لقد أعتمدت الأمبراطورية العثمانية ( في فترة حكمها التي تراوحت ستة قرون) في سياستها الدولية على الأسلام وكان هذا سر نجاحها، في الوقت الذي ضعفت في أواخر أيامها قبل أندلاع الحرب العالمية الأولى - لابسبب التهاء بعض مسؤوليهم بجمع الأتاوات والضرائب بل لتبني بعض قادتهم مفاهيم علمانية أخذت شكل القومية كبديل عن الأسلام (۱). هذا في الوقت الذي كان الأستعمار الغربي يستجمع قواه ويعد العدة و يخطط في الأيقاع بالأمبراطورية العثمانية ودحرها والسيطرة على بلاد الأسلام فكانت الحرب العالمية الأولى ١٩١٤-١٩١٨ البادرة الأولى للسيطرة الغربية على المنطقة لتنفيذ المآرب الصهيونية.
فالشعوب الأسلامية عامة وشعوب منطقة الشرق الأوسط خاصة تعيش المخططات الصهيونية الهادفة الى السيطرة على العقول والمشاعر من خلال حربها الفكرية والثقافية والعقائدية التي جنـدّت لها كل الطاقاتها الأعلامية وأجهزتها المخابراتية وقوتها المعلوماتية من أجل أنجاحها وتهية الأرضية المناسبة للسيطرة العسكرية على الأرض والمؤسسات القائمة هنا وهناك وذلك من أجل فرض الهيمنة الكاملة على هذه الشعوب لتحقيق أهداف أستكبارية شاملة بالسيطرة على خيراتها وتسخير دولها في السير في ركابها وفي خدمتها. وكانت نتائج الدراسات المستفيضة التي قام بها الرحـّالة والمستشرقون والمبشـّرون وجواسيسهم وعملائهم منذ القرن الخامس عشر أن توصلت اليهودية الى أن أفضل الأساليب لتحقيق غاياتها تلك هي:
أولا: الوقوف بوجه التلاحم بين المسلمين والدول الأسلامية وذلك بأثارة النعـرات الطائفية والمذاهب الفقهية وتجبيرها لخدمة التفرق بين المسلمين.
ثانيا: أقامة حكومات تابعة في سياستها للدول الأستعمارية الكبرى في العالم الأسلامي كأسرائيل في فلسطين والمارونية في لبنان والشيوعية في أفغانستان اللتان سقطتا بفعل ضربات المسلمين وحكومات علمانية عميلة أخرى هنا وهناك.
ثالثا: تشويه الأسلام بهدف تحطيمه من خلال وصفه بالأرهاب والجرائم والمذابح والكبت والتخلف والأرهاب...الخ.
رابعا: العمل على أفراغ الساحة الأسلامية من القيادات الواعية عن طريق السجن و التفجيرات والأغتيالات والأعدامات وتصفية قادة الفصائل الأسلامية أينما كانوا (۱). والأمثلة على التطبيقات الفعلية لهذه المقدمة البسيطة للمخططات الصهيونية في عالمنا الحديث مازالت حديثة قائمة معاشة وعالقة في أذهان الجميع .
بألأمس القريب شهد العالم أجمع أستشهاد الشيخ أحمد ياسين مؤسس الحركة المسلحة الأسلامية (حماس) وبالطريقة الهمجية المعروفة عن الصهاينة حفيظة المسلمين في كل مكان من بقاع الأرض وخصوصا في فلسطين في الوقت الذي صمتت الحكومات (الأسلامية) عامة وبالأخص الحكومات العربية وهي مذعورة لا تقوى على الأدانة ولا التعليق سوى أذاعة الخبر كخبر عادي ليس الاّ وذلك لسببين على الأقل أولهما: تجنبا من اتهامّها بالأرهاب أو داعمة للأرهاب أرضاءا للأدارة الأمريكية والغرب!! ، وثانيا: من أجل أحتفاظ الرؤساء والملوك على كراسي حكمهم وتفاديا لزوال عروشهم!!. هذا في الوقت الذي جابت شوارع قطاع غزة والضفة الغربية أمواج من المظاهرات تنـّدد بالجريمة وتتوعد اليهود بالأنتقام والثأر.
والشيخ ياسين كان رجلا مقعدا على عجلة متحركة منذ الطفولة ولايقوى على الحراك سوى بمساعدة مساعديه غير أنه كان قد أقضى مضاجع الصهاينة بعقيدته الدينية وبأيمانه بقدسية القضية الفلسطينية ومحاربة المحتلين مما حدى بالصهاينة وكالعادة- تعريفه بالأرهابي. ورغم شلله العام غير أنه كان عملاقا صلبا أعتقل عـدّة مرات وأهين وعذّب ثم أخلي سبيله في عمليات تبادل الأسرى بين الطرفين الفلسطيني والأسرائيلي قبل بضعة سنين. فالصهاينة لايفرقون بين الشخص الطبيعي والمقعد لذا فأن شلله لم يسلمه من بطش الصهاينة الذين قتلوه لا برصاصة مسدس كما يصوّبونها على رؤوس الأطفال بالذات للقضاء على النسل الفلسطيني ولا بأبرة مسمومة بل بصاروخ أطلق من طائرات أسرائيلية في الجو(تناسبا مع النفوذ والدور الكبير للشيخ ياسين كقائد أسلامي) وكان الشيخ صائما وخارجا من المسجد بعد أداء صلاة الفجر فقتل الشيخ الكبيرالمقعد شهيدا بعز وصعدت روحه الطيـّبة الى العلليين للقاء ربها.
ويأتي مقتل الشيخ ياسين ترجمة وتنفيذا لوعد زعيم الأرهاب الصهيوني "أرييل شارون" في تصفية قادة حماس حاملي راية الدفاع عن القضية الفلسطينية الحقيقيين في الوقت الذي سلم المسؤولون الفلسطينيون الآخرون (رئيس وأعضاء القيادة العامة لتحرير فلسطين والأحزاب المنضوية معها) من تهديدات الصهاينة ومن صواريخهم لكونهم لايشكـّلون أيّة خطورة ولا تهديد على أمن الكيان الأسرائيلي رغم ما نشاهد وما نسمع عنهم من مهازل الأنتخابات وصولات وجولات فلسطينية وزيارات ولقاءات عربية فارغة هنا وهناك.
والفلسطينيون - أصحاب الأرض الحقيقيون - متهّمون الآن بالأرهاب لكونهم يطالبون بحقوقهم فيها بينما تحوّل الغاصب المحتل الى صاحب الحق والأرض وسمح لنفسه ممارسة القتل والتصفيات البشرية بدعم من الأمريكان دون أن يجرأ أحد على الكرة الأرضية بأتهامه بالأرهابي!! وهو بأفعاله الأجرامية هذه يحاول تصفية القضية الفلسطينية عن بكرة أبيها بمن فيهم قادتها وشعبها دون أعتبار ولا لأبسط حقوق الأنسان للعيش في أرضه بعز وكرامة. ولقد سبق للأعلام الصهيوني في بداية القرن الماضي أن رفع شعار مفاده : "أدفع دولارا تقتل عربيا" وطبـّق هذا الشعار في حملات جمع الأموال لأسرائيل ومنذ عدة عقود ومازال.
والأرهاب معناه كل عمل او تصرف لا أنساني يقوم به الشخص (أو زمرة من الأشخاص أو حكومة ما) لأيقاع الرعب في النفوس قد تصل أحيانا الى القتل وذلك من أجل الوصول الى هدف ما، والأرهاب هو الذعر الناشىء عن العمليات اللأنسانية بحق الآخرين. وقد يكون الأرهاب بالسلاح - بأنواعه- أوبالتهديد باستخدام السلاح أو بالموقف أوالسلوك أو حتى بالكلمة ألخ.... وقد أختلف العلماء في تفسير مبررات هذه الأعمال الأرهابية حسب الهدف و الحالة التي تفرض على الأنسان في فترة ما وتحت ظروف مختلفة. وقد يولد البعض و ينشأ مجرما (ارهابيا) قاسيا يستـلـّذ في أرتكاب الجرائم في حق الآخرين. وقد يكون أحيانا ردود فعل (لا فعل بحد ذاته) لأفعال أرهابية تمارس ضد الأنسان نفسه من قبل أعداءه فيلجأ حينئذ الى الرد على تلك الأفعال (بأرهاب) مماثل. وفي هذه الحالة يكون البادىء هو الملام وهو الأظـلم كما يقول المثل!! وبالنسبة للحالة الفلسطينية فأن الفلسطينيون يرّدون - رغم بساطة أمكانياتهم - على الأرهاب الصهيوني المدعوم من الماسونية العالمية الذي أكتسح أرضهم وأحتلها ويقتـّل أبناءهم وقادتهم من أجل أبادتهم وأنهاء المقاومة تحت ذريعة تحقيق الأمن لأسرائيل. لذا فالحالة هذه لايمكن تبريرالأعمال الأرهابية الصهيونية ضد الفلسطينيين من قتل وتدمير البيوت والمحلات وغيرها - بحجة الحفاظ على أمن أسرائيل - كما لا يمكن في الوقت نفسه تسمية أعمال المقاومة الفلسطينية الأعلامية أرهابا بل دفاعا عن النفس ومحاولات لأيصال وأسماع الصوت الفلسطيني الى العالم الذي أهمل قضيتهم برمتها. والأعلام الغربي والصهيوني حـرّف الحالة بتعمـّد وغسل أدمغة شعوبها فجعل المقاومة الفلسطينية والدفاع عن حقوقهم أرهابا في الوقت الذي بـرّر الأرهاب الصهيوني المتواصل دفاعا عن الوجود الصهيوني وتحقيقا للأمن وحقه بالعيش على أرض فلسطين!!
وأنا لست بكاتب أسلامي ولا بفلسطيني ولكني أرى في السكوت عن الحق الأنساني أجحافا بالآخرين مهما كان دينهم ومذهبهم وقوميتهم وعرقهم. ففي هذه المقالة المقتضبة سأحاول الأشارة الى أسباب ومصدر هذا الحقد الأسرائيلي والأرهاب الصهيوني على الشعوب الأسلامية عامة والشعب الفلسطيني خاصة.
أن لليهود مصدران (التوراة والتلمود) لهما تأثير قوي جـدّا في تشكيل "النفسية اليهودية" و"العقلية اليهودية" وبالنتيجة "المخططات اليهودية" واللذان يوحيان اليهم بأهداف وجودهم ومنهج وصولهم الى تحقيق أهدافهم. فأما التوراة فهي الكتاب السماوي المنزّل اليهم على النبي موسى (ع) وقد أدخلوا عليه تحريفات عديدة لتناسب نزعاتهم العنصرية والأستعلائية والتوسعية. وأمـّا التلمود فهو كتاب مؤلّف (كتاب وضعي أي مصدره البشر) يجمع حكمة حكمائهم و وصايا قادتهم ومنظّـريهم وموجهيهم، الاّ أن له قداسة في نفوسهم أشّد من قداسة التوراة نفسها.. فخلاصة التوجيه المستمد من الكتابين معا هي أن "اليهود شعب متميّز عن كل أهل الأرض!!" لأنه شعب الله المختار الذي أختاره الله لمزايا معينة تتوفر فيهم ولا تتوفر في غيرهم وأن من حقهّم - ان لم يكن من واجبهم - أن يسودوا العالم كلّه ويسيطروا عليه ويتـّخـذوا من شعوب العالم عبيـدا لهم وتسخيرهم لقضاء مصالحهم وتحقيق أهدافهم بهم! أما الأزمة اليهودية مع البشرية فقد نشأت من تفسير عبارتين في التوراة ألا وهما: وكـلـّم الرب اسرائيل قائلا: "سأنزل ياأسرائيل وأضع السيف في يدك وأقطع رقاب الأمـم وأستـلـذّها لـك". وقول التلمود: "الأمميون (المقصود هنا: كل الأمم والشعـوب من غير اليهود!!) هم الحميـر الذين خلقهم الله ليركبهم شعب الله المختار وكـّلما نفق منهم حمارا ركبنا حمارا آخر"!! (٣).
فاليهود يعتبرون العرب أرخص من الحطب البشري السريع الألتهاب المتوفر في الجموع البشرية. وقد عصروهم من كل ما في طاقاتهم من صبر وأمل. وكانت القضية الفلسطينية في بدايتها قضية كل المسلمين على الكوكب الأرضي ثم حاربتهم اليهود و ضايقت الأسلام والدول الأسلامية فخرجت القضية من أسلاميتها فتحوّلت عندئذ الى قضية عربية فقط. ثم أستمرت بالضغط فحوصرت لتتحول بعدئذ الى قضية رباعية (مصرية – أردنية – سورية - فلسطينية) ثم لفظت الدول الثلاثة الأولى من المعترك العربي فصفـّت القضية فلسطينية صرفة وهي أضعف ما تكن خصوصا وأنها بقيت بأيدي السياسيين الفلسطينيين الذين يحاولون التعامل مع القضية بالذل والخنوع والمسايسة مقابل الأستهتار الأسرائيلي بهم.
فالعرب كانوا يعتقدون ومنذ ١٩٤٧ ومازالوا بانهم عاجزون عن أستعادة الحق المشروع لأنهم يعتبرون أسرائيل مستطيعة بغيرها لا بنفسها فلا داع للحرب أذن!!. (٤). والأمريكان هدفهم صيانة الدولة اليهودية من الهـدم العربي لذا فهم (الأمريكان) يتدخلون من أجل الحفاظ عليها بواسطة أو بدون الأمم المتحدة. والأمم المتحّدة عليها أن تغـلق أبوابها بعد أن فقدت قيمتها ووزنها وأحترامها أمام شعوب العالم!! وعلى الأمين العام للأمم المتحدة السيد كوفي عنان (الذي يبدو لي أصبح قرة قوز العصر) أن يضمر رأسه في تراب أفريقيا كالنعامة بدلا من أبتساماته الذليلة عند مقابلة الوفود والمسؤولين الأمريكان والغربيين، فلم تبق (بضم التاء وكسر القاف) له الأدارة الأمريكية أية قيمة تذكر سوى رواتبه الشهرية ... ولم يعد له دور يذكر ولا سلطة يفتخر بها!!. فلا غرابة في ذلك لو علمنا أنه رشح لهذا المنصب من الأدارة الأمريكية نفسها خلفا لبطرس غالي لكون الرؤيا الأمريكية- الصهيونية للمرحلة الحالية التي نعيشها تحـّتم أن يترأس الأمم المتحدة شخص لا شخصية له ينفـّذ ما يؤمر به ولا يخرج عن طوع أسياده الذين نصبوه (أمينا عاما) على أمم العالم.
أن "التعايش السلمي" الذليل بين العرب واليهود الذي تقــّره القيادة العامة الفلسطينية وتعمل من أجله - وهي مازالت تحلم بأقامة دولة فلسطينية - هو ليس ما يرضى به الدين الأسلامي وأن رضيت به الزعامات العربية . فالتأريخ يشهد بأن راهنت الثورة العربية الكبرى بحسن نوايا الأمبراطورية البريطانية وحصانتها من الأمبراطورية العثمانية فكانت النتيجة أفتراس البريطانيين للثورة العربية ولم تنفع صداقة البريطانيين للعرب في منع اليهود من أفتراس فلسطين فقد أكلت الدول العربية الحصرم (٥)!! والرجولة السياسية - وللأسف - مفقودة في أخلاق الزعامات العربية ولا يمكن معالجة هذا الموقف بالصمت او بالأماني أو بالرقابة و بالتدجيل أو بكلام الببغاوات والضحك على الشعوب وكأنهم أطفال حيث لاردود عربية على الأنتهاكات الأسرائيلية على الشعب الفلسطيني وقادتهم. هذا في الوقت الذي تحسب للعباطة العربية أن الحكم المطلق معصوم من الخطأ ! وقد جرّبناها في العراق فحصلنا من وراءها الويلات والدمار. ولم يفلح اليهود في أستضعاف العرب ألاّ لأن أكثر القوة البشرية العربية فاقدة لحريتها الفردية في بلده يستعبدها فرد أو رئيس دكتاتور أو فئة أو زبانية جاهلة بكل معنى الكلمة أرتكبت من الحماقات ما جلب الويلات على شعوبها وأوصلتها الى هذا العار الذي نعيشه الآن! والغرب (والأمريكان) ودوائر الماسونية الآن في حرب ضد الأسلا م أينما كانوا لأعتقادهم بأنهم مصدر الأرهاب وعليهم بمحاربتهم بحجة مكافحة الأرهاب العالمي متناسين بأنهم هم السبب في جميع المآسي التي تعيشها الشعوب الأسلامية عامة. والملاحظ على الوضع العام في العالم بأن جميع الدول التي يقطنها المسلمون تعيش حالة اللا أستقرار والفوضى والدمار والتخلّف والفقر والجوع - ولكن بدرجات متفاوتة – مقارنة بالدول الغير أسلامية. والحالة السياسية في الشرق الأوسط عامة والعراق خاصة هي مثال حي لما نعيشها من حرب شعواء ضد الأنسانية وأحداث قتل وتدمير والتصفيات وضد الحريات العامة وضد تطلـّعات الشعوب الأسلامية نحو النهوض والتقدم. وقد يكون سبب ذلك ناجم عن تشويه الماسونية لمبادىء الدين الأسلامي الحنيف و الذي أدّى الى التفسير الخاطىء بكل ما هو مسلم أو ينـّسب للأسلام بشيء.
ولابد من الأشارة الى أن الأسلام يواكب الأنسانية ويعمل على تحقيق القيم والمثل والمبادىء الأنسانية الرفيعة لدى الفرد والأسرة والمجتمع والدولة من أجل أن تسود علاقة المحبة والحرية والأمن بين الأفراد (أدعو الى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن أن ربك أعلم بمن ضــّل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين" صدق الله العظيم . والأهم من ذلك أن الأسلام يهتم بأن تكون هذه الأهداف نابعة من داخل الأنسان، وغير مفروضة عليه بقوة الحديد والنار ، فهو يجسدها في تعاملها الأجتماعي أفرازا عمـّا يكنـّه في نفسه من عقيدة وأحاسيس وهو بعيد عن ما يسمونه بالأرهاب. والأفرازت السائدة التي أفرزتها الحضارة المادية هي أبشع صور الفساد الأجتماعي وأقسى مراتب الأستبداد السياسي الذي لم نعهده من قبل وهي الأن تطبـّق على العراق. وما نراه الآن في فلسطين من تصفية القادة الفلسطينيين الأسلاميين (فقط) دليل واضح على الحقد الصهيوني الغربي الكامن ضد الأسلام والمسلمين في كل مكان (٦). أمّا الحالة العراقية فهي الأخرى لا تعتبر حالة شاذة وخارجة عن معهود تلك المخططات الصهيونية.
فالحقيقة التي يجب أن لا ينساها العراقيون هي صحيح أن الأمريكان والبريطانيون حقـقـّوا للعراقيين ما فشل الشعب العراقي - ولسنين - من تحقيقه بالتخـّلص من صـدّام ونظامه ولكن الوضع الحالي في البلد يتدهور يوما بعد آخر مما ينذر بوقوع المزيد من المآسي والويلات والدمار. والأحداث الدموية المتكررة التي نسمعها في العراق هي ردود فعل من قبل العراقيين ضد الأحتلال ورفض التواجد الأمريكي وضد الوضع الشاذ الذي يعيشه العراقيون ولاتعتبر أفعالا بحد ذاتها. وبصريح العبارة: أن هنالك أفعالا خاطئة (قد تكون مدروسة و متعمـّدة فعلا) ترتكب من قبل الأدارة الأمريكية والغربية والمتحالفين معها من بعض أعضاء مجلس الحكم والسياسيين الأكراد في العراق في فترة الأدارة الأمريكية ما بعد سقوط النظام هي التي فرزت حالة العنف والتدمير والقتل اليومية مما يوحي بأن العراق أصبحت نسخة مستنسخة من الحالة الفلسطينية من تفجيرات وأغتيالات وتصفيات جسدية لقادة ورؤساء بعض الأحزاب الوطنية التي تنادي بوحدة التراب الوطني والتي تندد بالتقسيم.
فتحقيق الحد الأدنى من التوازن السياسي ومنح الحقوق العادلة لمكـّونات وأطياف الشعب العراقي الدينية والمذهبية و القومية والعرقية من أجل خلق الأستقرارالسياسي في البلد ليس من مصلحة المحتلين أبدا. بل أن من مصلحتهم أستمرار هذه الحالة الشاذة وتأخير تحقيق الأستتباب الأمني من خلال ترجيح كفـّة جهة عرقية أو سياسية على أخرى وهضم حقوق شريحة على حساب أخرى هي التي تضمن البقاء الأطول للمحتل. والخسائر البشرية التي ينالها المحتل في العراق بسبب هذه السياسة الصهيونية هي متوقعة ومحسوبة بالنسبة لهم و تعد قليلة مقابل الخسائر البشرية والمادية والنفسية والأقتصادية والعسكرية الكبيرة التي لحقت بالعراقيين وما يعانون منها لحد اللآن ومنذ سقوط بغداد قبل سنة تماما.
وما من شك - أن الوضع قد يسوء أكثر في حالة جلاء القوات الأمريكية من العراق في مثل هذه الظروف الغير الطبيعية- مما ينذر الى مصيبة أكبر قد تنتظر العراقيين لاحقا. لذا فأن الحل الأمثل يكمن في ضرورة محاولة الأمريكان فهم وأستيعاب الحالة العراقية بشكل شامل من أجل تحقيق التوازن السياسي بالتوقف عن الدعم اللا محدود لجهة حزبية أو عرقية أو أثنية- لموقفها الأنتهازي من حالة الضعف العراقية - على حساب الجهات الأخرى ونزع السلاح منهم وعدم الأجحاف بحقوق جهات سياسية أخرى لها مواقف وطنية واضحة تنادي من أجل تحقيق العدالة الوطنية. وكذلك ضرورة الأسراع في أعادة الأوضاع العامة والخدمات الى وضعها الطبيعي وتوفير فرص العمل لجميع العراقيين والعمل الجاد لتوفير المناخ الصحيح لأنتخاب رئيس للبلد ان كانوا فعلا راغبين في تكملة ما بدؤا به في أذار العام الماضي.
المصادر:
١). الحركات الأسلامية الحديثة في تركيا . حاضرها ومستقبلها. أحمد نوري النعيمي. دار البشير . الأردن ١٩٩٢.
٢). أفلاس الأحزاب العلمانية. علي عطية . بيروت . لبنان ١٩٨٥.
٣). رؤية أسلامية للعالم المعاصر. محمد قطب. دار الوطن للنشر. الرياض المملكة السعودية. ١٩٩١
٤). قضايا أسلامية معاصرة على بساط البحث. يوسف القرضاوي. مكتبةالرحاب – الجزائر ١٩٩۰
٥). في أصول النكبة العربية. د. عمر حليق. ألدار السعودية للنشر ١٩٦٨.
٦). المعالم الأساسية للمنهج التربوي في الأسلام. مؤسسة البلاغ.