لقد عانى التركمان رغم كونهم القومية الثالثة في العراق ويشكلون اكثر من ١٣٪ من الشعب العراقي، عانوا من الاهمال والتهميش عمدا من قبل الحكومات المتتالية ، وربطهم دائما بالاستعمار العثماني ، بالرغم من ان القومية التركمانية من اعرق القوميات في العراق واثبتت على مدى التأريخ إخلاصها لتربة هذا ألوطن ، وظهر بينهم الكثير من القادة العسكريون والاطباء والصيادلة والكتاب والشعراء والفنانون والتجار والحرفيون الذين فاقت شهرتهم حدود المدن والقصبات التركمانية ، ولا ريب في ذلك فأن التركمان شعب حضاري مثقف ومتمدن ، شعب عصامي بنى نفسه بنفسه، يحب العلم والمعرفة والثقافة ، ولا عجب ان تجد الرجل ألأمي الكبير السن والذي يملك دكانا صغيرا لايتجاوز طوله المترين مربعين في سوق القلعة في كركوك قد ربى اولاده احسن تربية من ايراد محله المتواضع ، تسأله فيقول لك بان لديه ثلاثة اولاد احدهم مهندس والثاني طبيب والثالث صيدلي ولي ابنتان احداهما محامية والاخرى طبيبة اطفال ، وبألرغم من تهميش دور هذه القومية لم ترفع يوما سلاحا في وجه السلطة، وآثرت دائما النضال السلمي لنيل حقوقها القومية والوطنية.
وفي بعض لحظات صحوة الضمير لبعض المسؤولين في السلطة كانت تمنح الموافقة على اصدار مجلة او صحيفة تركمانية هنا او هناك ثم يعاد غلقها مرة اخرى.
وبالرغم من المجازر البشعة التي تعرض لها هذا الشعب المسالم على فترات زمنية راح ضحيتها خيرة الشباب التركماني
بقي صامدا يعاتي الريح ، ولكن الحكم العـفـلـقي المقبور كان من اصعب الفترات التي مورست فيه ابشع الاساليب لطمس الهويه التركمانية حيث كان يُجـبـر على انكار قوميته واختيار الانضمام اما الى القومية العربية او الكردية ، ومُونع من شراء دار او عقار، وإذا باع لايشتري منه إلا من يثبت بالمستمسكات انه من القومية العربية ، ولا يحق للشاب اليافع المقبل على الحياة من اختيار الكلية العسكرية او الشرطة او كلية التربية ، وبالرغم من كل هذا كانوا يثبتون جدارتهم في كليات الطب والصيدلة والهندسة والزراعة بمعدلاتهم العالية التي كانوا يحصلون عليها عن جدارة وبالدراسة والمذاكرة تحت بصيص الفوانيس في ليالي الصيف القائضة بدون كهرباء او تبريد ، والطالب البعثي يلعب ويمرح وفي بطنه بطيخة صيفي كما يقول الاخوة المصريون ، لما لا؟ فهو متأكد من قبوله في الكلية العسكرية او الشرطة او اضعف الايمان في كلية التربية مادام قد ارفق بمستمسكاته وثيقه تأييد من المنظمة الحزبية.
ثم ينتهي كل هذا فالزمن لايتوقف ، فيتخرج التركماني من كليته عن جداره ويجب عليه إداء الخدمة العسكرية ، ولا ضير من ذلك فخدمة الوطن واجب ، ولكن ان تمتد سنوات الخدمة العسكرية ۱٥ سنة ويرسل الخريج الى الجبهات الامامية في القتال ، واذا كـُـتـب له النجاة ولم يستشهد ، يخرج الى الحياة المدنية وهو في في الاربعينيات من العمر وقد شاب منه الشعر والروح ، محطم نفسيا ومعنويا ، تراوده الاحلام المفزعة من هول ما رأى من قتل وتقطيع اوصال رفاق الملجأ بالقنابل الغادرة.
وتبعا لذلك كله هاجر ألألاف من الشباب التركماني من ذوي الكفاءات والاختصاصات والعقول النيرة المثـقـفـة الى دول الجوار و اوربا واسيا وامريكا ومن اختار البقاء بقي رغما عنه لإلـتـزاماته العائلية او المادية.
ومما يحز في النفس مايكتبه البعض من اخواننا الاكراد بحق هذا الشعب المسالم ومحاولة سلب حقوقه مرة اخرى والتشكيك في وطنيته فيبرز احدهم ليقول اننا من فلول الطورانيون ، واخر يقول اننا من بقايا الجيش العثماني ، وثالث يقول ، وهنا المضحك المبكي... إننا كنا اكرادا وتم (( تتريكنا )) على يد العثمانيين ، وانا اسأل هذا الاخ الواسع الثقافة والاطلاع...لقد حكم العثمانيون المنطقة اكثر من ٥۰۰ عام ، عجبا ، لماذا تم تتريك منطقة كركوك واربيل فقط ؟ ولماذا تم تتريك الاكراد فقط؟ وبقى العرب عربا والاشورين والكلدان بقوا على دينهم ولغتهم وهم اصحاب الارض... والتاريخ يثبت ذلك.فهل وجد العثمانيون ان الاكراد هي القومية الاضعف ويمكن اختراقها بسهولة. واذا كان كل هذا صحيحا ايضا ، اين ذهبت القبائل والاقوام التركية التي نـزحت الى وادي الرافدين في الازمان السحيقة؟... اقول اتقي الله يا رجل ولا تجعل من نفسك اضحوكة حتى لدارس التاريخ في المرحلة الابتدائية ، وينبري آخر ليقول إن اجدادنا كانوا خدما عند العثمانيين ولذلك سمانا الانكليز ترك والحقوها بمان (man) ، اية عقلية هذه؟ ...الا يدل هذا على قصور عـقـلي وثـقـافـي وعدم الرؤية الى ابعد من القدم بمتر واحد ، وهل يعـقـل من يسمي نفسه مـثـقـفـا ودارسا و لم يسمع بجمهورية تركمانستان ؟ هل هذه ايضا سموها الانكليز. ما هذا الاستعلاء والنظرة الدونية والتمعين في الغاء هوية الاخر؟ وما الذي يجنيه هؤلاء اشباه المـثـقـفـيـن إلا بث روح الفرقة والبغضاء بين القوميتين في زمن نحن احوج فيه الى التلاحم ولملمة جراح السنين الطويلة حيث كان الظلم فقط يوزع علينا بعدالة. و الشعب الكردي الذي عانى وذاق الامرين من جور وظلم وتشريد وترحيل وانفال....وهلم جرا ، يجب عليه ان يكون من اول المعترفين بحقوق القوميات الاخرى.
ومما لاشك فيه ان للاعلام دور كبير في ايصال صوت الشعوب ومعاناتها في زمن الفضائيات والانترنيت ولكن وللاسف الشديد ويجب ان نعترف بهذا فان اعلامنا ضعيف ولا يصل الى الخارج ويبقى محليا صرفا ، وبينما تتمتع احزاب وقوميات اخرى بفضائيات تستطيع من خلالها ايصال صوتها الى العالم الخارجي ، بل وحتى قلب الحقائق رأسا على عقب ، فألمتلقي في الخارج من غير العراقيين يصدق ما يقال في هذه الفضائيات لانه لا يعرف الحقيقة بسبب ما مرت به هذه المنطقة من تعتيم اعلامي على مر السنين. نحن نعلم الحقيقة ، وسكان مكة ادرى بشعابها ، ولكن هل يكفي ان نعلم ؟ يجب ان نتحرك يجب ايصال صوتنا ، والمواقع في الانترنيت لا تكفي ولا تشكل حتى واحد في المائة في الوقت الحالي ، الشئ الفعال الان هي فضائية تركمانية تصدر من داخل العراق ومن ارض الحدث في كركوك او اربيل لايصال صوت التركمان الى العالم الخارجي.
وقد يتسائل قائل ومن اين الاموال الطائلة لأنشاء فضائية؟ هنا اتسائل انا ايضا ومن اين للاحزاب الاخرى من اموال ؟
إن هذا لايمنع الغيارى من ابناء شعبنا التركماني المتمكن في تحقيق هذه الامنية العزيزة ، وفي هذا السياق اعني الاستاذ والمربي الفاضل إحسان دوغره مجي ، وحسب ما قرأنا وسمعنا فهو بصدد أنشاء جامعة ( بيل كند ) في اربيل ، هذا إذا سمحت السلطات الكردية بذلك ، وهذا شئ يشكر عليه ، ولكنني اعتقد وهذا الاعتقاد يشاركني فيه الكثيرون من ابناء الشعب التركماني ان الفضائية توازي في اهميتها جامعة بيل كند بما له من تأثير في نشر الثـقافة والمعرفة والوعي والاهم من ذلك معرفة مالنا وما علينا من حقوق ، واظن ان انشاء فضاءية تركمانية لا يحتاج الى اخذ موافقة الاستاذ عدي صدام حسين المقبور.
الان...لقد كسرنا الأغلال ولن نسمح لأحد ان يكمم أفواهنا ويسلبنا حقوقنا جهارا نهارا ، ولا يضيع حق وراءه مطالب ، ونحن اصحاب حق ، ولا نستمد قوتنا وجبروتنا من دبابة امريكية تساندنا في انتزاع حقوق الاخرين ، وكُلي امل ان يصل صوتي هذا الى البروفيسور إحسان دوغرمجي ، وكلي امل ان ارى فضائيتنا تصدح بالأناشييد الوطنية التركمانية العذبة في اقرب وقت ، والله هو الموفق.