ثم منحوا التركمان الحقوق الثقافية لفترة قصيرة، وتأسست نوادي وجمعيات تركمانية لأول مرة وصدرت الجرائد والمجلات، وتأسست النقابات المهنية والتجارية، كل ذلك بفرض جذب التركمان وادخالهم في حزبهم المنحرف ولما لم ينجح صدام في ذلك بدأ بمحاربتهم وخاصة بعد استلام الحكم من سيده احمد حسن البكر. وغلقت المدارس التركمانية وابعد المعلمون والموظفون من كركوك وغيرها من المناطق التركمانية وقلصت محافظة كركوك وتغير اسمها إلى محافظة التأميم وفصلت اقضيتها ونواحيها منها وكان هذا اغرب حادث في تأريخ العراق. وانخفضت مساحته من حواي ٢٠,٠٠٠ كم٢ إلى ٩٠٠٠كم٢ تقريباً. وفصل عمال شركة النفط من الترك والكرد كذا نقل الموظفون منهم إلى الجنوب ومنع شبابهم من الدخول في الوظائف والجامعات والمدارس العسكرية وهنا لايمكن ذكر المعاملات غير القانونية بحق التركمان والكرد واصبحوا في الهوا سوا. وفي نهاية الحرب مع الجارة المسلمة ايران استعملت الغازات السامة ضد الكرد وخربت الاف القرى وهجر الالاف منهم في عام ١٩٨٨ وثم تكررت الحالة بعد الحرب مع الكويت واضطرت امريكا والامم المتحدة لطرد جيوش صدام عام ١٩٩١.
في آذار ١٩٩١ حصلت الانتفاضة في الجنوب والشمال ولكن الامريكان والانكليز لم يساعدوا أهل الجنوب بأعتبارهم شيعة ولم يساعدوا الكرد والتركمان باعتبارهم ارهابيين وتمكنت قوات صدام من قصف الالاف من اللذين هربوا من جيش صدام في طريقهم نحو السعودية والاردن وسوريا وايران والعراق وبلغ عدد المهجرين اكثر من مليوني عراقي تركماني وكردي وشيعي عربي ولم يكن موقف الامريكان هذا مشرفاً.
لسوء الحظ ان قوات البشمركة لم تتمكن من تنظيم وادارة شؤون الانتفاضة في الشمال بشكل صحيح وخاصة في كركوك ولاول مرة كان بالامكان اعادة تعاون التركمان مع الكرد بشكل جيد وانشغلت افراد كثيرة بحرق ونهب مقرات الشرطة والحكومة وبيوت البعثيين الهاربين دون نظام، ولما رجعت قوات صدام إلى كركوك وقامت بمجازر كثيرة في كفري طوزخورماتو والطون كوبري ووصلت آلاف المهاجرين إلى الحدود التركية بشكل فوري ومعدم وبذلك تكون المناطق التركمانية تعرضت للنهب والسلب من قبل قوات صدام.
- التشييع والترك (التركمان)
كان انتشار الاسلام في العهد الاموي بطيئاً في بلاد ماوراء النهر تركستان وكثيراً ما كان الولاة الامويين يستعملون القسوة وسوء المعاملة في ادارتهم واثناء قيامهم بنشر الدين وكانوا يسمون غير العرب بالموالي ويعاملونه كمسلم من الدرجة الثانية واستمر الوضع حتى قيام الدعوة العباسية ونجاحها عام ٧٤٩ على اكتاف جيش ابا مسلم والذي كانت اكثريته من الفرس والترك في خراسان.
اول دولة تركية قبلت الاسلام طوعاً كانت دولة قره خان في نالاس تحت زعامة بغرا ساتوق خان. وباهتمام الخلافة العباسية بالترك واستخدامهم في جيشها ازداد الانتساب للأسلام حتى ان اعتمد المعتصم كلياً على جيشه من الترك واسس لهم مدينة سامراء لكي لايختلطوا بغيرهم من القوميات ولكي لايفقدوا صفاتهم العسكرية وولائهم للخلافة.
صادف ان كان جميع رجال الدين العرب والمبشرين في بلاد الترك من اهل السنة ولم يعلموا شيئاً عن ظهور واوضاع الفتنة الكبرى في عهد الخليفة الراشدي عثمان ومقتله عام (٦٤٦) ولاشك انهم كانوا يعلمون بمقام الخليفة علي (رض) لدى خاتم الانبياء وانه كان ابن عمه واول فتى اسلم على يديه وانه صهره وزوج بنته السيدة فاطمة الزهراء ام الحسن والحسين كما كانوا يعلمون بخدماته في الاسلام وشجاعته وزهده...ألخ.
لم يعلم الترك المسلمون تطورات الفتة الكبرى وكيف سيطر الامويون ومعاوية على الخلافة بغير حق ومن بعدها شهادة الحسين (ع) وجميع افراد عائلته في كربلاء وسوء معاملة آل البيت فيما بعد.
ذكر حسن العلوي في كتابه الشيعة والدولة القومية في العراق عام (١٩٩٠) بأن التشيع ظهر منذ وقت النبي (ص) وبعده وذلك كان التشيع لعلي وآله عربي المولد والمنشأ. وكان مؤيدوه من الصحابة والتابعين يعتقدون بأمامة علي وقرشيته وعروبته. واختلف المسلمون فيما بعد، فالمعتزلة والخوارج وبعض علماء السنة خالفوا امر عروبة الخليفة وكان منهم ابو حنيفة واكدوا على ضرورة اطلاعه على اللغة العربية وان يكون عالماً وفقيهاً واجاز ابو حنيفة الاذان والصلاة بغير العربية. وقال العلوي ان التشيع ظهر كحزب عربي وان الكوفة انشأت كأول مدينة عربية في عهد الخليفة عمر عام (١٧هـ) ثم اصبحت من شيعة علي ونقلت الخلافة إليها في عهده واصبحت المركز الرئيسي للتشيع ودونه ان تنتشر في ايران (عدا مدينة قم) حتى ان جاء الشاه اسماعيل الصفوي عام (١٥٠٢) الذي تشيع واجبر الناس بحد السيف في ايران والاناظول على التشيع وحارب الدولة العثمانية لعدة قرون بالرغم من تركيته وجيشه (القزيل باش) التركي. وكان معظم فقهاء الاسلام الاوائل من اهل السنة الفرس، وانتشر التشيع فيما بعد وخاصة في ايران والعراق لاسباب دينية وسياسية واقتصادية.
بعد انتشار الاسلام في تركستان انتقل معظم رجالاتها من اصحاب الحرب والحضارة والعلم إلى مركز الخلافة ومدنها وساعدوا اخوانهم المسلمين في الجهاد ودعما الحضارة الاسلامية وتركوا لغتهم واهتموا بالعربية باعتبارها لغة القران والاسلام وكذا اهتموا بالفارسية باعتبارها لغة الحضارة في حينه وبعد ان اصبح للترك شأن في الاسلام وقفوا بشدة ضد التفرقة الدينية باصل حماية وحدة الاسلام وفي نفس الفتات كانت هناك مشاكل دينية وسياسية ومذهبية بين المسلمين ووجدوا انفسهم قد دخلوا معارك الاختلافات لاسباب قبلية او شخصية او قومية. وهكذا وجد السلاطين السلاجقة منذ عام (١٠٥٠) انفسهم في الصراع مع الدولة البويهية الشيعية في ايران والعراق وانقذوا الخلافة العباسية ثم نجحوا في صراعهم مع دولة قره قويون الشيعية ايضاً واخيراً مع الدولة الصفوية منذ عام (١٥١٤) حيث دحر السلطان سليم عدوه الشاه اسماعيل الصفوي (١٩١٤) في معركة جالديران قرب تبريز واستولى على العاصمة تبريز. وخلال فترة حكم اسماعيل شاه ومن جاء من بعده تمكن جيشه القزيل باش نشر التشيع بالقوة بين العشائر التركمانية في الاناظول وحصلت ثورات كثيرة ومنها البابائية كما ظهرت شخصيات تركية كثيرة كانت ترشد الناس بلغتهم بعد ان كانت ترشد بالعربية التي لايفهموها. مثل الشيخ احمد اليسوي والحاج بكتاش الذي رحل من خراسان إلى الاناظول والشاعر يونس عمره وغيره اللذين ارشدوا الناس وعلموهم حب محمد (ص) وآل بيته بشكل صحيح. بالرغم من هذا كله حاول الصفويون في صراعهم مع العثمانين استغلال الدعاية المغرضة وخاصة في الدين وقالوا ان العثمانين كفرة وروم إلى غيرها والعكس صحيح للصفويين. واستمرت هذه الادعائات حتى يومنا هذا بين الترك السنة والدولة من جهة والعلويين الشيعة من جهة اخرى وكلهم من الترك.
ولسوء الحظ كانت الدولة العثمانية تعتمد على الفقهاء ورجال الدين العرب المتعصبين للسنة وجيش الدوشرمة غير الترك وكانت اصولهم مسيحية واصبحت العداوة والبغضاء بين الشيعة والسنة الترك متأصلة بين الترك في الاناظول بشكل خاص (اوزداع ١٩٩٨).
بالنسبة لوضع تركمان العراق وتشيعهم لاتوجد لدينا وثائق معينة تشير لتأريخ تنظيم تشيعهم وكيفيته، ومن خلال تحرياتنا عن الاحوال التاريخية وهجرات التركمان إلى العراق وبشكل خاص خلال العهد السلجوقي (١٠٥٥ اوما بعد) لم تكن اي من القبائل المهاجرة شيعية المذهب، والاحتمال الكبير انه بعد وفاة (شاه روح) حفيد تيمور سيطرت دولة قره قويونلو بقيادة جهان شاه على بغداد وخاصة الانحاء الشمالية التي تتواجد فيها القبائل التركمانية عام (١٤٤٧) ووسع هذا اراضيه حتى شط العرب وكانت هذه قبائل شيعية عملت على نشر التشيع في العراق وخاصة بين قبائل بني قومهم في كركوك وحواليها وخلال عام ١٤٩٩ ظهر الصفويون في تبريز وتشيعوا وبدؤا نشر التشيع بالقوة والارهاب بواسطة جيشه (القزيل باش) ذوي العمائم الحمراء وفي عام (١٥٠٨) دخل بغداد واستولى على العتبات الشيعية المقدسة واصبح اسماعيل شاه سيد ايران والعراق وبدء بنشر مذهبه في الاناظول بين التركمان بالشدة والارهاب وهذا ما استرعى انتباه السلطان سليم منذ استلامه للحكم عام (١٥٠٢) وقرر التخلص من الشاه اسماعيل ودحره في معركة جالديران قرب تبريز عام (١٥١٤) وهرب الشاه إلى داخل ايران ونظم صفوفه وجيشه ورجع إلى عاصمته في تبريز واستمر في حروبه مع من تبعوه من الشاهات ضد سلاطين آل عثمان حتى عام (١٦٣٧) حيث عقدت اتفاقية قصر شيرين بين السلطان مراد ونادر شاه وعينت الحدود العراقية الايرانية إلى ماهو عليه الان. تكررت الحروب هذه عام (١٥٣٤) ودخل السلطان سليمان القانوني بغداد واصلح المراقد الدينية السنية (ابو حنيفة والشيخ عبد القادر الكيلاني وغيرها) بعد ان خربها الصفويون كما اهتم بمراقد الشيعة وتنظيم زيارة الشيعة الايرانين إلى العراق، واعاد الصفويون غزو العراق وبغداد عام ١٦٢٣ و ١٦٣٨ حيث دخل بغداد واصلح مراقد كلا الطرفين ثانية وكانت في كل حرب تحل مجازر كبيرة وكانت ضحيتها الالاف من المسلمين من كلا الطرفين.
لاشك ان يكون الشاه اسماعيل ومن جاء من بعده قد اهتم بمنطقة كركوك والمدينة بالذات ودعم القبائل والقرى الشيعية حولها وان يكون قد نقل قبائل تركمانية شيعية اخرى لدعم وتقوية نفدوذه في المنطقة.
معظم التركمان في العراق بغض النظر عن مذهبهم يحبون ويقدرون اهل البيت كثيراً جداً وبالطبع كان الشيعة التركمان اكثرهم حباً وتقديراً، وكان للشيعة التركمان مذاهب مختلفة دون ان تكون بينهم فروقات اساسية وكلهم يؤمنون بأمامة علي (ع) واولاده وكانوا يسمون بتسميات مختلفة مثل العلوية والبكتاشية والصارالية والرافضة وغيرها ويلاحظ انه لم تكن لهم علاقات قوية مع النجف وكربلاء حتى ما بعد الانتداب الانكليزي بعد الحرب العالمية الاولى، بعدها حصل التقارب بين علماء النجف وكربلاء ورجال الدين الشيعية في اطراف كركوك والمدن المجاورة لها طوز خورماتو وقره تبه ويلاحظ تحول التركمان إلى الشيعة الاثنى عشرية وارتبطوا بكربلاء والنجف ارتباطاً وثيقاً، وحتى انه في الدور القومي البعثي يلاحظ مشاركة التركمان الشيعية في التنظيمات المختلفة وعلى اثر ذلك نفي وقتل منهم الكثيرين بأعتبارهم مؤيدين او اعضاء في حزب (الدعوة إلى الاسلام) الشيعي. ولحد الان تنكل بهم الدولة البعثية بشدة اسوة بأخوتهم التركمان الاخرين والكرد والعرب وغيرهم من المعارضين وهكذا يستمر اعدام الكثير وهجرتهم واستملاك اراضيهم وقراهم.
وهناك امر مهم لابد الاشارة اليه وهو عدم وجود فروقات بين التركمان السنة والشيعة وكلهم يعيشون مع بعضهم في اخوة ووئام وهناك احتفالات ومناسبات مشتركة بين سكان مدينة كركوك وقرية تسعين الشيعية. نفس الوضع موجود في المدن والقرى الاخرى على طول خط تواجد التركمان من تلعفر إلى خانقين. ويلاحظ قلة وازدياد نفوس التركمان من كلا الطائفتين على طول خط التركمان، ففي اطراف الموصل يلاحظ ازدياد التركمان والشبك الشيعة وفي تلعفر وحواليه يحصل العكس ويزداد عدد الشيعة في داقوق وتازه خورماتو وقره تبة ومناطق ديالى وخانقين ومندلي.
حالياً يمكن القول بان سكان كركوك الشيعة والسنة متساوون في المناطق التركمانية ولاتوجد احصائيات لحد الان يمكن الاعتماد عليها في تحديد السكان التركمان بشكل عام وتحديد لمذهب بشكل خاص.
عهد الانقلابات والانقلاب البعثي
بعد الانقلاب القاسمي في ١٤/٤/١٩٥٧ صدر الدستور المؤقت (ولايزال مؤقتاً) وذكر ان الدولة العراقية جمهورية واكدت على انها جزء من البلاد العربية وان العرب والكرد شركاء في الوطن دون ذكر للقومية الثالثة التركمان والاقليات الاشورية واليزيدية والصابئة والطوائف الدينية. ودون الاهتمام بالديموقراطية والمساوات بالبرلمانية الصحيحة. ومنذ البداية اصبح عبد الكريم قاسم دكتاتوراً وحصلت الاختلافات الجذرية مع صديقه ومساعده عبد السلام عارف في قضايا اساسية كان من اهمها قضايا الوحدة العربية اوالتعاون مع البلاد العربية وكيفية التعامل مع الكرد المشاركين في الوطن وكيفية تأسيس حكم ذاتي صحيح لهم وكيفية معاملة القومية الثالثة التركمان.
هنا ظهرت الشيوعية على مسرح العراق وتمكنوا استغلال عبد الكريم قاسم دون ان يؤمن بالشيوعية وبدأ العداء الظاهر بين القوميات وفئات الوطن واعدم وقتل وسجن الكثير من رجالات العراق منهم وبدءات هجرة او هروب الفئات المختلفة وساءت العلاقات مع جمال عبد الناصر الذي كان متزعماً في حينه للقضية القومية العربية والوحدة، ولم تتحقق امال الكرد في الحكم، وبدأت الصدامات والتقاتل بين الفئات المختلفة.
حصل عصيان الشواف في الموصل في ٨/٣/١٩٥٩ واستغل الشيوعيون القضية وقضي عليها بعد قصف جوي واقامة مجازر كثيرة واعقبتها مجزرة كركوك في ١٥/٧/١٩٥٩ وحاول قاسم الابتعاد عن الشوعيين دون فائدة وحصلت مجازر ومصادمات اخرى في الحلة والبصرة وغيرها من المدن وحصلت تنكيلات اخرى بحق الدينيين.
في (١٩٦٠) حصلت محاولة لاغتيال عبد الكريم قاسم من قبل البعثيين ولم تنجح واستمرت محاولات الاحزاب والفئات القومية والدينية للتجمع ومحاربة الشيوعية ونظام الحكم وكانت تقام حفلات دينية بمناسبة المولد النبوي وشهادة الحسين في الجوامع والحسينيات في بغداد وكل العراق وتنمكنت الاحزاب القومية التجمع والعمل تحت مظلة معاداة الشيوعية ونظام الحكم، وهنا استغل حزب البعث المنظم الحركة في كل العراق وتمكن عارف وبعض قادة الجيش المسرحين من السيطرة وقاموا بالانقلاب القومي البعثي في ١٧/٧/١٩٦٣ وثم تمكن عبد السلام عارف في ١٨/١١/١٩٦٣ التخلص من حزب البعث واقام مجازر لهم في بغداد خاصة وانحاء اخرى من البلاد وتخلص من الحرس القومي (الاقومي) والشوعيون وهرب الكثير منهم إلى خارج العراق او المنطقة الكردية الجبلية.
حاول عبد السلام اصلاح الامور وحل القضية الكردية بدون نجاح وابتعد عن فكرة الوحدة العربية وهنا لابد ان اذكر قصة على ذلك في عام (١٩٦٥) زار عبد السلام عارف مقر جامعة الموصل في حي الثقافة واجتمع بالطلبة وبدءوا يهتفون (وحدة وحدة) واجابهم عبد السلام اذا كنتم تريدون الوحدة لابد ان تتوحد معهم في الدراسة وتكون مدة دراسة الثانوية ثلاثة سنوات بدل من سنتين عندها هتف الطلبة (ماكو وحدة).
وقتل عبد السلام وبعض وزرائه في البصرة بحادث طائرته المروحية وحل محله عبد الرحمن وكان حزب البعث فعالاً للسيطرة على الحكم دون ان تكون له القوة الكافية في حينه وتمكنوا استغلال بعض المسؤوليين والشخصيات مثل حردان التكريتي وعارف عبد الرزاق وغيره واخيراً في (١٩٦٨) نجحوا في محاولاتهم الانقلابية وارسل عبد الرحمن عارف إلى تركيا وعين احمد حسن البكر رئيساً للجمهورية وثم عين هذا صدام التكريتي نائباً له وبدؤا بتقريب التكريتين في الجيش والوظائف وقللوا من اهمية الجيش واسسوا لهم الحرس الجمهوري وبدؤا بتصفياتهم، مبتدئين بالمنافسين من اصدقائهم المخلصين وهم الوزراء والقادة والموظفين بحجج مختلفة مثل مشاركتهم لنجاح البعث السوري، وفي نفس الوقت كانت تصفية الشوعيين تمشي على قدم وساق وكذا القوميين العرب باعتبارهم مؤيدين لمصر وثم استمرت الحروب مع الكرد باعتبارهم انفصاليين وفي نفس الوقت استمرت عمليات تعريب الكرد والتركمان وبشكل خاص في كركوك وشملت تزوير اعمال الاحصاء وتقليص نواحي واقضية وقرى محافظة كركوك حسب الاغراض البعثية، وقتلوا واعدموا المئات من التركمان والكرد وسجنوا الالف وهجروا الموظفيين والعمال من المنطقة واستملكوا القرى والاراضي ومنعوا شراء الاملاك من قبل التركمان والكرد وجلبوا الالاف من العرب إلى المنطقة ومنحوهم الاموال لشراء الاراضي والمساكن واسسوا لهم المناطق السكنية والقرى. وفي عام ١٩٧٩ اقصى صدام البكر من الحكم واقام نفسه رئيساً للجمهورية واعلنوا الحرب على الجارة المسلمة ايران عام ١٩٨٠ والتي استمرت ثمانية سنوات وحشر الالاف فيها وارسلوا إلى ساحات القتال واخيراً استعمل البعث الغازات السامة ضد الكرد في حلبجة وغيرها من المناطق وفي عام ١٩٩٠ احتلوا الجارة العربية الكويت ونهبوا اموالها حتى ان جاءت القوات الامريكية والامم المتحدة واخرجوا الجيش دون قيد او شرط واستغلت حكومة البعث الفرصة في الاستيلاء على المناطق المحررة في كركوك واربيل وقصفت بالمدافع والطائرات وهرب الاهالي الكرد والتركمان نحو ايران وتركيا وسورية والاردن وقصفوا بالطائرات في طريقهم نحو الحدود بحالة يرثى لها وقتلوا المئات في كركوك واربيل ودهوك حتى بلغ عدد المهجرين المليون والنصف من الرجال والنساء والاطفال واضطرت الامم المتحدة تعين المنطقة الامنة في شمال خط عرض (٣٦) واخيراً خط امن آخر في الجنوب جنوب خط عرض (٣٤) دون ان يكون مجديا وشمال خط عرض (٣٦) تمكن الكرد تأسيس اقليم كردستان واقامة حكم ذاتي لهم واسسوا حكومة لهم وقوات امن (بيشمركه) ونتيجة الدسائس حصلت اختلافات بين منطقة السليمانية بزعامة جلال الطالباني وحزب الاتحاد الوطني الكردستاني ومنطقة اربيل ودهوك تحت زعامة مسعود البرزاني وحزبه (الحزب الديموقراطي الكردستاني).
وبقي التركمان في كركوك تحت رحمة صدام وحزب البعث حتى يومنا هذا واعمال التعريب مستمرة على امل تحويل مدينة كركوك إلى مدينة عربية تماماً واستمرار سيطرتهم على نفطها وثرواتها الطبيعية الاخرى كما فعل قبلهم الانكليز والحكومة العراقية الملكية.
- اختلال مقاييسس علاقات الاخوة بين مكونات سكان كركوك
بالرغم من سياسة التعريب التي استعملتها الحكومة الملكية في مدينة كركوك واقضيتها كانت المدينة بمكوناتها السكانية من التركمان والكرد والعرب تعيش بسلام، حتى الانقلاب القاسمي، وكانت عمليات التعريب والتكريد والتتريك تحصل بشكل طبيعي حسب الظروف الاقتصادية المعيشية والتجارية والثقافية والتبدلات السياسية التي استمرت بعد الحرب العالمية الاولى والانتداب وتأسيس الدولة العراقية. وكانت ضرورة العيش تقضي بهجرة الكثير من العائلات التركمانية والكردية والعربية إلى مدينة كركوك. وفي هذه الفترة سكنت العائلات الاشورية والارمن في عرفة حيث كانوا يعملون في شركة النفط، والمصالح الاخرى. وكان الكثير من الموظفين العرب وغيرهم يقدمون المدينة للعمل في المصالح الحكومية المختلفة وكان قسماً منهم يستقرون في المدينة نفسها ويختلط مع التركمان بدون قيد او شرط.
كانت القوميات جميعها تعيش في وئام ومحبة وكانت العائلات التركية - الكردية اكثرها وئاماً وكانت العائلات الكردية المستقرة قديماً وحديثاً كل منها تتعلم لغة الاخر وفي كثير من الاحوال كان من الصعب التفريق بين الترك والكرد وكانت المصاهرة والتزواج فيما بينها يحصل طبيعياً بالاضافة للمشاركة في العمل وكسب الرزق. وكان اولادهما يؤمون نفس المدارس للدراسة ويجلسون في مقاعد الصفوف جنباً إلى جنب.
بعد الانقلاب القاسمي عام (١٩٥٨) وظهور الاحزاب والحركات بشكل واضح ومن اهمها الاحزاب الشيوعية التي دعمت من قبل الحكم القاسمي وثم الاحزاب الكردية التي اصبح لها الحق في المشاركة في الحكم حسبما جاء في الدستور العراقي المؤقت الجديد. وبقي التركمان متفرقين محاربين من قبل الاحزاب العربية والكردية والشيوعية وحافظوا على انعزاليتهم. (عزيز صمانجي ١٩٩٩)
في تلك الفترة بدأت ضغوط الاحزاب الشيوعية والكردية والعربية بالتدخل في شؤون التركمان وكانت اهمها عمليات التعريب والتكريد واهم واقعة حصلت هي مجزرة كركوك في ١٤/٧/١٩٥٩ والتي قام الحزب الشيوعي بمشاركة بعض الاحزاب والفئات الكردية وهكذا حلت الفرقة والبغض بدل الوئام الذي كان بين مكونات سكان كركوك الكرد والتركمان بشكل خاص. وثم اضطرت جماعات تركمانية إلى الانتقام من الافراد الذين ثبت اشتراكهم في القتل والسحل والتعذيب في كركوك.
بالرغم من ثبوت مشاركة عدد كبير من الشوعيين والكرد في المجزرة فأن المحاكم قررت اعدام (٢٨) شخص وبقيت بدون تنفيذ حتى العهد البعثي عام (١٩٦٩) ومنح التركمان الحقوق الثقافية وثم منح الاشوريين ايضاً الحقوق الثقافية (١٩٧٢) ولكنها لم تدم كثيراً وبدأت سياسة التعريب رسمياً منذ١٩٧٢
وبعد تقاتل الكرد مع العرب بدأت الحكومة بتهجير الكرد من كركوك بحجج كثيرة وثم التركمان بحجج ووسائل اخرى. واجراء احصاءات مزورة حسب اغراضهم وبدؤا بأسكان العرب في مدينة كركوك، واطرافها وتقليص مساحة المحافظة وربط اقضيتها ونواحيها التركمانية والكردية بمحافظات اخرى او تقسيم المحافظات حسب الطلب، واستملكت القرى والاراضي ومنع التركمان والكرد من شراء الارض وسمحوا لهم البيع للعرب فقط، وذكرنا سابقاً الكثير عن هذه الاعمال التعريبية ولانريد اعادتها هنا.
بالنسبة للظغوط البعثية القومية منع الكرد والتركمان دخول الكليات او المدارس العسكرية او الوظائف او الحصول على عمل الا اذا اصبح بعثياً عربياً وحاربوهم في الحصول على لقمة العيش.
هنا اريد ان اذكر قصة فريدة من نوعها وهي مضحكة في نفس الوقت، اذ ان الكثير من شباب التركمان اضطروا لتسجيل انفسهم كعرب وانتسبوا لحزب البعث للحصول على عمل يرتزق منه وعند مراجعته للمحافظ شخصياً لتشغيله، بعد ان قال للمحافظ اصبحت عربياً وبعثياً فأرجو ان تعطيني العمل واجابه المحافظ (صحيح بأنك اصبحت عربي وبعثي ولكن سخته).... وهكذا تتطور الامور ولم يبق للتركماني الا الهجرة او الهروب إلى اية جهة كانت خارج كركوك في العراق او خارجه، وكانت نتائجها الموت في جبال كردستان او في مياه بحر ايجة أو غيرها من الجوع او غرقاً او قتلاً. بالنسبة للعرب الذين هاجروا إلى كركوك كانت توزع عليهم الاراضي في المدينة واطرافها وتوزيع الاموال والمغريات عليهم المحلات التجارية او اقامة مصالح واخيراً خربت معالم مدينة كركوك المعمارية والتأريخية والدينية تماماً ومن اهمها تخريب جسر كركوك القديم والقلعة ومناطق السوق القديم والمناطق السكنية مثل القوريه وتاسيس مناطق سكنية لأسكان العرب وتسميتها القادسية والبعث وحتى اسست ادارة حكومية خاصة لأدارة هذه الاعمال سميت بأدارة الوافدين تحت ادارة البعث منذ عام ١٩٦٨. وكانت تحارب التركمان الشيعة في طوز خورماتو وتازه وداقوق وتسعين وغيرها بحجة انتسابهم لحزب الدعوة وتعاونهم مع ايران وقتل منهم الكثير وهجر الالاف منهم وطردوا من مساكنهم... ألخ.
في الحقيقة لايسع المجال هنا ذكر قضايا التعريب ومناقشتها ولا شك ان هذا يستوجب كتابة مجلدات وهناك أخوة آخرون سيبحثون الامر.
لم تكن مجزرة كركوك في ١٤/٧/١٩٥٩ الا مثالاً حياً لضرب التركمان والتخلص منهم بالارهاب والقتل والنهب والسلب وكان ذلك في عهد وكيل قائد الفرقة الثانية داود الجنابي ومساعديه من الضباط الشيوعين وشاركت فيه قيادات شيوعية عربية وكردية ولسوء الحظ ان يساهم عدد من الكرد في محلات ومناطق كركوك المختلفة الذين كانوا ممن تعايشوا مع الترك أباً عن جد وكانت لهم علاقات الاخوة وحسن الجوار ولكن الشيوعية لم تكن تهتم بهذه القيم وفرقت الجار عن جاره بل فرق الاخ عن اخيه والاب عن ابنه. وجلبوا الكثير من اهل القرى الكردية المجاورة بوعد الحصول على الغنائم وملأت الشوارع بالرعاع وهجموا على الشباب والاطفال الذين شاركوا في احتفالات تموز وبعد استتباب الامن بعد اكثر من اسبوع لعن عبد الكريم قاسم العملية والقي القبض على المشموليين وحاكمتهم محاكم الدولة المتعاطفة مع الشيوعيين ومن المؤسف ان يكون اكثرهم من الكرد الشوعيين ومن سكان كركوك نفسها. وحكم على (٢٨) بالاعدام، ولم تنفذ قرارات المحاكم حتى عام (١٩٦٣).
للأسف مثل هذه الحوادث اجرت تأثيرها الشديد على علاقات الاخوة التركمانية - الكردية وساعدت على التفرقة واملنا ان لا تتكرر مثل هذه الحوادث في المستقبل وترجع الاخوة والوئام إلى سابق عزها في كركوك وغيرها من المدن التي تجمع التركمان والكرد.
هنا لابد ان اذكر التقارب بين الكرد والتركمان الذي حصل في اعوام ١٩٧٠-١٩٧٣ وبين قيادة نادي الاخاء التركماني وزعماء حزب البارتي الكردستاني عن طريق صالح اليوسفي ونافذ جلال والتي تكللت بزيارة الاخوة ادريس ومسعود البرزاني واخوة اخرون للنادي.
اكد جميع الكتاب على اعمال تعريب التركمان والكرد في العراق بكل وسائله وكمثال سأذكر مقتبسات من ليلى جاف ١٩٩٢ وحسن اوزمن ١٩٩٩ وصبحي ساعتجي ١٩٩٦ والطالباني عن امور التعريب في كركوك بشكل خاص، علماً بأن التعريب شمل كل مناطق التركمان والكرد، وكل الكتاب يؤكدون بأن الانكليز لم يتمكنوا الاستفادة من التركمان باعتبارهم كانوا ضدهم منذ الايام الاولى من الاحتلال، وثم حاولوا استغلال الكرد في الشمال وارسلوا الكثير من رجالات الاستخبارات إلى السليمانية والمناطق الكردية مثل (صون ونوئيل وغيرهم) للتفاهم مع الرؤساء الكرد دون جدوى واخيراً قرروا تعين الشيخ محمود حاكماً على السليمانية وكركوك وثم اختلفوا معه ونفوه ثم ارجع. بالرغم من تكبدهم خسائر كبيرة في الاموال والارواح حاولوا الاستعانة بالاشوريين المهجرين من تركيا وايران ووعدوهم باقامة وطن لهم في حكاري بتركيا اولاً وثم في الموصل وسوريا وبعد مؤتمر لوزان عام ١٩٢٣ تخلوا عنهم وقتل الكثير منهم في عهد الملك غازي. بعد ان جلب الانكليز فيصل واقاموه ملكاً على العراق.
اعدت سياسة دعم التعريب ومحاربة الشيعة في الجنوب والوسط ومحاربة الكرد والتركمان في الشمال وكان هدفهم الاول هو السيطرة الشاملة على مناطق البترول في كركوك والموصل وبأي ثمن.
في عام ١٩٣٧ وبعد مجيء غازي ملكاً على العراق اتبع هذا خط التعريب ايضاً وجلبوا الاعداد الكبيرة من المعلمين وخاصة من لواء الاسكندرونة التي تبعت تركيا وكان قبلها من عين ساطع الحصري مساعداً لفيصل لشؤون المعارف وتعريب المدارس وتأسيس دور المعلمين.
يمكن ان نقول ان اول عملية تعريب حصلت للواء كركوك كانت بعد عام ١٩٣٧ حيث سكنت قبائل آل عبيد والجبور في سهل الحويجة بعد ان كانوا قد وزعت عليهم الاراضي في اطراف طوز خورماتو وداقوق وبتوسيع مشروع ري الحويجة ازدادت عمليات التمليك وفي نفس الوقت كان التركيز على عمليات تعريب المدارس في المدينة واطرافها وفي مناسبات خاصة حصل التركيز على نقل المعلمين التركمان بشكل خاص بحجة مرور وزير خارجية تركيا عام ١٩٣٧ واستقباله من قبل طلبة وشباب التركمان في كركوك وفيما بعد زيارة رئيس الجمهورية فخري قوروتورك عام ١٩٧٦.
كان ابعاد او نقل عمال شركة النفط والموظفيين من التركمان والكرد مستمراً حتى عام ١٩٥٨ اي الانقلاب القاسمي وثم الصار في عام ١٩٦٣ واخيراً الانقلاب البعثي ١٩٦٣ وهنا كانت الطامة الكبرى وجرت عمليات التعريب بشكل واضح واصبحت تعد الخطط لذلك وكانت اهمها تقليص مساحة محافظة كركوك من ٢٠.٠٠٠ كم٢ إلى ٩٠٠٠كم٢ تقريباً وتغير اسم مدينة كركوك إلى التأميم وتعريب المدارس التركمانية والكردية وتغير اسمائها وابعاد المعلمين وتبديلهم بالمعلمين العرب منذ عام (١٩٧٥) والاهم من هذا هو تزوير احصاء النفوس لعام ١٩٥٧ وبابعدها والعمل على رفع نسبة نفوس العرب بكل الوسائل واجبار التركمان والكرد لتسجيلهم كعرب والا وهي والامر انه بعد عام (١٩٨٤) بدأت استملاك الاراضي في القرى التركمانية خاصة والمجاورة لشركة النفط وطرد سكانها منها بشكل مخيف ومنع التركمان والكرد من شراء الاراضي والمساكن في المدينة واطرافها واسكان العرب فيها.
فكرة عن مستقبل العلاقات بين التركمان والكرد والتوصيات
ذكرنا سابقاً ان الترك والكرد سكنوا مدينة كركوك واطرافها على مدى التأريخ كأخوة مسلمون مشتركون في السراء والضراء ودون ان تهتم اي جهة بالاكثرية او الاقلية وكانوا يشتركون سوية لكل ما يلزم للحصول لقمة العيش وكانت جوامعهم وتكاياهم مشتركة ومعتقداتهم واحدة والكل يجتمعون في مناسباتهم الدينية بشكل مشترك وكثيراً ما حصلت بينهم علاقات الزواج والمصاهرة والقرابة على كل المستويات وبدون تفريق وكان كل فريق يتكلم لغة الفريق الاخر وفي كثير من الاحوال كان من الصعب التفريق بين التركماني او الكردي داخل مدينة كركوك وخارجها.
بحكم الاحوال المعيشية كانت علاقة الكردي بالقرية اكثر مما كانت علاقته بالمدينة لذا بقي هذا محافظاً على صفاته القبلية وارتباطه بالارض والزراعة وتربية الاغنام والمواشي وفي معظم الاحوال كان التركمان اصحاب الاراضي الزراعية في المناطق والقرى المجاورة لكركوك وكانوا يتعاملون كأخوة في تمشية المصالح الزراعية او تربية الاغنام والمواشي وكان التركماني يشارك اخوه الكردي في زراعة الاراضي ويدعمه بالاموال في شراء البذور والاغنام لتكثيرها واخيراً للأستفادة منها حسب الانظمة الاسلامية والتجارية المعمول بها عبر التأريخ في المنطقة. بحكم الاحوال المدنية في كركوك تحول التركمان من الحياة القبلية القديمة والحياة الزراعية لانتاج القوت والاكتفاء الذاتي في المعيشة إلى الاعمال الادارية والثقافية والتجارية والصناعية وغيرها من الاعمال التي كانت تستوجبها الحياة وحسب الحاجة وكان الكرد يتعاونون مع التركمان في تمشية اعمال الخدمات البيتية والزراعية ,والصناعية والتجارية وغيرها بحكم الضرورة كان التركمان والمتكلمين بالتركية من غيرهم يتعاونون مع الدولة العثمانية ومن قبلهم الدول التركية السابقة في امور الادارة والتعليم والثقافة والامن والجيش وغيرها وبرز منهم المعلمين ورجال الدين وضباط ومنتسبي قوات الامن والادباء والشعراء ورجال الادارة وعمل هؤلاء في مؤسسات الدولة ليس في المدينة فقط بل في كل انحاء العراق، وحسب الاحوال المعيشية استعرب او استكرد قسم كبير منهم حسب اكثرية السكان في المنطقة وبعد تأسيس العراق بالرغم من ازدياد الطلب للموظفين من جميع الفئات وبالرغم من ابعاد الانكليزللعاملين من التركمان في الدولة الجديدة فانهم كانوا مضطرين لأبقاء الكثير من الموظفين السابقين لحين اعداد الكوادر الجديدة التي كانت تستوجب عدداً من السنين، وكان هناك الكثير من مدراء النواحي والقائممقامين وحتى المتصرفين من التركمان وكان معظم المعلمين وقوات الشرطة منهم ايضاً وعند تأسيس الجيش العراقي كان هناك عدداً كبيراً من الظباط بالدرجات المختلفة من التركمان او الكرد الدارسين في المدارس التركية. ونتيجة السياسات التعريبية او حسب الاحوال المعيشية تناقص عدد التركمان في المناطق التي فيها اكثرية كردية او عربية وانصهروا مع السكان هناك.
واخيراً بعد حرب الخليج ١٩٩٠ وعندما حصلت الانتفاضة عام ١٩٩١ لاول مرة حصل تقارب بين الكرد والتركمان بدون تخطيط او نظام مسبق، ولما دخلت قوات البشمركه الكردية مدينة كركوك لفترة قصيرة تعاون التركمان مع الكرد دون تخطيط ايضاً وهرب معظم العرب الذين سكنوا في المدينة وهرب البعثيين ايضاً ولكنه للأسف لم يمكن الاستفادة من الفرصة وانشغلت البشمركه بحرق دوائر الامن ومراكز البعثيين ونهب السيارات والاموال وهربوا بعد ان علموا بقرب مجيء قوات الحرس الجمهوري وبدؤا قصف المدينة بالمدافع دون اعلام السكان، واضطر التركمان والكرد المجردين من الامكانات والسلاح إلى الهرب بدون نظام ايضاً إلى كل الاتجاهات وخاصة نحو السليمانية واربيل تاركين كل ما يملكون وبعدها نحو الحدود الايرانية والتركية وفي طريقهم جرى تعقيبهم من قبل القوات الصدامية واستخدمت كل انواع القتل والتخريب في المدينة وخارجها وعلى الطرق ففي الطون كوبري اقامت مجزرة فيها وجمعوا شباب التركمان في الشوارع وقتلوهم جميعاً وثم قصفت الطائرات المروحية الهاربين في طريق اربيل وثم على طول طريق اربيل صلاح الدين وشقلاوة وديانا وهكذا ضاعت الاالف من المجموعات التركمانية والكردية الهاربة ووصل مئات الالف منهم الحدود الأيرانية والتركية تحت ظروف مناخية وصحية صعبة جداً. بعد اشهر عديدة وبتدخل الدول والامم المتحدة اعيدت المجموعات الكردية الهاربة إلى معسكرات قرب زاخو تحت حماية الامم المتحدة ثم رجعت المجموعات الكردية إلى مناطقها بعد تأسيس حماية لهم باسم منطقة قوات المطرقة شمال خط العرض (٣٦) وادخلت منطقة السليمانية في المنطقة بالرغم من وجودها جنوب الخط وبالنسبة للتركمان من اهالي مدينة كركوك لم يكن لهم ملجأ والكثير منهم رجعوا فرادى واصبحوا تحت رحمة البعث والحرس الجمهوري والذي رجع إلى كركوك والقى القبض على معظم التركمان وحاكموهم قرقوشياً وعذب وقتل الكثير منهم واستعملوا كل انواع التعريب بحقهم حتى يومنا هذا بالنسبة للكرد تحسنت ظروفهم بعد ان اعلنوا حكومة اقليم كردستان واسسوا حكومتهم واصبحوا مستقلين بالواقع والحقيقة والتجأ الكثير من التركمان إلى الاقليم في اربيل وكفري او اقاموا في اماكن واراضي بشكل مجموعات لاتوجد فيها وسائل العيش مثل بني صلاوة على طريق صلاح الدين.
في اقليم كردستان منذ عام ١٩٩١ بدأت الدول والامم المتحدة مد يد المساعدات لسكان الاقليم والاجئين فيها بكل الطرق والامكانات المعاشية واسست لهم المدارس والمقرات ومنحتهم الخيم والارزاق وتعاونت الحكومة والاخوة الكرد مع اخوتهم التركمان في حفظ الامن والاستقرار بالرغم من مطاردة حكومة البعث لهم في اربيل وقوش تبه وهاجمت مقرات التركمان بشكل خاص في عام ١٩٩٦ والقي القبض على عدد كبير من التركمان واخذوا إلى بغداد ولايعرف مصيرهم بعد قتل اعداد منهم وفي السنين الاخيرة مدت تركيا يد المساعدات المختلفة لحكومة اقليم كردستان للقضاء على الحركات الارهابية وكذا المساعدات المعيشية وشملت هذه المساعدات التركمان والمهجرين من كركوك إلى الاقليم كما دعمتهم بالنواحي الثقافية ايضاً وفتحت مدارس خاصة بهم وكذا محطات الاذاعة والتلفزيون.
مهما يكن فان العلاقات التي تواجدت بين الترك والكرد والعرب في كل المناطق التي تواجدوا فيها سوية وكركوك بالذات حتى الخمسينات من العصر الماضي فهي علاقات اللاانفكاك ولايمكن فصل احدهم عن الاخر وهم مشتركين في السراء والضراء ويمكن ذكر العوامل التي جعلتها شركاء هي كالاتي:
- المشاركة في الجغرافيا والوطن، فاذا اعتبرنا المدينة واطرافها والمنطقة بشكل عام فهي وطن التركمان والكرد والعرب مهما اختلفت نسبهم السكانية في هذه الجغرافيا والوطن وسيبقى الوضع هكذا اذا جردت من وسائل الارهاب والتعسف والظلم والقسوة فكلاهما وجدوا هنا على الاراضي المشتركة في التاريخ وعملا مشتركاً في الجهاد الاسلامي ونشرا الدين الاسلامي وتأسيس حضارتهم الاسلامية.
- المشاركة في الدين، مهما اختلفت مذاهبهم ومعتقداتهم فهم شركاء في الدين وجاهدوا سوية في سبيل نشر هذا الدين الحنيف تحت قيادات احد الاطراف ضد الصليبية كما حصل في العهود الاتابكية والايوبية والمروانية والعثمانية وظهر منهما علماء دين عظام وتبعا الطرق الدينية المختلفة مشتركاً مثل النقشبندية والقادرية والرفاعية والمولوية وغيرها بدون تفريق فالتكايا والزوايا الدينية كانت مشتركة والمناسبات والاعياد الدينية كانت مشتركة على مدى العصور.
- وعلى مدى العصور حصلت علاقات التزاوج والمصاهرة والقرابة بين الترك والكرد والعرب دون قيد او شرط وعلى مختلف المستويات واكبر مثال على ذلك هي مصاهرة الاتابكي مظفر الدين كوكبري والبطل الاسلامي العظيم صلاح الدين الايوبي، وحتى اليوم يمكن ذكر علاقات القربى بين عائلات كركوك التركية والكردية (شيوخ الطالبانيين والنفطجية والنائب وكتانة وغيرها).
- السكن والجوار والعادات والتقاليد، تواجد السكان الكرد والترك والعرب في جميع مناطق ومحلات كركوك سوية بكثافات كثيرة او قليلة فلم يكن هناك اي مانع لسكن اي طرف منهم مع الاخر وكانت علاقات حسن الجوار هي السائدة بينهم وكانوا يشتركون في سبل العيش وتحمل مشاكله ويلاحظ ان معظم عادات وتقاليد واعياد التركمان والكرد متشابهة فهم وجدوا كمحاربين وابطال يدافعون عن الحق ويجاهدون في سبيل الله وهم يحبون الحرية والاستقبلالية ومشهورين بالشجاعة واعيادهم هي نفسها سواء اكانت دينية او قومية واكبر مثال على ذلك هو اعياد الربيع ونوروز المشتركة والمناسبات المحلية مثل خضر الياس وزيارات الائمة وعلماء الدين (الامام زين العابدين، ونبي الله دانيال).
- فأذا كانت سياسة الافكاك هي السائدة بين الكرد والترك والعرب فلماذا لاتفكر بوضع اسس رصينة لمستقبل هذه العلاقات وعلى ان تشتمل جميع النواحي الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والسياسية ولماذا لايحصل التعاون في تثبيت هذه العلاقات بكل السبل الاخوية دون ان تترك المجال للمعتدي المنافق ان يتدخل فيما بين الاخوان وتعمل على تطويره إلى الاحسن.
وقد يكون من الضروري جداً أرجاع الاحوال السكانية ونسبهم إلى ما كانت عليها قبل الخمسينات من القرن الماضي ودعم السكان اقتصادياً واجتماعياً وثقافياً وضرورة فتح جامعة متكاملة في كركوك بأعتبارها احسن مكان في كل شمال العراق بالاضافة لمركز بحوث ودراسات اقتصادية وسياسية.
هنا اريد ان اذكر مثاليين من تاريخنا المشترك الحديث: بعد رجوع الزعيم الكردي مصطفى البارزاني من بلاد السوفيت عام ١٩٥٨ واثناء زيارته السليمانية وفي طريقه حصلت زيارته إلى كركوك واراد ان يؤسس نوعاً من التعاون فيما بين الكرد والتركمان ولكن لسوء الحظ فأن بعض الشخصيات المغرضة والمنافقة وقفت في سبيل ذلك وحتى انها عملت جهدها لأثارة التعرات القومية حتى ان دخل الشيوعيون البلد في ١٥/٧/١٩٥٩ واحلت مجزرتها الشهيرة ضد التركمان المسالمين وبعد ذلك حاول الزعيم الكردي التعاون من جديد في اجتماعات جمجمال ولكنها لم تنجح بسبب عدم وجود قيادات رسمية لدى التركمان في حينه.
بعد تشكيل نادي الاخاء التركماني في بغداد حاول الاخوة ادريس ومسعود البرازاني اللقاء مع مسؤولي النادي في بغداد لأيجاد نوع من التعاون الايجابي بين التركمان والكرد وهذه ايضاً لم تنجح بسبب تدخل حكومة البعث ووقوفها ضد اي تعاون بينهما.
واخيراً لابد ان اذكر تعاون الاخ جلال الطالباني في مناسبات مختلفة في دمشق وطرابلس اثناء تواجد المعارضة العراقية هناك (جوقد) عام ١٩٨٣ مع المنظمة الديموقراطية التركمانية وتشجيعه للمنظمة مع بقية أطراف المعارضة للعمل المشترك للوقوف بوجه الطغاة في بغداد. وأخيراً ارجو من الله الباري عز وجل ان يجمع شمل جميع المكونات السكانية لشعب العراق من عرب وكرد وتركمان وجميع الفئات والطوائف في وحدة ديموقراطية مثالية صحيحة إلى الابد وان تنتعم بخيرات ومصادر ثروات البلاد التي لامثيل لها في العالم وان تكون بغداد وكل مدن العراق مراكز حضارة ومدنية عالمية كما كانت في عهودها السابقة.
مدينة كركوك مدينة الاخوة والتسامح
- المقدمة.................................................................... ١
- جغرافية كركوك.......................................................... ٣
- التكوينات الارضية والتربة والمناخ......................................... ٣
- المياه والانهار.............................................................. ٤
- النفط..................................................................... ٦
- مختصر تأريخ كركوك والمنطقة............................................. ٧
- العصور القديمة حتى الفتح الاسلامي....................................... ٧
- العهد الاسلامي........................................................... ١١
- الانتداب الانكليزي وتأسيس الدولة العراقية وقضية الموصل والنفط......... ١٨
- التركيب السكاني لمدينة كركوك واحواها وتشيع التركمان................. ٢٣
- عهد الانقلابات والانقلاب البعثي......................................... ٣٧
- اختلال مقاييس الاخوة بين التركمان والكرد والعرب...................... ٣٩
- مستقبل العلاقات وتطوراتها بين التركمان والكردوالعرب والتوصيات....... ٤٢
- المراجع................................................................... ٤٦
المصادر
١- ارشد الهرمزي ١٩٧١، التركمان في العراق، نادي الاخاء التركماني - بغداد
٢- حسن العلوي ١٩٩٠، الشيعة والدولة القومية في العراق، قم
٣- حسن العلوي ١٩٩٠، العراق دولة المنظمة السرية، قم
٤- زياد كوبرولو ١٩٩٦، الكيان التركي في العراق، أنقرة
٥- سالنامه ولاية الموصل الرسمية ١٣٢٥-١٩٠٦
٦- عزيز قادر صمانجي ١٩٩٩، التأريخ السياسي لتركمان العراق، دار الساقي لندن
٧- عزيز الحاج ١٩٨٤، القضية الكردية في العشرينات، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت
٨- عوني الداودي ٢٠٠٠ كي لايمر التاريخ مرور (غير) الكرام على كركوك، جريدة الاتحاد - السليمانية
٩- ليلى نامق الجاف ١٩٩٢ كركوك - لمحات تاريخية، منشورات خبات
١٠- عاشور سعيد ١٩٧٢، مصر والشام في عصر الايوبيين والمماليك، دار النهضة العربية - القاهرة
١١- إنيسكلوييديا بويتاتيكا لعام ٢٠٠٠ - لندن
١٢- لونكريك -جعفر خياط- تاريخ العراق لاربعة قرون