اعترف ان قصة مغادرتك العراق قد شدتني ولم ترف لي جفن حتى اكملتها، وانا جازمة انك قد(قلبت المواجع) على الكثيرين وانا منهم ممن اضطرتنا الظروف السيئة السفر الى الوطن الحبيب بصورة غير مباشرة عن طريق الدول المجاورة للعراق ممن تربطنا بهم روابط (الدين واللغة والتاريخ) وعاملونا نفس المعاملة (المحترمة) التي طبقوا بها مبدأ (ارحموا عزيز قوم ذل).. ولست وحدك من قرر عدم معاودة الزيارة الا في حالة عودة الطيران المباشر ولكن... عتبي عليك يأخي في المواطنة، الالفاظ الظالمة بحق مواطنيك... فهذا الشعب الذي وصفته (بالهمج والزبالة مايجي إلا بالقندرة والكرتة والعياط) هو نفس الشعب الذي نشر الحضارة الى البلد الذي يستضيفك الان... وعندما كان العراق (بلد الخير والعطاء والثقافة والجامعات والشعراء) كان غيرهم يعيشون حياة البداوة والخيم والقهوة والدلّة... وكانت ولا زالت هي (بلد الاوادم والخير) عندما كان القاصي والداني يسعى الى الفوز بعقد عمل او مقعد في الجامعة... ولكن لاداعي للعودة الى ذكر اسباب ما آلت اليه الامور فالشعَب الذي حكمت عليه الاقدار ان يكون رؤساءهُ من بائعي الثلج والعرفاء وأشباه الاميّين ولمدة خمسة وثلاثون عاما وفيما كانت الاموال الطائلة التي تجعل اي بلد ان يكون (بلد الخير والعطاء) تذهب الى الجيوب كان المواطن يقف في صف طويل من اجل طبقة بيض او دجاجة... لم يتركوا له الخيارفي العيش مثل بني البشر، وعندما تجوع البطون تلغى العقول... واراهنك لو نقصت اي مادة في سوق البلد الذي انت فيه والذي تصفه ببلد الخير والاوادم لرأيت نفس (الهوسة والزعيط والعياط) بل واكثر..
ولا اعلم لماذا شممت بين سطورك الشماته باهلك عندما تقول: (بس حسب مصادر مخابراتي الكهرباء بعدها تعبانة حيل
و قصتكم قصة حزينة و ما بيها أمل و راح لبنان تضحك عليكم لأنه بعز الحرب مالتهم ما صارت عندهم هيجي مضحكة.) وكأنك تقول هاقد وصلت انا الى بلد ليس فيه انقطاع كهرباء وليس فيه المزاحمة على لقمة العيش بل فيه اشهر انواع النستلات والببسي والجبس والعيش الرغيد فعيشوا في هذا الذل ما دمتم رفضتم حكم صدام حسين !!!! وكأننا كُنا في زمنه احسن حالا.. بل واحسست وكأنك تبصق في البئر الذي شربت منه وارتويت... صدقني ياأخي لن تكون امهات الغير احنُ عليك من أمك التي ولدتك ومهما شرّقت او غرّبت تبقى هي الحضن الدافئ التي تمسح دمعتك وتطبطب على ظهرك وتواسيك في احزانك... وعندما تمرض هذه الام الرحيمة لن يرميها في دار العجزة الا إذا كان ولدا عاقا (ما غزّر بيه) الحليب الذي شربه من صدرها الرؤوم في ايام صحتها وشبابها.. ويكفيني تذكيرك ان عبارة(بلد الخير والاوادم) لن تشفع لك عند دولة المضيف فيما اذا ساءت العلاقة يوما بينها وبين العراق لاي سبب من الاسباب لاسامح الله فالسياسة اغوارها عميقة.. وعندها ستكون من اول المسّفرين الى بلد(الهمج والزبالة والمايجون الا بالقندرة والكرتة والعياط).
سيبقى العراق شامخا مثل النخلة مهما شمت الشامتون، وستسترد صحتها وعافيتها، وستعود منارة للعلم والنور، وسترجع قبلة للانظاربسواعد ابنائها الذين لم يأكلوها لحما ورموها عظما.