رسالة مفتوحة الى السيد بول بريمر والى من يهمهم الأمر: العراقيون ليسوا بهنود حمـر
بعد أن غدرت أدارة التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية بالعراق وبالعراقيين غداة أنسحاب الجيش العراقي (النظامي) المفاجىء والسريع من الكـويت في آذار ۱٩٩۱ (بأمرغير متوقـّع من صدّام) تعرّضت قطعات جيشنا الباسل الى أبشع مجزرة شهدتها جيوش العالم في التأريخ الحديث . حيث أستشهد منهم مئات الآلاف أمّـا حرقا في داخل المدرعات المتسارعة والمزنجرات المنسحبة أو نتيجة النيران الكثيفة التي أنصبّت عليهم بفعل طيران التحالف (الأمريكي -الغربي - العربي). وأستشهد الباقون ممّـن كان راجلا ونجى منهم من كتبت له الحياة. وحين رأت الجماهير هذا المنظرالبشع وما لحق بالجيش العراقي و(فرار) بعض العسكريين الذين أيقـنوا فشل أدارة دفة الحرب من قبل رئيسهم الغير العسكري أصلا.... ثارت على اثرها المحافظات الجنوبية ورفعت لافتات تقول (مات الجيش وأنتهى صدّام) . فأشتعلت على أثر ذلك نار الأنتفاضة المسلّحة من الجنوب وانتشرت شمالا نحو بغداد بتوجيه مباشر من قبل أذاعتي: صوت أمريكا و مونت كارلو العميلتان للمخابرات المركزية الأمريكية. تلاها هيجان القوة الكردية المسلّحة في المحافظات الشمالية الفوري - مغتنمين فرصة (سقوط) الجيش وفقدان الأمن والسلطة من المحافظات الشمالية وهروب مسئولي البعث – ثم أسرعوا بالمطالبة بالأنفصال عن العراق وأقامة دولة لهم وأحتلوا على أثرها مدينة كركوك وضواحيها!!
والحقيقة أن الأنتفاضة المسلّحة كانت وسيلة شعبيةوعفوية أنطلقت للخلاص من النظام البعثي حيث شارك فيها العراقيون من القوى الشيعية بشكل رئيسي ثم أنضم اليهم العديد من أبناء الشعب بمختلف قومياتهم ومذاهبهم وفئاتهم الوطنية. وأستبشرالعراقيون خيرا من أن الوقت قد حان لزوال واندحارالنظام وأستنصروا الأمريكان ظنـّا بأن قوّات التحالف ستساندهم لأسقاط السلطة الحاكمة. غير أن مسار الأحداث تغيّرت فجأة في الساعات الأخيرة من الحرب بعكس توقع الشعب العراقي وحتى عكس أعتقاد قيادة الجيش الأمريكي والمتحالفين معها فجرت الرياح بما لاتشتهيه السفن!!. فقد أستقال قائد قوات التحالف الجنرال الأمريكي نورمان شوارزكوف (أحتجاجا) على سير العمليات الحربية عندما أيقـن خسة السياسة الأمريكية وأهدافها القذرة من حرب الكويت حين رفضت الأدارة تكملة ما بدأت به في الحرب بالأطاحة بالرئيس العراقي. بل احتفظت الأدارة الأمريكية به لتكملة الشوط الثاني من تدمير البلد عندما رفضت دعم الأنتفاضة المسلّحة. فأمرت بالسماح للقيادة العراقية بأمكانية تحليق الطائرات العراقية السمـتية المقاتلة (والتي سبتت طيلة فترة الحرب) بالطيران من دون أن يتعرض الى نيران القوات الأمريكية- من أجل أخماد الأنتفاضة الشعبية والقضاء عليها. وعلى أثرها باشرت قوات الحرس الجمهوري - التي لم تشترك في الحرب لحد تلك الساعة- وكانت هي والقيادات الحزبية المسلـّحة والجيش الشعبي وقوات الأمن تنتظر هذه المهمة الخاصة في تصفية الأنتفاضة في عموم القطر عندما تعلن ساعة الصفر. فأنطفأت الأنتفاضة الشعبية التي شارك فيها نسبة عالية جدا من العراقيين ومنهم الكثير من قيادي الحزب وأفراد من قوات الأمن والأستخبارات العسكرية!!. وبدأت عندئذ صفحة أخرى من صفحات الذل والمهانة التي عاشها الشعب العراقي بأستمرار بقاء صدام حسين في الحكم بعد ذلك. وكان التبريرالأمريكي بذلك هو أن قوّات التحالف قد حقـّـقـت أهدافها في أخراج الجيش العراقي من الكويت وكفى ... وليس من شأنهم أنقاذ الشعب العراقي من حاكمهم فذلك مسئوليتهم وحدهم !!! ولم يكن من مصلحتهم أن يؤتى بحكومة غير معـدّة (بضم الميم وفتح العين) بعد لحكم العراق ... لذا فقد فضّلوا بقاء صدّام في الحكم الى حين تهيئة الوضع للمستقبل. عندها فقدت الولايات المتحدة الأمريكية مصداقيتها وبانت أهدافها الشرّيرة في المنطقة ولم يعد الشعب العراقي يثق بكل ما هو أمريكي بل قرر أعتبارهم أعداءا الى حين أثبات العكس.
واستمرالأعلام العراقي والشعبي المعارض في المنافي بالتركيز على هذا الجانب بعدم الثقة بالأدارة الأمريكية وأنها كانت السبب في مأسات العراق والعراقيين. وقد سبـّب ذلك أحراجا واضحا للأدارة الأمريكية فيما بعد مّما جعلها تشعر بالذنب وبتزعزع ثـقة العراقية بها بشكل كامل وهذا ما جعلها تخطط للمستقبل.
وكان من المفروض على الأدارة الأمريكية أن تكمل مابدأت به بالأطاحة بالنظام وتسليم السلطة الى العراقيين لينعموا بالحرية و بالكرامة الأنسانية بعد أن أستبيحيتا من قبله ان كانت فعلا تريد أنقاذ العراقيين منه. ولكن الأمر لم يقتصر سوى على تدمير الجيش العراقي والحاق أكبر الخسائر به وخلق الفتن الداخلية وحصد مئات الآلاف من الضحايا من العراقيين ، وأدخال دويلة الكويت الذليلة بمعاهدات دولية وعسكرية للحفاظ عليها وكذلك من أجل تأمين الحصول على قواعد عسكرية فيها للمستقبل الأمريكي. ومن جانب آخر أستطاع النظام حصد رؤوس مئات الآلاف من العراقيين في غضون أيام قليلة بواسطة أفراد الحرس الجمهوري والجيش الشعبي وقوات الأمن الذين هرب و أختفى أكثرهم عن الساحة تماما خوفا من أنتقام الشعب منهم أثناء الأنتفاضة أو قام آخرون بمشاركة المنتفضين فعلا بنـّية كشفهم فيما بعد للسلطة لتصفيتهم مستقبلا. وقد شاهد الكثير من العراقيين قيام بعض الحزبيين من ذوي الدرجات الحزبية العالية (أعضاء فرق وشعب) بحمل السلاح - في مواقف خيانية واضحة لاشك فيها - ضد حزبهم وتم تصويرهم وهم يشتـّمون بصدّام ويكفرون بالنظام وبالجيش!!!. غير أن هؤلاء ما لبثوا أن أنضموا الى قوات الحرس الجمهوري فيما بعد عند دخول الأخيرة الى المدن المنتفضة مؤكدين أنتهازيتهم الواضحة أيضا!!! وأندحرت القوات المسلّحة الكردية القادمة من الشمال والتي أحتلّت كركوك وأنسحب من بقي منهم على قيد الحياة الى من حيث جاء...وأختلط عندئذ الحابل بالنابل وتزعزعت ثقة العراقيين حتى بأنفسهم فتلاشت الآمال وانعدمت من الجميع وبدأ الكل يشك بالآخر ولا يثق به. وكانت النتيجة أن بدأت السلطة بالفتك والبطش بالعراقيين المنتفضين وبمدنهم وحتى بالأبرياء منهم ممن لم يحملوا السلاح ضدّهم، فكانت الحصيلة آلاف المقابرالجماعية في عموم البلد ومئات الآلاف من الأرامل والأيتام ... وعاش القائد المقدام!!! وفي النهاية نجح الأعداء في الحاق أكبر الخسائر بابناء البلد واذلال شعبه ونجحت الخطة الصهيونية من نتيجة مسرحية أحتلال العراق للكويت!!
وأستمرت معاناة العراقيين- بعد سنة كاملة من الحصار - أكل العراقيون فيها نشارة الخشب والتراب مع الخبز- ۱۲ سنة أخرى الى أن قررت الأدارة الأمريكية أن تصحّح خطأها الكبير فشنّـت هجوما دمويا عنيفا للعراق قي ۲۰ آذار ۲۰۰٣ بحجّة القضاء على الأرهاب وأسلحة أسلحة التدمير الشامل للعراق!! غير أن الأيام أكـدّت بأن الأدارة الأمريكية لم تحتل البلد لأنقاذ العراقيين من النظام بل لتحقيق أهداف الصهيونية العالمية وتدمير البلد وتقسيمه الى أشلاء وقتل أبناءه والأستحواذ على خيراته وسرقتها!! فالأحداث التي أعقبت سقوط بغداد بدءا من أطلاق يد القوات المسـّلحة الكردية في أحتلال كركوك والمدن التركمانية الأخرى (كجهة متحالفة معها) مقابل نزع السلاح من التركمان وتهميش دورهم ودور الأقليات كالكلدوآشوريين، و تشكيل مجلس الحكم الأنتقالي من الأحزاب العراقية العاملة في المنفى ومن الأحزاب الكردية فقط (الذين نالوا حصة الأسد فيه)، وتأسيس قوات الشرطة، وأعلان الدستور المؤقت، والأعادة الجزئية للخدمات العامة ، والصرف الجزئي لرواتب بعض الموظفين، في الوقت الذي يسرق فيه البترول العراقي من البلد في وضح الشمس عبر الحدود العراقية والدول المجاورة له وتغيير ديموغرافية المدن التركمانية - القائمة على قدم وساق منذ أول يوم للأحتلال أمام مرأى ومسمع من الأدارة الأمريكية لصالح الأكراد - كل ذلك ماهي الاّ أجراءات شكلية لاتخدم الصالح العام العراقي بشيء ولا تصب في المصلحة الوطنية أبدا بقدر ما هي أجراءات تخدمها هي والقوى الكردية المتحالفة معها فقط. أمّا بقية الشعب العراقي فقد أصبح حطبا بيد الأدارة الأمريكية ليس الاّ... وهي تهين الأسلام وتهين العراقيين و تتهم البعض بالأرهاب وتقـتـّل النساء والأطفال والشيوخ وآخرين دون ذنب وتسجن وتحرق وتنشر الفوضى في بلد ماكانت في فوضى قبل أحتلالهم الأسود وتهدم البيوت الآمنة والمساجد بحجة وجود جيوب مقاومة وجيوب أرهاب ... فالمقاومة الوطنية في شريعة أمريكا باتت تعد أرهابا والأحتلال الأمريكي أصبح واقعا يجب قبوله وخيانة بعض القوى العراقية للوطن العراقي ولشعبه بالتحالف معها أصبحت حلالا!! (ألم أقل أنه زمن أنقلاب المبادىء؟!) فلا يستطع أحد لحد الآن تبريرالأجراءات الأدارة الأمريكية المحتـلّـة في تنكرها لحق المقاومة الوطنية لشعب يرزح تحت الأحتلال منذ سنة كاملة!! ولا أعلم بأي حق تحـّول الغاصب الصهيوني المحتل الى حافظ للأمن ضد شعب أحتله بالأمس وهو يقاوم من أجل أسترداد كرامته وحقه الأنساني في بلده!!
هل ياترى حسبت يا مستر بريمر والأمريكيون أن الشعب العراقي والمقاومون العراقيون هم هنود حمر أمريكا الذين أغتصبتم أرضهم قبل أكثر من 500 سنة وبنيتم عليها عزّكم و أمجادكم؟ وهل ظننتم أن العراقيون سوف يخنعون للذل والمهانة ويخافون مدرعاتكم التي تقاتلون من داخلها فقط دون الجرأة للخروج منها الاّ في الليل المظلم؟! هل صدقتم أن الشعب العراقي الأبي سيرضى بأستمرار الأحتلال الأمريكي تحت أية ذريعة كانت؟؟ ألا تعلمون أن القوى الوطنية العراقية لن ترضى بالتعامل مع الأدارة الأمريكية وتخـوّن كل من يتعامل معهم وتحت أي مبرر كان. فالعراقي يفني نفسه ويضحـّيها في الذود عن دينه و في تحرير بلده وفي الحفاظ على عرضه وأرضه من المحتل الصهيوني الذي لا يقيم وزنا لا لدين ولا لشرف ولا للأعتبارات الأخرى في العراق. فالنيران العراقية بدأت تلتهم كل محتل غاصب من أمريكان وغيرهم من الجنسيات الأخرى الذين وطأت أقدامهم أرض العراق الأشم.
فالعالم جميعا- وهنا في أوربا بالذات - بدأ يدرك الآن بأن الحرب (العالمية) الأخيرة ضد العراق و التي تقودها أمريكا منذ آذار ۲۰۰٣ أنما بدأت الأسبوع الماضي فقط بعد مقتل أربعة مقاولين أمريكان يعملون لصالح الأدارة الأمريكية على يد المقاومة الوطنية العراقية. وسوف لن تنتهي الاّ بخروج المحتل من أرض العراق. أنها بدأت فعلا بعد أن أيقنت القوى الوطنية العراقية بأنها انخدعت بالأهداف الخافية الحقيقية وبالوعود الأمريكية والغربية الجوفاء في تحرير العراق وفي أقامة نظام ديمقراطي حر فيه. فالمسألة لا تعدو سوى أستعمارا مباشرا لأ ستعباد العراقيين وتقسيم بلدهم وسرقة ثرواتهم وتمكين أسرائيل في الأرض.
أن الأعداد المعلنة لقتلى الجنود الأمريكان والغربيين بدأت بالتزايد على يد المقاومة الوطنية العراقية. وبدأت أبواق الأعلام الأوربية والأمريكية الشعبية منها والرسمية ترمي بثقلها على سياسة دولها لتغييرها و تهـّدد بسحب الثقة من حكوماتها وتنذر بتسقيطها وأفشالها في الأنتخابات الرئاسية والحكومية القادمة. وأصبحت هزيمة كل من بلير وجورج بوش قاب قوسين أو أدنى في الأنتخابات المقبلة في كل من بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية. ولقد أن الأوان للقوى السياسية العراقية أن يدركوا بأن الأمريكان والغرب ليسوا حلفاء للعراقيين ولن يكونوا كذلك مستقبلا. فالذي يحركهم هو مصالحهم ومصالح الصهيونية العالمية فقط. ولقد أن الوقت للجميع أن يعودوا الى رشدهم وأن يفكـّروا ببلدهم وبمستقبله فقط ونبذ كافة الأهواء الحزبية الضيـّقة والطموحات القومية الشوفيتية البغيضة لبعض القوى اللاهثة خلف الأحلام والتي لاتخدم مصلحة العراق ولا شعبه.
ولا يفوتني وأنا أستعرض الوضع الداخلي والأمني في العراق ان أسدي نصيحة وطنية لقادة الشعب الكردي: فأعلموا أيها الأخوة أن حلفاءكم الأمريكان كانوا بحاجة لكم أثناء الأحتلال فقط وأنهم أستخدموكم وما زالوا يستخدمونكم كحصان طروادة ليس ألاّ لتحقيق أهداف مرحلية ضيقة فقط. فما أن ينتهون من مهمتهم التي جاءوا للعراق من أجلها فسوف يتركونكم قريبا لتلاقوا مصيركم المحتوم مع الحكومة العراقية الجديدة التي ستتشكل قريبا شأتم أم أبيتم ... وسوف تتخلى عنكم وبسهولة بعدما تبلغ أعداد ضحاياه المئات فقط!!! .فالتأريخ سيعيد نفسه و عندئذ سوف تترككم حليفتكم للسلطة العراقية التي لا ترحم كل من باع وطنه للغاصب المحتل بثمن بخس مقابل أماني فارغة وسراب يختفي كلما اقتربتم منه. وأني لأرثي أخوتنا من الشعب الكردي الذي سيدفع الثمن نيابة عن قادة الأحزاب الكردية و سيكون ضحية سياستكم الخاطئة بتحالفكم مع أعداء الشعب والتي تنتهجونها على أمل تقسيم العراق و أقامة دويلة كردية لكم . وأنصحكم بأعلان التوبة وبالعودة الى الصف الوطني قبل فوات الأوان لكي يذكركم التأريخ بأنصاف ويبرر انخداعكم بأعداء العراق من صهاينة وأمريكان .... وأعلموا أن الأعداء ما أستطاعوا شن هذا العدوان على الشعب العراقي لو كان الشعب كلّـه كتلة واحدة غير مقسـّمة على أساس المصالح القومية الضيقة. فالعراق قوي بشعبه ككل (بعربه وأكراده وتركمانه وكافة أقليـّاته المتآخية) وبكافة طوائفه ومذاهبه المكونة له... "وذكـّر أن نّفعت الذكرى * سيـذّكـّر من يخشى* ويتجنبها الأشقى* الذي يصلى النار الكبرى * ثم لا يموت فيها و لا يحيى* ......" صدق الله العظيم (سورة الأعلى ٩-۱٣).