أجل هذه هي حقيقة كركوك: مدينة عراقية أصيلة ، تحتضن في جنباتها الحانية كل أبنائها بنفس الدرجة من الحنان والتآلف. وهي بحالتها هذه تستحق أن تكون نموذجا راقيا ومتقدما لعراق ما بعد صدام. فقد خاب آمال كل من حاول أن يغير هذا الواقع الجميل لهذه المدينة التي سقطت على أعتابها مؤامرة تعريبها من قبل النظام البائد، كما لحق المصير نفسه وسيلحق بكل فئة تحاول الالتفاف على واقع هذه المدينة الأبية ، وتحاول تعميم أحلامها وشعاراتها السياسية على هذه المدينة التي تأبى إلا أن تبقى مدينة لجميع العراقيين دون استقواء فئة سياسية على أخرى للاستحواذ على هويتها وواقعها وخصوصيتها التاريخية المعروفة .
في هذه الأيام التي تتعدد فيها السيناريوهات حول مستقبل العراق ، وتتعدد فيها مسودات لمشاريع الفدرالية والمشاريع الدستورية من الضروري التأكيد على، أن المطالب المتعلقة بحقوق تركمان العراق الذين يتجاوز عددهم مليونين ونصف المليون نسمة، هي جزء من حقوق جميع فئات الشعب العراقي.
ان مشاريع الفدرالية ومسودة الدستور العراقي ، مشاريع ارتجالية تعوزها المصداقية ، لأن الحل الأمثل لإشكالية القوميات في العراق لا تكمن في الفدرالية التي يرفعها البعض كشعار أو مطلب في الوقت الراهن،ولا في منح امتيازات قومية لفئة على حساب الشعب العراقي ، الحل الأمثل بالنسبة للتركمان ، يكمن في الديمقراطية و مساواة الجميع في الاشتراك في إدارة الدولة و المجتمع. والتأكيد على مسؤولية الشعب العراقي في تحديد شكل النظام السياسي المقبل، والعمل من أجل إقامة العراق الديمقراطي الذي يضمن احترام الحقوق الديمقراطية لجميع أبناء الشعب العراقي بدون تمييز. وإذا تم الاتفاق على تطبيق الفدرالية في العراق ، فمن الأفضل أن تكون فدرالية المحافظات.
قبل كل ذلك يبقى من الطبيعي أن تستعيد كركوك صورتها المشرقة التي كانت عليها قبل حملة التعريب المنظمة. هذه الصورة التي حاول النظام البعثي أن يجعلها كالحة بعد استقطاع أجزاء عزيزة منها لتصبح مساحتها ٩٤۲٥ كم۲بدلا من ۱٩٥٤٣ كم۲ بعد استقطاع درتها (قضاء طوزخورماتو) منها وربطها بمحافظة تكريت ، وإلحاق قضاء كفري بمحافظة ديالى. وناحية (آلتون كوبري) بمحافظة أربيل ، وإنهاء حملات (التكريد) التي بدأت في كركوك بدخول القوات الأمريكية إليها دون قتال.
وبغية إعادة الاعتبار للتركمان الذي عمل النظام البائد إلى تهميشهم وإنكار واقعهم ووجودهم إحصائيا ودستوريا ، ويحاول اليوم ، البعض في مجلس الحكم الالتفاف على حقوقهم الوطنية المشروعة ، يبقى من حق التركمان أن ينتظروا من العهد الجديد ما يلي:
ـ تغيير المادة الواردة في الدستور العراقي والقائلة (العرب والأكراد شركاء في الوطن)، لكونها مادة غير وطنية وغير ديمقراطية ، عززت التمييز القومي في العراق منذ إعلان الجمهورية في العراق وحتى الآن. وهذه المادة لم تقف حائلا أمام الاقتتال والصراع الداميين بين (الشريكين الرئيسين) كان المتضرر الوحيد منه أمن شعبنا العراقي واستقراره واقتصاده الوطني ،حيث ساهمت القرارات الاستثنائية نتيجة ذلك ، في تغييب الديمقراطية عن العراق حتى الآن تحت بشتى المبررات. وهذه المادة العنصرية التي تبخس حقوق الفئات العراقية المختلفة ، لم توضع نتيجة استفتاء شعبي أو برلماني بل هي من وضع أنظمة عسكرية وقومية متعصبة ،قادت وطننا منذ ما يقارب النصف قرن إلى هاوية الخراب والدمار والحروب. إن جميع الدساتير الديمقراطية في العالم تتفق على القول (إن جميع المواطنين مهما كانت أصولهم وطبقاتهم وفئاتهم هم شركاء في الوطن). نعم إن جميع العراقيين شركاء في الوطن ، بغض النظر عن أصولهم اللغوية والدينية والمذهبية والمناطقية.
ـ التأكيد على عراقية كركوك واحترام خصوصيتها التاريخية، ورفض المزاعم الكردية باعتبارها جزءا من كردستان. . إن تأكيد خصوصية هذه المدينة ،و إعادة محافظة كركوك إلى وضعها الإداري إلى ما قبل قرار التعريب في ۱٩٧٥ والقرارات الاستثنائية التي تبعت القرار العنصري ،التي تم بموجبها استقطاع أجزاء مهمة من مساحة المحافظة التي انخفضت من ۱٩٥٤٣ كم إلى ٩٤۲٥ كم ،بعد ضم قضاء (طوزخورماتو) إلى محافظة تكريت عند اتخاذ قرار تحويلها من قضاء إلى محافظة،وقضاء كفري التابع تاريخيا إلى كركوك إلى محافظة ديالى ، وإنهاء حملات التكريد المستمرة فيها حاليا ، وتذكير إدارة السيد بريمر على أن دول التحالف أبقت كركوك والموصل خارج نطاق خط ٣٥ الذي شمل (أربيل وزاخو ودهوك) فقط ولمدة تتجاوز العشر سنوات ولم يتغير هذا الوضع إلا منذ فترة اقل من سنة لأغراض سياسية بحتة ، عشية دخول القوات الأمريكية لكركوك.
ـ تمتع التركمان بأحقية حصولهم على مناصب قيادية في أجهزة الدولة العراقية بما فيها الجيش والإدارات، والتأكيد على إشراك جميع الفئات العراقية في إدارة الدولة والجيش بصورة عقلانية قائمة على العرف والأخلاق والمواطنة، من دون أي مبرر لاستخدام طريقة (التوزيع الطائفي) على الطريقة اللبنانية(المحاصصة) ، المنافية لروح الوحدة الوطنية وحرية المعتقد. يتوجب من اجل هذا تخصيص مراقبة برلمانية شديدة لمنع أية محاولة لاحتكار الدولة والجيش من قبل أية فئة مهما كانت.
ـ توجيه الاهتمام بالمناطق التركمانية المهملة والمهمشة (كركوك ، تلعفر ، طوزخورماتو ، كفري،آلتون كوبري، خانقين ،السعدية (قزلرباط)،مندلي،المقدادية (شهربان)، جلولاء (قره غان)، قره تبه ، بدرة ، قزانية) وإيقاف محاولات تكريد هذه المناطق، وتعويض العائلات التركمانية المبعدة إلى جنوب العراق أو إلى شماله، وإعادة الجميع إلى وظائفهم.
ـ إعادة حقوق العوائل التركمانية من سكنة (قلعة كركوك التاريخية) التي هدمت بيوتها وأحيائها تحت ذريعة صيانة الآثار التاريخية في العهد البائد ، والتي نتجت عن هدم أحياء (قلعة كركوك) الأربعة (حمام ،آغاليق،ميدان ،زندان) وتشريد آلاف من سكانها في زمن العهد البائد. مع منح العوائل المتضررة السلف المالية المناسبة لإعادة بناء بيوتها في نفس المنطقة ،حفاظا على خصوصية هذه المنطقة التاريخية المستمرة منذ آلاف السنين.
ـ الاعتراف بالحقوق الدستورية الكاملة لتركمان العراق في مناطق انتشارهم والتأكيد دستوريا على أنهم يشكلون القومية الثالثة في العراق مع الاعتراف باللغة التركمانية كلغة للدراسة في جميع مدارس العراق في المناطق التركمانية ولغة اختيارية في الجامعات على اعتبار أنها (مثل باقي لغات الفئات الوطنية) لغة عراقية أصيلة تحمل الكثير من التراث المحلي وتساهم من جانب آخر في تواصل العراق على كافة الأصعدة مع الشعوب الناطقة بالتركية.
ـ رد الاعتبار للميراث التركماني العراقي من خلال التعريف بشخصياته الثقافة المهمة مثل فضولي البغدادي ونسيمي ، واعتبار هذه الشخصيات وميراثها جزءا من الميراث العراق وفخرا لجميع العراقيين، وليس للتركمان وحدهم. وفسح المجال لهذا الميراث بالاشتراك مع باقي الميراثات المحلية العراقية لان تعبر عن نفسها في وسائل الإعلام الوطنية والتعريف بها على أنها نتاجات وطنية تهم كل العراقيين.
ـ إعادة التسميات التاريخية إلى المدن والمناطق والقصبات التركمانية التي تم تغيير أسمائها سواء في مدينة كركوك التركمانية أو في بقية المناطق التي ينتشر ويتواجد فيها التركمان. ، لأنها أصبحت جزءا من تراثهم الثقافي والاجتماعي والحضاري. . وإيقاف حملات التكريد المستمرة تحت سمع وبصر الكولونيل ميفيل ، مع إعادة إسكان من تم إبعادهم فعلا من الإخوة الأكراد في المدينة ، والقيام في الوقت نفسه بإعادة الدخلاء من غير سكنة المدينة إلى المناطق التي وفدوا منها.
كركوك مدينة عراقية مثل بقية المدن في شمال الوطن وجنوبه ، فالمدن العراقية ليست حكرا على فئة قومية دون أخرى ،ولا يجب أن تبقى كذلك لأن ذلك مغاير لمنطق المواطنة التي تخول للعراقي التجول والإقامة في أية مدينة يرغب فيها في الوطن العراقي التي يجب أن يزال عنها الحدود والعوائق التي اختلقها النظام العفن.
ان عراقية كركوك الأصيلة تتطلب أولا إزالة الحيف الذي لحق بالتركمان ، وهو ما يعرفه الجميع حق المعرفة. إلا أن أية خطوات من هذه الخطوات لن تكون ، على حساب أية فئة قومية. بل سيكون ذلك تعزيزا للتواصل الحضاري والنموذجي لتآخي كافة الفئات القومية فيها ، دون استقواء إحداها على الأخرى تحت أية ذريعة كانت. ستظل كركوك الأم الرؤوم لنا جميعا ، كما كانت ،وكما ستظل في كل الأحوال والظروف.