يتبين من التاريخ المكتوب ان المثل الاعلى الذي سير اكبر الكتل الانسانية وجعلها ان تضحي من اجله الغالى والنفيس لم يكن يتعدى عدد اصابع اليد. في البداية كانت الابطال هم الذين يسيرون الكتل البشرية الكبيرة كالاسكندر المقدوني وداريوس وهولاكو، مما جعل بعض المفكرين ان يعتبروا التاريخ الانساني ليس الا تاريخ الابطال. ومن ثم جاءت الاديان السماوية التي كانت فكرة الاله الداعي الى العبادة والخير المقترنة بالمكافئة والعقاب قاعدتها الاساسية والتي تستحق ان يضحى من اجلها الانسان، ولازالت تلعب دورا مهما في هذا الاتجاه.
بدا الشعور القومي وقبل عدة قرون يكون العامل الاساسي في توجيه اندفاع بعض الشعوب وقادتهم والصعوبة في الحفاظ على عدم الخروج من حدود المشاعر القومية النبيلة الى الافكار والسلوك العنصرية جلب للانسانية اكبر المصائب في تاريخها الا وهي الحرب العالمية الاولى والثانية. ومع بروز دور راس المال في تسيير السياسة الدولية بعد الثورة الصناعية ظهرت الشيوعية لتتحدى ليس فقط التاثير السلبي للمادة في توجيه السلوك الانساني بل اهم ما امن به الانسان كالدين والقومية والوطنية. الافتقار الى الاحتياجات الروحية والنفسية للانسان والقسوة في التطبيق اتت بالنهاية المحتومة لهذه الفلسفة بعد سبعة عقود. رغم ان التطور في ادارة الدولة وفي تطبيق القواعد الديمقراطية قد اديا الى تطور العدالة الاجتماعية، بقي راس المال المسير الاساسي لسلوك الدول.
انتشر الشعور القومي في الشرق الاوسط في المراحل الاخيرة للامبراطورية العثمانية وبعد عدة قرون من ظهورها في المجتمعات الاوربية ولعبت الدول الغربية دورا كبيرا في هذه العملية لمحاربة الدولة العثمانية في البداية ولتثبيت نتائج معاهدة سايكس -بيكو بعد سقوطها. (لويس ص۹۱) وكان هذا الشعور الغالب على اهداف الحركات التركية التي ظهرت في بدايات القرن العشرين لمواجهة التحديات الكبيرة والحفاظ على الامبراطورية العثمانية. وبعدها ظهر الشعور القومي عند العرب. وتطور هذا الشعور مع ازدياد التحدي الاسرائيلي وتحول في بعض الحالات الى العنصرية والشوفينية.
بالنسبة لماكدويل ظهر الكرد كقومية في النصف الثاني من القرن التاسع عشر (ماكدويل ص١٣) اما بالنسبة للويس نشأ الشعور بالهوية وحتى بالقومية عند الكرد في القرن العشرين. (لويس ص۸) وتطور الشعور القومي عندهم تطورا سريعا وغير طبيعيا نتيجة للعديد من العوامل التاريخية والاجتماعية والجغرافية. فيما يلي اهمها:
- للنفوذ في الشرق الاوسط والسيطرة على مواردها الطبيعية اصطنعت الامبراطورية البريطانية في البداية والدول الاستعمارية الاخرى بعد ذلك من الكرد قضية امة متكاملة يستوجب على الغرب الدفاع عنهم.
- التعامل العاطفي للكتاب الغربيين مع الكرد، ومنذ نشوءه كقومية، المتاثرين بسياسة دولهم المبنية على المبدأ المكيافيللي "الغاية تبرر الوسيلة"، جعل الكردي ان يبالغ في وحدة اصله ولسانه وتاريخه وطنه.
- حداثة ترك الكرد الحياة القبلية والبداوة في المرتفعات والجبال العالية (بريطانيكا كوم ۲۰۰۱) وحرمان المجتمع الكردي من التعلم طوال تاريخه والى العقود الاخيرة للقرن الماضي ادت الى نشوء تصورات خيالية عندهم حول كمال عرقهم وعظمتها.
- تزامن ظهور الشعور القومي في الشرق الاوسط في نهاية القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين مع حداثة ظهور الكرد كقومية.
- تطورت السياسة الكردية تحت الايحاء الغربي المبالغ فيه وفي المحيط الخاطئ الذي اوجده لهم الغرب ونمى عقلية المثقف الكردي على الغبن من ان وطنهم التاريخي الخيالي احتله العرب والفرس والترك. وبعد عزل شمال العراق من الادارة المركزية في تسعينيات القرن الماضي بدأت المدارس البرزانية والطلبانية يدرسون اطفالهم بالاوهام حول تاريخهم ووطنهم.
يقول ماكدويل عن الاعتقاد الخيالى الخاطئ عند الكرد حول تكاملهم القومي: "انه من المشكوك فيه جدا ان يكون الاكراد يكونون مجتمع عرقي منطقي مترابط من ناحية النسب". "عدم وجود ثقافة مدنية كردية وادب قومي كردي في بدايات القرن العشرين كانت يعتبر من العوائق القاتلة في تعريف الكرد كقومية". "في حالة الاكراد، الشعور بالتماسك القومي ينبع من فكرة (من المحتمل زائفة) النسب واللغة المشتركة. يواجه الكرد هنا صعوبة عملية المبنية قسما على عدم وحدة اللغة، والحداثة في نشوء الادب (منذ عشرينيات القرن الماضي) وعدم استعمال كتابة واحدة." (ماكدويل ص۲-٣)
النشوء الغير الطبيعي للشعور القومي الكردي مع الطبيعة العدوانية لسكان جبال زكاروز التي كوّن اللبنات الاساسية في نشوء القومية الكردية ادى الى الاندفاع الغير الطبيعي للاكراد في محاربة الدول التي يتواجدون فيها لارجاع مجدهم الذي اقنعهم الغرب بوجدها في الماضي وبناء الكردستان الكبرى الذي صورها لهم الغرب بانه كان وطن اجدادهم. اصبحوا اداة في ايدي الدول الاستعمارية استنزفوا الدول التي يتواجدون فيها وتعرضوا الى القتل والارهاب.
تتناول هذه المقالة الاصطلاحين كرد وكردستان الذين بعتبران من اهم الاصطلاحات المتعلقة بالكرد والمتعرضة الى درجة كبيرة من التحريف والمبالغة. وتقدم المقالة توضيحا لاصطلاح شهرزور الذي اُسِئ استعمالها من قبل الكثيرين من الكتاب والاخصائيين لصالح الكرد. كما يتناول المقالة البطل الاسلامي صلاح الدين الايوبي باختصار.
اصل الكرد
المتتبع لتطورات تاريخ الشعوب الفارسية يجد الفجوة الكبيرة في التواصل التاريخي واللغوي لمعني ومرادفات كلمة الكرد. منذ اكثر من القرن ونصف القرن يبحث المؤرخون عن اصل الكرد فمنهم من اشار الى الكردوخيين والاخر الى الكورتيين ومن ثم الى الميديين. ومع مرور الزمن نُقِضت جميع هذه النظريات. وفي هذا الشأن يحذر الباحث الالماني باول وايت من الافراط في استعمال كلمة الكرد. ويقول: "ان الصعوبات في تعربف كلمة الكرد تواجه الاكاديميون منذ القِدَم. لايوجد هناك تعريف واحد متفق عليه" (باول وايت).
في ارجاع اصل الكرد الى الكردوخيين، والذي كَثَّرَ الباحثين عن اصل الكرد من ذكرها في نهاية القرن التاسع عشر، يقول مينورسكي في الصحيفة ٢١ من كتابه "الاكراد ملاحظات وانطباعات": "والى الوقت القريب كان الشائع بان الاكراد من ابناء الكردوخيين الذين شاهدهم كزنفون واتصل بهم في سنة ٤۰١ قبل الميلاد عندما قاد العشرة الاف من اليونانيين. وقد تغير هذا الاعتقاد في الفترة الاخيرة حيث ان بعض العلماء المعاصرون يقسمون الشعوب التي لها العلاقة بالاسماء المذكورة الى قسمين: القسم الاول (وبصورة خاصة الكردوخيين) يقول فيهم انهم ليسوا من اصل اري ولكن يعتبرون الكورتيين الذين يعيشون في القسم الشرقي من بلاد الكردوخيين هم من اجداد الكرد". (مينورسكي ص٢١)
اما ماكدويل المؤرخ المعاصر والمختص في تاريخ الكرد يرفض هذا الاستنتاج ويقول: "ان الاصطلاح كورتي كان يطلق على المرتزقة البارثيين والسلوسيين الساكنين في جبال زاخاروس وانه ليس اكيدا اذا كانت تعني لغويا اسما للعرق. ( ماكدويل ص۹)
ويعتقد الاكاديمي مار ان اسم كاردوخي يبين من حيث الهيئة ان هذا الشعب من اصل واحد مع الاورارتيين (الذين كانوا يسمون انفسهم بالخالدين). واما اللغة القديمة فقد تغيرت من اساسها فيما بعد بلغة هندية – اوربية. واما عن علاقة الكورتيين بالكاردوخيين يرى مار بانه من الامور التي يصعب الحكم عليها.
ومع توسع الدراسات حول تاريخ الكرد في القرن العشرين بدأت تنعدم تدريجيا نظرية ارجاع اصل الكرد حتى الى الميديين. يقول برنارد لويس، ۱۹۹۸، في هذا المعني: "لايزال تحديد اصل الاكراد موضع خلاف تاريخي، رغم ادعاء معظم اكاديمي الكرد على الاصل الميدي، الا ان هذا الادعاء يلاقي صعوبة في الاثبات". (لويس ص۸) كما ان البحث الفيزيوكنومي (شكل الراس، الوان العيون، الشعر والبناء الجسمي) اثبت على ان الكرد لايختلف من المجتمعات المحيطة بهم. (ماكدويل ص۹)
يزداد الاعتقاد على ان هذا المصطلح كان يطلق على الشرايح الاجتماعية الخارجة على القانون والهاربة الى اعالي جبال زاكارزو ولفترة اكثر من الفي سنة، ولم يكن يعني اسما للقومية. (ماكدويل ص۱۳) وفي هذا الاستنتاج يمكن الاعتماد على المصادر التالية:
١. تعريف المؤرخ الكبير الطبري لكلمة الكرد في زمن النبي ابراهيم.
"نعم، الكرد هم بدو الفرس، وأَحد منهم اوصى بحرق ابراهيم في النار" (الطبري جلد۲ ص٥٨).
٢. تعريف ماكدويل لمصطلح كورتي الذي كان متداولا قبل اربعة قرون قبل الميلاد. (سبق ذكره)
٣. ماذكره موروني حول الكرد في عصر الفتوحات.
" وجود الاكراد في عصر الفتوحات الاسلامية كانت تسمع عادة من خلال حوادث اللصوصية وقطع الطرق ضد جيرانهم او من خلال التعاون مع قبيلة اخرى في الهجوم على السلطات المركزية." (موروني ص۲٦٥)
٤. وصف ماركو بولو (۱۲٥٤ – ۱۳۲٤) لكلمة الاكراد عند مروره من الموصل. يقول بكينكهام في الصحيفة ۲٩٤ من نفس الكتاب: "الرحالة ماركو بولو (۱۲٥٤ – ۱۳۲٤) مر من الموصل وذكر بانه حصل على كميات كبيرة من الذهب والحرير. وفي تلك الفترة لاحظ بانه في جبال هذه المنطقة توجد مجموعة من الرجال، وسماهم بالكارديس او اكراد، فيهم من النستوريين ويعقوبيين وايضا مسلون، الذين كانوا لصوص عظماء".(بكينكهام ص۲٩٤)
٥. كان جوسافا باربارو سفيرا عند سلطان اق قوينلو الحسن الطويل، بالاضافة الى امبراطورية اق قوينلو قام باربارو برحلتين الى القوقاز وشرق تركيا وايران وبدأ رحلته الاولى في عام ۱٤٣٦. يسمي باربارو الكرد بـ كوربي ويصفهم بجماعات استثنائية مسلحة وقراهم مبنية على الضفاف والمرتفعات ليكتشفوا المسافرين الذين ينهبونهم. (باربارو وكونتريني ص٥٠)
٦. وبقيت نفس المعنى ملازمة لاصطلاح الكرد وحتى في القرن التاسع عشر حيث وصف الاغلبية الساحقة من الكتاب والرحالة في الالفية الميلادية الثانية الكرد بلصوص محترفين وقاطعي الطرق. ويقول ماكدويل: "عدد كبير من الرحالة والمؤرخون منذ القرن الحادي عشر عرفوا اصطلاح الكرد مرادفا لقاطعي الطرق. نفس المعنى اُستُعمِل من قبل الرحالة الاوروبيون في القرن التاسع عشر". ( ماكدويل ص۱۳)
وفيما يلي بعض النصوص الماخوذة من كتب الرحالة الذين اطلعوا على المنطقة من خلال زياراتهم:
كلاوديوس جيمس ريج، الذي عاش في بغداد حوالي ٦ سنوات وقام في ۱٦ نيسان ۱٩۲۰ برحلة الى شمال العراق والتي دامت بضعة اشهر يقدم في كتابه السابق الذكر "الاقامة في كردستان" معلومات وافرة حول الكرد وطبيعتهم ومدنهم. بعد وصفه الطبيعة العدوانية للكرد يدعي على انهم كانوا جيران مزعجين وفي جميع العصور.(ريج ص۳۳) وفي الصحيفة ٤٧ فيقول "قرية ليلان كبقية القرى الواقعة على الخط الكردي، أُنهِكت بغارات متكررة، ودمرت كليا ولعدة مرات من قبل الاكراد. توسل لي كهيا القرية ان استخدم نفوذي عند محمود باشا لاسترجاع ٣۰۰ من الاغنام التي نهبت من قبل الكرد. اهالي القرية واهالي جميع القرى المجاورة هم من العرق التركماني". (ريج ص٤٧)
يقول ج. ب. فراسر في الصحيفة ۲٥٦ – ۲٥٧، القسم الاول، من كتابه "رحلة من قسطنطينية الى طهران في الشتاء - ۱٨۳٨":
"المنطقة ما بين أرضروم و خوي (ت۱) أرض مضطربة و خطرة على الدوام يتواجد فيها عشائر كردية همجية وهم لصوص محترفون عادة وطباعا وليست لديهم أية طاعة لأية جهة ماعدا احترام محدود لرؤسائهم الذين هم بدورهم لصوص وبكل مافي الكلمة من معنى مثل أتباعهم. في هذه المنطقة فرمانات السلطان أوالباشا ماهي ألا عبارة عن أوراق ضائعة. الأمن الوحيد للمسافر في هذه المنطقة هو أن يسافر مع قاقلة يكون أصحابها (أو مسيروها) قد دفع لتلك العشائر الذي يغزو باستمرار وباعداد كبيرة تلك الطرقات وعلى صاحب القافلة أن يشتري السلامة الغير المضمونة بالأبتزاز المالي أوعليه أن يأخذ معه في السفر الأدلاء والحراس من تلك المنطقة ويثق بنفسه وبوفاءهم حتى يتجرأ على السفر. والوثوق بوفاء هؤلاء الادلاء حالة مشكوكة فيها. مهما تدفع لهؤلاء العشائر قد تضمن اي شي ولكن لاتضمن عدم مهاجمة الاخرين، الذين أذا ما أحسوا أن الغنيمة تستحق الخطورة. فلا يترددون في انتزاعها من أخوانهم. ................. (.........) الأكراد لا يصورون أنفسهم في هجوم مع أكراد اخرين وأن تكون بينهم مسألة دم من أجل الغريب، حتى اذا قطعوا عهدا له. وعليه أترككم أن تتخيلوا كم من الثقة بأستطاعة المسافر أن يضعها على عاتق مثل هؤلاء الحراس".( فراسر ص ۲٥٦ – ۲٥٧)
اما كرنت فيقدم وصفا حيا في نفس المعنى للكرد، فيما يلي الترجمة الحرفية لما كتبه في كتابه "النصتوريون والقبائل المفقودة" الذي كتبها بعد زيارته لجنوب شرق تركيا واذربيجان ايران في عام ١٨٥۰: (اشيل كرنت، ص۱۰- ۱۳)
"الحوار التالي الذي أجريته مع أحد الأكراد المترحلة ومع أحد الأساقفة النسطوريين ربما يوضح ملامح هذا القوم السفاحين. والجدير بالذكر أن حوارات متشابهة أجريتها مع أكراد آخرين وعززها النسطوريون والفرس.
أنا: أين تعيش؟
الكردي: في خيم سوداء. نحن من الأكراد المترحلين.
أنا: ماهي مهنتك؟
الأسقف: أنت لا تحتاج أن تسأله. أنا سأقول لك. فهم لصوص.
أنا: هل هذا صحيح؟
الكردي: نعم هذا صحيح ونحن نسرق عندما نستطيع.
أنا: هل تقتلون الناس أيضا؟
الكردي: عندما نصادف رجلا ما نريد سرقته ونحس بتفوقنا عليه فنقتله أما أذا أحسسنا بتفوقه فربماهو الذي يقتلنا.
أنا: ولكن أفترض أنه لا يبدي المقاومة عند سرقتكم أياه فماذا تفعلون؟
الكردي: أذا كان لديه الكثير من المال فنقتله حتى لا يجلب لنا المتاعب. أما أذا كانت أمواله قليلة فنتركه وشأنه.
الأسقف: هذا صحيح ولكن بعد أن تسلخونه جيدا.
أنا: أفترض بأنك تصادف رجلا فقيرا لا يملك سوى ثيابه ماذا ستفعل؟ هل ستضايقه؟
الكردي: أذا كانت ملابسه جيدة فسنجردها منه ونعطيه ملابس رثة بديلة. أما أذا كانت ملابسه رثة فسنتركه وسبيله.
أنا: ولكن مهنة سرقة الناس هذه التي تمتهنونها سيئة. لماذا لا تعملون في أعمال أخرى؟
الكردي: ماذا نعمل؟ ليست لدينا الحقول أو المحاريث و سرقة الآخرين هي حرفتنا.
أنا: سيعطيكم الفرس أرضا أذا أحرثتمونها.
الكردي: نحن لا نعرف كيف نعمل ذلك.
أنا: تَعَلم، ذلك بسيط جدا. هل انت مستعد لتجرب العمل؟
الأسقف: أنه لا يرغب بالعمل. أنه يفضل السرقة.
الكردي: أنه يقول الحقيقة. أن ذلك صعب جدا و يأخذ الوقت الكثير ولكي نحقق ما نريد وبسرقة القرى مثلا نحصل على الكثير في ليلة واحدة.
أنا: ولكنكم معرضون الى القتل أيضا في مثل هذه الأمور.
الكردي: أفترض بأننا قُتِلنا، فهذا أمر وارد ونحن يجب ان نموت في وقت أو آخر وما الفرق بين الموت الآن أو بعد عدة أيام؟ عندما ننهب قرية ما نهاجم عليها بأعداد كبيرة وعلى الخيول ونباغت القرويين وهم نيام ونهرب بالغنائم قبل أن يستطيعوا الدفاع عن أنفسهم. وأذا ما لاحقنا جيش قوي فسننكس خيمنا ونهرب الى معاقلنا المنيعة في الجبال.
أنا: لماذا لا تأتون الى هذه القرى و تسرقونها كما كنتم تفعلون سابقا؟
الأسقف: أنهم لا يستطيعون العيش أذا ما طردهم الفرس. فهم يخافون الفرس.
الكردي: سوف لن يكون لنا مكانا كي نمضي الشتاء فيه و لهذا نعطي الفرس بعضا من الهدايا و نحافظ على السلام والأمن بينهم وبيننا.
أنا: أحب أن أزور قبيلتكم.
الكردي: على عيني أنهم سيفعلون لك أي شئ ترغب به.
أنا: و لكنك تقول أنهم لصوص وقتلة. فربما يسرقونني ويقتلونني.
الكردي: لا لا أنهم يتمنون أن تزورهم ولكنك لا ترغب. نحن لا نسرق أصدقاءنا أبدا. فأنت جئت تعمل لصالحنا وسوف لا يؤذيك احدا منا.
أنا: ولكن معظمهم لا يعرفون من أكون.
الكردي: كلهم سمعوا عنك و سوف يعاملونك بكل ود أذا ما زرتهم."
وقول كرنت "سيعطيكم الفرس أرضا أذا حرثتمونها" اشارة واضحة الى ان الاكراد، وحتى في الفترة التي زار فيها كرنت المنطقة، كانوا يعتبرون ايرانيين.
يقول م. واخنر في الصحيفة ۲ – ٤ من قسم الثالث من كتابه "رحلات في بلاد الفرس وجورجيا وكردستان - ۱٨٥٦":
"تتواجد في الاغلبية الساحقة من الطرق والممرات في المرتفعات الأرمنية كمائن للصوص أكراد وعيونهم الحادة البصر دائم البحث عن المارة الابرياء والذين لا يحرسهم احد.
الأكراد الذين يجمعون صفة الرعاة واللصوصية معا والذين يترحلون ويخيمون مع قطعانهم في الاقسام العالية والسهول والوديان هم دوما على استعداد على الانقضاض على المسافرين والقوافل المؤلفة من عشرة اشخاص والتي ليس بأمكانها المقاومة. ففي مثل هذه الأحوال تكون الغنيمة مغرية بشكل كاف. وهؤلاء الأكراد نادرا ما يصبحون أكثر أمانا ومروضين و مؤتمنين بعد أن يجند ويستخدم الباشوات القوات النظامية لفرض الأمن
والأستقرار في المنطقة. ولكن الأكراد مازالوا يصابون أحيانا بمزاجهم القديم و طبائعهم البدوية تحفزهم على مطاردة وأصطياد الفرائس. عندما يتقدم باشاوات الحدود في قارص وبايزيد بالقوات النظامية ضد الأكراد كي يستردوا منهم ما سلبوه بشكل غير قانوني ويؤدبونهم فأن اللصوص يعبرون الحدود الفارسية ويرسلون بعض الهدايا الى السردار(القائد الأعلى) في تبريز وبعدها يسكنون و يتسكعون في أراضي أذربايجان مع قطعانهم و قبائلهم ألى أن تصل أخبار سرقاتهم المتكررة مسامع المسؤولين في تبريز وخوي وأورمية. وبعد أن يكونوا عرضة للعقاب مرة أخرى تهرب هذه القبائل البدوية وعبر منحدرات أغري داغ نحو الأراضي الروسية. وبأهداءهم الحصن الجميلة لقوات الحدود القوزاق يحصلون على الأذن كي ينصبوا خيامهم في سهول ارارات. وأذا ما تصل الشكاوى من ممارساتهم اللصوصية الى مسامع المسؤولين الروس في اريوان فأنهم دائما يجدون ملاذهم الاخير في مرتفعات كردستان حيث يضمنون بالرشوة حماية بعض رؤساء القبائل الكرد الاقوياء، وينجون من قبضة القوات النظامية التركية." (واخنر ص ۲ – ٤)
والجدير بالذكر صاحَبَ التعريف المذكور للكرد في النصف الثاني من الالفية الميلادية الاولى معنى اخر وهو بدو الفرس. وفي هذه المصاحبة يمكن الاشارة الى مااورده كل من الطبري وموروني (سبق ذكرهما).
يشير الاكاديميين الخبيرين في التاريخ الكردي، مينورسكي وماكدويل، ايضا على معنى البدو لمصطلح الكرد:
يجزم الاخير في هذا الموضوع ويقول: "بالتاكيد بعد عصر الفتوحات الاسلامية بالف سنة كانت كلمة الكرد تعني طبقة اجتماعية اقتصادية معينة وليست اسما للقومية ويُطلق على البدو الذين يعيشون في المرتفعات الغربية لايران".
اما مينورسكي فيقول في مقالته الكوران: "كُتاب العرب والفرس الاخرين في القرن العاشر كانوا يطلقون كلمة الكرد على جميع البدو الايرانيين في غرب ايران".
يذكر الطبري في تاريخه، الذي يتكون من اكثر من ثلاثين جلدا، مصطلح الكرد في اكثر من عشرة مرات وفي دلالة واضحة الى شريحة اجتماعية كالمزارع او القروي. اما هيندس فيصر على الانتباه الى كلمة اكارا، والتي هي جمع لكلمة اكّار، عند البحث عن اصل كلمة الكرد. واكّار تعني الفلاح. (جوينبول ص٥۱)
الاختلافات الاساسية في اللغة تعتبر مؤشرا اخر على تعددية الاقوام في تشكيل المجتمع الكردي. (ماكدويل ص ۹) يعتبر اكبر الاختصاصيين في اللغة الكردية، ماكانزي، هادنك، ماكدويل ومان، الكوران والزازا غير كردية ولايعتبرونهم اكرادا. (فان براونيسن ص۱٢۹) ويرجعهما ماكدويل الى الدايلم او الخيلان. اما الكرمنجي والصوراني فتختلفان في القواعد والمفردات, (ماكدويل ، ص٩ - ۱۰)
يكوّن العشيرتين الكرديتين كالهور والبرزنجة اصل اكبر العشائر الكردية الحالية في ايران والعراق. ينحدر الاول بالنسبة لبنيامين تودالا من اليهودية والثاني من العرب.
يقول الطبيب والرحالة ربي بنيامين تودالا الذي زار شرق ايران في القرن الثاني عشر بان عشيرة كالهور الكردية لازالوا يحتفظون بالاسم (كالاه) اليهودية ويدّعون على انهم ينتسبون الى روحام او نبوخذنصر الذي حرر اليهود وعندهم الكثير من الاسماء اليهودية. وبالنسبة له كان مظهرهم الخارجي وملامح وجوههم يدل بقوة على الاصل الاسرائيلي. الكوران، الذين يعتبرون انفسم فرع من كالهور، ومعظم القبائل الاخرى في الجوار كانوا يعتنقون علي اللهية، العقيدة التي يتضمن مبادئ واضحة من اليهودية، الذي يمتزج وبشكل استثنائي مع اساطير الصابئة والمسيحية والاسلام. وحول ضريح بابا ياديكار المقدسة عند العلي اللهية يقول تودلا: كان يسمى معبد الياس اليهودية في زمن دخول العرب الى ايران. بالنسبة له تشكيل بنيامين وداود الرمزين الدينيين الاساسيين مع الامام علي عند العلي اللهية دليل اخر على الاصل اليهودي. وكان يهود اسبانية انذاك يعتبرون جميع علي اللهية من اليهود. (بنيامين بن يونا، الجلد الاول، ص١٦٠-١٦١.)
اما العشائر البرزنجة الكردية الكبيرة فينحدرون من الاصول العربية ويعتبرون من السادة وينسب اصلهم الى اهل النبي. سكنوا همدان الايرانية في العصر العباسي وحسب ادموندس دخلوا الى العراق في القرن الثالث عشر وتحديدا في عام م۱۲٥٨. (ادموندس ص٦٨) ويرجع اصل الكثير من العشائر الكردية كالعشيرة الطالبانية والخانقا في العراق الى عشيرة البرزنجة.
اليزيديين الذين لايزال الطابع العربي يطغى على ملابسهم وتقاليدهم فيرجع اصلهم الى الصابئة القاديمون من جنوب العراق ويقول الباحث الاثار الانكليزي لايارد، الذي قام بالاستكشافات الاركيولوجية في الموصل في اواسط القرن القرن التاسع عشر ولمدة اكثر من سنة: "أليزيديون عندهم اعتقاد على انهم جاءوا في الاصل من البصرة، والمدن التي تروى من قبل القسم الاسفل لنهر الفرات. سكنوا بعد الهجرة في سورية وبعد ذلك نزحوا الى جبل سنجار والمناطق التي يسكنونها الان في كردستان. هذا الاعتقاد، مع الطبيعة المميزة لعقيدتهم ومراسيمهم الدينية، يدل على الانحدار من الصابئة والكلدان. (لايارد ص۲٥۲)
يشير ماكدويل الى ان الكثيرين من الاشوريين والسريان الاورثودكس قد تحولوا الى الكرد بعد معايشة بعصهما البعض في بداية الفترة الاسلامية ويقول ايضا في صعوبة تعريف الثقافة العشائرية الكردية: "ان الغموض في فهم التكوين العشائري الكردي واضحة في الاصطلاحات الذي يستعمل من قبل الكرد والماخوذة من العربية والفارسية والتركية في الاشارة الى المجاميع العشائرية". (ماكدويل ص۱٣)
العشائر الكردية التي تنحدر من الاصل الارمني فكثيرة. الاكراد الجلاليين الذين ينتشرون في جنوب شرق تركيا يعتبرون احد المجاميع المستكردة، وينقسمون الى ثمانية عشائر كبيرة، فيما يلي ٦ منها: كوتانلي، صورانلي، حسنلي، كجنانلي، كابدكانلي، سينانكانلي. اعداد هائلة من الارمن في منطقة درسيم التركية اصبحوا اكرادا بعد ان اسلمو في القرن التاسع عشر. (مولينكس ص٤۹-٦٨) ويعتقد الكثيرين من الكتاب على ان اعداد كبير من العشائر الارمنية قد استكردوا بعد القرن السادس عشر. كعشيرة ماماكانلى. (ماكدويل ص۱۲)
لايخفى على الباحث عن اصل الكرد على ان لغة الكثير من القبائل التركمانية الذين سكنوا المناطق الجبلية في شمال العراق قد تحول الى الكردية. القبيلة التركمانية كرةكيج او قرةكيجلي يعتبر من القبائل التركمانية التي استكرد في التاريخ الحديث نسبيا. (فان براونسن، ماكدويل ص٢٣) يتكلم ريج في عام ١٨۲٠عن تركمان في غرب مدينة سليمانية في منطقة بازيان ويسميهم دركزينلي تركمان (جلد ١، ص٦۰) وفي الصحيفة ٤ من الجلد الثاني يقول ريج على ان هؤلاء التركمان كانوا ولازالوا يحتفظون باللغة والعادات التركمانية. (جلد ٢، ص٤)
كما يشك ماكدويل في الاصل الكردي للسلالات الحاكمة التي ظهرت في القرنين العاشر والحادي عشر: شدّاديون (۹٥۱ – ۱٠٧٥م)، مروانيون (۹٨٤ – ۱٠٨٣م) وحسن وايهيديون (۹٥۹ – ۱٠۹٥م). (ماكدويل ص۲٣) عشيرة الروّاديد يعتبر احدى العشائر العربية الكثيرة الذي استكرد مع مرور الزمن. نزحت هذه العشيرة العربية الى المنطقة الكردية في بدايات العصر العباسي (٧٥٠ ميلادية) والذين اصبحوا اكرادا في خلال ۲۰۰سنة، واسسوا امارة الرواديد.
في تحليله للاكراد الغير العشائريين، اي اهل المدن، يشكك ماكدويل مثل كثير من الاختصاصيين في الاصل الكردي لعشائر الكوران الكبيرة. ويقول على انه لاشك في ان اتركا وتركمانا بعد ان استقروا في المدن فقدوا هويتهم ارتباطاتهم الى قبائلهم واصبحوا اكرادا. (ماكدويل ص۱٧) ويعتبر ريج عشيرة زنكنة الكبيرة، الذي اصبح اللغة الكردية اليوم عندهم لغة الام ليسوا اكرادا. (ريج جلد ١، ص٢٧١)
اما الاعداد الهائلة من الذين يسمون بالشيعة المتطرفة او الغلاة: كالعلويون والبكتاشيين والشبك وحتى علي اللهية الذين يتكلمون اليوم الكردية فيُرجع معظم المؤرخين والاختصاصين اصلهم الى التركمان. (موسى، صراف، الشيبي) وعلما بان الكرد لم يرفضوا هذه المذاهب فقط بل كانوا يكرهونها. ويقول ادوارد براون في حاشية الصحيفة ٥۸، الجلد الرابع من كتابه "تاريخ الادب الفارسي": "’جميع الاكراد، يقول التاجر الايطالي انونايماوس (في القرن السادس عشر؟)، هم محمديون حقيقيون بالنسبة الى السكان الاخرين لايران، اعتنق الفرس المذهب الصفوي، بينما لم يقبل الكرد الاعتناق به: رغم انهم لبسوا الغطرة الحمراء (شعار المذهب الصفوي والعلوي) ولكنهم كانوا يحملون في قلوبهم الكره القاتل لهم". (ادوارد براون ص٥۸ الجلد الرابع) ونجد نفس التعريف عند السفير الايطالي في تبريز، باربارو، الى دولة اق قويونلو في القرن الخامس عشر. (باربارو وكونتريني ص۱٥٠)
اقليم كردستان
يقول له سترنجة في الصحيفة ١٩۲ من كتابه "الاراضي في شرق عصر الخلافات" مشيرا الى المستوفي: "فيما يتعلق باصل مقاطعة كردستان، انه يقال على ان في وسط القرن السادس للهجرة (الثاني عشر الميلادي) قسم السلطان السلجوقي سنجر مقاطعة الجبال الى قسمين واعطى للقسم الغربي، وبالتحديد المناطق الخاضعة لكرمنشاه، اسم كردستان وعين ابن اخيه سليمان شاه والملقب ب (ابوه) حاكما عليها". (له سترنجة ص١٩٢)
والجدير بالذكر ان نفوس التركمان لم يكن اقل بكثير من بدو الفرس (الكرد) في مقاطعة الجبال. يقول ب. م. هولت، استاذ التاريخ العربي في جامعة لندن، في الصحيفة ۳۳٨، القسم الاول من كتابه "تاريخ كامبرج للاسلام": "الدويلات الاقليمية ورؤساء العشائر، وبالاخص بدو الكرد والتركمان اللذين كانوا يكونون الاغلبية من نفوس عراق العجم". (هولت ص۳۳٨) عراق العجم مصطلح مرادف لمقاطعة الجبال او الميديا الايرانية.
وحدد سليمان شاه مدينة بهار العاصمة للمقاطعة. اما اولجاي سلطان المغولي فبنى العاصمة الثانية للاقليم وسماها جمجمال. وهذا دليل اخر على ان جمجمال العراق وجدت من قبل الاتون من الايران وبعد العصر المغولي (له سترنجة ص١٩۳)، وعلى الاغلب تعتبر كلمة جمجمال كلمة مغولية. ومن ثم حكم المقاطعة التركمان الاتابكيين (زنكيين).
كان شمال العراق انذاك يخضع الى اقليمين: المناطق الجبلية الشرقية الى اقليم ‘اتروباتينه’ (اذربيجان) والغربية السهلية الى اقليم الجزيرة. (صورة ۱،۲)
اما تسمية الاراضي العراقية بكردستان فيرجع الى القرن السابع عشر وبدأها رجال الامبراطورية البريطانية في المحاولة لتجزئة الامبراطورية العثمانية. ويعتبرالمقيم البريطاني في بغداد كلاوديوس جيمس ريج من اوئل الذين زاروا شمال العراق واطلق مصطلح كردستان لارض عراقية وعين حدوده في كتابه "قصة الاقامة في كردستان وفي خرائب نينوى القديمة - ۱٨۲۰". وكان قد سبقه السياسي والكابتن البريطاني جون ماكدونالد كينر وصاحب كتاب "رحلة في اسيا الصغرى وارمينية وكردستان" في عام ۱۸۱۸.
ويحدد ريج في الكتاب المذكور، القسم الاول، الصحيفة ۲٧۳ بدقة حدود ماسماه بكردستان في العراق ويقول: "حصلت من عمر اغا (احد اشراف الكرد انذاك في السليمانية)، القائمة الموجودة في الحاشية، جميع مقاطعات هذا القسم من كردستان، الذي يبدأ من حدود بغداد".
تبدا القائمة بالاشارة الى موقع مدينة كفري بالنسبة للكردستان المزعوم ويحدد المسافة بينهما باربعة ساعات. كما ان بكينكهام الذي مر من الموصل الى بغداد في عام ۱٨۲٧ يصف كفري ويقول: "لغة ومظهر وطبيعة اهل كفري في الاغلب تركية. (ص۳٤۸) ويصف المدن الواقعة على خط سيره من الموصل الى بغداد بهيمنة ساحقة للطابع التركي واللغة التركية، والاراضي الواقعة بين هذه المدن خالية كليا من الاستيطان. (ص۳٤۹) ويحدد بكينكهام الذي زار كركوك بُعد المدينة من المناطق الكردية باربعة ايام. (ص۳۳۸) يقول الرحالة الاسكتلندي جمس بايلي فراسر عنما يدخل الى كفري من الشرق في عام ١٨۳٤: "التغير في الزي وسيماء الاهالي يثبت الحقيقة القائلة على اننا الان نتواجد في مناطق تركية". وعند (فراسر ص١۹٤) "الخدم كانوا اتراكا، وكل شئ حولنا يدل على التغير في الارض والاهالي". (فراسر ص١۹٥)
والتواجد الكردي في هذه المناطق، الموصوفة باراضي خالية من السكان، يرجع الى القرن الثامن عشر ويبدأ باسكان العثمانيين كل من العشريتين الكرديتين الطالبانية والداوودة في شمال خانقين واطراف داقوق، على التوالي. ويقول ادموندس في كتابه "اكراد، اتراك وعرب": "تعتبر الطالبانية من احد افخاذ العشيرة البرزنجية والتي ظهرت كعشيرة كردية في اوائل القرن الثامن عشر بعد نزوح ملا محمود البرزنجي الى قرية طالبان التي هي على بعد بضعة عشرات من الكيلومترات الى جنوب غرب السليمانية. اما الشقيق الاخر لملا محمود المدعو عارف فمنحت عدة قرى من قبل العثمانيين في شمالي قضاء خانقين. (ادموندس ص۲٧۱) اما تاريخ نزوح الطلبانيين الى كركوك يُرجع الى بدايات القرن التاسع عشر.
اما ظهورعشيرة الداوودة في كركوك فيرجع الى فرمان اصدره العثمانيين وتم بموجبه تمليك قرى أفتخار لأغوات الكرد من الداوودين وفي القرن التاسع عشر وبعد ذلك نزح الكثيرين منهم الى اطراف المدينة وسكنوا في حي الشورجة (توفيق التونجي، لا تلعن الظلام أشعل شمعة) والتي كانت قد ظهرت في خمسينيات القرن العشرين.
رغم ان ريج يصف منطقة قرة حسن (يحدها كركوك من الشرق، ليلان من الجنوب، جمجمال من الشرق وشوان من الشمال) في الصحيفة ٤٨ غير كردية ويقول: "قرة حسن تمتد على طول ٦ ساعات تستثمر سنويا ٨٥ الف بيياستر (عملة نقدية). الحرب الاخيرة والهجمات الكردية المستمرة اخلت هذه المنطقة من سكانها ودمرت الزراعة الى حد كبير". وفي الصحيفة ٥۱ يشير اليها كمنطقة خارج الاقليم المذكور. الا ان في قائمة عمر اغا تعتبر تارة ملحقة بولاية بغداد وتارة اخرى بولاية ماسماه ريج بكردستان. بعد اجتيازه منطقة قرة حسن يشير ريج الى منطقة دربند (دربنديخان؟) في جنوب شرق جمجمال ويعتبره المنفذ الى ماسماه بكردستان. (ريج ص٥٨)
وبعد عبور طاسلوجة والسير باتجاه الجنوب الغربي يدخل ريج الى منطقة دركازيان ويصف اهالي جميع القرى الموجودة في هذه المنطقة على انهم من اصل تركماني ولازالوا يحتفظون بلغتهم ومظهرهم ويختلفون وبشكل واضح من الفلاحين الكرد. (ريج جلد ۲ص٤) ويعتبر ريج عشيرة زنكنة الكبيرة والتي ينتشرون اليوم في المناطق الواقعة على شرق الخط الواصل بين كركوك وخانقين من الاصل التركماني ومن الناحية الدينية ينتمون الى المذاهب الشيعية المتطرفة كالكاكائية واليزيدية المشتقة من المذاهب الصفوية.
يصف ريج سكان طوزخورماتو (ص۲٦) بالتركمان ويشير على ان اهل كركوك ليسوا اكراد.(ص۱٤۲)
ويَعتبر المنطقتين ابراهيم كانجا وديلليو القريبتين من الحدود الايرانية على الحدود الكردية التركية.(ص٥٦)
وهناك اشارة واضحة في كتاب ريج على ان مدينة اربيل بعيدة جدا من كردستانه. (جلد ٢ ص ۱٩) وفي خلال القرن التاسع عشر ورغم نزول عشرات الالاف من الكرد من الجبال، بقيت اربيل خارج هذا المصطلح وحتى في القرن العشرين ويقول المقيم البريطاني في اربيل بين عامي ۱٩۱٨ – ۱٩۲۰ هاي: "بالنسبة لاهالي اربيل يعتبر باستورة جاي، الواقعة على شمال شرق المدينة، حدود كردستان". ( هاي ص۲۱).
ويتبين مما سبق ذكره ان مدن كركوك، اربيل، كفري، طوز، خانقين ومندلي كانت انذاك خارجة من الزحف الكردي والذي وصفه ادجر او’بالانسا في كتابه "الثورة الكردية" كطاعون من الجراد، يتغذى ويُعادي. (ادجر او’بالانسا ص۳۳) والزحف العدواني والطبيعة الشرسة كانتا العاملين الاساسيين في تكريد سكان هذه المناطق الجبلية والقسم الاكبر منهم كانوا من تركمان السلاجقة وقبائل الخروف الابيص والخروف الاسود مع عدد غير قليل من السريانيين في عمادية ودهوك.
يشك ريج ان تكون المناطق الجبلية في شمال العراق والذي سماه كردستان، الوطن الام للكرد ويؤيدوه في هذا الاستنتاج الكاتب الكبير والمختص في التاريخ الحديث للعراق حنا بطاطو ويقول ان هذه النظرية لها مؤيديها حتى في يومنا هذا (ريج جلد ۱ ص٨٨، حنا بطاطو ص٤٦).
يقول فيبة مار حول نزوح الاكراد نحو الغرب في داخل العراق: "في التاريخ الحديث هاجروا الاكراد اماكن سكناهم في الجبال الى السفوح والسهول، وبنوا عديد من المستوطنات في مدينة الموصل وحولها في الشمال، وبنوا مدن ونواحي على طول نهر الديالى في الجنوب (مار ص۹). اما ادجر او’بالانسا فيصف انتشار الاكراد نحو العراق بدقة ويقول: "حتى الى نهاية القرن التاسع عشر، كان مشهد القبائل الكبيرة مع جميع مواشيها، وهم ينحدرون عبر جبال وسهول شمال الشرق الاوسط في البحث عن المراعي الخصبة، رائعة ومنذرة بالخطر - كاكراد بدو انتشروا كالطاعون من الجراد;، يتغذون ويُعادون". (ادجر او’بالانسا ص۳۳)
يعتبر الرحالة جورج توماس كيبل مدن العراقية الواقعة على الحدود الايرانية قبل ١۸۰ عاما، خالية من الكرد:
"وصلنا الى شهربان في الساعة الحادية عشر، ووجدناها هُجرت تقريبا بالكامل، انها مدينة كبيرة نوعاما. تجولنا في شوارعها لبعض الوقت فلم نجد اية بيتا فيها ساكنيها، الى ان وصلنا الى خان، وجدنا هناك رجلا الذي قال لنا بان اهل المدينة تركوها جميعا لانها نهبت ودمرت من قبل الكرد. (كيبل، ص٢٧٦) هذه المدينة كانت وليست قبل اشهر كثيرة، احدى اهم المدن المزدهرة والكثيفة بالسكان في مقاطعة بغداد، والان يتكون جميع سكانها من ثلاثة عوائل". (كيبل، ص۲٨۱) "قزل رباط عانت ما عانتها جيرانها من الارواح الحاقدة لاعدائها الكرد". (كيبل، ص٢٩۱)
شهرزور
اخطا الكثير من المؤريخين المعاصرين والاخصائيين في استعمال مصطلح شهرزور وخلطوا بين مقاطعة شهرزو الساساني وشهرزو العثماني اللذين كانا يطلقان على اقليمين مختلفتين ومنفصلين كليا. وبالاشارة الى ماكتبه الرحالة العرب في وصف كردية شهرزور الساساني اعتبر الكثير من الكتاب الشهرزور العثماني كرديا.
مقاطعة شهرزور الساسانية كانت تقع في شرق اقليم الجبال الايرانية وكانت المدينة التي تحمل نفس الاسم مركزا للمقاطعة. (صورة ٣) وشكلت هذه المقاطعة احدى الولايات في الاقليم الذي سماه السلاجقة بكردستان. (صورة ٢) وشهرزور الذي يصفه معظم المؤرخين العرب كالمستوفي وابو مهلهل بالاغلبية الكردية هو الشهرزور الساساني.
اما ولاية شهرزور العثماني فكانت تتكون من المحافظات العراقية الحالية التالية: كركوك واربيل والسليمانية. فصل مدحت باشا كل من كركوك واربيل التركمانية من هذه الولاية واطلق المصطلح الى محافظة السليمانية فقط.
صلاح الدين الايوبي
تربى البطل الاسلامي صلاح الدين الايوبي على ايدي الاتابيكيين التركمان في الموصل واربيل.
ان افتقار جيوش هذا البطل الاسلامي العظيم للكرد يعتبر دليل اخر على انعدام الوجود الكردي في شمال العراق انذاك. يقول ب. م. هولت في الصحيفة ٢۰٤ من نفس المرجع: "للوصول الى غايته، استعمل (صلاح الدين) البراعة والقوة مع الزنكيين كي يحرُم وارثي سيده نورالدين الزنكي ويمسك الارث لنفسه" (ب. م. هولت ص۲۰٤)
ويقول ب. م. هولت في الصحيفة ٢۰٥ من نفس المرجع: "عندما وصل صلاح الدين الى مصر مع الجنود الترك والتركمان من الجيش الزنكي ..............". ويقول في نفس الصحيفة: "جيش صلاح الدين الذي اُسس في مصر، لم يكن جيشا مصريا بل كان يتكون من الترك والبربر والسودانيين وقوى اخرى من اتباعه" (ب. م. هولت ص۲۰٥)
ت١: المسافة بين مدينة ارضروم التركية وخوي الاذربيجانية تقدر بحوالي اكثر من ٥۰۰ كم.
المراجع:
- احمد حميد الصراف، "الشبك"، مطبعة بغداد ۱۹٥٤.
يرجع اصل الشبك الى المذاهب البكتاشية والعلوية الذين دخلوا العراق مع الصفويين ويعتبر لغتهم مزيج من اللغات والغالب فيها التركمانية.
- اشيل كرنت، "النصتوريون والقبائل المفقودة"، فيلو بريس، امستردام.
- أدجر او'باللانس، "الثورة الكردية ۱۹٦۱ - ۱۹٧٠"، فابر وفابر، لندن ۱۹٧٣.
- ادوارد براون، "تاريخ الادب الفارسي"، الجلد الرابع، مطبعة جامعة كامبردج ۱٩٦٩.
- باول وايت، " التكوين العرقي بين الكرد: كرمانجي، كزل باش وزازا".
http://members.tripod.com/~zaza_kirmanc/research/paul.htm
- باربارو وكونتريني، "رحلات الى تانا وفارس"، الناشر بورت فرانكلين – نيويورك ١٩٦٤
- ب. م. هولت، "تاريخ كامبرج للاسلام: الدول الاسلامية المركزية"، مطبعة جامعة كامبرج سنة ۱٩٧۰، القسم الاول، الصحيفة ۳۳٨.
- برنارد لويس، "الهويات المتعددة للشرق الاوسط"، وايدن فيلد ونيكولسون، لندن ۱۹۹۸.
- بريطانيكا كوم، "كردستان"، ۲۰۰۱.
http://www.Britannica.com/eb/article?indxref=113781
- بنيامين بن يونا، "يوميات الرحالة ربي بنيامين تودلا"، شركة النشر هاكشيث، نيويورك ??۱٩، الجلد الاول، ص١٦٠-١٦١.
- ج. س. بكينكهام، "رحلات في الهلال الخصيب - ۱٨۲٧"، الطبعة الثانية، الناشر كريكك انترنشنال المحدودة لندن ۱٩٧۱.
- جيمس بليه فراسر، "رحلة من قسطنطينية الى طهران في الشتاء - ۱٨۳٨"،جلدين، طبعت من قبل صموئيل بنتلي، بانكور هاوس، شولانه ۱٨٤٠.
- حنا بطاطو، "الطبقات الاجتماعية القديمة والحركات الثورية في العراق"، طبعة جامعة برينستون، نيو جيرسي ١۹۷۸.
- سسيل جون ادموندس، "اكراد اتراك وعرب"، مطبعة جامعة اوكسفورد، لندن ۱۹٥٠.
- سيل مولينكس، "رحلة في درسيم"، المجلة الجغرافية (The geographical journal) العدد ٤٤، ۱۹۱٤.
- ولبم روبرت هاي، "سنتان في كردستان ۱۹۱۸ – ۱۹۲٠"، ويليم كلاوس اند سانس المحدودة، لندن وبسلس ۱۹۲۱.
- فان براونسسن، "الهوية العرقية للكرد"، اندروس، ۱۹٨۹،
- ف. ف. مينورسكي، "الاكراد ملاحظات وانطباعات"، ١٩١٥، المترجمة في عام ۱٩٦٨، بغداد، ص۲١.
- فليكس ريتر فون لوشان، ‘Das Volk der Kurden mıt Bildern’، برانسويخ ١٨٩۰.
- ج. ب. فراسر، "رحلة من قسطنطينية الى طهران في الشتاء - ۱٨۳٨"، القسم الاول، ارنو بريس نيويورك ١٩٧٣، ص۲٥٦ – ۲٥٧.
- كاوتير ﻫ. ا. جوينبول هو مترجم الجلد الثالث عشر من تاريخ الطبري "فتح العراق، جنوب غرب بلاد الفرس ومصر"، الحاشية الثالثة من الصحيفة ٥۱، مطبعة جامعة نيويورك ۱۹۸۹.
- كلاوديوس جيمس ريج، "الاقامة في كردستان" ، الجلد الاول، جيمس دونكان باترنوستر رو، لندن ۱۹٧۲.
- كامل مصطفى الشيبي، "الطريقة الصفوية ورواسبها في العراق المعاصر"، مطتبة النهضة، بغداد، ۱٩٦٧
- كامل مصطفى الشيبي، "الصلة بين التصوف والتشيع"، دار المعارف، قاهرة، ۱٩٦٩
- م. واخنر، "رحلات في بلاد الفرس وجورجيا وكردستان - ۱٨٥٦"، القسم الثالث، الناشر كريك انترنشنال ۱٩٧١، الصفحة ۲ – ٤.
- مايكل موروني، "العراق بعد الفتح الاسلامي"، مطبعة جامعة برنستون ۱۹۸٤.
- متي موسى، "المذاهب الشيعية المتطرفة"، مطبعة جامعة سيريكوز ۱۹٨٨.
البروفيسور موسى يدعم ماذهب اليه الصراف ويعتبرهم من جنود شاه اسماعيل الذين سكنوا الموصل بعد الهزيمة التي الحقها به العثمانيون في المعركة المشهورة جالدريان في عام ١٥١٤. ويعتبر موسى لغة الشبك تركية في الاساس مزجت بالفارسية والكردية والعربية. ويقول موسى ايضا ان كتابهم المقدس المسمى ب(بويروك او كتاب المناقب) قد كتب باللغة التركمانية وعقائديا ينتمون الى نفس المذاهب البكتاشية والعلوية.
- وليم ر. برينر، "تاريخ الطبري: تاريخ الرسل والملوك"، الجلد الثاني، مطبعة جامعة نيويورك .