لماذا هذا الأصرار على بقاء القوّات الأمريكية في العراق؟
أن العراق في نظر الغـرب والأمريكان و بسـبب تركـيـبـته الأجتماعية والعرقـية والأثـنية والديـنية والمذهبـية المتنوعة يعد نموذجا مثاليا لبلد حاوي على تناقضات المصالح الدولية التي من شأنها توليد الصراع السياسي والعرقي والصدام العسكري بين مكوناته في أي وقت. . . بحيث تستغل تلك الصراعات فيه لتحقيق مآرب غربية أستعمارية صهيونية كافرة. ومن أجل أحتواء هذه التناقضات والسيطرة عليها وأستغلالها وتجييرها للمصالح ألأستعمارية عملت الجهات الدولية على دعم بعض الجهات العراقية خاصة على أساس الأنتماء العرقي والمذهبي والتوجهات السياسية والأجتماعية المختلفة فشكـّلت منها أحزابا وتنظيمات متنوعة جاهزة ومعـدّة للعمل حسب الأوامر وعند الحاجة ولأ هداف مستقبلية مرسومة سلفا. وبالنتيجة فأن جل هذه الأحزاب مرتبطة بقوى خارجية تموّلها بالسلاح والأموال وتدعمها سياسيا وأعلاميا لتنفيذ أوامرها. ويقال أن عدد الأحزاب في العراق تجاوز أكثر من ۲۰۰ حزب منذ دخول قوات الأحتلال الأمريكية والمتحالفة معها أرض العراق. وهذا الرقم. . . يعتبر رقما مذهلا جدا و لايمت بأية صلة للديمقراطية نهائيا في بلد ليس له عهد بها من قبل بل الى وصول الفوضى السياسية اليه بيد المحتلين. ولا أقصد هنا جميع الأحزاب العراقية بل تلك التي صنعت بيد الغربيين أو في الغرب و أخرى ولدت من رحم أحزاب معروفة بعمالتها للغرب عبر تأريخها الدموي. لذا فأن توجهاتها ومواقفها لا يمكن أن تكون مستقلة أبدا أنما تملى على هؤلاء من قبل الأسياد خارج البلاد أو من الداخل بواسطة أدارة الأحتلال وكذلك من الأحـزاب الأم. فالسنوات العشرة الأخيرة من القرن الماضي أفرزت بعض التنظيمات السياسية وألأجتماعية والأحزاب التي قـّدمت نظرياتها وطروحاتها (الوطنية) في ايجاد الحلول لأزمة العراق المستعصية وأعـطت الحلول تلو الحلول من خلال المؤتمرات والأجتماعات التي صرفت عليها الملايين وكل كان يزعم بأن معه الدواء الشافي لجميع الأمراض العراقية والخروج من الأزمات السياسية التي تعصف بالعراق ولكن دون جدوى!!. فها نحن الآن خرجنا ومنذ أكثر من سنة من الأزمة السياسية و التي كانوا ينشدونها لا على أيديهم بل على أيدي القوات الأمريكية ولكننا أوقعنا أنفسنا في أزمات سياسية أخرى ونريد الآن تكبيل أيدينا بسلاسل أمريكية جديدة.
نعم أن العراقيين مد ينون للأدارة الأمريكية وحلفاءها في أسقاط النظام البائد بقوة الدبابات والطائرات بعد أن عجز العراقيون في ذلك. لكن على جميع العراقيين أن يعرفوا بأن المصالح السياسية والدولية و ألأقليمية هي التي لعبت دورا كبيرا في أسقاط السلطة الحاكمة في العراق ولم يكن ذلك محبة بالعراقيين أوبهذا الحزب أو ذاك كما يقول المثل العراقي (مو لسواد عيوننا)! ولكن أصرار بعض الأحزاب على ضرورة الأبقاء على القوات الأمريكية بعد أنتهاء دورها هو مثار الشكوك ومبعث الظن الى حد أتهامهم بالخيانةالوطنية!! صحيح أن معنى كلمة "الخيانة الوطنية" قد يختلف من دولة الى أخرى ولكن في منظور العراقيين يرادف معني العمالة للمستعمر والتعاون والتحالف معه ضد وحدة وأمن البلد وضد مستقبله. ومهما تكن الظروف والدوافع التي تدفع المسئولين في السلطة الى ذلك فلا يمكن بحال من الأحوال قبول الأعذار وتبرير مثل هذه المواقف بمبررات غير مقبولة.
ففي الوقت الذي تشكلت فيه لجنة خاصة بالأشراف على عملية الأنتخابات المزمع أجراءها في شهر يناير القادم، مازالت أعمال التفجيرات والأغتيالات السياسية مستمرة في العراق - وفي بغداد بالذات - رغم تنصيب رئيس للوزراء ورئيس دولة من قبل أدارة الأحتلال الأمريكية. هذا في الوقت الذي لا تبدو أن مسيرة الأوضاع السياسية في البلد سائرة نحو الأستقرار في ضل الحكومة الحالية للدكتور أياد علاّوي و بعد أنحلال مجلس الحكم الآنتقالي بل العكس حيث تصاعدت وتيرتها و أن المؤشرات تشير الى أحتمال التصاعد في الأيام أو الأسابيع القادمة.
ففي الأسبوع الماضي أعلن السيد علاّوي في خطاب رسمي ألقاه بتأريح ٤ حزيران من شاشة التلفزة العراقية و بعد أن بلغت حصيلة أعداد القتلى المعلنة من القوات الأمريكية أكثر من ٧۰۰ جندي لحد الآن ماعدا أعداد الجرحى والمعاقين - بأن بقاء القوّات الأمريكية وقوّات التحالف في البلد من شأنه الحفاظ على أستقرار العراق وأمنه ودعى العراقيين الى أنهاء عمليات القتل والأغتيالات السياسية وأعمال التفجيرات! وأكـّد أن أستهداف أفراد التحالف من شأنه خلق حالة من الفوضى والكارثة في البلد مشيرا الى ما فقدته القوات الأمريكية من أرواح ودماء في هذه الحرب منذ أندلاعها في شهر آذار من العام الماضي ولحد الآن!
وقد سبق أعلان السيد علاوي بشأن بقاء القوات الأمريكية في البلد تصريحا خاصا من قبل السيد "هوش يار زيباري" في مقابلة أجريت معه مصـّرا على ضرورة بقاء الأمريكان في العراق من أجل الحفاظ على (الأمن)!
أن لهذين التصريحين عدة دلالات واضحة لا تقبل الشك وهي لا تصب في مصلحة العراقيين ولا لصالح أمن البلد بل في مصلحة كل من القيادات الكردية المتحالفة مع الأدارة الأمريكية والسلطة الجديدة ولصالح قوات التحالف فقط:-
أولا: من ناحية القيادات الكردية فأن أستمرار بقاء القوات الأمريكية في العراق يعد ضمانا كاملا لهم في بسط نفوذهم على مدينة كركوك النفطية وأستكمال تغيير ديموغرافية المدينة التركمانية وتكريدها وطرد العوائل العربية منها وشراء بيوت وأملاك التركمان الأهالي الأصليين لكركوك بأسعار خيالية يسيل لها اللعاب تمهيدا لعملية الأحصاء (التعداد السكاني) القادمة. وتردنا معلومات من كركوك بأن مصدر بعض هذه الأموال من أسرائيل حيث يقوم بعض الأكراد الذين يعملون كوسطاء وسماسرة لهؤلاء اليهود في تسهيل مهمة شراء عقارات كثيرة مقابل ألاف الدولارات لليهود الذين تركوا العراق في نهاية الستينات. ومن ناحية أخرى تقوم القيادات الكردية بتقديم مبالغ أخرى للعوائل الكردية القادمين من المحافظات الشمالية والفيليين و(آخرين) لغرض توطينهم واسكانهم في المحافظة في الوقت الذي ترزخ كركوك تحت رحمة المليشيات الكردية المسلحة المدعومة من قبل الأمريكان. لذا فأن المحافظة على (المستعمرة الجديدة) تعد من أولويات القيادات الكردية في ضمان أستكمال تكريد كركوك قبل الأحصاء السكاني والسيطرة الكاملة على مفاتيح الأمورفي هذا الوقت الثمين الذي تتواجد فيه حليفتهم القوات الأمريكية في العراق و الذي يجب أن أستغلاله الى أقصى حد قبل فوات الأوان ويجب أن لا يفرط به نهائيا. والعكس بالعكس فأن رحيل القوات الأمريكية من العراق سيعد فعلا كارثة للقيادات الكوردية و الذي سيكون بداية لمأسات أخراجهم من كركوك من قبل السلطة الوطنية وأعادتهم من حيث أتوا. عليه فلا غرابة أن يقوم السيد " زيباري" - والذي كوفىء كعنصر كردي بالأحتفاظ بحقيبته الوزارية للخارجية في الحكومة الجديدة المكونة من ثمانية وزراء أكراد آخرين – من موقعه بدعوة القوات الأمريكية للبقاء في العراق الى أجل غير مسمى الى حين أعلان ما يسمى (بكردستان). فالمخطط الأمريكي - الصهيوني يسير بهذا الأتجاه (أسوة بدويلة أسرائيل في فلسطين والدولة المارونية في لبنان) لتكون شبيهة بأسرائيل التي زرعت في قلب الوطن العربي الكبير الذي تدين غالبيته بالأسلام لتفتيت قواهم واستضعافهم والسيطرة على عقولهم وأرضهم. فالهدف الأساس هنا هو تشكيل مؤسسات تقتبس مبادئها ومنطلقاتها وتوجهاتها من فكر الغرب والعولمة في محاولة لصنع شخصيات قيادية وكوادر عاملة تقود تلك المؤسسات السياسية والأجتماعية الذائبة في الأستعمار ذوبان الملح في الماء لكي تستلم زمام الأمور في البلد وتقودها حسب أهواء الأستعمار.
فالعجيب في الأمر أن القيادات الكردية- و بسبب تحالفها العلني مع الأدارة الأمريكية وما أثبتتها الصور الملتقطة في كل من شمال العراق وفي أسرائيل والخاصة بلقاء مسئوليهم بالصهاينة وعلاقاتهم الوطيدة معهم جهارا قد كوفئت في أدوار مهمة وحساسة لايصدقها العقل في كل من السلطة المركزية للعراق وفي السلطة المحلية للمناطق الشمالية في آن واحد!! لذا والحالة هذه فلا بد للقيادة الكردية - ومن أجل رد العرفان ومن أجل أستكمال مهمة تقسيم البلد - سوى توجيه الدعوة (الرسمية) للأدارة الأمريكية بضرورة البقاء للمحافظة على أمن الأكراد والقيادات الكردية معا (وليس الحفاظ على أمن البلد. . . فالفرق بين الأثنين كبير جدا)!!
ثانيا: رغم أن الأدارة الأمريكية ومعها القوات العسكرية الأجنبية المتحالفة ليست بحاجة الى دعوة رسمية من (الحكومة) العراقية المنّصبة من قبلها - الى سمة رسمية للبقاء في العراق بعد ٣۰ حزيران القادم الاّ أن مثل هذه الدعوة تعـد تبريرا شرعيا خاصا ستسجل في كتب التأريخ على اعتبارها بمثابة عرضا و طلبا رسميا من الحكومة العراقية نفسها بالبقاء في البلد وتأِشيرة دائمية بسبب الحاجة الحكومية لها! وعليه فأن الأستنتاج العام بحقيقة أخرى مفادها ان حكومة السيد علاوي غير قادرة على حفظ الأمن والنظام في البلد نهائيا وانه هو الآخر يريد رد الجميل الأمريكي بتنصيبه رئيسا للوزراء بجميل عراقي أجمل الا وهو توفير الأرضية الرسمية والحاجة الفعلية للقوات الأجنبية من أجل الحفاظ على (الأمن الداخلي) وتوفير الغطاء اللازم للحكومة الحالية للقيام ببعض الأدوار وتحقيق بعض الأنجازات في أدارة دفة البلد كسلطة مركزية بعد غيابها لمدة ۱٥ شهرا. وهذه الدعوة ببقاء القوات الأمريكية تؤكد الضعف الواضح لموقف السلطة المنصّبة و التفكك الأمني القائم الآن وخشية السيد علاّوي من ردود الفعل القوية والأنتقامية لأنصار الرئيس العراقي المخلوع بالمزيد من التفجيران والأغتيالات السياسية وكذلك التخوف من الجيش العراقي في استرداد السلطة من الحكومة الحالية بأنقلاب عسكري خصوصا أنها- أي السلطة الحالية- تفتقر الى الدعم الشعبي والدولي معا.
ثالثا: أن أعلان الحاجة الى بقاء القوات الأمريكية في العراق تعني منح المزيد من الفرصة للأدارة الأمريكية في ترتيب البيت العراقي كما تشتهيها والتخطيط الأبعد لمستقبل البلد والمنطقة معا حسب أرادتها وفرض الهيمنة على العراق. وهذا يعني بطبيعة الحال احتمال التخطيط الى تقسيم البلد الى أشلاء تنفيذا للمآرب الصهيونية بغية أضعافها وتفتيت ثرواتها، وتوسيع نفوذها من خلال بناء قواعد عسكرية في المنطقة، وسرقة المزيد من ثروة العراق الطبيعية من النفط والمعادن واستنزاف قدراته الذاتية من أجل تدميرها، وأستمرار الأستخفاف بالعراقيين وأستضعافهم للقضاء على ما تبقى من عزة النفس وكرامة الشعب العراقي التي نال منها النظام السابق الكثير.
لقد نجح الفرنسيون في (فرنسة) دول المغرب العربي وبعض الدول الأفريقية الأخرى وكذلك نجح الأنكليز في (أنكلزة) دول أخرى أما ألامريكان فقد جاء دورهم في أمركة العراقيين!! فالدعاية الأمريكية تـّدعي بأن ديمقراطيتها أعظم الديمقراطيات في العالم وهم يطمحون الى السيطرة على العالم وقيادة البشرية وأذلال شعوبها. وهذه الطموحات الأمريكية ليست خافية على أحد بل هي معلنة وعلى لسان مسئوليها أنفسهم. فالشعب الأمريكي في الولايات المتحدة الأمريكية نفسه غارق في بحر من القلق والأضطراب والعيش على الأعصاب مهما حاولت اجهزة الأعلام المأجورة والعملاء الأذناب أن يخدعوا الشعوب المستضعفة بكلام معسول يصـوّر الحياة في ظل نظام الديمقراطية الرأسمالية أنها حياة رغيدة آمنة تسودها العدالة والحقوق. فالجريمة في أمريكا أنتشرت بشكل مذهل الى درجة أن أذاعة نيويورك تبث الأخبار عن حوادث القتل بمعدل جريمة كل ثلث ساعة عدا حوادث السرقات والقتل والأغتصاب والأجحاق بحقوق مواطنيها من الزنوج والهنود الحمر والعرب المسلمين. فأذا كانت الأدارة الأمريكية عاجزة عن توفير الأمن لشعبها في الولايات المتحدة الأمريكية نفسها فكيف سيكون أستمرار بقاء قواتها في العراق مصدر أمن وأستقرار للبلد ألاّ – اللّهم - بقدر توفيرها غطاءا سياسيا لتحقيق مصالح ضيـّقة لبعض الأحزاب العراقية المتحالفة معها وللقيادات الكردية بالذات و رغما عن الأرادة الشعبية للعراقيين وضد مصالحهم، والمستفيد هنا أعداء العراقيين وأعداء الأسلام. لذا فأن أستمرار تواجد القوات الأمريكية بالنتيجة من شأنه أستمرار أعمال التفجيرات والأغتيالات في عموم البلد وزيادة الفتن الطائفية وأستمرار هضم حقوق أكثر من ثلاثة ملايين من التركمان والأجحاف في حقوق الأقليات وأعادة البلد الى حياة البداوة وأنتشار التخلف والعمليات الأجرامية اليومية المتنوعة. ويعد كذلك نذير شؤم مبيّّـت مما ينبـّأ الى نشوب حرب أهلية دامية لاسمح الله في عموم العراق بشكل أو بآخر يكون للأمريكان فيها دور المتفرج فقط لطاما أنها لا تطال على أفرادها و جنودها والاّ فسيكون رد فعلهم في الثأر من العراقيين أشد كما يعلم الجميع من الأحداث السابقة. . . والحالة هذه سيستمرالأستعباد والأستعمار الأمريكي للشعب العراقي الى فترات أطول وتستمر مأساة العراقيين بلا نهاية. . . وسيكون المدان بالخيانة الوطنية هو من دعى الى بقائهم في البلد - من أجل أطماعهم الضـيّقة - رغما عن العراقيين. أللّهم أشهد أني قد بـلّغـت.