لنا مُذنبون... كُلنا راع ٍ وكُلنا مسؤولٌ عن رعيته ِ
هاهو علامة ديني آخر يرحل عن دنيانا بيد الغدر والخيانة، رحمه الله واسكنه فسيح جنانه، ترك العراق شابا بقلب مكلوم على اعزةٍ سُلبت حياتهم، وعاداليها شيخا جليلا وكله امل ان يكون زمن الاحزان قد ولى بدون رجعة بعد زوال مسبب الاحزان والمآتم، عاد ليقول اتركوا الطائفية فهي سبب البلاء والتفتوا لبناء عراق موحد من شماله الى جنوبه وكفانا سنين الشقاء والغربة والحصار والقبور الجماعية.
ولكن طيور الظلام هل تسكت، والمضروبة مصالحهم هل يسكتون، وملوك الفتنة هل يسكتون، وهواة القبور الجماعية هل يسكتون، بربكم اليس هذا قبرا جماعيا آخر يضاف الى سابقاتها؟ ١٣٠ بريئا اخر اضيفوا الى قائمة الشهداء، ماتوا اطهارا وهم يغادرون بيوت الله.
السنا جميعا مذنبون فيما جرى؟ من اين جاءوا كل هؤلاء القتلةو المجرمون وخاطفي الاطفال والنساء وسارقي البيوت والمحلات ومخربي اقتصاد البلد؟ هل نزلوا من القمر ونفذوا جريمتهم وعادوا اليها بصحونهم الطائرة؟... هل هم من سكان المريخ؟... الا يسكنون بين ظهرانينا؟... الا يتنفسون نفس الهواء الذي نتنفسه ويعملون على سرقة هذا الهواء من رئاتنا؟... ألا يمكن ان يكونوا في المنزل المجاور لي او لك؟... هل من المعقول ان احدا لم يلاحظ اي حركة مريبة، ونحن الشرقيون وفي العراق بالاخص فينا خصلة الفضول على من يسكن في المنزل المجاور وهل هناك من لاحظ بل وشك ولكن مشى على مبدأ (وانا مالي)؟... الا يتحمل القدر الكثير من وزر هؤلاء الشهداء الابرياء، اليس هو شيطان اخرس سكت عن الحق وكان بيده ان يمنع جريمة كبرى.
السنا نحن من عاش الرعب والخوف من رجال النظام المدسوسين بيننا في الشارع والمقهى والدائرة و حتى في بيوتنا بل وفي غرف نومنا ايضا خوفا من ان للجدران آذان تسمعنا، كم منكم كان يخاف التكلم حتى امام اطفاله، كم منكم كان يخاف التكلم حتى مع اصدق الاصدقاء؟... اليس جلّ من اعدم او سجن نتيجة زلة لسان؟... أما آن الأوان ان نرد لهم نحن المواطنون العاديون الصاع صاعين ونمنع المزيد من الدماء من ان تسيل ونمنع المزيد من الخطف ونمنع المزيد من التخريب؟... هم كانوا يندسون بيننا من أجل الأبقاء على نظامهم العفلقي متسلطا على رقابنا... لماذا لانفعل نحن ايضا من اجل الأبقاء على عراقنا الحبيب، لماذا لا نتحمل قدرا من المسؤولية والغيرة، وحتى متى يبقى البعير على التل وحتى متى نظل نعتمد على رجال الشرطة ورجال الحكومة لتحافظ لنا على حياتنا وحياة اطفالنا وممتلكاتنا الخاصة والعامة، وهل الشرطة متواجدة في كل شارع وفي كل زقاق و امام كل بيت، الا نتحمل نحن ايضا بعضا من هذه المسؤولية في الكشف عن هؤلاء والقيام بالتبليغ عن اي حركة مشكوك فيها.
ان ما يعجبني في الدول الاوربية هي غيرة المواطنين على بلدهم، ويكفي ان يدير الواحد منهم رقم تلفون مجاني من ثلاثة ارقام فقط، لتكون الشرطة بعد دقائق قليلة في مكان الحادث، وقد وقعت هذه الحادثة امامي...في احد الليالي في الساعة الثانية ليلا وفي سكون الليل سمعت اصوات مكتومة لشئ صلب، القيت نظرة من الشباك الى الشارع وكنت اسكن الطابق السادس ورايت شخصا يحاول كسر باب احدى المحلات بقضيب معدني، وبينما كنت انا مابين حانة ومانه، هل اتصل بالشرطة وانا لااعرف اللغة جيدا لانني كنت حديثة العهد بالبلد، هل اشرع بالصراخ كي يخاف اللص ويهرب، امد يدي الى التلفون واتركه وارجع مرة اخرى الى الشباك، وكل هذا جرى في دقائق، ونجح اللص في الدخول وسمعت اصوات اشياء تقع وتتكسر ويظهر انه كان يتخبط بالاشياءفي الظلام...واذا بسيارة الشرطة تقف امام المحل وتم القبض عليه متلبسا...ولم اعرف الى حد يومنا هذا من الذي بلّغ من الجيران.
حادثة اخرى وقعت لاحد معارفي حيث رجع الى بيته في الثانية عشر ليلا وكان الجو ماطرا وضبابيا واثناء تركين سيارته صدم قضيبا يوضع لمنع السيارات من الصعود على رصيف الشارع، وطبعا القضيب قد تخلخل ومال الى جانبه، فركن سيارته في مكان بعيد وهو مطمئن الى ان احدا لم يراه، ولكن لم يحسب حساب العيون المتلصلصة من خلف الستائر، فبعد اسبوع واحد جاءته من شرطة المرور رسالة تقول عليك ان تدفع المبلغ الفلاني لانك في اليوم الفلاني والساعة الفلانية قد قمت بالأضرار بالممتلكات العامة ولك الحق بالتوجه الى القضاء في حالة الأعتراض، وبالطبع دفع المبلغ صاغرا لمعرفته بانه سيخسر القضية وسيدفع بالإضافة مصاريف الدعوى والمحاماة، ومن بلّغ لن يتوانى عن التطوع بتقديم الشهادة عليه.
انني بسردي لتفاصيل الحادثتين السابقتين لم يكن في نيتي ان اروي قصصا مسلية ولكن الشئ بالشئ يذكر، فعلينا جميعا ان نتكاتف وان نكون عيونا مفتوحة واذان صاغية، وكفانا سلبية والإتكال على الغير والتغني بمبدأ ابعد عن الشر وغني له، فهذا الشر لايعرف جارا ولا صديقا ولا قريبا ولا عزيزا، وليس هناك احد من الشعب العراقي بمنئى عنه و اذا استمر الحال على هذا المنوال فسنفقد الكثيرين من امثال الخوئي و دي ميللو والحكيم... واشهد اللهّم اني قد بلغت.