الحكومة العراقية الجديدة في مواجهة التحديات الصعبة
تواجه الحكومة العراقية الجديدة المعينة من قبل "السيد بريمر" الحاكم المدني الأمريكي للعراق الذي غادر البلد بطائرة خاصة الى الولايات المتحدة الأمريكية مسرعا من الباب الخلفي - قبل يومين من موعد تسليم السلطة للحكومة العراقية- تواجه تحديات صعبة للغاية في الستة أشهر القادمة من عمر العراق. هذه التحـّديات تتلخص في: الجانب الأمني، النفط العراقي، أعادة أعمار العراق وأعادة الخدمات العامة، محاكمة صـّدام حسين والأحصاء السكاني والأنتخابات وأعادة العراقيين الى وظائفهم، أعادة بناء الجيش العراقي ومهمات كبيرة أخرى متعلقة ومترابطة بعضها ببعض بشكل عضوي.
فالجانب الأمني يأخذ الأولوية في قائمة المهـّمات الواجب أنجازها للعراقيين حيث أن أعداد الشهداء من العراقيين تزداد يوميا وبدون توقف نتيجة التفجيرات وأعمال القتل والأغتيالات التي تحصد الأبرياء والمستهدفين في آن واحد. وهذه الحالة أضفت على الحياة العامة طابع الفوضى واللا أمان وأفرزت حرب العصابات والخوف من المجهول . ففي الوقت الذي يتوعد رجال المقاومة بتصعيد الهجمات المسلحة بعد 30 حزيران تقول المصادر الرسمية في بريطانيا بأن أكثر من 80% من العراقيين لا يثقـون بالأدارة الأمريكية المحتلة ولا بأمكانيتها في حفظ الأمن ولا برغبتها بحفظ الأمن للعراقيين. فلقد فـقـد ما لا يقل عن 300 عراقي حياته في شهر حزيران بالذات جراء التفجيرات والهجمات التي شنتها المقاومة العراقية ضد قوات الشرطة المسّلحة العراقية أو جراء عمليات الأغتيالات أو الهجمات التي تقوم بها قوات الأحتلال الأمريكية أنفسهم.
فقد أصدرت الحكومة الجديدة ضوابط أمنية شديدة في محاولة لأحكام السيطرة على الوضع الأمني في بعض المحافظات العراقية وفرض حالة "منع التجول" والقيام بتفتيش البيوت بحثا عن الأسلحة والعتاد الحربية. بالأضافة الى أجراءات التوقيف والحبس بدون محاكمات وفرض أحكام الأعدام عند الضرورة من ضمنها أجراءات أمنية قسرية على صدام حسين. وهي تسعى لحصد نتائج ملموسة من تطبيقها لبعض الخطوات الأمنية والأجراءات الشديدة وبعكسها فأن ردود الفعل من قبل دعاة الديمقراطية (الأمريكان) ستكون مخيبة للآمال .
وفي تقييم لمدى كفاءة الشرطة العراقية المسلحة أتضح بأن أفرادها دون مستوى التدريب المطلوب لحماية ألأمن الداخلي وأن ما مجموعه ١٩ ألف فقط من أصل ٣۰ ألفا المطلوب توفره في الوقت الحاضر للقيام بالواجبات الأمنية. هذا علما بأن طلبات أكثر من ٣۰ ألفا من مجموع ۱۲۰ ألف من المتقدمين للآنضمام لمسلك الشرطة قد رفضت لأسباب وأعتبارات (أمنية!) وأن مستوى التدريب لخمسين ألفا منهم دون المستوى المطلوب للقبول بسبب أفتقارهم للتدريب والمهارات المطلوبة. هذا في الوقت الذي بدأ تدريب ٥۰۰۰ فقط منهم "كقوة تدخـّل أو أقتحام خاصة" لأغراض السيطرة على حركات العصيان أو حرب العصابات التي قد تحصل داخل المدن. ويعد عدد أفراد (الحرس الوطني) الواجب أنتشارهم للسيطرة على نقاط التفتيش داخل المدن هو ۳٥۰۰۰ من المدربين الجيدين بدلا من ٥۰۰۰۰ حسب ما كان مخططا له و تفويضهم ، أضافة الى الأمساك بنقاط السيطرة - بمهمة الدفاع عن الحكومة بدلا من أن يكونوا جزءا من قوات الشرطة فقط.
أما الجيش العراقي الذي أنحلّ وتصـّدع بسبب الأحداث الدامية فيعتبر الآن في عداد الشلل حيث يتوفر ما مجموعه ۲۳۰۰ عسكري فقط من مجموع ٧٥۰۰ تم التخطيط له لأعادة تعبئته من جديد وتم لحد الآن تدريب ٥۰۰۰ فقط من صنف المشات من قوات الجيش في الوقت الذي يرفض الكثيرون من قادة وأفراد الجيش الأنضمام الى الجيش الجديد المتشـّكل من قبل الأدارة الأمريكية.
النفط: يحتل البترول الذي يعتبر ٩٧٪ من دخل وأيراد الدولة الرسمية على المستوى اليومي يعتبر الآن أقل بكثير مما كان يصـّدر منه في عهد النظام السابق وذلك لكون مصادره في حالة تهديد مستمرة للتفجير والعبث من قبل المقاومة في الوقت الذي تسرق أيراداته الآن من الشمال والجنوب ومن الشرق والغرب وتدخل في جيوب الأقوياء المتنفذين في البلد. والعراق كان يصدر - حسب مصادر جريدة "الكارديان البريطانية" ما مقداره (١.٧ – ۱.٩) مليون برميل يوميا بالمقارنة مع ۲ – ۲.۲ مليون برميل يوميا قبل الأحتلال الأمريكي للعراق حسب الدراسة التي أجراها السيد وليد قدوري رئيس تحرير جريد " ميدل أيست أكونوميك سيرفي". وحسب تصريح السيد علاوي بأن الخسائر التي ألحقت بأنابيب النفط العراقية قد تجاوزت ۲۰۰ مليون دولار أمريكي لحد الآن، أضافة الى أن الخسائر التي ألحقتها هجومين كبيرين قرب البصرة على دخل الدولة من صادرات النفط ما مقداره ٤٥۰ مليون دولار أمريكي وسببت شحة في الوقود أستمرت مدة أسبوع.
أعادة أعمار العراق: أن أعادة أعمار البلد وأعادة الموظفين الى وظائفهم والخدمات العامة كالتعليم والصحة وغيرها تعتبر من أولى الأولويات التي من شأنها توفير بعض الأمن للمواطنين بشكل عام. ويعتبر معظم التمويل المالي الخاص بأعادة أعمار الدولة وأعادة بناء ها من مصادر خارجية وغير عراقية. ومن المؤمل أن تقوم الحكومة الحالية بأستئناف طلب المساعدات المالية من قبل الدول العربية والأسلامية لدعم العراق. وفي هذا الصدد تدّعي الحكومة الأمريكية بأنها قد خصّصت ما مجموعه ١٨ بليون دولار لمشاريع أعادة أعماره وخصّصت ۱۳ بليون من قبل حكومات أوربية أخرى حسب ما تقوله جريدة "كارديان" ولكن تم أستلام ۱۰٪ فقط من هذه المبالغ فقط في الوقت الذي يعد العراق محّملا في الوقت الحاضر بديون كبيرة جراء الحروب الأستنزافية التي خاضها في السنوات المنصرمة . وقد وعد من قبل تلك الدول التي تطالب بديونها بأطفاء ديونه وبعكسه فأن أغنى بلد في العالم كالعراق سوف يعود الى عهود الماضي ( قبل أكتشاف البترول فيه). وعملية أعادة الأعمارة ليست بالعملية السهلة حتما وبحاجة الى سنوات عديدة حيث دمّرت العديد من المباني السكنية كالدوائر والمستشفيات والمعامل والمدارس والخدمات الأدارية العامة كالصحة والتعليم وغيرها جرّاء الحرب الأمريكية وأصبحت في أدنى مستوياتها وأنقطاع القدرة الكهرباء مازال كما هو بشكل مستمر وأضعف من السابق علما بأن الأدارة الأمريكية لم تفعل الكثير في هذا الشأن لخدمة العراقيين.
محاكمة صـّدام حسين: يتطـّلع جميع العراقيين لمعرفة مصير" صـّدام حسين" ومصير بعض أعضاء ورموز الحكومة السابقة بعد الأستلام الرمزي للسلطة في 30 حزيران من قبل الحكومة المعينة من قبل الأدارة الأمريكية. والواضح أن تسليمه الى حكومة اياد علاوي هو تسليم قضائي فقط في الوقت الذي سيستمر قوات الأدارة الأمريكية بحراسته بتوصية خاصة من قبل منظمة الصليب الأحمر الدولية لتكون ظروف توقيفه ومحاكمته وفق الشروط الخاصة بالتعامل مع أسرى أو مجرمي الحرب المطلوبين للعدالة. وطريقة محاكمته الحالية في العراق والتي رأيناها من خلال شاشات التلفزيون ليست نظامية وليست وفق الشروط القانونية والدولية المتفـّق عليها مما تضع الحكومة الحالية نفسها في وضع عسير جدا أمام الرأي العام العالمي والأسلامي والعربي وأمام العراقيين أيضا، ومن شأنها تصعيد وأستمرار حالة اللا أستقرار الحالية.
الأحصاء السكاني: من الضروري أن يسبق الأحصاء العام للسكان توفير الأمن الداخلي وأعادة الخدمات الى الحياة العامة وأن تقام على أيدي وبأشراف أناس وطنيون يعرفون بالنزاهة لكي تكون عملية نزيهة وعادلة من دون الأجحاف بحقوق شريحة ما على حساب شرائح أخرى من خلال عمليات التزوير المتوقعة وبالأخص في المنطقة الشمالية حيث أن أدعاءات القيادات الكردية تتعالى بعائدية كركوك الى ما يسمى بـ (كردستان) وعمليات تكريد مدينة كركوك التركمانية والمناطق التركمانية الأخرى مازالت مستمرة في ظل مباركة الأدارة الأمريكية للأكراد والتي من خلالها سيطرت الشخصيات الكردية على السلطة المؤقتة لحكومة علاّوي وفي ظل فقدان السلطة الوطنية المركزية القوية، وأن عمليات سرقة وحرق ومن ثم تزوير سجلاّت الطابو والنفوس واسكان العوائل الكردية النازحين من الجبال فيها مستمرة دون توقف مما لا يبـّشر بالخير حيث سيظلم التركمان بالأخص ومن ثم تهضم حقوقهم من قبل القيادات الكردية كما هضمت في السابق من قبل الحكومات العراقية التي نكرتها في وضح النهار. كما ولا يصح أجراء أحصاء جزئي في مناطق من العراق دون أخرى. أضافة الى هجرة وتواجد ما مجموعه أكثر من ثلاثة ملايين عراقي الى خارج البلد وعدم وجود قنصليات وسفارات عراقية في الخارج من أجل ضمان أحصاءهم وأن غيابهم وعدم شمولهم بالأحصاء سوف يفسد العملية الأحصائية برمتها. في مثل هذه الظروف فأن عدم نزاهة نتائج الأحصاء وتزويرها مسألة منطقية من دون أدنى شك.
والأنتخابات: أن العملية الأنتخابية التي ستقام في بلد لا عهد له بها كالعراق وفي ظروف غير طبيعية نهائيا تعد عملية فاشلة جدا. حيث أن أعداد الأحزاب في تكاثر مستمر وهي تتراوح بين الأحزاب القوية المتحالفة مع الأدارة الأمريكية وبين الأحزاب التي لم نسمع عنها من قبل! بين شخصيات سياسية وأحزاب مشكوك في ولائها للبلد وللشعب وبين شخصيات وأحزاب لها ماضي نضالي عريق وقاعدة شعبية عريضة. وبين أحزاب عميلة لأمريكا ولأسرائيل ولا يهمها شيء سوى مصلحتها فقط ولا هـّم لها سوى الأستحواذ على ممتلكات الغير وتوسيع نطاق نفوذها على حساب الآخرين الذين لا أهمية لديهم بهم وبين أحزاب مستقلة وطنية يتأمل منهم الخير ولكن ترفضهم أمريكا !! ولا يعلم أحد – في خضم هذه الأحداث- أين سيكون موقع "الشريف علي بن حسين" الذي يجب أن يكون له أعتبار خاص في نفوس العراقيين لما يحمل من صفات وطنية مستقلة توفيقية لجميع الشرائح العراقية تؤهله أن يكون له شأن كبير في مستقبل البلد أن كانت الأدارة الأمريكية تريد للعراق خيرا.
ولا يعلم أحد منّأ ماهي الأسس التي سيتم عليها التصويت ومن الذي سيفرز الأصوات!! هل هم تلكم الأحزاب أنفسهم أم جهات دولية مستقلة؟! والعملية الأنتخابية تحتاج الى ملايين للصرف على المرشحين في حملاتهم الأنتخابية والتعريف بشعاراتهم والخ...فمن أين ياترى سيكون التمويل المالي وما هي شروط الممولين!؟. أضافة الى وجوب توفر ضوابط وطنية ودستورية ولجان مستقلة تتشكل لمحاسبة الرئيس المنتخب أن خرج عن المألوف وأصبح جلاّدا لشعبه. بعد كل هذا وذاك و في مثل هذه الظروف التي ستستمر حتما هل يعقل أن يصدق العراقيون أن يكون ( الرئيس المنتخب) والحكومة المنتخبة حكومة وطنية وغير سائرة في الركب الأمريكي! ؟
فالمواطن العراقي الآن في داخل البلد أصبح في أمس الحاجة الى ضمان حياته من الموت العشوائي وبحاجة الى تأمين حقوقه في بلده وبحاجة الى حصته من المال الذي أنقطع عنه جراء الحرب المستمـّرة ويحتاج الى الغذاء والدواء اللازم له ولعائلته لكي يعيش و يشبع قبل أن يفكـّر بالتصويت لصالح زيد وعمر. ويريد التأكد بان الذي سيصـّوت له ليس عميلا لأمريكا أو لأسرائيل ولن يصبح دكتاتورا فيما بعد.
والواضح أن العراق الآن يبدو وقد أنقسم على نفسه (ولو بشكل غير رسمي) الى أجزاء ثلاثة: فالجزء الشمالي قد أصبح في قبضة القيادات الكردية والمليشيات المسلحة المتباركة من قبل الأمريكان والموالية لها. والجنوب الشيعي يرفض الأحتلال ويكافح بالسلاح من أجل فرض نفسه على الساحة العراقية مقابل الرفض الأمريكي المستمر له. والوسط السني المتمـّثل بالمقاومة العراقية والجهات الأسلامية الرافضة لكلا الأدارة الأمريكية والحكومة الحالية المعينة من قبلها. وبين هذا وذاك يعيش المواطن العراقي أحلك أيامه التي صنعها له المستعمر الذي يدّعي بأنه جاء لتحرير البلد وأقامة الديمقراطية فيه.
فالعراق أصبح بحاجة الى سنوات عديدة لأعادة التأهيل والى أعادة بناء من الصفر في كل شيء بعد أن دمّر تدميرا كاملا. والحكومة الحالية التي تعتبر حكومة غير شرعية في نظر العراقيين - لكونها عيّـنت من قبل أمريكا- ستواجه مصاعب كثيرة في مسيرتها الأدارية رغم بقاء القوات الأمريكية لحمايتها.