لي صديق قديم منذ أيام الدراسة في مدينة أزمير التركية (في السبعينات)، يقيم حاليا في لاهاي بهولندا، يتحدث معي أحيانا بالهاتف، حيث نتبادل الهموم في الوضع العراقي البائس.
أخبرني في أخر حديث له، أن إحدى المنظمات الكردية بلاهاي نظمت اجتماعا بمناسبة ذكرى (الأنفال) شارك فيه كمتحدث أحد مسؤولي حزب الإتحاد الوطني الكردستاني.
بدأ الضيف حديثه بإسهاب عن الظلم الذي لحق بالشعب الكردي على يد طاغية العراق البائد، وتحدث وبإسهاب أيضا عن مجزرة حلبجة.
إلى هنا وكل شيء طبيعي واعتيادي فلا غرابة أن يسلط أي شخص الأضواء على ما أرتكب بحق شعبه من انتهاكات..
لكن ما حدث فيما بعد (كما يقول الصديق) غريب حقا. فقد بدأ المسؤول الكردي في منتصف حديثه وبدون أي مناسبة بالهجوم على التركمان.. رغم عدم تعلق موضوع الاجتماع بهم من قريب أو بعيد..حيث راح يعيد على أسماع جمهور الحاضرين الاسطوانة المشروخة إياها عن عمالتهم وطورانيتهم.. الخ.
يقول محدثي، لقد انتظرت إلى أن أنهى مسؤول الاتحاد الوطني الكردستاني حديثه.
وعند فتح باب النقاش، رفع صديقي يده طلبا للمداخلة والتعليق. وأعطي المجال له، وكان أول المداخلين.
قال (كما أخبرني) مخاطبا المسؤول: ان العراق في الوقت الذي ينتظر منكم مبادرة وطنية في إطفاء الحرائق المشتعلة في الوطن، تفضلون بدلا من ذلك على تكرار التكرار في ما جرى في حلبجة والأنفال اللتين هما من إنجازات العهد البائد الذي ولى إلى غير رجعة... إلا ان قيامكم بحشر التركمان والتهجم عليهم في موضوع لا ناقة لهم فيه ولا جمل، والتهجم عليه وإطلاق صفة العمالة والطورانية عليهم بمناسبة وبدون مناسبة يتنافى مع كافة معايير الإنصاف والعدل، وهو أمر يجب أن يتخلى عنه الإخوة الأكراد نهائيا.
ويواصل صديقي القديم مداخلته:
ـ ان التركمان كما نعلم جميعا لم يسيئوا إلى العراق والعراقيين قط طوال تاريخهم.. ولم يضعوا أيديهم في يد الجلاد صدام في يوم ما، ولم يستدعوا قوات أجنبية لدخول شمال العراق لسنوات لحل خلافاتهم أو لحمايتهم، ولم يقدموا آيات الخضوع والولاء المطلق للاحتلال!.. دعوا التركمان وشأنهم واحترموا خياراتهم. ويجب ان لا يكون تخوين التركمان وتهميشهم بمناسبة وبدون مناسبة مهمة من مهمات الحركات الكردية.. وكأنهم سبب كل ما حل بالشعب الكردي من مآس.. قليلا من الإنصاف والاحترام لخيارات التركمان السياسية!
ساد صمت مطبق على القاعة التي كان فيها أكثر من مائة شخص، وفي مقدمتهم المسؤول الذي هاجم التركمان وكأن على رؤوسهم الطير، كما يقال.
معلومة إضافية عن صديقي القديم الذي نقلت بأمانة ما قاله لي: صديقي هذا قضى عشر سنوات من عمره مع البيشمركة في الجبال دفاعا عن القضية الكردية!