أستمرارا في تكملة مقالتي المنشورة يوم۱۲ شباط ۲٠٠٤ في صحيفة - كتابات - الغراء بعنوان "هل أصبح العراق على شفا حفرة من حرب أهلية؟ ". .
ان جميع المتتبعين لظاهرة التفجيرات في العراق - منذ سقوط النظام في نيسان ۲٠٠٣- لابد وأنهم لاحظوا أن بدأياتها كانت مقتصرة على شكل حوادث منفردة صغيرة نسبيا هنا وهناك من بغداد. وقد ظن الكثيرون أنها ردود فعل عفـوية من قبل العراقيين للرد على المحتلين الأمريكان وردعهم وأخراجهم من البلد. وراح البعض الآخر بأنها من تدبير رجالات ومؤيدي النظام السابق من أجل محاولة أعادة صدام حسين للحكم حينما كان مازال طليقا وشاط آخرون بعيدا بأنها من صنع مجاهدي القـاعـدة! ! لكن التفجيرات الحد يثة تختلفت كثيرا عن سابقاتها من ناحية وتيرتها وحجمها وقوتها والأهداف المنتقاة حيث بدأت بالتصاعد والتوسع لتشمل مدن أخرى من العراق غير بغداد والفـلّوجة (الحلّة وكركوك والموصل) وتنـّوعت الأهداف المستتهدفة من قبل المنفـّذين لتشمل مراكز الشرطة، والمقرات والمؤسسات التي يتركز فيها المسئولين والمسؤلين أنفسهم و مباني حكومية وغيرها. وهنالك رسائل مختلفة ومعيـّنة يحملها كل تفجير يحصل في البلد مما توحي الى حقيقة كونها غير عـفـوية كما ظـّن بها البعض بل هنالك تخطيط وتنفيذ دقيقين وأختيار للأهداف وتوقيت خاص لكل منها. لذا فمن السذاجة الظن بعفويتها وكونها ردود فعل عامة ضد التواجد الأمريكي في البلد. فبالأضافة الى تنوع و تداخل أهداف ونوايا المنفذّيـن تبرز هناك حقيقة قوية بأن ورائهم عقول تفـّكر وأموال مخصصة وأناس يخطّطون و يعملون في الظلام وفي ضل الأحتلال الأمريكي البريطاني الصهيوني.
فلو أخذنا بنظر الأعتبار طبيعة المجتمع العراقي الكوكتيل والقينا الضوء على النسيج السياسي العراقي فأن أفضل تعريف له هو أن المعادلة السياسية العراقية معادلة صعبة جـدا وحلّها أصعب ليس على العراقيين فحسب بل وحتى على أدارة الأحتلال ومن معهم من مجلس الحكم والمتحالفين الآخرين. هذا التعقيد في النسيج العراقي قد يفرز التعددية في مصادر تلك التفجيرات ومخططيها ومنفذيها. ولكي نستوعب الحالة العراقية المعقـّدة هذه والمستجدات الحاصلة في الفترة مابعد سقوط النظام و لكي نحل رموزها علينا بتمحيص دقيق لجوانب عديدة من الحالة السياسية هذه من أجل الخروج بفهم أكثر أقناعا للعقل ومن ثم تقديم الحلول اللازمة لأنهاءها وبعكس ذلك فأن الأمور سوف لن تسير لصالح البلد نهائيا. خصوصا أن هذه التفجيرات بدأت تنهش بجسم الوطن ولايكاد يمر يوم الا ونسمع تفجيرا واحدا على الأقل ومزيدا من الخسائر في الأرواح والأنفس والممتلكات وبدأت تحصد و تأكل الأخضر واليابس في ظل قوّات الأحتلال الأمريكية البريطانية التي من أحدى واجباتها هي المحافظة وتوفير الأمن للعراقيين أن كانت نيتهم سليمة فعلا.
وبداية لابد وأن نتناول ماهية الأمبريالية العالمية وأهدافها في المنطقة وسياستها في البلدان المحتلة و نعيد للأ ذهان حقيقة نواياهم من أستمرار هذا الوضع في العراق وتفاقمه يوما بعد آخر.
تعـرّف الأمبريالية (الغربية والأمريكية) هي نظام سياسي يقوم بموجبه شعب ما أو عرق ما أو دولة ما بفرض السيطرة على شعب آخر أو عرق آخر أو دولة أخرى. وتؤكد بعض المصادر السياسية (۱-٣) بأنها فكرة تحمل في داخلها الروح الصليبية الحاقدة على الشعوب المسلمة. فلقد سبق للأمبريالية العالمية في بداية القرون الماضية وأن أتخذت شعار تحرير القدس من الدولة العثمانية عندما أستجمعت القوى الأوربية ونظـّمت نفسها وأخذت من الكنيسة كامل الشرعية لوحدتها الروحية والسياسية قبل مناداتها للحرب ضد الأسلام و المسلمين في الحروب الصليبية التي بدأت في عام ۱٠٩٦-۱۲٠٤م تحت شعار(أستعادة الأراضي المقدسة). غير أن الهدف كان الأنتقام من المسلمين والسيطرة على بلادهم. وكانت هذه الحروب بمثابة حرب عالمية فعلا لكون الأوربيون كانوا يعتقدون أنهم بسيطرتهم على القدس سوف يسيطرون على العالم أجمع. وهذه هي الفكرة الصهيونية من أحتلال فلسطين ثم توسيع أحتلالهم ليشمل من الفرات الى النيل مترجمين بذلك مقررات المؤتمر الصهيوني الأول عام (۱٨٩٧م -۱٣۱٥ ه) في مدينة بال بسويسرا. .
وهاهم قد سيطروا على القدس منذ عقود فجاء دور الدول الأخرى في الطابور بداءا بالعراق ثم الدول المجاورة الأخرى.
والملاحظ أن الحملات الأستعمارية الحديثة أتخذت شعارات أكثر جاذبية و تأثيرا على الشعوب وعلى الأعلام وهي: حقوق الأنسان. . . والأمن العالمي. . . . ومكافحة الأرهاب. . . . والعولمة. . . وغيرها. وأما سر هذه الحملات فهو شعور لأمبريالية الى ضرورة العمل الدائب للحيلولة دون نهوض بلداننا و يظهر من خلال أحقاد دفينة موروثة من الآباء أيام كان الأسلام يتابع فتوحاته في عهود النهضة الأسلامية، والخوف الشديد الذي ينتابهم من أن ينهض الأسلام ويحتل مركز القوة في العالم من جديد خصوصا وأنه يمتلك أسباب قوته في فكره وتراثه وثرواته البشرية والنفطية والزراعية وغيرها. أذن فأن مشاعر الخوف والحقد أفرزتا مواقف وممارسات ومؤامرات وتحالفات لا تهدف سوى لترسيخ التخلف والأنحطاط في الأمة.
والمتتبع لتأريخ العراق يستطيع القول أن العراق رغم ماذكر أعلاه عاش فترة أستقرار نسبي منذ ۱٩۲٠ ولحد منتصف الخمسينات عندما حاولت بعض القوى السياسية العربية (التقدمية) الأنقضاض على الحكم الملكي وتحويل البلد الى جمهورية (كتقليد صورة طبق الأصل) أو أستنساخا لثورة يوليو ۱٩٥۲ في مصر! فجاء أنقلاب ۱٩٥٨ المشؤوم وأطيحت بالملكية الدستورية وتحـّول العراق الى جمهورية الأنقلابات ألعسكرية (ثلاث انقلابات في ظرف عشرة سنوات فقط ۱٩٥٨-۱٩٦٨) وما رافق ذلك من حالة البلبلة واللا أستقرار التي عاشها العراقيون بعد ۱٩٦٨ حيث خضنا ثلاث حروب متتالية و مـدمـّرة وهي (الحرب العراقية الأيرانية، حرب الكويت والحرب الأخيرة ناهيك عن حربين داخليتين الا وهما حرب الشمال والأنتفاضة المسلحة ۱٩٩۱). وهذه التفجيرات تعد أستمرارا للحرب الأمريكية البريطانية الأخيرة التي مازالت قائمة لم تنته بعد حسب الحسابات العسكرية وقد تستمر الى فترة لا يعلمها سوى الله تعالى.
والأحتلال الأمريكي مستمر الى ما بعد ٣٠ حزيران بتصريح من السيد بريمر يوم ۲٣ شباط وهو قابع على قلوب العراقيين، وأعضاء مجلس الحكم مشغولون بأمور تهمهم أكثر كالأنتخابات والأحصاء وألأنتقال الوهمي للسلطة وكيفية أسترضاء مستر بريمروبعض المتنفذين من أعضاء المجلس وهم بذلك يعتبرون عبد المأمور لاغير! . في الوقت الذي أنشغل المحسوبون على هذا وذاك بعـدّ ملايينهم وهم منهمكون في عقد الصفقات التجارية بأسم فلان وفلتان والشركات الأجنبية المتعددة بين داخل وخارج والشعب المنكوب في حيرة من أمره لايعلم من أين يوفر قوت أطفاله ويضمن حياتهم ولا يدري اين وكيف ومتى سيفقد حياته في تفجير ما من العراق.!
والأسئلة الرئيسية الخاصة بالتفجيرات و التي تشغل العراقيين كثيرا هي: من هم المنفـّذون و ماهي جنسياتهم؟ ما هي أهدافهم؟ وما هي وسائل تنفيذ التفجيرات وغاياتهم منها؟ ومن هي الدول والقوى السياسية التي تقف ورائها؟ والى متى ستستمر؟
بداية يعرف الجميع بأن حدود العراق- بعد فقدان السيادة الوطنية أثر أحكام الأحتلال - قد أصبحت مفتوحة لجميع دول الجوار ومن السهولة بمكان أن يتسلل المتسللون عبر الحدود اليه حيث والحالة هذه لا يحتاج المتسلل أحيانا الى جواز سفر وأن أحتاج اليه فلا يحتاج الى تأشيرة حيث أصبح من السهل جدا الحصول على الجواز مقابل دراهم معدودات من دولها. ومن السذاجة أعتبار هذا الوضع وضعا طبيعيا لبلد يعيش حالة مابعد الحرب حيث الفوضى وفقدان السيطرة المركزية والغوغائية في أقصى درجاتها. بل أن الوضع الحالي للعراق مصنوع صنعا محبـّكا وأريد له أن يكون كذلك من قبل المريدين بل ويستمر الى أطول فترة ممكنة أ والى حين أنتهاء الغاية التي من أجلها تم البدأ بها.
وفي عهد النظام البعثي كان ما يزيد على ٤ ملايين من ابناء الشعب مجـّندين لخدمة رأس السلطة من خلال الحزب و قوات الأمن، الشرطة، المخابرات، الأستخبارات، الحرس الجمهوري، كتائب فدائيي صـدام والحرس الجمهوري، وغيرها من مؤسسات الدولة. غير أن انحلاله أفرز حالة شاذة لا يمكن تجاهلها ولا نكرانها ألا وهي أحتفاظ جميع هؤلاء العراقيين لقطعة سلاح واحدة - على الأقل - في كل منزل أضافة الى ذخائر وعتاد أخرى مما فرض حالة استمرارالشعب عامة بأمتلاكه أسلحة النظام السابق معه. لذا فأن أدارة ألأحتلال تتعامل مع شعب مسلـّح متدرّب على الحروب لايـرحب بالمحتلين أبدا مهما كانت غايتهم.
وصحيح أيضا أن تركة صـدّام هي تركة ثقيلة جدا على الأدارة الأمريكية ومجلس الحكم و على كاهل الشعب والحكومة العراقية المرتقبة. غير أن الأدارة ألأمريكية قد أهملتها الى درجة كبيرة جدا وتتعامل مع أفراد قليلون جدا لايمثلون كل أبناء الشعب وهم غير معروفون لهم الا البعض القليل جدا وهم يعملون بموجب املاءات من أدارة الأحتلال لاغير! ! ! لقد فرض هذا الوضع وشعور الشعب حالة من الرفض المباشر لهؤلاء العاملين تحت لواء المستعمرين. ويقال أن هنالك ۲٠٠٠ جندي أمريكي معضمهم من اليهود فقط في داخل القصر الجمهوري بكامل معداتهم وأسلحتهم وأجهزتهم التجسسية المتنوعة يحاولون أحكام القبضة الحديدية على العراقيين ويعتبرونهم مصدر أرهاب لهم. هذه الحالة فرضت على المستعمرين الأمريكان التعامل مع أبناء البلد بكل أستخفاف وأهانة - كتعاملهم مع مواطنيهم الهنود الحمر في أ مريكا من قرون مضت. وهذا ما يرفضه الشعب العراقي العريق الذي لم يألف في حياته مثل هذه الدرجة من الأضطهاد الخارجي عليه وهو في بلده (رغم كونه كان مضطهدا من قبل السلطة قبل سقوطه). وكنتيجة لسوء الأدارة هذه التي فرضت على الشعب العراقي فأن هذه التركة تعبـّر عن نفسها بطرق مختلفة وترفض الوضع الحالي الذين هم عليه الآن وتحاول رده بأساليب مختلفة وبعنف بسبب غياب البدائل والأساليب السلمية في أسماع أصوات الرفض وغياب الجسور بينهم وبين سلطة الأحتلال. فهم يطالبون الأمريكان ومجلس الحكم - الذي يبدو وأن ليس له حول ولا قوة الاّ بالأدارة الأمريكية - بأنهاء هذه الحالة وأعادة الحياة الى طبيعتها أن كانوا يتمكنون فعلا. وكما ذكرت سا بقا فأن المؤشرات تؤكـد بأن – ورغم عنجهية الأدارة الأمريكية- فأنها في ورطة كبيرة من أمرها وتفـّكر لها من مخرج لأنقاذ ماء وجهها فلا تستطيع! ! ! . وعلى مايبدو أنها مستمرة في أستخفافها بعقول العراقيين دون تقدير كاف لقدرات العراقيين وأمكانياتهم في ألحاق الأذى بها. ويبدو أن الرسائل الواضحة التي يرسلها العراقيين للمحتلين لاتـفّسـر كما يجب أو أنها يساء تفسيرها لسبب أو لأخر. فالأدارة الأمريكية تريد معالجة ألأمورمن منظورها الخاص تقنيا فقط بينما هموم العراقيين أكبر من تعالج على طريقة الكاوبوي الأمريكية:
* فهنالك ٧٥٠,٠٠٠ من الأفراد العسكريين من الضباط بمختلف الرتب وضباط صف بكامل عنفوانهم عاطلون عن العمل وهم يكـّونون أحد أعمدة الدولة العراقية وهيكلها. . . مهملون ومعزولون سياسيا. ولم يعد لهم دور لا في مجلس الحكم ولا في قاموس الأدارة الأمريكية في العراق. بل أن أعضاء مجلس الحكم يتعمـد في أبقاءهم خارج دائرة صنع القرار وتفضل انفرادها في معالجة القضية العراقية. وكنتيجة لهذا الموقف الخاطىء من قبل المجلس وسلطة الأحتلال فقد لحق بهؤلاء العسكر أكبر الغبن. فلا يمكن -وتحت أية ذريعة كانت- ألغائهم من معادلة الدولة العراقية أو المؤسسة العراقية. ورغم قيام النظام بتحزيب الجيش لصالحه الا أن فيهم من لم يتورط مع الشعب ولم تتلطخ أيديهم بجرائم النظام. هؤلاء لابد من أعادة الأعتبار لهم في أسرع وقت ممكن لأسناد مستقبل البلد الذي بات ينهار يوما بعد آخر على أيدي منهم غير جديرين بحمله والذين يخطـّطون في الظلام وبغفلة عنهم مستقبل البلد دون الرجوع لهم أو استشارتهم وكأنما أصبح البلد (حارة كل من أيدو ألو).
* هنالك قوى سياسية مستقلة أخرى معزولة تماما عن الساحة وهي تترقب الوضع بكل دقة ومن بعيد دون التورط في أمور قد لاتخدم البلد. هؤلاء لابد وأن يكون لهم دورهم القيادي وتكون لهم كلمتهم في مستقبل البلد مابعد صدام. و ليس من تفسير لتجاهل الأدارة ألأمريكية لهؤلاء سوى الأستخفاف والتهميش المتعمد. ولمجلس الحكم دور كبير في تجاهلهم وبشكل مقصود من أجل أبعادهم عن سلطة المستقبل. وهذا يعد أحد أكبر الأخطاء التي يرتكبها أعضاء المجلس في عملهم السياسي لما يعتبر ويفسر في عداد الأنانيات السياسية ومحاولات أحتكار الحكم.
* التمثيل الحالي لأعضاء مجلس الحكم بالنسبة لمكونات الشعب العراقي وشرائحة السياسية والأثنية والمذهبية ليس بالتمثيل العادل نهائيا مما خلق حالة من الأحباط لدى الأوساط الغير مّمـثـلة أو المهمشة الى أدنى حد. هذا في الوقت الذي يستمر مجلس الحكم في أنتهاكاته لحقوق التركمان الذين يأتون بالترتيب الثالث بالنسبة لنفوس العراق بعد العرب والأكراد مما يخلق نوعا من السخط والأمتعاظ على مثل هذا السلوك العنصري و الغير الديمقراطي نهائيا! !
* عجز كل من الأدارة الأمريكية ومجلس الحكم في أعادة الخدمات لأدارية الى حدها الأدنى الممكن لتمشية الحياة العامة مما أفرز حالة من الفراغ القاتل والبطالة والعوز المادي في المجتمع وأنتشارها كخلايا السرطان في الجسد و بات أمر مقلقا وخلق فراغا أمنيا مخيفا يعيشه الكثيرون مما يفتح الأبواب واسعة الى أرتكاب الجرائم هنا وهنالك في محاولة للتعبير عن محنتهم الكبيرة الناجمة عن هذه التداعيات والظروف الغير الطبيعية والتي بدت وأن لا نهاية لها. حيث طالت كثيرا وأثّرت بشكل كبير على أستقرار البلد بشكل عام مما ينذر الى عواقب أشد قد تلحق بالشعب العراقي الذي قاسى الأمرين طيلة ٣٥ سنة من الحكم الدكتاتوري. فالشعب العراقي لم تعد له القدرة ولا الرغبة على تحمل المزيد منها. والأخيرة خلقت غصة في الحياة تنعكس على الحياة العامة والسياسية والأمنية وبات المواطن لايشعر بالأطمئنان على حياته وحياة أفراد أسرته في داخل بلده المحتل. مما خلق فوضى عارمة عمـّت البلد من شماله الى جنوبه وأخذت أشكالا متعددة من الترجمة والتعبير عن النفس مما استغلت من قبل بعض الجهات الأجنبية، والعربية وحتى من بعض القوىالمتنفذة في الداخل لغرض القيام بتفعيل هذه الحالة وتسخيرها لصالحها لتحقيق مكاسب متنوعة منها السياسية وأقتصادية وعسكرية وأمنية, مخابراتية وغيرها و لتصفية حسابات سابقة. فقد تم رصـد العديد من الحالات التي تنذر الى مخاطر جسيمة قد تلحق بالبلد وبأبناءها ومستقبلهم أكتبها كما أتتنا من مصادرها من دون تضخيم ولا تأويل كما قد يظن البعض:
* تشير الأخبار الواردة من قبل العراقيين القادمين بعد زيارة أهلهم وذويهم بأن بعض مرتكبي هذه التفجيرات هم من العراقيين أو العرب الذين تسللوا الى داخل البلد ينـفـّذون تلك العمليات مقابل بضعة آلاف من الدولارات من أموال مصادرها الكويت تدفع لهم من قبل وسطاء وسماسرة أحترفوا هذه المهنة كأنتقام من الحكومة الكويتية من العراق بسبب أحتلال العراق لها في ۱٩٩٠، أومن مصادر أيرانية لتصفية حسابات مذهبية قديمة بينهم وبين شيعة العراق أومن مصادر سورية لسد ديون سياسية من بعض الرموز والشخصيات الحزبية لأسباب حزبية قديمة بينهما! وقد يكون جميع هذه الأحتمالات واردة وممكنة في آن واحد فيما اذا أخذنا بنظر الأعتبار الحالة المعاشية المتردية التي يعيشها العراقيون عامة مما قد يضطر بعض القلـّة ببيع أنفسهم وضمائرهم لتنفيذ هذه التفجيرات آخذين بنظر الأعتبار ما يؤكده التأريخ الحديث بعلاقة النظام العراقي الرديئة بجيرانه من الدول المجاورة خصوصا وأنه أصبح دولة بلا حدود في الوقت الحاضر.
* الأنباء الحديثة تشير أيضا بأن أصل وفصل بعض هؤلاء السماسرة الوسطاء هم من أسرائيل ممـّن يحملون جوازات سفر عراقية أو عربية و دخلوا البلد تحت مسميـّات مختلفة كموظفين لشركات عاملة وغيرها من أجل شراء ذمم بعض المحتاجين مقابل مبالغ تسيل لها اللعاب حيث يضـّحي فرد نفسه من أجل أعالة عائلة بكاملها من بعده.
* بعض الأنتحاريون هم من رجالات النظام السابق (وقد يكونوا مدفوعين من قبل القيادات الحزبية) يعيشون حالة العزلة و التهميش تحت ظل الأدارة الأمريكية ومجلس الحكم. و كأ شارة منهم الى ألفات أهتمام وأنتباه الأدارة ألأمريكية لهم وكسر طوق العزلة السياسية التي هم فيها و بضرورة أنهاء الحالة الأمنية المتردية في العراق وأجراء تغيير سريع من أجل أقامة سلطة مركزية لأعادة الأمن للبلد وتحسين الأوضاع.
* كما وليس من المستبعد أن يكون ضمن هؤلاء الأنتحاريين متطوعـون أسلاميون - جاءوا من خارج العراق أو من العراقيين أنفسهم. علما بأن في العراق الكثير ممـّن يؤمنون و يعتبرون القيام بمثل هذه ألأحداث عملا جهاديا ضد المحتلين الأمريكان ومنهم من يقوم بمثل هذه الأفعال - وبمجرد حوزته على قطعة سلاح - آنيـا و عفويا من دافع وطني صرف دون أملاء من أحد.
* أن التفجيرات التي تحصل في مدن كركوك والموصل والتي تستهدف بعض المباني والمؤسسات والمقرات الحزبية لها أسباب أثنية وعرقية وسياسية معروفة للعراقيين والغاية منها أما محاولات السيطرة وفرض النفس من قبل الأطراف المعنية وردود أفعالها مع بعضها البعض أو لتصفية حسابات سابقة بينها او لكلا السببين معا.
* بعض المعلومات توحي بأن أعمال العنف والتفجيرات في البلد توظـّف و تسّخر أحيانا كتجارة أجرامية من قبل أصحاب الأعمال وأصحاب الشركات التجارية ذي رؤوس الأموال الكبيرة لصالحهم (وأكثرها ممولة من أسرائيل) من أجل تهديد الشركات المتنافسة الأخرى في العراق حيث يتم تجنيد بعض ضعاف النفوس - وبواسطة سماسرة - -للقيام بمثل هذه الأعمال لحسم صفقة أوصفقات كبيرة ومضاربات تجارية بينها.
* يعزي الكثير من العراقيين السبب الى الأدارة الأمريكية نفسها بأنها هي خلف هذه الأحداث كمبـرّر لأطالة أمـد بقائها في البلد. وجاء تأكيد السيد بريمر يوم ۲٣ شباط بأن نقل السلطة الى العراقيين في حزيران القادم لا يعني جلاء القوات الأمريكية من البلد. لذا فأن الأمريكان عازمون على البقاء في البلد كمحتلين وأن بقاءهم بحاجة الى مبررات وأقوى مبرر لهم هو خلق حالة التفجيرات والأنفلات الأمني المستمر وليقتل (بضم الياء) من يقتل (بضم الياء) من العراقيين طالما القوات الأمريكية بخير! . لكن رغم ذلك فأن القوات الأمريكية هي الهدف في أكثر الأحيان.
وقد رأيت بأم عيني في زيارتي للبلد مرتين العام الماضي مدى معاناة الجنود الأمريكان وهم يتنقلون في شوارع المدن العراقية راجلا أم في عرباتهم وهم مكشوفين كأهداف سهلة للقنص في وضح النهار من قبل العراقيين من دون وعي أو دراية بالمخاطر المحدقة بهم وبجهل كامل في نفسية العراقيين الذين يرفضون أحتلال بلدهم بهذه الدرجة من الأستخفاف والغطرسة الأمريكية. فأينما تولي وجهك في وطنك فثمة أمريكان في كل مكان! !
وقد تحدثت مع أحد الجنود الأمريكان المسلحين في كركوك الذي أستأنس مني الطمأنينة عندما تقدمت نحوه و تحدثت معه باللغة الأنكليزية. فسألته عن وضعه في العراق وهل هو سعيد و مطمئن على حياته! . فأبتسم وقال لابد وانك تمزح؟ ! كيف بي أن اكون مطمئنا على نفسي وأنا معرّض للأغتيال من قبل مجهولين وفي أية لحظة؟ وقال: أنا أتطـّلع وبلهفة أن أعود الى الولايات المتحدة للقاء صديقتي ووالديّ ولن أعود الى هذا البلد لو دفع لي جورج بوش الملايين. . . وكفاني ما أنا فيه الآن!
هذا كان مـلـّخص نص الحوار الذي دار بيني وبين أحد المجندين الأمريكان.
بأختصار شديد جـدا: أن الوضع الحالي في البلد هو تحصيل حاصل لأستمرار التواجد الأمريكي ودورهم مع أعضاء مجلس الحكم بألغاء بعض القوى السياسية وتهميشها من دائرة صياغة و صنع القرار ومن رسم صورة العراق المستقبل، ضلوع أيادي الصهيونية والماسونية وأموالها مع بعض القوى السياسية الداخلية والخارجية لتصفية حسابات الماضي فيما بينها في ضل غياب السلطة ا لمركزية وردود فعل بعض الأحزاب ألأخرى ورفضها للحالة الحالية. وبالنسبة للأدارة الأمريكية فأن الطبخة العراقية التي ما زالت تطبخ على نار أمريكية هادئة (حسب فلسفتهم) لم تستوي بعد لكي يعـّولوا على من يجدونه أنسب من غيره من العراقيين في تأمين مصالحهم في العراق قبل خروجهم منه هذا في حالة أن كانوا راغبين فعلا بالخروج منه. لذا فالوضع العراقي هذا سيبقى مستمرأ الى أن تقول أمريكا لها كن فيكون ولكن ياترى متى؟ الجواب في عداد الغيبيات لحد الآن! !
المصادر:
۱). أعداء الأمة الأسلامية ودعاتها بين المنهجية والتطبيق. عبد العظيم نصـر المشيخص. دار النخيل للطباعة والنشر. بيروت - لبنان۱٩٩٥.
۲). في أصول النكبة العربية. د. عمر حليق. الدار السعودية للنشر- جـّدة ۱٩٦٨.
٣). أفلاس الأحزاب العلمانية. علي طه. بيروت – لبنان – ۱٩٨٥.
٤). برنامج "من العراق" يوم ۲٣ شباط ۲٠٠٤. لقاء مع الحاكم المدني السيد بول بريمر.
٥). لقاءات شخصية في بريطانيا مع عراقيين كانوا في زيارة لأهلهم وذويهم.