لم يتغير المشهد العراقي بعد تشكيل الحكومة الانتقالية كثيرا. فالمشهد لا يزال بعيدا عن تحقيق الأمن والآمان والاستقرار. ويخطيء من يظن إنني اسبق الأحداث، وأمارس التنجيم فكما يقول المثل المصري ((الجواب باين من عنوانه)).
خاب فأل العراقيين فبعد أن ظنوا أن أعضاء مجلس الحكم سيخرجون بعد تشكيل الحكومة الانتقالية من الباب إلى غير رجعة، إذا بهم يشهدون استماتة غريبة من أعضاء المجلس في الاحتفاظ بمقاعد لهم أو للأحزاب التي يمثلونها. وكأن قدر العراقيين أن يظل بلدهم وسط النيران والخراب في أيدي سياسيين ثبت على مدى عام وبالدليل القاطع فشلهم الذريع في الحصول على ثقة شعبنا.
وبعد أن ثبت أن لا خير يرجى منهم لإصرارهم على البقاء في قوقعة المنافع الحزبية والطائفية الضيقة، فوجيء العراقيون بعودة نفس ممثلي المحاصصة الطائفية الذين لم يفعلوا شيئا للعراق، يعودون بعد عام من الصراع على المنافع الشخصية والسياسية والطائفية إلى تشكيلة الحكومة المؤقتة " خرجوا من الباب ودخلوا من النوافذ " (طبعا كل ذلك لا يمكن أن يحدث دون مباركة من قوات الاحتلال الأمريكي التي تبدو مصرة على لبننة العراق من خلال فرض النسب والمحاصصة الطائفية عليه(.
لم يبق أمام الشعب العراقي من وسيلة ومن أمل إلا الانتخابات (وعلى فرض أن هذه الأمنية ستتحقق)هل يمكن إشاعة جو الاستقرار والأمن في العراق خلال الأشهر الستة التي تفصلنا عن الانتخابات العامة، باعتبار ذلك ضرورية وأساسية لهذه الفترة؟ نأمل ذلك.
هذا الأمل لا يبعدنا عن الإلحاح في التساؤل: متى سيصدر قانون الانتخابات؟ وما هي الآليات المعتمدة في الانتخابات؟ حيث لا يزال في حكم المجهول النظام، الذي سيتم الاعتماد عليه كنظام انتخابي في العراق. فمن المعروف أن هناك ثلاثة أنظمة للانتخابات معمولة بها في الدول الديمقراطية في العالم:
النظام الانتخابي البريطاني: يتم على مرحلة واحدة، ويحصل الحزب الفائز على أغلبية المقاعد البرلمانية.يعتمد هذا النظام على مبدأ فوز المرشح الذي يحصل على أعلى نسبة من الأصوات في الجولة الأولى مهما كانت نسبة الأصوات من مجموع.
النظام الانتخابي الفرنسي: حسب هذا النظام تجرى الانتخابات على جولتين: الأولى يشترك فيها جميع الأحزاب، وإذا حصل فيها أي حزب على أكثر من ٥٠٪ من الأصوات يكون هو الفائز، وبذلك تنتفي الحاجة للجولة الثانية من الانتخابات. أما إذا لم يحصل أي مرشح على هذه النسبة، تعاد الانتخابات للمرة الثانية والأخيرة (كما حصل في الانتخابات الفرنسية الأخيرة التي كاد يفوز بها لوبان المنافس لشيراك). حيث يشترك فيها فقط الحزبان اللذين فازا بأعلى نسبة للأصوات ويكون الفائز من يفوز منهما بنسبة٥٠% أو أكثر.
وثمة نظام آخر للانتخابات هو نظام التمثيل النسبي. وهو أكثر عدالة من النظامين السابقين ويطبق في دول مثل إيطاليا وألمانيا واليونان وتركيا، حيث يفوز كل حزب بمقاعد البرلمان بنفس نسبة الأصوات التي تحصل عليها في الانتخابات العامة. حيث يحصل الحزب الذي ينال ٢٠% من مجموع الأصوات ٢٠% من مجموع المقاعد، وكذلك الحال بالنسبة للأحزاب التي تفوز بـ ٣٠% أو أكثر من أصوات الناخبين وهكذا.
ونظرا لعدم تمتع أي حزب من الأحزاب العراقية الحالية بالتأييد الشعبي الكاسح في الوقت الحاضر، فمن غير الممكن فوزه بالأغلبية المطلقة في الانتخابات. وبهدف تمثيل معظم الأحزاب في البرلمان العراقي المقبل، ورفع الغبن الذي مارسته ضدها الأحزاب الممثلة والمهيمنة على مجلس الحكم المنحل، يصبح من الضروري اختيار نظام التمثيل النسبي لأنه هو الأنسب للعراق الجديد الديمقراطي الموحد من زاخو وحتى الفاو، والذي يتيح حق التمثيل في البرلمان لجميع الأحزاب العراقية حتى الصغيرة منها، ويفتح المجال أمامها للمشاركة في الحكومات الائتلافية في المستقبل. كما حدث في ألمانيا من مشاركة حزب الخضر الألماني (وهو حزب صغير) في ائتلاف مع الحزب الديمقراطي الاشتراكي .
بعد اختيار الرئيس الياور رئيسا للعراق، علينا جميعا الاستعداد للمرحلة المقبلة لبناء وطننا من جديد، مرحلة الاختيار الحاسم لمستقبلنا ومستقبل الأجيال المقبلة: مرحلة الانتخابات.