في الانفجار الأخير الذي هز مدريد في ١١ آذار الجاري، اتفق الوكالات الصحافة العالمية أن الشعب الاسباني أظهر رباطة جأش ملفتة للنظر إزاء هذا الحادث المروع الذي خلف عشرات القتلى. فبدلا من البكاء والعويل على رؤوس القتلى والجرحى، هرع آلاف الاسبانيين إلى المستشفيات وبروح انضباطية عالية للتبرع بالدم. وخرج في اليوم التالي ١١ مليون اسباني ليستنكروا وبصوت واحد الجريمة النكراء.
ان الوعي الوطني لأي شعب من الشعوب يظهر جليا في الكوارث والحروب، حيث يقف الجميع يدا واحدا في مواجهة الصعاب والخروج بالوطن إلى مرافيء الاستقرار والازدهار. . بمثل هذه الروح الوطنية وصلت اسبانيا من دولة متخلفة بين دول الاتحاد الأوربي، إلى دولة تنافس في الرخاء والتطور الاقتصاديين دولا مثل ألمانيا وفرنسا.
ان الوطنية الحقة تظهر في الشدائد والمخاطر التي تحيق بالوطن. وكان النموذج الرائع الذي أبداه التركمان في المسيرة الجماهيرية ببغداد استنكار لتغيبهم من الدستور، وكذلك مسيراتهم بعد حوادث طوزخورماتو وكركوك المؤسفة، بمثابة الرد الحاسم على كل الذين كانوا يراهنون على تشتيت وحدة التركمان بتقسيمهم إلى سنة وشيعة ، وذلك بغية ضربهم وتسهيل تنفيذ مخططاتهم التآمرية التي تستتهدف تهميش دور التركمان والالتفاف على استحقاقاتهم الوطنية المشروعة في وطنهم العراق.
ان الوعي الوطني المتميز الذي يتميز به التركمان دفعتهم للانتباه إلى المؤامرات التي تحاك لهم في الظلام، فساروا في مسيرات في طوز وكركوك منددين بصوت واحد للأيدي الخائنة التي تتربص بهم في الظلام وتحاول طعنهم من الخلف. لقد كشفت وتكشف مسيرات التنديد والتظاهرات السلمية، ان الإعصار المدمر الذي يحاول ويخطط البعض له سوف لن يدمر بيت التركماني الشيعي لوحده، بل سيقتلع البيت التركماني في العراقي من أساسه. وأن الرصاص الموجه لصدر التركماني السني إنما موجه لصدور جيل كامل من التركمان، وأن شهداء (بشير) و( تسعين) و(طوز) أعزاء على قلب كل تركماني تماما بنفس معزة شهداء كركوك و(آلتون كوبري) و(أربيل). وكما أن ( تعريب) المناطق التركمانية لم تميز بين من يسكنها شيعة تركمان كانوا أم سنة، فان (تكريد) المناطق التركمانية وفي مقدمتها سيدة المدن كركوك، إنما هو نسخة ثانية من فيلم شاهدناه جميعا في العهد البعث البائد، ونيرانها ستطال جميع التركمان دون تمييز بين سنتهم وشيعتهم .
ان الشعوب في نهاية الأمر هي التي توجه حركة التاريخ مهما طال الزمن. وهي التي ستلفظ إلى الأبد الذين يحاولون رغم هذه الحقيقة ان يمسخوا ويزيفوا الحقائق التاريخية، ويلتفوا على المصالح الوطنية. ان الوعي الوطني الذي يتمتع به التركمان، كان الدافع الحاسم لتكاتفهم وتآزرهم في أشد مراحل التاريخ حلكة سواء في عهد صدام البائد أو بعد تحرير العراق، وقومية تمتاز بهذا الوعي من المحال ان يختار له البعض نيابة ورغما عنها دورا غير دوره الوطني وهوية غير هويته، واستنساخ أحزاب كردومانية (كردو ـ تركمانية ) لن يشفع لهم بشيء.
العراق هو وطن الجميع. وطن العربي والكردي والتركماني والآشوري واليزيدي والصابئي. ومثلما خرج ١١ مليون اسباني لاستنكار حادث الانفجارات المروعة التي أودت بحياة ٢٠٠ من الأبرياء، فان شعبنا المغيب بملايينه العراقية سيقول كلمته الفصل في نهاية المطاف، وسيفشل بإرادته الحرة وبأصواته الوطنية في يوم الانتخابات كافة المواد غير الوطنية في مشروع الدستور عند طرحه للتصويت.