واخيرا وضعت النقاط على الحروف وبدأنا نرى اية دولة عراقية يراد بها لنا!
اليوم مانشيتات الصحف والاخبار تبدأ بخبرها عن العراق، واحد من هذه المانشيتات من السي. ان. ان.
كان بهذا الشكل :
" اميركا تاتي بنظام الشريعة الى العراق! الرئيس العراقي الياور يتزوج من وزيرة كردية وهو زواجه الثالث. "
في دول العالم حتى القليلة التطور منها يتم تقديم المرشح لمنصب رئيس الدولة وان كان مؤقتا الى الشعب وتعريفهم به ولا يكون وضعه العائلي سرا بل هناك صيغا رسمية لتعريف الوضع العائلي لرئيس البلاد سواء لشعبه او للعالم وان كان ولي عهدا تحرص التقاليد ان يتزوج قبل التتويج.
عندما كنا نرسم صورة للعراق الجديد لم تكن تعجبنا دول عربية مثل مصر وسوريا ولكن على الاقل الرئيس المصري حسني مبارك والرئيس السوري بشار الاسد زواجهم مستقر ومن زوجة واحدة مثل بقية عباد الله المتمدنين و حياة عائلية محترمة. بالطبع لا اتكلم هنا عن ملوك ومشايخ وامراء دول النفط، فوضع هؤلاء العائلي لا يعلن للملأ ولا ندري كم من الزوجات والجواري في حوزتهم لان أيمانهم تملك الكثير. ولكن اين الرئيس العراقي الياور من هولاء؟ هو بالتأكيد لا يشبه حسني مبارك ولا بشار الاسد، فوجئنا اليوم بخبر زواجه الثالث يوم الخميس الماضي، نحن خارج البلاد سمعنا اوليات الخبر امس ولكن لم يعلن الخبر للرأي العام، عندما كنت اتحدث تلفونيا مع بعض المعارف في بغداد قلت لهم مبروك عليكم زواج الرئيس من الوزيرة، يبدو ان الحياة السياسية في العراق الان في غاية التطور لكنهم استغربوا وقالوا لم نسمع بهذا لكن اليوم صباحا اتصلوا بي ليقولوا بانهم تحروا فظهر ان الامر غير صحيح ولكن بعد الظهر تأكد لهم الخبر، نصحتهم ان يصدقوا ما اقوله لهم بعد الان! بالطبع العراقيين منشغلين في الركض وراء لقمة العيش وهم بين انقطاع الكهرباء والاسراع الى بيوتهم خوفا من النهب، لم يتم ابلاغهم بزواج الرئيس لانهم سوف يصابون بخيبة امل اخرى من رئيس تصوروا انه جاء ليحل مشاكلهم يروه منشغلا بالزواج الثالث.
ترى ماذا حل بزوجات الرئيس الاخريات؟ هل هو يمارس تعدد الزوجات؟؟ اذن قرأنا الفاتحة وندفن قوانين مساواة المرأة وحقوقها الاساسية والقوانين التي اقرتها الأمم المتحدة لحقوق الانسان. ام هو انسان غير مستقر ومتقلب الاهواء في حياته العائلية فكيف سيتمكن من ادارة دفة الحكم في بلد عاصف مثل العراق؟ والله بالرغم من ان اكثرنا يضحك الان و يتندر على خبر زواج الرئيس من الوزيرة الكردية، لكنه يبقى امرا في غاية الشذوذ لانه صادر من رئيس دولة وليس من شخص عادي. كيف سيكون ممكنا لهذا البلد ان يخطوا خطواته الاولى نحو حياة متمدنة تليق بالانسان المعاصر؟؟ كذلك لم نسمع قبل الان بزواج رئيس دولة من وزيرة، هل زواجه من الوزيرة الكردية تعتبر خطوة من اجل تقوية التأخي بين القوميات العراقية؟
بقي ان نشير الى امر وهو ان الرئيس من المفروض ان يكون على الحياد وان يحافظ على مسافات متساوية من الاحزاب والقوى السياسية التي تشارك في الحكومة. الرئيس الياور تزوج من نسرين برواري التي تمثل حزب البارازاني في الحكومة، وهنا ربما يرد الى الذهن سؤال مثل: " ترى ماذا سيقدم الرئيس مهرا لحزب العروس، قلعة كركوك مثلا؟
يبدو ان شركات النفط هي المنتصرة لان الحكم الفيودالي *** يحكم قبضته على رقاب الشعب مما يضمن تدفق النفط بهدوء وفق اهواء ومصالح عمالقة النفط. هل ستذهب شعوب الارض ضحية النفط هذا؟
صدقنا بان الادارة الاميركية جادة في وعود الحرية والديمقراطية للشعب العراقي لانه كان علينا ان نتمسك باي خيط من الامل في التخلص من النظام البعثي. ربما كانت ادارة بوش صادقة ولكن الاميركان يعجزون عن تحقيق تلك الوعود، لم نسمع في التاريخ الحديث بان دولة اسست دولة قانون وديمقراطية لشعب دولة اخرى، كل ما يمكن عمله هو توفير الفرصة والباقي على الشعب ان يحققه ان كان منظما وله قيادة لا تساوم على مصالح شعبها ووحدة ارضها! لان بدون هذه القيادة في المراحل الحاسمة سيكون مستقبل البلاد فريسة لكل قوى الشر واطماعها. وليس هناك اكثر سلبية من الانتظار لتاخذ الامور مجراها لتكون النتيجة في صالحنا.
في فلم " فرار الدجاج " كانت صاحبة المزرعة تنهر شريكها: " لا تصدق ما تراه من اوهام بان هناك حركة منظمة يقوم بها الدجاج، الدجاج مخلوقات غير متطورة ولا يمكنها ان تنظم نفسها ومصيرها واحد هو المسلخة!! ".
ولكن الدجاجة جنجر كانت مصرة وعندما تخلى الديك روكي (البطل المنقذ الاميركي) لعجزه واصلت الدجاجة اصرارها ومحاولاتها في اقناع بقية الدجاج، ثم عاد روكي مرة اخرى ليساعدهم عندما رأهم مستمرين على العمل، بالطبع صاحبة المزرعة امرأة جشعة نضعها مكان القوى الشريرة التي تقنع العالم بان العراق غير صالح للديمقراطية.
في بداية الحملة الاعلامية التي خاضها الاميركان من اجل اقناع العالم بمشروعية الحرب على العراق كانت هناك اسماء لامعة من المثقفين العراقيين مثل كنعان مكية وعلمانيين يرفعون شعارات المجتمع المدني مثل احمد الجلبي، وفي مؤتمر لندن للمعارضة العراقية قبل الحرب ووسط التشاؤم الذي كنت اشعر به من كثرة المعممين ودعاة تطبيق الشريعة في الحكم، كانت هناك رسالة مشرقة بعثت لدي املا بان مستقبل العراق سيكون غير ما يريده المتشددين، تلك كانت رسالة قدمها د. لبيب سلطان واثنين آخرين من زملائه باسم منظمة للمجتمع المدني. تلك الرسالة كانت تطالب بحقوق الانسان العراقي او لائحة حقوق الانسان العراقي، ما هو مصير تلك اللائحة ياترى، لم نعد نسمع بها واختفت وسط ضجيج قانون ١٣٧ والغاء قانون الاحوال المدنية والمحاصصات. وبدل من حزب واحد هو حزب البعث اصبح عندنا الان عدة احزاب مماثلة. وكنعان مكية* الذي كان يدعو الى فيدرالية على اساس جغرافي وليس اثني والى فصل الدين عن الدولة لم نعد نسمع به. لان ما يدعون اليه لا يروق للذين وجدوا المجال مفتوحا للسيطرة على زمام الامور في الفوضى والانفلات الذي خلقته ادارة الاحتلال.
وهناك الذين يضغطون على ادارة بوش بان بتخلى عن الجهود من اجل عراق ديمقراطي متمدن والرجوع الى الاسلوب الانكليزي التقليدي وهو تاسيس دولة فيودالية وتنصيب حكومة موالية ** وجدوا من تدهور الاوضاع الامنية دليلا على صحة نظريتهم. كل هذا التدهور والسلبيات يخلقها غياب العنصر الاساسي الذي سيبني العراق الجديد وهو الارادة الوطنية الحقيقية الصلبة التي اعتمادها الاساسي هو الدعم الشعبي وليس الدعم الخارجي، لا اقول التخلي عن الدعم الخارجي او التنكر للدور الاميركي في ازالة كابوس البعث ولكن هذا لا يمكنه ان يكون الاساس بل مساعدة ودعم ضمن الاسس المشروعة.
و العراقيين وخاصة المثقفثن والمنادين للديموقراطية سيكون خطأهم فادحا لو استسلموا بان يفرض عليهم نظام متخلف، لا ادري ما الذي ينتظرونه كي يرفضوا تصرف الرئيس الياور هذا الذي لا يختلف عن فرض قانون ١٣٧ بشئ لا بل هو ممارسة عملية له ووضعه كامر واقع. الكثير استرسل في كيل الشتائم الى صدام بعد ان تم اعتقاله لانهم تاكدوا بانه لن يعود ولكنهم يحابون ويجاملون من هو في الحكم. ان كان الامر بهذا الشكل ما الفائدة من الكتابة على الاطلاق؟
تعدد الزوجات ينخر المجتمع، ولعله من اسباب تفتت المجتمعات الاسلامية التي تحكمها الشريعة الاسلامية، السبب بسيط، زوجات الرجل يمقتن بعضهن وهذا يسري بشكل مضاعف الى اولادهم، الاخوة لا يحبون بعضهم في مجتمعات الشريعة. وقصص القرأن الكريم فيها الكثير من هذه الامثلة، الم يلقي اخوته يوسف في الجب؟؟ وهذه الكراهية الازلية بين اليهود والعرب؟
لا يمكننا الان مطالبة الرئيس بالتراجع عن هذا الزواج فهو امر غير ممكن، ولكننا نستطيع ان نطالبه ان يستقيل من منصبه كرئيس الدولة العراقية. لان الرئيس عليه ان يرتفع بسلوكه الاجتماعي الى مستوى راقي جدا يجعله المثل الاعلى الذي يقتدي به عامة الناس، تصوروا الكارثة لو ان بقية المسؤوين والوزراء وعامة الناس اصبح يقتدي به؟ الملوك والرؤساء في الدول الدستورية لا يسيرون على اهوائهم بل وفق تقاليد واعراف حافظوا عليها وكثيرا ما ضحوا من اجلها عندما تطلب الامر الاختيار بين اهوائهم الخاصة ومستلزمات الموقع الذي يشغلونه. كأن يحذو حذو الملك الانكليزي هنري الثامن عندما احب الاميركية واليس سيمبسون تنحى عن العرش في ١٩٣٦ ليتزوجها والعالم مازال يكن له الاحترام.
* جريدة الحياة (٢٠/١١/٢٠٠٢):"وصفة كنعان مكية لديموقراطية في العراق "
http://www. rezgar. com/debat/show. art. asp?aid=٤٠٠٠
** http://www. designcommunity. com/discussion/٢٧٠٧٩. html
** http://www. casi. org. uk/discuss/٢٠٠٣/msg٠٥٠٢٠. html
***فيودال يعرف بانه النظام الاقطاعي في اوربا في القرون الوسطى وهي ايشا حالة دستورية لا تعطي المرأة حقوقا متساوية وهو امر فرفوض في ميثاق الامم المتحدة وهو الان يرمز به الى التسلط.
قائمة بمقالات الكاتبة:
http://www. turkmen. nl/Atalay/all. html