السياسة الكردية بين محاولات أحتواء التركمان وأحلامهم الأنفصالية
أن لكل شعب من شعوب العالم شخصيته المتميزة و مواصفاته الخاصة التي تميّزه عن الآخرين وقد يكون ذلك مصدر في اختلافهم فيما بينهم في الكثير من الأمور. ومن محاسن صفات الشعب الكردي- بخلاف الشعوب الأخرى- عدم قدرته على أخفاء نواياه مدة طويلة رغم محاولات قادتهم الّلف والدوران بعض الأحيان حول تفسير بعض الشعارات أو الطروحات مما يعطي صبغة تناقضية واضحة لمواقفهم السياسية تلكحيث سرعان ما تنكشف تلك النوايا و يعرّضون انفسهم الى انتقادات وردود أفعال قوية وسلبية من قبل القوى الوطنية العراقية في الداخل والخارج والقوىالأقليمية والعالمية.
فعلى سبيل المثال مناداتهم بالفيدرالية ضمن العراق ولكن هدفهم هو الأنفصال عن العراق وأعلان دولة كردستان. وادعاءاتهم –وبدون أدلّة- بكردية كركوك ثم زحفهم اليها مع الآف العوائل الكردية من جبال الشمال ومن غيرها ثم يعترفون بأن كركوك مدينة غالبيتها من التركمان وهي مختلطة من ثلاث قوميات. يحاولون أستمالة التركمان من خلال تشكيل أحزاب كارتونية من بعض أكراد كركوك على أنها أحزاب تركمانية مناصرة ، مؤيّدة و موالية لهم من أجل محاولة أحتواء الشعب التركماني للأنصهار معهم لتمرير مخطط الأنفصال عن العراق فأن أبوا – كما هو واضح- فبالتهديد وبالوعيد ... وأن أستمروا بالرفض مختارين عراقيتهم عندئذ يشنـّون الهجمات على مقراتهم الحزبية في كركوك و يمارسون معهم سياسة القرصنة مستغلين بذلك تسلحهم على أيدي الأمريكان. ولقد شهد الأسبوعين الماضيين هجمات من قبل مسلّحين أكراد على مقرات الجبهة التركمانية في كركوك في وضح النهار وحطموا ونهبوا ما فيها من كومبيوترات ووثائق من أجل أستفزازهم بل وأطلقوا عليهم الرصاص وبدون تردد مستغلين عدم تسلحهم!!
ومما يدعو للأسى والحزن السبات والتعتيم الأعلامي العربي والأجنبي المقيت على الأنتهاكات الكردية بحق شعب أعزل جـرّد من السلاح قسرا بسبب السياسة الأمريكية اللأنسانية في أسترضاء الأكراد على حساب الشرائح الأخرى للشعب العراقي مقابل تواطئهم معهم في الحرب الأخيرة كطرف حليف ضد الوطن العراقي مما حدا بهم الى الأستقواء ومن ثم الأستعلاء على التركمان وأضطهادهم في عقر دارهم وأنتهاكهم لحقوق الأنسان و بدون تردد ولا خجل.
ومما يثير الجدل والأستهزاء أيضا ما يدّعي بها بعض الشخصيات الكردية السياسية وأخص منهم السيد عادل مراد " بأن مصلحة التركمان تكمن مع الأكراد" ويبدو أن تفسير وتحليل هذا الطرح يعني دعوة التركمان للتضامن مع الأكراد (الأنصهار) من أجل الموافقة على تكريد مدينتهم (كركوك) وأشراكهم في مخطط تقسيم البلد ومن ثم الأنفصال عن العراق مقابل أمتيازات هزيلة تمنح لهم بعد ذلك. فالتجارب السابقة دّلت على أن المصلحة القوميةللأكراد فوق جميع الأعتبارات الوطنية بالنسبة لهم ومقابل ذلك تسحق المبادىء والوعود تحت الأقدام عند الحاجة. فالأنسجام والتوافق بين القوميتين مستحيل وسوف لن يحصل لأن الشعب التركماني يرفض الأنفصال عن العراق أولا وأنهم أختبر الأكراد في مواطن كثيرة وفي مواقف عديدة وخرجوا بنتيجة لن تتغير مهم حصل الا وهي أستحالة أندماج التركمان وتآلفهم مع الأكراد جملة وتفصيلا ثانيا. . وقد دلّت تجاربنا السابقة في مدينة أربيل (التي يعد أكثر من 60% من سكانها من التركمان) حين مسّـخت هويتهم القومية الى كردية تحت مختلف المبررات والذرائع.
ومن الأمثلة الحديثة والحيـّة قول أحد الأخوة الأكراد وهوالسيد محمد غريب-الذي يدّعي بأنه ولد وتربى في كركوك وهو يتبجح بكرديته قائلا بأنه 100% كردي! وهذا الموقف العنصري الذي أذيع على القناة الفضائية العربية يوم الأربعاء (4 آذار 2004) في مقابلة تلفزيونية مع الدكتور فاروق عبدالله زعيم الجبهة التركمانية ... لم يكن له لأي موجب أبدا سوى كشفه النزعة القومية العنصرية المعروفة عن الأكراد بل و يؤكد مضامين الأستخفاف والأستعلاء القومي وبعدهم عن النظرة الأنسانية للآخرين ضمن البلد الواحد... وهو يذّكرني بأغنية الفنان الكردي فؤاد أحمد ( سجّـلت في الستينات من القرن الماضي) عندما يقول "كيجه كرده كرد ئه بي كوره كوردة كورد ئه بي" (أي أن الفتاة الكردية ستبقى كردية والولد الكردي يبقى كرديا). لابأس أن يعتز الأنسان بقوميته كما نعتز نحن بقوميتنا التركمانية ويعتز العربي بقوميته شريطة أن لا يستخف الكردي بالآخرين فذلك مرفوض في قاموس الحريات والديمقراطيات التي ينادي بها السياسيون الأكراد عبثا! كفانا ماذقناه من سياسة الأستعلاء العربي وسياسة التعريب المستمرة لشعبنا ولمدننا من قبل السلطة البعثية فلا طاقة لنـا لتحمل المزيد من الأستعلاء الكردي ونرفض كل محاولات الأحتواء والأنصهار التي تعني بحد ذاتها محو الهوية التركمانية.
أن التركمان -الذين ثبـّتوا (بضم الثاء) في الدستور العراقي أبان العهد الملكي الدستوري قد ظلموا(بضم الظاد) ظلما شديدا في عهد عبد الكريم قاسم والزعماء العراقيين الذين أعقبوه وخصوصا في زمن النظام البعثي - يعيشون الآن أحلك الظروف في حياتهم النضالية في ظل الأحتلال الأمريكي للعراق والأحتلال الكردي لمدنهم التركمانية لا لجرم أرتكبوه ولا لموقف خياني ثبت عليهم لحد الآن سوى أنهم قوم يتكلمون بلغة غير لغة أخوانهم في الدولة الواحدة ولأنهم رفضوا التنازل عن قوميتهم عندما أضطهدوا من قبل النظام السابق. وهم يرفضون رفضا قاطعا جميع محاولات تقسيم العراق الى أشلاء ويؤكدون وطنيتهم لعراقهم فقط لا لسواه. وهم شعب مثقف (٧۰٪ منهم يحملون الشهادات) مسالم لايميل الى العنف ولا القسوة وللأسف فقد أستغلوا (بضم الألف والتاء) أستغلالا شديدا من قبل السلطات الحكومية سابقا ونعاني من الطغيان الكردي حاليا من أجل أذابتهم وصهرهم في بودقة القومية الكردية وفرض الأمر الواقع عليهم.
أن الهجمات المتلاحقة التي شنت من قبل المليشيات الكردية المسلحة على مقرات الجبهة التركمانية في كركوك يومي ۲٩ شباط و ٣ آذار هي أفعال همجية أجرامية أنتقامية يقوم بها هؤلاء المسلحون ضد التركمان العزّل للطغيان عليهم وكسر شوكتهم. وأنها لا تعتبر شجاعة ولا تفسر من البطولات الوطنية بل هي مواقف أنتهازية لا يقوم بها سوى القراصنة والكواسر الذين لا يفقهون شيئا سوى لغة البطش بالسلاح لمن لا يتألف معهم. أن هذه الأنتهاكات اللأنسانية بحق التركمان من قبل هؤلاء المليشيات الكردية ستسجل في سجل التأريخ ولن تنمحي كحقائق دامغة لأدانتهم و من يقف ورائهم من العنصريين ممن باعوا ضمائرهم ووطنهم لأعداء العراق وأعداء الأسلام مقابل أمتيازات مؤقتة سوف لن تدوم طويلا قبل أن يصحوا على أفعالهم النكراء. وسوف لن يستغرق كثيرا عندما يتنازل حلفاء اليوم عنهم - كما ذاقوها من قبل - حيث تخلى عنهم حليف الأمس شاه أيران سنة ۱٩٧٥ (أتفاقية الجزائر في ۱٩٧٥) عندما أستدعت مصلحة أيران الشاه التوقف عن مساندتهم وعن زويدهم بالسلاح فانهارت قواهم وأستسلموا لمصيرهم بالتخلي عن سلاحهم وأنتهت مرحلة من مراحل حرب الشمال في حينها لبضعة سنين تنفـّس فيها العراقيون الصعداء قبل أن تندلع بعد ذلك الوقت ولحد الآن.
أن بنود الأمم المتحدة الخاصة بحقوق الأنسان في البلدان المتعددة القوميات كالعراق مثلا تنص على أعتراف الدولة أو السلطة المركزية لحقوق تلك القوميات وصيانتها وتطويرها من أجل تأمين الأستقرار وتحقيق الأمن الداخلي لتلك البلد وهذا ما وقـّعت عليه دولة العراق كشرط لقبولها عضو في الأمم المتحدة. وأن المبادىء الأساسية لحقوق الأنسان تنص على حق الشعوب في المعاملة الأنسانية وحقهم في الحياة الآمنة والسعيدة والحرة ومنع التشريد والأبادة. وأن تعزيز وحماية حقوق الأشخاص المنتمين الى أقليات قومية أو أثنية أو أقليات دينية ولغوية يسهمان في الأستقرار السياسي والأجتماعي للدول التي يعيشون فيها (اعلان الجمعية العامة للأمم المتحدة في ۱٨ ديسمبر ۱٩٩۲). والمساس بهذه الحقوق من قبل السلطة أو القوميات الأخرى تعد خرقا فاضحا لتلك البنود لما يعّرض النسيج السياسي والأجتماعي والأقتصادي للدول وسلامتها الأقليمية للخطر (المادة ۲٧ من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية للأقليات). وان الهجمات المتكررة لمقرات الجبهة التركمانية تعد أنتهاكا لبنود هذه الأتفاقيات وأن هذه الأنتهاكات تعد ضمن الجرائم الخاصة ضد الأنسانية وحقوق الأنسان.
ولست مدافعا عن النظام البعثي عندما أقول بأنه قد منح الأكراد حقوقهم القومية والثقافية ضمن منطقة الحكم الذاتي بعد أستحداث مدينة الدهوك – حيث كانت قضاءا حينها ومنحهم أيضا مدينة أربيل كمحافظة ثالثة لهم ضمن بيان ۱۱ آذار ۱٩٧۰ . أما المظالم التي لحقت بالشعب الكردي فكانت بسبب تجاوز طموحاتهم الحدود المسموحة با والمتفقة عليها ضمن البيان أعلاه وكانت ردود فعل تأديبية للسلطة على تجاوزهم الخطوط الحمراء وكذلك لبعض المواقف الغير الوطنية التي وقفها الأكراد أبان الحرب العراقية الأيرانية من القيادة المركزية (الأنفال وحلبجة). أما ما حصل في أعقاب حرب الخليج الثانية (حرب الكويت) فكانت لأخراجهم من كركوك التي احتلتها القوات الكردية المسلحة في آذار ١٩٩١. وبتعبير آخر أن تلك المظالم التي لحقت بالأخوة الأكراد كانت نتيجة للأسباب المذكورة أعلاه ولم تكن سببا بحد ذاته حيث أن الأسباب تسبق النتيجة (هكذا يقول العلم). ومع ترحمنا على هؤلاء الضحايا فقد أستغلتهم القوى الكردية من الناحية الأعلامية أكبر أستغلال وما تزال من أجل الحصول على عطف عالمي تجاه الشعب الكردي. هذا في الوقت الذي لم يفلح التركمان في أيصال مظالمهم - التي فاقت قدرتهم كثيرا- الى العالم تحت التعتيم الأعلامي المحلي والعربي والدولي . والساسة الأكراد يتحجّجون بتلك المظالم من أجل تبرير أقامة دويلة كردستان كمكافأة وتعويضا لهم لما لحق بهم من أضرار في الأنفس والممتلكات وأدعائهم بأن أقامة دولة مستقلة ستوفر ضمانة لهم من بطش السلطة المركزية القادمة. فأن كان الأمر كذلك فأن من حق كل من التركمان والآشوريين والأرمن والشيعة ( في الجنوب) واليزيديين والسنة والصابئة أن يطالبوا بجزء من العراق كتعويض لما لحقت بهم من أجحاف وظلم وبطش في يد السلطة البعثية أيضا التي طالت جميع شرائح العراق وليس الأكراد فقط. وعندئذ سيصار الى تقسّيم العراق ألى ثمانية أو أكثر من الأجزاء لكي ينعم الجميع بحياة مستقلة. وهنالك جملة أسئلة تفرض نفسها دائما وها هي بعضها:
أليس هذا الأمر هو الحق بعينه من مطالبكم في أستقطاع العراق وأعلان دولة مستقلة؟. وعلى من تضحكون أنتم أيها الأخوة؟
أليس ما تنادون به من أنفصال وتقسيم العراق هو نفس ما تنادي به الصهيونية والماسونية واعداء العراق وأعداء الأسلام؟؟؟
أو لستم بعراقيين فعلا أم أنكم تنكرتم لوطنكم!؟؟ لقد حيرتم الحكومات المركزية المتتالية على حكم البلد بمطاليب الساسة الأكراد التعجيزية التي تفوق وتتجاوز حدود المعقول. فأذا طالبت كل قومية في العالم بدولة لها بسبب أختلافها مع حكوماتها على أمر ما ومنحت لهم ما يريدون فأن عدد الدول في الأمم المتحدة ستتجاوز بضعة الآف حينئذ لايتحمل مبنى الأمم المتحدة في نيو يورك هذه الأعلام وينهدم كل المبنى على رؤوس ممثلى الدول الأعضاء فيها!.
لماذا تتهمون الكتـّاب العراقيون (التركمان والعرب) الذين يخالفونكم بالرأي بالحقد والعنصرية والشوفينية ومحاولة النيل أو الأستخفاف من نضال الشعب الكردي والتضليل والضبابية وما طاب لكم من كلمات لأسكاتهم عن النطق بصوت الحق وقمع أفواههم بغية تمرير مخططات الصهيونية من خلالكم؟
لقد ثبت للعالم جميعا التعاون الأمني والأستخباراتي والعسكري للساسة الأكراد مع الكيان الصهيوني ولم يجرأ أحد من هؤلاء الساسة دحض تلك الأنتقادات لأنها حقيقة ثبتت عليكم ولا تستطيعون نكرانها!
و قبل أيام أثبت الأستاذ هلكوت حكيم أستاذ الدراسات الكردية في جامعة باريس" بأن الأكراد لم يشعروا يوما ما بأنهم عراقيون!" وهو يدعو صراحة الى خيار الأنفصال وتكوين دولة مستقلة. ويقول سياسي كردي آخر (السيد فرهاد عوني) " نحن لم نكن جزءا من العراق حتى ننفصل بل كنـّا جزءا ضم قسرا الى العراق بقرار من الأستعمار واللآن نطلب أن يفك هذا الأنضمام عودة الى طبيعته"!!! وهذه الحقيقة (وهي ولاء الأكراد لأنفسهم فقط وعدم ولائهم للوطن العراقي) قد سبق لي وأن نشرتها بنفسي في أحدى مقالاتي وتلقـّيت أنتقادات لاذعة من قبل أحد الكتـّاب الأكراد متـّهمني بالتضليل والأكاذيب والتلفيق!! وأنا أحمد الله تعالى كثيرا حيث جاء اليوم الذي ثبت عليهم وصفي هذا بلسان مثقفيهم ، وعندئذ صدق القول "من لسانك أدينك".
أن النضال الكردي وما يتضمن من طموحات في والتوسع خارج أطار حدود الحكم الذاتي المرسومة ضمن بيان ۱۱ آذار ۱٩٧۰ والأستماتة في الأستحواذ على كركوك وأجزاء من الموصل وديالى وما يتضمن في تقسيم العراق بات واضحا للجميع دون جدال. و بعض المطاليب التي كان السياسيون الأكراد يطرحونها في السابق بخجل وحياء بدءوا يتمشدقون بها الآن جهارا وبدون تردد بل وبالتهديد أحيانا أخرى. وما محاولات الضغط على أدارة الأحتلال ومجلس الحكم (بعد أحتكارهم له) والأسراع في تنفيذ مطاليبهم ( مستغلين ضعف البلد وفقدان الأمن وغياب الجيش النظامي وتسلحهم و بسبب تواجد الأدارة الأمريكية وأشرافها المباشر على حكم العراق) سوى مواقف أنتهازية واضحة يدركون جيدا بأنها سوف لن يتكرر مع قدوم حكومة مركزية ومع أعادة تأسيس الجيش النظامي العراقي. لذا فالفرصة الذهبية هذه مواتية لهم وقد لن تتكرر وهم يريدون قنصها بأي ثمن كان قبل أن يتحول مجرى الأمور بعكس ما يشتهون.
فالأولى بالسياسيين الأكراد العمل ضمن الحدود المقبولة وطنيا وأقليميا ودوليا وضمن أطار الوطن الواحد والأبتعاد عن الخطوط الحمراء وعدم تكرار مأسات الماضي وما لحق بأخوتنا من الشعب الكردي الشقيق بأضرار في الأرواح والأنفس والممتلكات بسبب أخطاء ساستهم وقادتهم. وأتقوا الله ياأخوتي القادة الأكراد وتحرّكوا ضمن المباح دون تجاوز الحدود الوطنية ولا تعتدوا على الآخرين يوم لاتنفعكم أمريكا ولا الصهيونية ولا أسلحتكم من أعادة الأمور الى ماكانت عليه.