هل سيساهم تأجيل المؤتمر في إزالة التجاوزات التي حدثت؟
صراحة لم أتفاءل عندما قرأت تعيين السيد فؤاد معصوم ( رئيس الوزراء السابق في حكومة الطالباني) رئيسا للجنة التحضيرية للمؤتمر الوطني، لضرورة أن تولي هذا المنصب شخصية وطنية محايدة بدلا من شخصية حزبية. وذلك بعد أن أثبتت الأيام لجميع العراقيين ان الإخوة الأكراد يفضلون حتى لو كانوا في مناصب قيادية وسيادية تقديم هويتهم الكردية على الهوية العراقية. واستمرار إخوتنا على هذا النمط في تسيير مهامهم الرسمية، سيؤثر بدون أدنى شك سلبا، على إجراءات حكومة أياد علاوي أو أية حكومة عراقية مقبلة.
مع الأسف صدق حدسي عندما بدأ معصوم مهامه باستبعاد 80 حزبا من الأحزاب العراقية بدعوى إنها لا تمتلك قاعدة جماهيرية. ولا ندري ما هي الآلية التي اعتمد عليها السيد رئيس اللجنة التحضيرية للتوصل إلى هذه القناعة ؟ ولا ندري أيضا القاعدة التي قرر على ضوئها أن بقية الأحزاب تستحق لها المشاركة، خاصة إذا علمنا بغياب قانون الأحزاب السياسية التي تنظم نشاطات الأحزاب في العراق.
كانت المفاجأة الأولى غير السارة للسيد معصوم هو ما حدث في كركوك عندما تشكلت اللجنة التحضيرية المشرفة على المؤتمر الوطني في كركوك من ستة أعضاء ٤ منهم تركمان مع عضو عربي وآخر كردي. وقد اعترض الحزب الديمقراطي الكردستاني على هذه النتيجة لكونها دليلا عمليا على عدم مصداقية مشاريعهم حول كركوك.
وعلى أثر ذلك هذا التطور غير المنتظر، نسي معصوم المحافظات الأخرى واخذ يركز كل جهوده بل ضغوطه بمعنى اصح على كركوك وحدها . (و حسب تعبير أحد أعضاء اللجنة) كان معصوم يتصل 30 مرة يوميا باللجنة ممارسا عليها شتى الضغوط لزيادة عدد الأكراد فيها، الأمر الذي اعتبره الدكتور فاروق عبدالله رئيس الجبهة التركمانية في تصريح له أدلى به لصحيفة ( الصباح ) العراقية، إخلالا بالقانون العام المعمول به في بغداد، كما وجه الأنظار إلى عدم ضم لجنة أربيل تركمانيا واحدا في صفوفها رغم الثقل السكاني للتركمان فيها، حيث تعتبر أربيل المدينة الثانية التي تتميز بالثقل السكاني للتركمان بعد كركوك.
من جانبها نددت حركة المستقلين التركمان بموقف الحزب الديمقراطي الكردستاني في اربيل واعتبرتها إخلالا صريحا بحقوق التركمان فيها. كما اتهم حزب ( تركمان ايلي ) فؤاد بالانحياز لصالح الأكراد.
عودة لموقف معصوم من تشكيل اللجنة في كركوك، ففي عرفه وعرف من لف لفه لا يجوز ان يحرز التركمان أي إنجاز حتى لو كانت نتيجة إرادة شعبية وطنية. بل أن عليهم أن يرضوا بالفتات.. وهو مالا يتطابق مع قيثارة الديمقراطية التي تعزف القيادتان الكرديتان على وترها ليل نهار، بينما هما على أرض الواقع لا تودانها لغيرهم.
رغم المحاولات المستميتة لمعصوم إلا أنه لم يستطع ان يعقد المؤتمر في الموعد الذي كان محددا لله مسبقا، اضطر في النهاية بعد تدخل الأمم المتحدة لتأجيله حتى منتصف آب الجاري بعد التعثرات التي أصيبت بها الحملة الانتخابية لمرشحي المحافظات وخاصة المحافظات الجنوبية ونشوب معارك وخلافات بين المشرفين عليها والمرشحين لها، إضافة إلى مقاطعة مثقفين وقياديين في الأحزاب العراقية ورجال الدين ومنهم ممثلو السيد السيستاني له،و تزايد الشكاوي المقدمة للسيد جمال عمر مبعوث الأمم المتحدة، والتي تركزت على سوء عمليات التصويت واستئثار بعض الأحزاب والجهات السياسية بها.
ان الديمقراطية المنشودة في العراق لا يمكن أن تتأسس بارتهان صوت الأخر وإلغائه.
الديمقراطية وحرية الرأي لا يمكن أن تكون مقاييسها حسب المسطرة الكردية ، التي لا ترى ابعد من أنفها. ففي هذه المسطرة،و كما أثبتت الأيام مع شديد الأسف، لا مكان للآخر إلا في التهميش والفتات.
هل سيؤدي تأجيل الانتخابات رغم إرادة القائمين بها، إلى تجاوز الأخطاء التي ارتكبت في حق الآخرين، والى إعادة النظر في التجاوزات التي حدثت لمصلحة بعض الأحزاب على حساب بقية الأحزاب العراقية ؟
نأمل ذلك فوطننا ليس بحاجة إلى خلافات تقضم ظهره المقوس أصلا من الفلتان الأمني وضياع الأمن والأمان والاستقرار، بل هو بحاجة إلى تضميد جروحه، ليقف على قدميه عزيزا، مكرما، ليصبح مصدر خير واستقرار لشعبه أولا ولجيرانه ثانيا.