في عدد (واشنطن بوست) الصادر ١٥ أيلول الجاري، ثمة تقرير حول أحداث تلعفر الدامية، يتحدث فيه مراسل الصحيفة ستيف فاينارو بالتفصيل عن تلك الأحداث، وقيام الطائرات الأمريكية بقصف المدينة التركمانية الأبية، تمهيدا لدخول القوات الأمريكية إليها والسيطرة عليها.
ويذكر المراسل أن قائد الوحدة العسكرية، بعد استيلاء وحدته على أحد القرى المحيطة بتلعفر، جمع رجال القرية، ثم سأل الجاسوس المرافق لهم والذي يسميه (المصدر) أن يؤشر ويريه (الإرهابيين). أشار العميل قائلا ((كلهم إرهابيون)!
بعد أكمال مهمته طلب العميل كما يذكر المراسل من القائد فورا مكافأته. يقول المراسل، لم أتحمل ذلك فسألته " كيف علمت أن كل هؤلاء من الإرهابيين؟ " وكان جواب المخبر ـ المصدر " لدي مخبر في القرية، وهو الذي ابلغني بذلك "!
هذا التقرير يكشف بما لا يقبل أدنى شك، الأسس التي يعتمد عليها القوات الأمريكية في قصف مدن بكاملها بحجة وجود رجال المقاومة فيها. يبقى من المهم أيضا السؤال، إلى أي مدى يجب الاعتماد على مصداقية هكذا (مصادر) والثقة بصحة ادعاءاتها التي تهمهما بالدرجة الأولى والأساسية الحصول على الدولارات الأمريكية. لشن الهجوم على سكان المدن وقصف بيوت الأبرياء وتشريدهم في الخيام؟
من الغريب حقا أن تنحدر أقوى دولة في العالم، وتلجأ رغم ما تملكه من تقنية هائلة وأقمار صناعية للتجسس إلى مثل هذه الطريقة التي يزيد يوما بعد يوم تخبطها في المستنقع العراقي. حيث لا يزال للمقاومين اليد الطولى في بغداد والفلوجة وسامراء وغيرها من المدن العراقية. كما أن عمليات القصف التي تطال الأبرياء، ومهما كانت مبرراتها باتت تزيد من كراهية العراقيين للقوات الأمريكية.
لقد اتبعت هذه القوات نفس الأسلوب، في عمليات قصف تلعفر جوا، أدى إلى مقتل أكثر من مائة مدني والى ترك آلاف الأبرياء من السكان لمنازلهم بطريقة تراجيدية.
لقد ترك هذا الحادث الباب مفتوحا لنظريات التآمر، والى توتر العلاقات تركيا وأمريكا، والى إشاعة حالة من عدم الثقة في المنطقة، كما كشف عن النوايا الكردية المبيتة فيها. والقوات الأمريكية، بدلا من أن تساهم في حل المعضلات القائمة في شمال الوطن، ساهمت بقصفها وحصارها لتلعفر مشكلة جديدة فيها، إلى تأجيج النار المستعرة في هذه المنطقة.
ولعل أهم حقيقة هي تلك التي عبر عنها السفير الأمريكي في أنقرة أريك ادلمان، بقوله:
" لسنا قلقين بالنسبة للأوضاع في تلعفر، بل أننا قلقون مما يحدث في كركوك من محاولات مستمرة في تغيير الواقع السكاني في هذه المدينة. حسب الأجندة الأمريكية، نعمل مع الحكومة العراقية على تحديد حقوق الملكية في كركوك عن طريق القوانين "
وأضاف ادلمان وبشكل لا يدع مجالا للشك " إننا لن نسمح بتغيير الواقع، والتوازن السكاني في كركوك عن طريق القوة أو العنف " (. لنا عودة الى هذا الموضوع في الاسبوع المقبل)
ان انفجار أحداث تلعفر أتى متزامنا مع إعلان تركيا عن رغبتها في إحياء مشروعها القديم في فتح خط حدودي ثاني مع العراق يربط منطقة اوواجيك إلى بغداد عن طريق الموصل وتلعفر، بغية رفع حجم التعامل التجاري مع العراق، وفتح قنصلية بمدينة الموصل، والتحرر من ابتزاز البرزاني لهذه النقطة لمصالحه الخاصة.